سواق بخديدا
المرحوم نوح شوفير
المدخل
بقلم ولده المرحوم الدكتور سامي نوح كرومي
اصل كلمة شوفير شوفير تعني سائق واطلقت على من امتهن مهنة السياقة مثل نوح شوفير ويعقوب شوفير رحمهما الله وغيرهما والكلمة بالاصل فرنسية وتعني من يقوم بعملية الاحماء والتسخين وتطلق على من يقود المركبات وقد انتقلت اليهم ممن كانوا يقودون القطارات البخارية .ايام كانت المراجل تلقم بالفحم باستمرار للحصول على الطاقة البخارية التي تتحول بدورها في المحركات البخارية الى طاقة ميكانيكية تسير القاطرة التي تسحب خلفها القطار . فالكلمة لا تعني شيئا اخر وانا كنت احس ان الناس بحضوري كانت تتجنب ان تقول نوح شوفير معتقدين انها سبة وهي ليست الا سائق والحقيقة انها لا تعني الا من يقوم بعملية تسخين المراجل لتشمل بعدذ\ من يقود المركبات التي ليس فيها لا مراجل ولا بخار. وقد ترك الناس استعمالها في الجيل الثاني ربما لان السائق لم يكن يعرف معناها وربما كان يعتقدها كلمة غير لطيفة ولذلك نجد ان السواق ما بعد نوح شوفير ويعقوب شوفير احتفظوا باسمائهم واحيانا كان تضاف بعض الاسماء للتميز عند تشابه الاسماء فمثلا كان هناك اكثر من يعقوب للتمييز مثلا يعقوب زغار نادرا ما كان يسمى باسم ابيه لانه كان قد تزوج من السيدة سلمى فغلب على تسميته يعقوب سلمى في حين بقي المرحوم يعقوب زوكي محتفظا باسمه .والمرحوم ايوب بنور والمرحوم سركيس باباوي والمرحوم شمعون بهنو والاخرين احتفظوا باسمائهم على الاغلب. والداه واخوته
وبالنسبة لنوح شوفير والده هو كرومي يسي بنو وكان يطلق عليه كرومي حانا لان امه حانا كانت من بيت ددو وكانت ذات شخصية قوية فغلب اسم الام على اسم الاب . حتى اني عندما قلت اننا من عائلة بنو وان عائلة ددو هم اخوالنا الذين نعتز بهم جدا تعرضت الى تقريع شديد وزعل من المرحوم نوح ددو وفي حينه صُورت له الامور ربما بشكل حُمل ما لا يحتمل وعندما كان يلومني بزعل شديد كنت اقنعه ببديهية انني ادعوه خالي ولا ادعوه عمي والحمد لله زال سوء الفهم حينها . من شدة الرابطة التي كانت ترتبط والده باخواله اعتقد الناس انه من بيت ددو وذلك يشرفنا ولكنه ليس صحيحا وكان الخال داوود ددو رحمه الله وهو احد اعيان بخديدا المعدودين الذين كان لهم ديوان وتقدم فيه القهوة للضيوف في المجلس وكان من ضمن وفد الاعيان الذي سافر الى الباب العالي لحضور محكمة عقارات بخديدا التي كان يريد الاستيلاء عليها المرحوم الحاج محمد النجفي وفشل امام اصرار وتكاتف اهل بخديدا وايضا لانه حقهم و كان باطلا ادعاء المرحوم الحاج محمد وموضوع الحاج محمد يصلح كتابا وليس موضوعا ولكن الامور اختلفت بمجئ اولاده واحفاده الذين كانوا اكثر حرصا على حفظ علاقات طيبة مع اهل بخديدا والان الماء ياتي من بلاوات الامر الذي كان مستحيلا لو كان الحجي محمد رحمه الله موجودا .. امه نجمة وكانت تدعى مريم وهي موصلية وتتشابك القرابة وتصل الى تلكيف وكان الكثير من الزواجات تتم بين اهل برة واهل جوة أي بين اهل داخل الموصل وخارجها . اما عائلته فكانت متكونه من اخ واحد واختين هم منصور (مسي) ابن كرومي حانا رحمه الله واخواته زريفة زوجة توما عيسو ومنيرة زوجة وديع شراق . ملاحظة ان الكل قد ماتو وارجو ان لا اكون مضطرا كل مرة ان اقول رحمه الله فانا اطلب الرحمة للمتوفين وللاحياء ايضا .لقد كان نوح شوفير كما عرفته وكما عرفه الناس جميعا رجلا هادئا مسالما طيبا مسامحا وانا كابنه اعرف صفات طيبة اكثر فيه ولكن ساتقيد بما يقوله الناس وليس بما اعرفه انا رغم ان التوثيق والتاريخ يجب ان يستند الى الحقائق وليس الى ما يقول الناس . لقد كان في اوراقه الرسمية مولودا عام 1908 اما سجلات العماذ في الكنيسة فتظهر انه عمذ في عام 1902 وكان يقرا ويكتب وكانت لديه كتب نادرة ومجلدات سناتي الى ذكرها في حينه . تعلم مهنة السياقة في الموصل ورقم اجازته كان( 80 موصل) ولم تكن لديه مخالفات لان لم تكن هناك شوارع ولا علامات مرورية بمعنى الكلمة ولم يدهس احدا طيلة حياته ولكن تعرض الى حادث انقلاب سيارة متعمد سيكون مناسبة للتوقف عنده ومن اهم محطات حياته تعرضه للاصابة بمرض خطير في حينه كتب له الشفاء في ما يشبه المعجزة لان مرضه كان لا يشفى منه . وسناتي تباعا على هذه الامور وعلاقاته المختلفة وساحاول الاختصار قدر الامكان ولكن ليس على حساب حذف المعلومة .وسالتقيكم اخواني كلما جهزت كمية معقولة من المعلومات وبعضها يحتاج الى استشارة مصادر اخرى او افراد اخرين في العائلة . وانني لا اكتب لكي احسن صورة نوح شوفير عند الناس قهو لا يحتاج الى كلماتي لان افعاله كانت امام مراى الجميع وطيبته ومسالمته وتسامحه كان يشهد له به حتى الكارهين الذين لا يرضون حتى عن الانبياء لعلة فيهم وليس في مقابلهم وساتكلم في الفصل التالي عن اول سني شبابه واصدقائه وبعضها كان قبل ان اولد فانقله كراوي والبعض عايشته فسانقله كشاهد عيان . فالى اللقاء في الفصل القادم . الفصل الاول نشأ نوح شوفير بين اخوته وكان ترتيبه الثالث في عائلة متوازنة كانت والدته تتحمل اعباء البيت بعد وفاة والده في وقت مبكر وكانت تنسج في الدار بالة نسيج يدوية وكان اخوه الاكبر منصور يحبه كما لم يحب اخ اخاه وكان يفضله على نفسه كان الاب والاخ وكانت طباع منصورتختلف عن طباع اخيه لقد كان صريحا جدا ومبدئيا وسريع الغضب والانفعال اذا تعرض اخاه الى ما يكرهه. كانت العائلة تسكن بجوار اعمامها من جهة ( ايشوع بنو ومتي قطاي) واخوالها من جهة اخرى ( بيت ددو) وكان الدار قرب قنطرة بيت اينا وهي اشهر مَعلَم في بخديدا. كان يجوارنا ايضا بيت المرحوم كريم نعمان قبل ان يبيعوه وينتقلوا الى دارهم الجديد ومن بين جيراننا بيت عرمان وبيت يونان وبيت ابو عيشة ( بهنام حيصا) .
