السنة الطقسية  2008-2009    الأحد الثاني من الصوم    لوقا 5 : 12-17

               الحكم على القريب    "لا تدينوا لئلا تُدانوا "

يتصرف الإنسان بحسب ما يراه ويحكم هو به. فإن كانت عينه شريرة يرى كل شيء سيئا. وإذا كان فكره غير معتدل يرى الأمور عوجاء ويفكر ويتصرف باعوجاج. من هنا ضرورة الانتباه إلى ما نراه وما نسمعه لئلا نخطيء الحكم في تصرفات يقوم بها القريب، تكون في نظرنا غير لائقة أو شريرة أو خبيثة. وهي في الواقع صالحة أو ليست بالشر الذي نتصوره نحن.

محبة القريب تضطرنا إلى الانتباه إلى هذه الناحية. عدا أن نصوصا من الانجيل المقدس والرسائل حذّرت كثيرا من سوء الظنون ومن الأحكام الباطلة ومن كل نظرة او قول او تصريح يضر بسمعة القريب و يسيئ إلى اعتبارة. “ لماذا تنظرالقذى الذي في عين أخيك ولا تفطن للخشبة التي في عينك" . "ومن أنت حتى تحكم على عبد ليس لك..".

إنه لمن الصعب كثيرا أن نحكم على أفعال البشر. فالفعل يقاس بالنية . والنيات خارجة عن نطاق نظرنا. فقد نرى أخطاء كبيرة ولكنها في نظر الله بسيطة. أو قد تكون هذه الأخطاء حاصلة عن ضعف لا عن خبث. ونعلم بأن الله يتغاضى عن مثل هذه الأخطاء مقابل ما يقوم به هذا الانسان من حسنات وأفعال صالحة. وفي حال افترضنا أن النيات كانت سيئة وخبيثة فإننا مع ذلك لا نعرف مدى المسؤولية التي تقع على هذا أو ذاك من الأشخاص. لأن الله لا يطالب نفسا إلا بمقدار النعم المعطاة لها. لنذكر كيف حاسب الملك عبيده في مَثَل الوزنات. فقد طالب كلا منهم بقدر ما أعطاه من وزنات. ثم مَن منا يقدر أن يفتخر أنه جاوب دائما وتماما على النعم التي أعطاه إياه الرب ؟ . أجل علينا أن نكره الخطيئة ولكن ليس لنا الحق أن نحتقر الخاطيء. ولماذا لا ننظر إلى القريب من الجانب الحسن؟ أي أن ننظر إلى المزايا الحسنة الموجودة فيه ونترك الناحية الضعيفة فيه لحكم الرب خالقه، فاحص القلوب والكلى . فلا نحتقرن إذن الأشخاص . لأن أشقى الناس يضم في داخله الشرارة الإلهية التي يمكن أن تضطرم يوما . أليس حتى بين القديسين والشهداء أشخاص كانوا قبلا مضطهدي المسيحية وسفاكي دمائهم. مثل مار بولس وبعض الملوك الوثنيين الذي اهتدوا بعد ذلك. ومثل القديس أوغسطينوس وشارل دي فوكوا وغيرهما من الذين كانت سيرتهم قبل اهتدائهم عبثية سيئة. فلا نحتقرن الآخرين من أجل أفعالهم. لأننا نجهل الباعث لها. ونجهل النتائج البعيدة لهذه الأفعال." فلا تدينوا لئلا تدانوا" (متى 7: 1). " ولا تحكموا بحسب الظاهر لكن احكموا حكما عادلا" (يوحنا 7:24) " ولا تحكموا البتة قبل الأوان إلى أن يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام ويوضح أفكار القلوب وحينئذ فكل أحد يكون مدحه من الله" (1قور 4: 5). آمين .

 

م. ج. زائر رسولي

 

الفهرس 2008