السنة الطقسية  2008-2009    الأحد الخامس من الصوم   لوقا 7 : 11- 18

     

العودة إلى حضن الآب

في ختام مواعظنا عن المحبة علينا أن نعود إلى الآب في اهتداء حقيقي. هذه العودة قد رسم لنا يسوع خطوطها في مثل الإبن الشاطر، الذي ندم وعاد إلى أبيه. وفي حنان الأب الذي استقبله واحتضنه بشوق وحب ودموع لأن أبنه هذا "كان ميتا فعاش وكان ضالا فوُجِد" (لوقا 15: 31). ولكي يكون هذا الاهتداء حقيقيا وفعالا يجب أن يصدر عن إرادة حرة وقصد ثابت ونية مخلصة. فالإبن الشاطر ، بعد عناء وفقر وتعاسة، هو الذي جلس وفكر وقصد العودة الى أبيه مخططا كيف يعود وماذا يقول كي يقبله أبوه . وقد قرر العودة حتى لو أن أباه اعتبره كأحد الأجراء لا كالإبن. هذا الارتماء بين أحضان الأب دون قيد أو شرط هو النمط الصحيح لعودتنا نحن. لاسيما خلال هذا الصوم المبارك. لا شك أن معرفة الإبن بحنان أبيه شجعته على العودة. ونحن الذين اتخذنا الله بحبه أبناء له حتى بذل ابنه الوحيد كي لا يهلك أحد منا، علينا أن نبدأ بالعودة دون قيد أو شرط ودون خوف أو تردد.  من الأكيد أن الاهتداء لا يكون حقيقيا ومكتملا إذا كان هناك ضغط بشري على المهتدي. كما أن كل إغراء بشري يوخر الاهتداء الحقيقي لانه يضيّق على الحرية الشخصية أو يشلها.   طرق الله في دعوة الانسان إلى الاهتداء خفية وعديدة. فهو يستعمل حدثا ما أو شخصا أو قولا أو ذكرى أو أية إيماءة أخرى. وكأنه يقول لك: يكفي يا ولدي. انتبه. تارة يبلبل أفكار الشخص ليستحوذ عليه الاضطراب. وطورا يركع الإنسان ويلزمه بالخضوع والانقياد كما حدث لشاول، الذي اهتدى وأصبح ذلك العظيم الرسول بولس. وأحيانا ينير الإنسان فجأة دون أن يعرف هذا الانسان مصدر النور. وعادة يأتينا نور الاهتداء هذا عندما نتخلى عن ذاتنا ونتجه نحو الله ونحو القريب. وفي هذا الصدد يقول القديس يوحنا في رسالته الأولى(2: 2-11) " مَن قال أنه في النور وهو يبغض أخاه فهو في الظلمة حتى الآن. مَن أحب أخاه فهو ثابت في النور وليس فيه عثار، وأما من أبغض أخاه فهو في الظلمة وفي الظلمة يسلك. ولا يدري أين يتوجه لأن الظلمة قد أعمت عينيه" .  وكما ترون اخوتي كل شيء في حياتنا المسيحية مرتبط بالمحبة. وكل الرذائل والخطايا ترتكب هي أولا وآخرا ضد المحبة. والرسول بولس فصّل ذلك عندما كتب إلى أهل قورنثية (1قور 13: 1-13) يقول: " لو تكلمت بلغة الناس والملائكة ولم تكن فيّ المحبة فما أنا ألا نحاس يطنّ أو صنج يرن. ولو كانت لي موهبة النبوءة وكنت عالما بجميع الأسرار وبالمعرفة كلها، ولو كان لي الإيمان الكامل فانقل الجبال، ولم تكن فيَّ المحبة فما أنا بشيء... المحبة تصبر . المحبة تخدم. ولا تحسد ولا تتباهى... .ولا تفعل ما ليس بشريف، ولا تسعى إلى منفعتها...المحبة لا تسقط أبدا، وأما النبوات فستبطل والألسنة ينتهي أمرها والمعرفة تبطل...وتبقى هذه الأمور الثلاثة : الإيمان والرجاء والمحبة . ولكن أعظمها المحبة". فلنعد إلى رشدنا ولنحاسب ضميرنا أين وكيف ومتى تركنا بيت الآب ورعينا الخنازير. ولنتذكر غنى البيت الوالدي ودفء أحضانه الغامرة. فهو أبونا وهو إلاه الرحمةوالغفران. آمين .

م. ج. زائر رسولي

 

الفهرس 2008