قنطرة بيت اينا (وقعت مؤخرا) تزوج نوح شوفير من ابنة كرومي حلاتة زريفة اخت هادي حلاتة والياس حلاتة واختها هدية حلاتة وكانت اصغر اخواتها توفيت امها وعمرها اربع سنوات وكانت رحمها الله من مواليد عام 1918 وولدت في اليوم الذي هرب اهل بخديدا الى كرمليس وبرطلة خوفا من العثمانيين الذين انسحبوا خاسرين امام الجيش الانكليزي الذي كان يتقدم من الجنوب باتجاه الشمال . كانت زريفة حلاتة ذكية جدا احبت اخوتها الى حد لا يتصوره انسان وكان والدها كرومي عبدالله حلاتا عارفا في الخيول وفي اصولها وانسابها وكان الخبير الذي يقصده من يريد ان يشتري فرسا ليعرضه عليه ويعرف رايه فيه وانتقلت هذه الصفة الى ولديه وخاصة هادي والى ابنه الياس حلاته ولكن بكم اقل بكثير مما كان لدى والده كان رجلا حنونا عطوفا توفيت زوجته مريم حبش ( اخت متي حبش شهيد بخديدا الخالد) عام 1922 ولم يتزوج عليها وعندما تزوج كانت هناك قصة جميلة ستكون موضوعا ساحكيه عندما اتكلم عن الشهيد متي حبش في كلمة منفصلة .لقد كانت اختها هدية (زوجة منصور عبا جدة القس يوسف عبا) بمثابة امها بعد ان تيتمت بعمر اربع سنوات . وكانت لا تحب في الدنيا احدا اكثر منها سوى شقيقها هادي حلاته (والد عبو حلاتة) الذي توفي في حوالي سنة 1940 اثر تسممه بالكزاز بعد اصابته بجرح من ضربة سكين عشوائية لقصاب كان يضرب كلبا يريد ان يسرق لحما من القصاب فاصابت سكين القصاب يده وجرح بها وتلوث الجرح وادى الى وفاته . كانت تتحسر كلما ذكرته ولم تنسه طيلة حياتها . وانتقلت هذه المشاعر الى اولادها بحيث اننا احببناه ولم نره فقد توفي قبل ان نولد. كانت اخته زريفة رحوما بهم فاحتضنتهم لانهم ايتام وقد توفيت امهم بعد فترة قصيرة من وفاة ابيهم. اما اختها هدية فقد توفيت قبل زواج اختها وكان لها ابنان وبنت اكبرهم عبو عبا والد القس يوسف عبا الذي تزوج من سيدي القس توما الانسانة الرائعة التي ملات الفراغ الذي تركته ام زوجها في حياة والدتي فكانت بحق اختها البديلة .. ونوح شوفير الذي تزوج زريفة حلاتة كان حينها يشار اليه بالبنان فكان نوح هو الذي ينقل المريض الى المستشفى والمراة التي تتعسر ولادتها ايضا وينقل المسافر الى الموصل وينقل الخبز الى طلاب بخديدا في الموصل والذي كان اهاليهم يرسلوه لهم لتقليل مصاريفهم فلم يكن هناك رخاء وكان الناس يعتاشون على الزراعة والمهن اليدوية وما اكثرها في بخديدا ولذلك كان الاهل يبعثون خبز الرقاق الى اولادهم توفيرا لشرائه من السوق وكان نوح شوفير وغيره من السواق اسوة به يقومون بنقل الصناديق المليئة بالخبز ويعودون بالصناديق الفارغة الى ذويهم وكان ذلك مجانا وبطيب خاطر ولا يتحرج الطالب او اهله من ان يكلف عمه نوح بهذا العمل . ممن كانوا يحتاجون الى خدماته ايضا المطران جرجس دلال رحم الله ترابه المقدس والماسيرات ومركز الشرطة ودوائر الحكومة والذين كانوا يطمحون ان يمتهنوا هذه المهنة وكانوا عديدين وكانوا اوفياء لمعلمهم . كان نوح شوفير في وقته رجلا عصريا بمعنى الكلمة فهو يقرا ويكتب العربية والسريانية وكان شماسا (مكتف) ولكنه كان ذواقا للفن والجمال .كان يعرف ما هي الموسيقى وكان يمتلك جهاز الحاكي الذي ينصب بعتلة يدوية وتوضع الاسطوانة في مكانها وينطلق الصوت من البوق الذي كان يضخم الصوت لكي يكون مسموعا وكان احب المطربين الى قلبه محمد عبد الوهاب وكان هناك اسطوانات لمغنين لم نعد نسمع باسمهم منذ زمن طويل واذكر منهم ( حسن كاش) ، وكان له مجموعة من الاصدقاء الذين تشابهت طباعهم وملات المحبة قلوبهم الى الحد الذي تجاوزوا ما يعرف عن الاصدقاء الذين لا يرون بعضهم الا مصادفة الى اخوة يلتقون يوميا تقريبا في دار احدهم وهم في اقصى حالات الانسجام الاخوي الذي دام وانتقل بعدئذ الى اولادهم واذكر منهم : كتا عبللي ، مجيد دديزا ، ناصر ككي ، ميخا شمعون ، يعقوب موميكا (المختار فيما بعد)، فرج ككي ، بهنام حداد ، خليل السمعاني (موظف صحي من اهل بعشيقة). ومن الجهة الاخرى كان له بمثابة الاخ كل من حنا عبدالله و يعقوب شوفير وبوقا ابو مجيد ويعقوب كلكوان، وبطرس جميل والد الاستاذ نوح جميل وربما يكون ابوه قد سماه بهذا الاسم حبا بابي . هذه المجموعة بقيت هكذا سنين طوال ولم اسمع ان مشكلة حصلت بين اثنين فيهم بل كان كل ما يظهر على السطح منتهى الانسجام والمحبة الاخوية وبدون مصالح لقد كان انسجاما روحيا بين هؤلاء وانا متاكد ان اولادهم يحملون ايضا نفس المشاعر التي نحملها نحن تجاه اعمامنا هؤلاء . .لقد اقبلت الدنيا عليه في اول شبابه واثرى وانهالت عليه عروض الشراكات وكان خاسرا فيها جميعا لانه كان طيبا وكريما واكبر خساراته كانت مع متي موميكا ( متي حوان) وبولص سكريا . واكبر ربحه لم يكن في المال ولكن في الحب الذي كان في قلوب اصدقائه هؤلاء الذين ذكرتهم والناس الاخرين الذين خدمهم وساعدهم بدون تافف او تذمر . ولم اسمع ابي ينطق مسبة او شتيمة طيلة حياتي وكان مربيا رائعا لم يضربني يوما ولم يضرب اخوتي وساتي على ذكر كثير من الامور واعتقد انها ضرورية لان الناس رات نوح شوفير خارج بيته وانا رايته داخل هذا البيت وكنت احد الشخوص الذين عاشوا تفاصيلا لا يعرفها احد خارج عائلته .
المطران دلال
ساحاول ان اضع السرد القادم على شكل عناوين مثلا نوح شوفير والمطران دلال واسرد ما يخص هذا العنوان وهكذا بتجميع هذه الحكايات الصغيرة ستتشكل الفكرة العامة وستكون اكثر وضوحا ودقة . فالى الفصل القادم استودعكم والى اللقاء قريبا باذنه تعالى .
الفصل الثاني نوح شوفير وحنا عبدالله والقس ميخائيل مراد ( قاشا نخرايا) حنا عبدالله كان تاجرا وثريا وربما اثرى اثرياء بخديدا وكان يعمل في البقالة والتي كانت اشبه بالتجارة لانه كان يبيع لبخديدا وما جاورها وكان يحتاج الى نوح شوفير من اجل التسوق المستمر الذي كان شبه يومي وكان معجبا بالعثمانيين واهم ما يميزه شاربان طويلان كثيفانمدببان في نهايتيهما مسحوبان افقيا الى الخاج وبلون الثلج كان على علاقة بالقس ميخائيل مراد وكان ليس من اهالي بخديدا ولذلك كان يغلب على تسميته ( قاشا نخرايا ) وكان مسؤولا عن تربية ابنه ( ملكو ) الذي كان قد اتعب والده لانه لم يكن منضبطا وكان حنا عبدالله صرافا لهذا القس حصرا الذي كان يحتكم على كمية كبيرة من الليرات الذهبية وهي العملة السائدة والتي يُعتمد عليها وكان حنا عبدالله ياتي بهذه الليرات ويسلمها لوالدي لكي يقوم بتصريفها له في الموصل هذا اذا لم يشأ الاحتفاظ بها لانه كان يجمع الليرات وقد جمع منها ملء صفيحتين معدنيتيين وكان قد دفنها في السرداب في بيته ولم يكن يعلم احد بامرها واخبرنا بذلك بعد ان فقدها حيث نزل في احد الايام ليتفقدها فلم يجدها . وكانت عائلته صغيرة جدا كانت له زوجة ولم يرزق باطفال ولم ينسجم مع زوجته فانفصلا ولم يتزوج أي منهما وكان حنا عبالله يسكن معه اخوه (قُُطّا)وعائلة اخيه تسهر على راحته . وكان قاشا نخرايا ارمنيا لاجئا الى بخديدا من اضطهاد الاتراك للارمن ولم تكن مجازر الارمن في ديار بكر وماردين والجزيرة في تركيا قد مر عليها زمنا طويلا وكان يعيش بما استطاع ان يجلبه معه من الليرات الذهب وكان ياكلها تدريجيا وبما انها لم تكن تعوّض فقد نضبت وقام نوح شوفير وحنا عبدالله بمد يد العون له فقد عرفا ان لم يبق له شيئا يصرفه .وابت نفسه العزيزة ان يتقبل عطاءهما دون مقابل وكان قد شاخ وتقدم به العمر وكانت له كتب دينية ونشرات اتذكر اسماءها الى الان وكان بعض تلك الكتب ممنوعا علينا من بين ما اذكر مجلات نشرة الاحد مجلدات ضخمة وقرات فيهما المناظرة بين المرحوم الخوري بهنام دنحا والاديب المرحوم ابراهيم عيسو حول تسمية ناقرتايا . كما قرات للاديب باهو عيسو عدة حلقات من مقالة بعنوان قرة قوش والكثلكة . وكانت هذه المجلات تحوي قصصا مترجمة رائعة ومشوقة كنت احرص ان احافظ عليها واعيده الى مكانها كل مرة انتهي من قراءتها . ومن الكتب التي منع والدي قراءتها علينا كتابين الاول هو كتاب اللاهوت لانه كان يعالج امورا فوق قدرتنا العقلية هكذا قال لنا ابي . اما الكتاب الثاني فكان اسمه حوادث ما بين النهرين وكان يحكي مجزرة الارمن في نهاية القرن التاسع عشر و اوائل القرن الماضي في تركيا في ديار بكر وماردين والجزيرة وكانت حكاياته تقشعر لها الابدان من دفن الرجال احياء الى شق بطون الحوامل واخراج الجنين وقطع رقبته ثم قطع رقبة امه .لقد كان كتابا مؤثرا جدا ولم يسمح لي والدي بقراءته الى ان تخرجت من دار المعلمين الابتدائية وكان عمري ثمان عشرة سنة .وسالت ابي بعد ان قرات الكتاب ،لماذا كان ممنوعا علينا يا ابي قراءة الكتاب الى الان ؟ اجابني لانكم عندما تكونون صغارا وتقرؤون هذا الكتاب فسيتولد في انفسكم حقد تجاه كل ما هو مسلم ونحن نعيش في مجتمع مسلم في المدرسة والشارع وهذه الصور الفظيعة لا بد ان ترتسم في الذهن ويختزنها العقل وتربي الكراهية تجاه الاخرين وهو ما لا يجب ان يكون لان ديننا هو دين المحبة والتسامح والمسيح قال لتلامذته ان علامتكم التي تتميزون بها عن الاخرين هي المحبة وان تحبون من يكرهكم ايضا لان الكل يحب من يحبه ولكن المسيحي هو الوحيد الذي يجب ان يحب من يكرهه ايضا ، ولذلك عندما كنتم صغارا لم تكونوا قادرين على استيعاب هذه المعاني اما الان فان قراءته بعد ان ترسخت الاخلاق المسيحية في تربيتكم تكون قراءته امينة وليس فيها مخاطر على نظرتكم الى الاشخاص الذين يعتنقون دين هؤلاء المجرمين . (هذا الكتاب استعاره مني احد المعلمين في برطلة منذ اكثر من ثلاثين سنة وطالبته ان يرده لي اكثر من مرة كان اخرها في الاسبوع الماضي الا انه انكره علي ). لهذا السبب قلت ان والدي كان مربيا رائعا وكان ابي في ليالي الشتاء يخرج لنا احد الكتب غير المدرسية وكان يريد منا ان نقرا له كل منا مقطعا ولذلك ربى عندي ملكة القراءة والاهتمام بها . وهذا ما كنت افعله في الصيف وقد تبددت هذه الكتب مع الوقت لانني تنقلت في حياتي عدة مرات بين الموصل وقره قوش وبرطلة وبغداد وحتى خارج العراق وفي كل مرة كنت افقد عددا منها . ان الفضل الاول في احترام العلم والثقافة والسعي في طلبها يعود الى والدي وايضا الى معلمينا المربين في المدرسة وكانوا جيلا متمكنا رحم الله من مات منهم وامد في عمر من بقي .لقد كانوا جميعا ممتازين الى الحد الذي لا يمكن المفاضلة بينهم وكانوا مثل الورود لكل منها رائحة ولون تميزه عن الاخرين وكان والدي يتابع مستوانا واهتمامنا بالدراسة رغم تعبه ومشاغله الحياتية ولم اشعر يوما ان ابي كان قاسيا علي وليس من المعقول ان طفلا لا يرتكب خطأ في طفولته ولكن والحق يقال كانت والدتي تعالج كل الامور قبل وصوله مساءا الى الدار وايا كان حجم المشكلة فبمجرد ان تهددنا انها ستحكي له عندما ياتي كان كفيلا بحلها لاننا كنا نريده راضيا علينا دائما او على الاقل هكذا كنت اريد انا .اما مكانه التي يجلس عليها فلا احد يجلس عليها في غيابه لقد كان لها نوع من الرهبة والقدسبة وكنا اذا تكلمنا بحضوره انا واخي الاكبر مثلا فبصوت منخفض وفي الغالب كنا نجلس حوله ونسمع اكثر مما نتكلم وكان في المساء يسمع الراديو الذي لم يكن منه سوى اثنان او ثلاثة في كل قره قوش وكان صوته يجلجل في الليل صيفا وكان الراديو صندوقا خشبيا يحتوي على الدوائر الالكترونية في فجر عصر الالكترونيات وكان يعمل على بطارية السيارة التي كانت تجلبها اختي الكبيرة من السيارة حيث كان يوقفها في فناء دار المرحوم يعقوب شوفير والذي كان قريبا الى مركز الشرطة القديم . وفي الصباح كانت البطارية تعاد الى السيارة ليس لتشغيل السيارة بل لكي تشحن للمساء وبالطبع فان السيارة التي كان فيها بطارية تكون ضرورية لتوليد الشرارة اللازمة لاشتغال المحرك والبطارية لم تكن موجودة منذ البداية في السيارات فقبل البطارية كان هناك ما كان يدعى بالماكنيت الذي يستعمل لتوليد الشرارة وهذه كانت الموديلات القديمة حين كانت اطارات السيارات خشبية مثل عجلات عربات الخيول وانا لم ار سيارة باطارات خشبية ولكن اخي الاكبر يقول انه راها .لقد كان ابي يمنعنا من التقرب الى السيارة وكان جاد في ذلك اكثر من أي شئ اخر لقد قال انه كان يمنعنا من الاقتراب من السيارة لانه لا يريد ان نتولع بها ونلتهي عن دراستنا ونمتهن السياقة فكان اكره شئ الى نفسه ان نمتهن هذه المهنة . كان يميل الى ان نكمل دراستنا بل ويشجع على ذلك وكان ينظر الى اهمية التعلم للولد والبنت على حد سواء ولذلك سافرت اختي مع اخي الاكبر الى الموصل لاكمال الدراسة التي كانت تنتهي في بخديدا بالابتدائية وقد التحقت بهما بعد سنتين اذ كانا يسبقاني بسنتين . ولقد كان دور كتب القس ميخائيل مراد سببا في زيادة اطلاعنا فانا لم اكن اعرف ان الكثلكة مثلا دخلت قرة قوش قبل حوالي ثلاثة او اربعة قرون وان عائلة آل باباوي هي العائلة الوحيدة التي لم تتحول الى الكثلكة وان بخديدا كانت قاطبة ارثودكس . وان الكنائس تم توزيعها على الطائفتين فيما بعد .وقبل قراءة مقالات المرحوم الاديب ابراهيم عيسو كنت اعتقد ان عائلة باباوي ليست من قره قوش ولكن هذا المفهوم زال لا بل تحول الى ان هذه العائلة هي العائلة الوحيدة التي حافظت على اصالتها وانتمائها للكنيسة الشرقية لقد كان ترتيبي بين اخوتي هو الرابع من مجموع ثمانية خمس بنات وثلاثة اولاد وكنا نسكن في دارنا الذي كان مقسوما الى قسمين قسم لنا وقسم لبيت عمي ولم تكن القسمة متساوية فكانت عائلة عمي اصغر وكان عمي يحب والدي كثيرا ولم يترك الدار الا بعد ان تزوج ابنه المرحوم متي ولم يعد يكفي للعائلتين . ان ابعد ما تذهب اليه ذاكرتي هو عام 1949-1950 وكان عمري عندها ثلاث سنوات واستطيع تحديد هذه التواريخ لانها مرتبطة باحداث معروفة التواريخ. اما صداقات والدي فقد سبقت هذا التاريخ بكثير اذ انها بدات قبل زواجه واستمرت الى فترة مرضه عام 1950.
الفصل الثالث نوح شوفير والمطران جرجس دلال والماسيرات
المطران دلال لقد كان المثلث الرحمة المطران جرجس دلال شخصية نادرة وفذة اليه يعود الفضل في استنهاض الهمم وتفجير الطاقات وبامكانات ذلك العصرالمتواضعة ان يبني اضخم كنيسة في العراق والشرق الاوسط في حينه وهي كنيسة الطاهرة العامرة بالمؤمنين .لقد كان بناء الكنيسة عرس مجد عظيم لاهالي قره قوش عموما واعيانها خصوصا وعلى قمة جبل هذا المجد كان المطران دلال .لا يمكن ذكر ه الا والكنيسة معه ولا يمكن ذكر الكنيسة بدون دلالها .لقد عرفت امورا كثيرة عن بناء الكنيسة من والدتي وكان موقعها التي لا يبعد سوى خطوات عن بيت اهلها فكانت تذكر احتفالات اكوار الجص منذ جلب احجاره من الجبل القريب مرورا بببنائها واحراقها ثم طحنها للحصول على مادة الجص المطحونة التي استعملت للبناء ولم يكن الاسمنت قد عرف بعد . لقد كانت تلهج بذكر المرحوم عبو قاشا ودوره الاساسي في كل شئ من التبرع بالمال الى تنظيم وجبات العمل الى العمل بنفسه الى التنسيق بين الموقع والادارة الكنسية لقد كان الرجل الثاني بعد او مع المطران دلال في اقامة هذا الصرح الشامخ الذي لا يعبر عن معلم ديني متميز وعظيم فقط بل الى ارادة احفاد رجال بنوا اكثر من حضارة في نينوى ونمرود وكالح وبابل .انهم ابناء بخديدا الذين ظلت جينات اولئك الاجداد تنتقل اليهم جيلا بعد جيل . كان المطران جرجس دلال ياتي الى موقع العمل كل يوم احد ليقود بنفسه حملات العمل وكان نوح شوفير رفيقه من والى الموصل وبالمناسبة فان ابي كان لا يعمل يوم الاحد شان جميع اصحاب المهن الاخرى الا ان المطران دلال احل لابي العمل يوم الاحد لسبب انساني هو ان مريضا او احدا يحتاج اليه في هذا اليوم لانقاذ حياته فالاجر في تقديم خدمته اكبر من الاجر في تطبيق احدى وصايا الله العشر .ولهذا السببالغى والدي يوم استراحته الاسبوعي الذي صادف اليوم الذي كان يخصصه دلال للمجئ الى قره قوش ومعاينة تقدم العمل وحل ما يظهر من مشاكل وشحذ الهمم من جديد والمشاركة بيديه الطاهرتين بحمل الحجر مع العمال المتبرعين كان قائدا فريدا لشعب فريد . وفي احد الايام وكان البناء في الاسس قد وصل الى مستوى الارض كان ابي بجانبه فقال له نوح قم وامشي بسيارتك على الاسس لكي يقال للاجيال القادمة ان اسس الكنيسة قد مشت عليها سيارة كما لو كانت طريقا مبلطا لكي ياخذ الناس حينذاك فكرة عن عرضها وقام والدي فعلا وصعد بسيارته ودار فوق الاسس بسيارته ولم تكن سيارة صغيرة مثل سيارات هذا الزمان وبعد ان اكمل دورته حول محيط الاسس هذه عاد الى مكان انطلاقه . لم يكن يطب لدلال ان يكون العمل رتيبا مملا بصمت وهدوء ، كلا كان الفرح الغامر الذي يملا قلبه يدفعه الى اضفاء جو العرس على هذ الكرنفال فكان يرسل في طلب صارةعنانة ( والدة ابو عيشة ) جارتنا ليس للعمل ولكن لاطلاق الزغاريد الرنانة العالية التي كانت تزيد الحماس وينتشي دلال بسماعها وتتحول كرخانة العمل الى خلية نحل وحلبة سباق وحفلة عرس والبناء يصعد ويشمخ ودلال يزداد حبا في قلوب ابناء بخديدا ويحفر حبه في سويداء قلوبهم الحب الذي لم يندثر بعد موته بخمسين سنة رغم ان الكثيرين لم يروه . عندما بنيت كنيسة الطاهرة لم يكن يتجاوز عدد سكان قره قوش الخمسة الاف نفس وكان هناك عدة كنائس فيها واضاف اليها دلال هذه الكنيسة التي تستوعب وحدها كل اهالي قره قوش . وفي الخمسين سنة التي تلت تضاعف عدد سكان قره قوش عدة مرات وصارت الكنيسة لا تستوعب المؤمنين خاصة في المناسبات فكانت تمتلئ الساحة الخارجية بهم . اما الماسيرات فكان نوح شوفير يزورهم يوميا خاصة في الصيف ليحمل اليهم قالب الثلج الذي ياتيهم به من الموصل يوميا . وكان قد قطع عهدا على نفسه ان لا يتركهم يوما واحدا بدون هذه المادة الاساسية ولا استطيع ان اقول ان ذلك كان مجانا تماما ، لان الماسير هاري ولا اعرف ان كانت ما تزال على قيد الحياة كانت تعطيني كل العصافير التي كان يصيدها هر الماسيرات وكنت سعيدا جدا بهذه العصافير وعندما لا اذهب تاتي هي لتجلبها لي وكنت حينذاك بعمر صغير جدا قبل عام 1950 . الفصل الرابع نوح شوفير وعام 1950 حل عام 1950 على نوح شوفير حاملا معه كارثة كبيرة ومصيبة لا يفلت منها احد ان هي اصابته . منذ بداية هذا العام توعكت صحته وبعد مراجعته للطبيب تبين انه مصاب بمرض خطر في حينه هو التدرن الرئوي مما اقتضى دخوله المستشفى .والمستشفى الذي دخله كان يسمى مستشفى العزل لان المرض معد وخطر فكان المرضى يعزلون فيه لعدم نشر العدوى . وكان الطبيب الذي اشرف على علاجه طبيبا فرنسيا اسمه مارسيل . كان هذا الطبيب يختلف عن غيره من الاطباء فلم يكن يمارس مهنته كطبيب همه الربح وانما كان طبيبا ذو شخصية وعقلية مختلفة . كان متخصصا بامراض الصدر والتدرن الرئوي وكان يتابع آخر التطورات في العلاج والادوية الجديدة التي تطرح في الاسواق لقد كان نوح شوفير مريضه الذي جاءه في نفس الوقت الذي اكتشفت و انتجت فيه المختبرات وشركات الادوية دواءا جديدا وصف بانه فعال جدا ليس فقط في ايقاف تطور المرض وانما في الشفاء منه .الامر الذي كان مستحيلا قبل ظهور هذا الدواء . اما الدواء فكان على شكل حقن (ابر) واسمه الستريبتومايسين وكان ثمنه مرتفع جدا فكانت الحقنة الواحدة (الابرة) سعرها اثنا عشر دينارا وهو مبلغ باهض جدا في ذلك الوقت وكان يحتاج الى ابرة واحدة يوميا ولكن زوجته التي كانت تزوره يوميا في المستشفى كانت توفر له هذه الابرة بعد ان باعت كل املاكه لان فترة العلاج استغرقت ستة اشهر فاضطرت الى بيع الدار الثانية التي كان قد اشتراها في وقت سابق وكذلك الاراضي الزراعية ومدخراتها من الذهب كل ذلك ولم تفقد الامل في ان يعود الى بيته واولاده سالما معافى . لقد تدخل المطران دلال لدى الطبيب الفرنسي واوصاه خيرا بمريضه الذي كان له ماض طويل في خدمة المطران والكنيسة والماسيرات .
لقد كنت اصحب والدتي احيانا واتذكر وكان عمري اربع سنوات كنا ننتظر وصول المرضى بسيارة صالون (باص) مغلقة بدون شبابيك وكانوا ينزلون من الباب الخلفي للسيارة الواحد تلو الاخر حيث كانوا يصحبوهم الى اماكن التصوير بالاشعة وغيرها من متطلبات العلاج . والمستشفى كان يقع على ضفة النهر وكنا نجلس على منحدر معشب مما يدل ان الفصل الذي زرته فيه كان في الربيع وكنا نجلس زهاء الساعتين على الارض وبعد انتهاء فترة الزيارة كنا نقفل راجعين لقد كانت هذه الزيارة يومية بالنسبة لوالدتي وكانت تحمل اليه الطعام الذي تاخذه له من المطعم وهو عبارة عن مشويات توصي صاحب المطعم ان يشويه له خصيصا بعد ان تكون قد جلبت له اللحم من القصاب لكي تختار ما تفضله في جسم الحيوان من لحم وكانت توصله الى المستشفى وهو حار قبل ان يبرد وتسلم الابرة للطبيب وتعود بعدها الى البلدية حيث تستقل السيارة لتعود الى البيت . لقد شفي نوح شوفير وتحققت المعجزة وغادر المستشفى وعاد الى الدار في يوم اتذكره الى الان كنت سعيدا لان ابي لم يعد مريضا لا بل اكثر من ذلك انه سوف لن يموت وسنعيش معه الى ان يشاء الله .يومها زارنا اناس كثيرون يهنئون بعودته سالما واستمر الناس في زيارتنا اياما عديدة . عندما كنت صغيرا لم اكن اعرف مدى خطورة هذا المرض ولكن عرفت ذلك فيما بعد وان شفاءه كان اقرب الى المعجزة فلولا ظهور هذا الدواء ولولا مراجعته لهذا الطبيب الشاذ عن كل الاطباء لما كتب له الشفاء ولقد عاش ابي متعافيا وعاد الى العمل من جديد واكثر من ذلك انه عاد الى التدخين ايضا وكنا نقيم جميعا في بيت واحد وفي غرفة كبيرة واحدة ولم تنتقل عدوى المرض الى أي منا لا قبل شفائه ولا بعده طبعا . في هذه السنة بالذات وعندما كان ابي في المستشفى توفي جدي كرومي حلاتة وكان يحب والدي كثيرا وكان يسأل والدتي عن صحته يوميا حيث كانت تزوره بعد ان تصل من الموصل فقد كان طريح الفراش وكان يجب على والدتي زيارته لان من كان يفترض ان يعتني به لم يكن يهتم بواجباته كما يجب وهو خالي الياس حلاتة وزوجته. وقد مرت الايام بعد هذا العام بشكل مختلف عن السابق ولكن ارادته كانت اقوى من دورة الزمن وكنا عائلة كبيرة وكان هو معيلنا الوحيد ولم يكن يرضى لنا ان نعمل او نتهيا لمهنته ولم يتغير شئ من تصميمه على ان يكمل اخوتي الاكبر مني دراستهم وكان هو قد عاود نشاطه تماما كما كان قبل ان يتمرض . ومما يجعلني انظر باكبار الى اهل بخديدا جميعا انه بعد ان عاد الى العمل كان الجميع يعلم ماذا كان مرضه ويعلم مدى خطورته وانه مرض معدي ولكن احدا لم يتجنبه او ابتعد عنه خوفا من ان تصيبه العدوى لانهم كانوا يحملون له الحب وكانوا مقتنعين انه قد شفي ولا خطر على صحتهم من الصعود معه في السيارة . في الفصل القادم ساتناول الحادث الوحيد الذي حصل له وكان حادث انقلاب سيارة متعمد . وحصل في اواخر عام 1954 . الفصل الخامس نوح شوفير يتعرض لحادث انقلاب سيارة عام 1954 بعد ان صارت قصة مرض نوح شوفير جزءا من الماضي اشترى باصا خشبيا ليشتغل به بين بخديدا والموصل . الطريق انذاك كان لا يمر بكرمليس وبرطلة بل بعلي رة ش .والطريق ترابي غير معبد ما ان تمطر السماء حتى يتحول الى طين ويصعب على السيارة السير عليه ولذلك كان يلجأ كالاخرين الى السلاسل الحديدية التي كانت تربط الى الاطارات لكي تزيد الاحتكاك عند انغراسها بالطين وتمنع انزلاق الاطار ودورانه في مكانه (بطنش) فكانت السيارة تسير الهوينا بهذه السلاسل وتقطع المسافة الى الموصل والتي قد لا تزيد عن (35) كم باكثر من ساعة ونصف واما في الايام التي تكون الارض فيها صلبة فان الزمن كان اقل من ذلك ولا يقل عن ساعة باي حال من الاحوال . كان والدي خلال سني عمله قد علم الاقارب ومن كانت له رغبة في تعلم السياقة هذه المهنة وبعضهم امتهنا كأولاد اخته زريفة ابناء توما عيسو اسحق وصليوا والبعض الاخر لم يمتهنها مثل عبو حلاتة كما علم ناس اخرين مثل ابن حوبو اخو المرحوم ايليا الاكبر وذلك كان مجانا دون مقابل فقط خدمة لمن يرغب الامر الذي لم يكن يحدث مع ذوي المهن الاخرى كالبناء مثلا بقيت المهنة محصورة في عائلة واحدة زمنا طويلا والصياغة ايضا . وربما لم يكن حريصا على احتكار المهنة لانه لم يكن يرغب ان يكون اولاده سواقا ولذلك فهو لن يضيره ان تعلمها كل الناس لان التنافس لن يكون موجودا بين اولاده والسائقين الجدد . وكانت المرة الوحيدة التي يحتاجنا فيها والدي اخي الكبير كريم وانا اذ كنا احيانا نصاحبه وكانت مهمتنا اننا نجمع من الفلحان كتل طينية يابسة وننقلها الى الطريق الذي يعلم به المعني السياقة .كنا انا واخي كريم نضع عشرات من هذه الكتل الطينية على مسافة مائة متر او اكثر وكنا نرتبها بخطين متوازيين تفصله مسافة تزيد عن عرض السيارة (المسافة بين الاطارين ) بشبر واحد من كل جهة وعنما يستطيع السائق ان يجتاز هذا الطريق الخاص دون ان يسحق الكثير من هذه الكتل الطينية يكون قد اجتاز الاختبار والا فان عليه ان يتدرب اكثر على السياقة . كان عملي سهلا اذ لم يكن على ان احسب المسافة لان احيانا كثيرة كانت طبعة الاطارات على الارض الترابية ترسم لنا مسار الاطارات فتكون العملية سهلة جدا كل ما علينا ان نفعله هو الابتعاد قليلا الا اذا اراد والدي ان يختبر دقة تقدير المسافة فكنا نعمل الخط على شكل حية ملتوية . كان يوما خريفيا ذو جو معتدل وكان نوح شوفير عائدا الى قرة قوش عبر علي رة ش كان يعمل على نفس الخط وبباص يشبه باصه ابن اخته صليوا توما عيسو وكان يترصد ان يخرج خاله فلم ينتظر ان تمتلئ سيارته بالركاب بل خرج بعد وقت قصير من مغادرة خاله نوح شوفير وصار يسرع في سيارته مما جعل الركاب يسالونه عن سبب هذه العجالة وهو قد خرج قبل ان تمتلئ سيارته ، كان جوابه انه يطارد غزالا ليصيده . وقد ادرك الغزال قبل ان يصل الى قنطرة الساقية التي تقع على طريق علي رة ش قرب بخديدا . اجتاز صليوا سيارة خاله نوح شوفير بشكل عادي وعندما كانت مؤخرة سيارته بمستوى مقدمة سيارة خاله مال عليها بحيث لم يعد المقود بيد خاله قادرا على توجيه السيارة مما ادى الى اضطجاع الباص على جنبه بكامل ركابه وحمولته . التي كانت عادة توضع على سقف السيارة وكان المساعد ( السكن) في الغالب يبقى على السقف مع الحمولة وهو يشاهد ما يحصل قذف بنفسه من اعلى السيارة او قذفته السيارة عند انقلابها وجرحت قدمه التي اصطدمت بجسم معدني في اعلى السيارة وكان الشرطي احمد عموري احد الركاب وكان يحمل سلاحا وعندما لم يشأ صليوا ان يتوقف ليحمل المصابين الى المستوصف للعلاج هدده الشرطي وسحب عليه بندقيته مجبرا اياه على التوقف والعودة ادراجه لانقاذ المصابين واضطر صليوا مرغما على الاستدارة والعودة ادراجه وعند وصولهم نزل ركاب سيارة الصياد لاخراج ركاب سيارة الصيد وكانوا والحمد لله جميعا بخير عدا جروح ورضوض بسيطة لان السرعة لم تكن عالية وكان الاذى الذي اصاب الركاب بسبب سقوط بعضهم فوق البعض الاخر . وضعوا جميعا في السيارة المعتدية خاصة وانها لم تكن ممتلئة منذ مغادرتها اما المساعد (السكن) الجريح فقد نقل الى المستشفى ، ونقل نوح شوفير الى مركز شرطة ناحية الحمدانية في برطلة حيث كانت الناحية حينها في برطلة واوقف كاجراء يتم عادة لوجود جريح يرقد في المستشفى واوقف معه ابن اخته الصياد تلميذه الذي علمه السياقة وابن اخته الذي عالج جرب فروة الراس وجرب راس اخوته (القرعة) التي اصيبوا بها عندما كانوا صغارا فرد جميل خاله بهذه الطريقة .المساعد كان من بيت سقط وقد حاولت تذكر اسمه ولكني لم افلح وتذكرت اسم والد زوجته وهو صومو سقط اما هو فلم تسعفني ذاكرتي .لقد كان جرحه بسيطا ولكنه اراد ان يستثمر اصابته طمعا في بعض المال فقد علم ان نوح شوفير والاخر سيبقون موقوفين لحين خروجه من المستشفى فصار يفضل البقاء ليبتزهما وكان له ما اراد فدفعنا له مبلغا من المال لكي يغادر المستشفى لا اتذكر المبلغ لم يكن مبلغا كبيرا وتغير موقفه كثيرا لصالح والدي عندما علم ان المتضرر من بقائه في المستشفى هو نوح شوفير ايضا وليس الفاعل وحده فخرج من المستشفى وتماثل للشفاء بعدها بفترة قصيرة . ويوم خروجه من المستشفى ثلاثة ايام بعد الحادث اطلق سراح نوح شوفير وبقي ابن اخته في الموقف طالما لم يتنازل المشتكي خاله عن دعوته . في الليل كان والدي قد عاد من مركز برطلة وكنا حوله وكان معنا عمي منصور الذي كان يغلي من الغضب فدخلت علينا عمتي زريفة وابنها الاكبر اسحق وتقدمت نحو والدي وكانت اكبر منه عمرا واصغر من عمي منصور فقبلته وهي تبكي فاشار عليها ابي بالجلوس ، ونحن لا نحسد على الحال الذي يؤلمنا وعمي يزمجر عليها . لقد كان ابي هادئا واخته كانت محنكة فلم تعر بالا لعمي الذي قام وتقدم اليها وصفعها وخرج لانه لم يكن موافقا على اشارة ابي لها بالجلوس فاقنعت والدي بان ما قام به ابنها عمل متهور وطائش ولا تستطيع السيطرة عليه وقد سبق له ان اعتدى على ابيه قبل ايام . اخيرا قال لها والدي ما هو المطلوب مني قالت له ان تسقط الدعوى عنه ليخرج من التوقيف .فوافق ابي ان يتنازل في صباح الغد وغادرت عمتي ونحن في حالة من الذهول وبعد ان غادرت عاد عمي الذي يسكن معنا في نفس البيت في الغرفة الثانية ولام ابي على موافقته على التنازل فصار ابي يقنعه بانه مهما كان فهو ابن اخته واذا كان هو قد اخطأ فليس من الحكمة او الصواب مقابلة الخطأ بالخطأ والمخطىء هو الذي يخسر ويندم في النهاية والحمد لله لقد كتب الله الستر والسلامة لجميع الركاب ، خف غضب عمي كثيرا لانه اقتنع بصواب كلام ابي .في اليوم التالي كان صليوا خارج الموقف . وفي المساء جاءت به امه الى بيتنا ليعتذر من خاله ويشكره على عفوه عنه وتنازله عن حقه في الدعوة . وعندما سمع عمي صوته في البيت قفز من فوق الحاجز الذي كان يقسم البيت بيننا وهجم عليه وكان هناك بعض الزوارالضيوف عندنا جاءوا للتهنئة بسلامته فحالوا بين عمي وبين ابن اخته . وفي هذه الاثناء طرق الباب ودخل الشرطي احمد عموري الذي كان في السيارة عند الحادث وعندما دخل وسلم على الجالسين وراى الفاعل لم يجلس فادار ظهره وانصرف لانه استهجن وجود الفاعل في بيت الضحية وهو يعلم انه ابن اخته الا ان الحدث في حينه كان مستهجنا جدا من قبل الجميع ولكن والدي لم يقابل الاساءة بالاساءة وانما عفا عنه خاصة ان الله قد كتب السلامة للجميع . لقد ذهبنا عمي ووالدتي وانا الى مكان الحادث يوم وقوعه لم يكن بعيدا عن قنطرة الساقية القريبة من بيت العم مجيد دديزا ورايت السيارة مضطجعة واستفسروا عن حالة الركاب وكان هناك من اخبرنا ان الجميع بخير وان ابي موقوف في برطلة فعدنا ادراجنا وذهبنا الى برطلة واطمأن عمي ووالدتي وانا معهما على سلامة والدي واوصى الشرطة الذين كانوا جميعهم يعرفون نوح شوفير ويحبونه ولكن هذه الاجراءات لا يمكن تجاوزها . لقد تركت هذه الحادثة اثرا عميقا في نفسي وكرهت الفاعل كراهية بالغة ولكن والدي كان دائما يقول اننا ندين بدين التسامح والمحبة حتى لمن يخطئ بحقنا . واستمر نوح شوفير في عمله بعد هذا الحادث وكانه لم يكن . اما ابن اخته فقد ترك العمل وباع سيارته وسافر الى لبنان واشتغل هناك سائقا عند احدى العوائل . ان المساعد (السكن ) من بيت سقط كان حيا يرزق الى عام 1996 ولا اعلم اذا كان ما زال على قيد الحياة اتمنى له طول العمر . ملاحظة : استفسرت عن اسم المساعد ( السكن )الجريح الذي غاب عني وهو السيد جرجس سقط . شكرا لاختي سعاد . واخبرتني اختي بمعلومة لم اكن اعلمها عنما كان والدي مريضا كانت هي في الصف الاول الابتدائي في مدرسة الراهبات للبنات وكانت الطالبات في الصباح يصلين عند بدء الدراسة وتقول اختي ان الماسير عند الانتهاء من الصلاة كانت تخاطب الاطفال وتقول لهم اننا نقدم هذه الصلاة من اجل شخص مريض يرقد في المستشفى اسمه نوح شوفير . انقلها هنا للامانة التاريخية .
الفصل السادس فترة الستينات والختام
تحول نوح شوفير من العمل في الباص الذي باعه واشترى عوضا عنه سيارة سعتها 5 ركاب وكانت السيارات المستعملة في العراق حينها على الاكثر امريكية فاشترى سيارة شوفر موديل 52 خضراء اللون وعمل يعض الوقت الا ان العمل لم يكن مزدهرا وكان الركود من جهة وازدياد عدد السيارات بشكل كبير عما كان عليه في السابق من جهة اخرى ، و صادف ان توفي عمي منصور رحمه الله في يوم 10/1/1956 وكان يوما صعبا جدا في حياتي وانا افقد احب الناس الى قلبي ربما اكثر من ابي لانني كنت اقضي معظم الوقت عنده ومعه وكان يحبني كما احببته واكثر وفي اواخر هذه السنة دخلت الى بخديدا اول سيارة تخرج من الشركة كانت سيارة شوفر 1957 كل ما فيها يلمع وكان يسوقها المرحوم نجيب ككي. لقد كانت مثار اعجاب ودهشة الكل وذهبت خصيصا الى محلة القشلة لاراها لانها كما وصفوها كانت جميلة جدا وفعلا كانت جدا جميلة كان لونها اخضر فاتح وكل ما فيها يلمع .
المرحوم نجيب ككي اما بالنسبة لوالدي فباع سيارته هذه واثر العمل براتب مقطوع في شركة نفط عين زالة وكان المرحوم خالي سعيد ددو قد حصل له هذه الوظيفة هناك وقرر والدي ان يبقى يعمل فيها لحين تخرج اخوتي الاكبر من المدرسة الاعدادية حيث سيكون بامكانهم الحصول على وظيفة معلم وكان ياتينا كل اسبوعين ليقضي اجازة لمدة ثلاثة ايام وصادف ان كان في اجازة ايام ثورة الشواف (اذار 1959) وكنا جميعا في الموصل وانقطع التيار الكهربائي وكان سماع الاخبار من الراديو امرا في غاية الاهمية ولانقطاع التيار الكهربائي في الموصل بسبب ( الاقتتال داخل المدينة) اقترحت عليهم ان اذهب الى بخديدا لاتي بالراديو الذي يشتغل على البطارية الجافة ( الطابوقة) في البداية لم يوافقوا خوفا علي من اخطار الخروج في ذلك اليوم والقتلى يسحلون في الشوارع والدملماجة تمتلئ بالجثث البشرية والكلاب تنهش والطيور الجارحة ايضا لقد رايت هذا المنظر بعيني لان الطريق الى بخديدا كان يمر بالدملماجة وقد سبق لي قبل ركوبي السيارة الى بخديدا انني رايت شخصا يسحل في الشارع والجماهير تهتف ( ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة) وجواز المرور في مثل هذه الحشود كان التصفيق ، صفق وامش لان ( اللي ما يصفق عفلقي ) فالعملية سهلة جدا وغير مكلفة بتاتا حتى ان احدا لا يجبرك ان تتلامس يديك لكي ينتج منها صوت التصادم الذي يسمى التصفيق ، يكفي ان تحركها في الهواء كما لو كنت تصفق لان احدا سوف لن يسمع صوت تصفيقك في هذا الهرج الشديد . وبعد ان تبتعد عنهم لست مرغما على الاستمرار في هذه الفعالية الامنة والمطمئنة التي تحافظ بها على حياتك . وقد لا تطالب بالتصفبق اذا كانت صورة الزعيم الاوحد عبد الكريم قاسم تزين صدرك حتى ولو كانت صورة مقصوصة من جريدة وتغطي ثلاثة ارباع صدرك لقد كنت طالبا في الصف الاول المتوسط في متوسطة ام الربيعين وكنت سعيدا رغم كل ما يحصل لسببين اولهما اننا كلنا قد اجتمعنا في مكان واحد والثاني ان لا ذهاب الى المدرسة التي كانت بعيدة عن سكننا في شارع النبي جرجيس لقد كانوا يسحلون رجلا قالوا انه من بيت كشمولة حكموا عليه في محكمة ( القصاب ) في الاعدادية الشرقية ولم يشاءوا تنفيذ حكم الاعدام به رميا بالرصاص ولا شتقا خنقا حتى الموت ولكن جرا سحلا على اسفلت الشارع المعبد وكان الاحتكاك يالشارع يؤدي الى تمزيق ملابسه التي تبدأ بالذوبان وتتقطع قبل ان يلامس جلده الاسفلت والجر مستمر وحتى ان تقطعت الحبال لا مشكلة فهناك حملة الحبال الذين يرافقون الموكب وبعضهم يكتفي بادخال كتفه في لفة الحبل (الاحتياط) والبعض الاخر يستعمل نهاية الحبل ليلوح فيها ويديرها كما تدير صباح منديلها في الدبكات اللبنانية لقد كانت اشبه ما يكون بحفلة عرس الناس تصفق والبعض يهلهل وكل مظاهر الفرح واما الذي يسحل فيكون قد فارق الحياة او اوشك من السحل والركل والضرب الذي يتلقاه من هذه الجماهير المتوحشة والتي تروي عطشها للدم الذي تسفكه بيديها بحق بشر اخر اختلفوا عنهم في الفكر لا في الانسانية فقد رايت المسحول كان رجلا عاديا لم يكن يختلف ظاهريا باي شئ عن من يسحله ، اللهم الا بانه لا يحب الزعيم الاوحد وانصار السلام .هذه الجماهير المتوحشة هي التي ستبني الوطن الحر والشعب السعيد بهذه الحبال وهذه الممارسات يكفي ان تصفق لكي تمنح لك الامان وتسير وانت واثق انك لست متامرا ولست عفلقيا وبالتالي لن يصيبك مكروه ولن يلتف على ساقيك حبل السحل . المهم اقنعت اهلي انني استطيع الذهاب والعودة بالراديو وسالما وفعلا انجزت المهمة بنجاح ورايت ما لم يره احد من افراد عائلتي وعبرت الى الساحل الايسر لان السيارات لم تعد تصل الى البلدية ومشيت مسافة لا بأس بها وانا موزع بين قطع الطريق بسرعة وبين اداء الواجب تجاه التصفيق والترديد بالهتاف المعمول به انيا مثل ( ديمقراطية وسلام يا زعيم للامام ) ( وماكو زعيم الا كريم ) (ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة) ( الما يصفق عفلقي) كنت قد حفظتها جميعا كيف لا وهي من مستلزمات الطريق والعودة بسلام وامان . كنت حينها قد بدأت ادخن بانتظام تقريبا ولكن ليس امام ابي الذي حرمني وجوده في الاجازة من التدخين فكان خروجي مناسبة لتناول جرعة النيكوتين التي صارت ضرورية لانني اكملت مميزات الرجولة وهي التدخين مبكرا . وانا كنت احب عمي كثيرا جدا وكنت اسمعه يقول الذي لا يدخن ليس رجلا ان النساء فقط لا تدخن (الامر الذي اراه الان معكوسا في فرنسا فليس الرجال وانما النساء هن اللائي يدخنن) واعتقدت ان هذا قانون الهي اذن لماذا اتاخر عن اكمال مظاهر الرجولة ،وكنت قد بدأت التدخين مع المرحوم سالم مجيد هدايا صديقي في المدرسة التغلبية ايام الدراسة لامتحان البكلوريا للصف السادس الابتدائي حيث كن ندرس معا وفق توزيع اختارته الادارة قسمونا الى مجاميع وكنا نتنافس بهذه الطريقة . لقد كان عمي رحمه الله يلف لي السيكارة وكنت ادخنها بحضوره ومضت الايام التي كنت اسعل منها وتدمع عيوني كلا لقد اصبحت مدخنا محترفا وبما انني لم اكن اجيد عملية لف السيكارة بعد كنت الجأ الى السيكاير الجاهزة ( الباكيت والمزبن ) ومع انني لم اكن ادرس في الايام العادية وفي ايام الامتحانات الا نادرا الا انني كنت انجح وبدرجات لا باس بها والفضل يعود للوحدة الثقافية التي طبقت بين العراق والجمهورية العربية المتحدة في اول عام لقيام انقلاب 14 تموز 1958 وكانت المناهج جميعها جديدة وسهلة جدا وخاصة كتاب العلوم الثخين الذي تحول الى كتيب نحيف فيه من الصور اكثر مما فيه من الشرح فكان يكفي ان اتفرج على الصور في حين كان من سبقنا ( اخوتي الاكبر) قد عانوا منه كثيرا لصعوبته . فرح والدي بي وبالراديو ومنذ ذلك اليوم صار يتذكرني في المهام التي تحتاج الى انجاز حتمي وعندما علم انني ادخن ونظرا لما احظى من تقدير لديه ولانني فقدت عمي فكما لو كنت يتيما لم يعاقبني عندما علم انني ادخن فقط قال لي التدخين ليس جيدا ولكن هذا الكلام لم يقع في نفسي موقعا شديدا فانا اعلم لان عمي قد قال انه من مميزات الرجولة فما معنى ان التدخين ليس جيدا ووالدي هو نفسه كانت السيكارة بيده عندما قال لي هذا الكلام . انهم لا يريدونني ان اكون رجلا في وقت مكبر ربما لان جسمي ليس ضخما وانا ابدو صغيرا جدا حتى ان والدتي اشفقت على من الذهاب الى المتوسطة في الموصل خوفا علي من السيارات عند عبور الشلرع لقد كنت بنظرهم صغيرا جدا الامر الذي ازاد اصراري على التدخين فانا لم اكن ارى نفسي اصغر من جمال عبد الناصر الذي كنا نرى صوره وكنت احبه ولا اصغر من المرحوم بلوتي موزع البريد في بخديدا سابقا . استمر ابي في عين زالة وبقيت انا واخوتي في الموصل ووالدتي واخوتي الاصغر في بخديدا وكان اسعد ايامي الخميس واتعسها الجمعة اسبوعيا وكنت يوم الخميس اسافر الى بخديدا دون ان اتناول الغداء مباشرة من المتوسطة الى السيارة وكنت احاول ان اتحاشى الركوب مع بعض السواق لانهم كانوا يمتنعون عن اخذ الاجرة مني واقصد الذين كانوا ياخذونها ولو انهم لم يكونوا ياخذوا مني اجرة نفر بل نص نفر لانني كنت لا اجلس على المقعد بل ابقى واقفا وطولي ليس اكثر من المسافة بين ارضية السيارة وسقفها . ومن السواق الذين كنت اتحاشاهم المرحوم سركيس باباوي والمرحوم نجيب ككي والمرحوم ايوب بنور . اما الذين كنت ارغب في الذهاب معهم فهو السيد يعقوب سلمى والمرحوم شمعون بهنو . وكنا نتاخر كثيرا في الانطلاق مع يعقوب سلمى لانه كان لا يرضى باقل من ثمانية او تسعة ركاب وكانت لديه طريقة خاصة في ترتيب الركاب كما يرتب السمك في علب الساردين . وعندما كنا نصل الى بخديدا كان الوحيد الذي ينزل ويمشي بشكل اعتيادي هو انا لانني اكون واقفا ولا ينقطع وصول الدم الى رجلي قلا تخدر اما الجالسين فعليهم الانتظار الى ان يذهب الخدر من ارجلهم لكي يستطيعوا السير .وكان حفظه الله يشعل سيكارته عند الخروج ويدخن نصفها ويطفئها قرب الدملةماجة محتفضا بالنصف الثاني للعودة . وعندما يصل الى النزلة الحادة قرب كوكجلي كان يطفئ المحرك لكي يقتصد في احراق البنزين . لقد كانت سيارته من افضل السيارات التي رايتها في حياتي كنت لا تسمع صوت محركها حتى لو وضعت اذنك على غطاء المحرك (البونيد) كانت شوفر 1955 لونها ازرق داكن .كان قد جلبها من البصرة . وكنت مع المرحوم شمعون بهنو اتاخر ايضا لانه كان يسوق ببطء شديد وغاليا ما تتوقف السيارة في الطريق اما لعطل ميكانيكي او لنفاذ البنزين .فلم يكن في سيارته مؤشر واحد يعمل كما ان سيارته كانت بدون هورن ولذلك كان يسير ببطء لتجنب الحوادث وايضا لم يكن يستطيع الرجوع الى الخلف( مغير السرعات الكير لا يعمل باتجاه الخلف) ولذلك كان يعمل دورة كبيرة لكي يصل الى نقطة كانت خلفه ببضعة امتار . وهذه الامور مجتمعة كانت تؤدي الى ضياع الكثير من الوقت . ومع ذلك كنت افضل الذهاب معه لانني كنت اعطيه اجرة ( 50 فلس اجرة نص نفر) على ان اذهب مع المرحوم سركيس باباوي الذي كان يمتنع عن اخذ الاجرة مني مما كان يشعرني بخجل شديد .ولذلك كنت اتحاشاه ليس لعدم الركوب معه ولكن لكي لا يراني ايضا لانه اذا راني يرغمني على الصعود في سيارته . كان انسانا رائعا وكان مع المرحوم نجيب ككي والمرحوم ايوب بنور احب السواق الى قلبي . لقد ظهر العشرات من السواق لكل منهم طباعه ومميزاته فمثلا حبيب جرجر كان يتكلم بالصياح والصراخ. ومن السواق المحبوبين من غير القرة قوشيين هو حمو السائق الذي كان يعمل لدى قحطان العزاوي الذي تحول الى مكتب نقليات وسيطر على النقل الى قرة قوش وحارب سواقها ولم يكن هناك من يدافع عن حقوقهم لانهم ( فليحيين من اهل بغة) بينما هو مصلاوي كان غالبا يضع النظارات ليخفي عينه المشوهة فكان كريم العين . بعد احداث الشواف تقلص عمل شركة النفط في عين زالة فترك والدي وظيفته هناك وعمل في مكتب محمد نجيب الجادر مع شريكه المرحوم يوسف كاكوز في الموصل وكان ذلك افضل من عين زالة وكان مرتاحا للعمل مع هذا الرجل النبيل رحمه الله وكان له دارين متماثلين متجاورين مقابل جامع نجيب الجادر في الفيصلية كان هو وعائلته يسكن في احدهما واعطى الثاني لوالدي وكان فيه الكثير من الغرف فسكنت مع والدي في هذا البيت عندما كنت طالبا في دار المعلمين الابتدائية وكان المرحوم يوسف كاكوز يساعد العديد من الناس لوجه الله فقد كان رجل بر وكان فاضلا وشريفا ونزيها وهو السبب في اثراء محمد نجيب الجادر بما اشتراه له من املاك وقطع اراضي بمساحات كبيرة جدا اشتراها بالحبل وبعد فترة صار يبيعها بالسنتمتر وكان شريكا معه في بعض الاملاك وليس في كلها .كان ابي يرتاح الى هذا الرجل كثير لطيبته وكرم اخلاقه وعندما كان يصادف وجوده في الحديقة ويراني ادرس على السطح ، كان يطلب مني ان انزل اليه في الحديقة عندما انهي دراستي فكنت لا اتاخر عليه حتى لو لم اكمل دراستي واجلس معه ويحدثني كثيرا عن ايام طفولته وكيف نشأ يتيما وكيف كون ثروته الطائلة ثم استولت على بعضها الدولة في قانون الاصلاح الزراعي وكان ينقطع نفسه اثناء الحديث لانه كان كبير السن جدا ( حوالي 90 سنة) وكان يضع سدارة على راسه . تخرجت من دار المعلمين وتعينت معلما في مدرسة على ره ش القريبة من بخديدا. وطلبت من والدي ان يترك العمل ويرتاح فلقد تعب كثيرا ولكنه ام يوافق فلقد كان يحب العمل مع هذا الرجل النبيل .وبقي يعمل معه الى اوائل السبعينات حيث انتقل عملي الى بغداد وانتقل سكننا هناك الى عام 1980 حيث عدنا بعدها الى بخديدا اما انا فقد سافرت الى فرنسا لاكمال دراستي العليا بعد وفاة والدي لقد كانت امنيته رحمه الله ان يراني متزوجا ولدي طفل قبل ان يغادر هذا العالم الى دار الخلود . رحم الله امواتكم ورحمه.وتحققت له هذه الامنية فلقد رزقت بابنتي الكبيرة سما في بداية عام 1981 اما هو فقد توفي في 30/03/1982 وهو يرقد برجاء القيامة في مدفن كنيسة مار يوحنا في بخديدا حيث مدفن العائلة الذي فتح قبل ثلاثة ايام ليستقبل ابنه الاكبر الذي كان يكنى به ( ابو كريم)
المرحوم مارزينا بولص القس موسى مع ابنته فكتوريا والمرحوم نجيب ككي
في رثاء المرحوم نجيب ككي
والدنا الغالي لا احد يعرف كم نفتقدك ولا احد يعرف الالم المريرالذي نعانيه منذ رحيلك حياتنا اليوم ليست كما كانت بوجودك ولا يوجد يوم لا نفكرفيه بك في قلوبنا تبقى ذكرياتك نجاة .. أبنتك
المرحوم كريم عبوعبدالله نعمان
بقلم ولده جنان النعمان
الحقيقه عند قرائتي في زاويه جديد موقع بخديدي عن بعض الاشخاص الذين نعتبرهم رواد في مجالات الحياه كافه من رجال دين وتربويين وحرفيين ومهنيين الذين كان لهم دور بارز في المجتمع وخاصه في بلدتنا الحبيبه بغديدي جاءت في ذهني فكره كتابه بعض الشي عن والدي الذي كان له دورلايقل جهدا عن بعض الشخصيات التي خدمت هذه البلده رغم ان ما قدمه والدي كان نوع من عمل اومهنته كسائق يتقاضى اجور مقابل عمله يقال ان والدي كان اول سائق سياره في قره قوش ايام المرحوم نوح شوفيرحيث كان والدي رحمه الله يروي لنا حكايات كثيره
لو اردت ذكرها
لطال الحديث لكني سوف اختصر بعض الشى والدي المدعو كريم عبوعبدالله
نعمان هو من مواليد 1912
قره قوش من عائله امتهنت السيارات. خدم
والدي في الجيش في عهد
الاستعمار العثماني \ الانكليزي حينها
اخرجت القوات
العثمانيه من قبل الجيوش
الانكليزيه بعدها
اتجه والدي مهنه السياقه رسميا في اوائل الاربعينات اتذكر ان والدي كان يقول
انه في حينها
كان يملك سياره
موديل 1938 حيث كانت اسطوانات العجلات
من ماده الخشب القوي اي مانسميها
الويلات وليس
الويلات والمصائب هذا للمزاح فقط. تزوج والدي عام 1937 من سيدي داود اوفي
وانجبت له 4 اولاد و5 بنات وافاها الاجل عام 1961
مما زاد كفاح
والدي صعوبه لاعاله عائله بهذا الحجم وكان الصبر والايمان بالله طريقه الوحيد
لمواصله
حياته وبقى وفيا
لامي لحين وفاته. كان صديق والدي الحميم والمقرب الاب الفاضل المرحوم يوسف
ككي حيث كان كلما يلتقي بوالدي
يقول له اهلا كمو
اي كريم خدم والدي في حياته المهنيه هذه البلده العزيزه بكافه شرائحا من
بائع الصوف الى الشخص المريض
-الذي كان يتوجب
عليه اي الشخص المريض الذهاب الى الحكيم في الموصل وهو الطبيب المشهود له
حنا البنا
ادام الله في صحته حيث كان والدي لايعرف الكسل وكان يلبي طلبات الناس حتى
لوكان ذالك ليلا
او في وقت مبكر
صباحا ومن خلال مهنه والدي ومتطلبات عمله استطاع ان يبني علاقات كثيره وكبيره
مع عدد ليس بالقليل من الشخصيات
المعروفه انذاك
وفي سبيل الذكر حجى محمد النجفي الذي كان يحكم حينها مناطق واسعه في لواء
الموصل
وصاحب القصر
المعروف لحد الان في قريه قره شول حيث يشاهد المرء ومن بعيد هذا البناء
الاسمنتي الوحيد
وهو في طريقه الى
دير مار بهنام الشهيد من الطريق القديم
عند الحديث
عن موضوع ما فلا
يخلو من دعابه حيث كانت دعابات كثيره تطلق على والدي
في مجال المزح ومن
احد هذه المزحه يقال ان والدي كان يوما في طريقه الى الموصل ومعه نفرات حيث
كان والدي يمتاز بالتانى
اي يسوق بانتباه شديد فقام احد الركاب وقال لوالدي عمي كريم هلا بانزين خناوا
فقام والدي بتحريك
سهم كيج السرعه من 60
الى
70
باصبعه فهذا الشى ليس ممكنا كما يعرف الكل ان
كيج السرعه مغلف بزجاج وكانت
ذالك مجرد مزحه للمرح فقط علما ان والدي عمل في مهنه السياقه اكثر من 35 عام
دون ان تسجل عليه اي مخالفه الا شي قليل لايذكر ونال عام 1970
على شهاده خطيه من
نقابه العمال في الموصل لعدم ارتكابه المخالفات المروريه حيث كان احد اعضائها
تمرض والدي بدايه
عام 1980 حيث اصبح صعبا عليه قياده السياره وطلبنا منه انا واخوتي ان يترك
العمل وفعل ذالك اشتد فيه المرض
وافاه الاجل عام 1986حينها ترك لنا والدي شى اسمه الكفاح والامانه والصدق في
العمل نشكر الله على كل
شى والرحمه على كل من ساهم في خدمه بلدتنا العزيزه بغديدي من رجال دين
وتربويين وحرفيين اللذين هم الان في
ذمه الخلود وبارك الله وادام بصحتهم للذين لايزالون يوفدون هذه البلده
بعطائهم
|