مواعظ على مدار السنة الطقسية 2008 ـ 2009
المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل
الصوم شكل من أشكال المحبـة غدا الإثنين يبدأ الصوم المبارك. والصوم ليس انقطاع عن الأكل والشرب بل هو أيضا وبصورة خاصة، قمع الذات وترويض الروح والجسد من أجل توجيههما نحو المثل العليا وإخضاعهما لأرادة الله والطرق إلى ذلك عديدة لا تنحصر بالأكل والشرب. فالصوم هو أبضا انقطاع عن النواقص والخطايا التي نقع فيها. ولكن قد نتساءل ما علاقة الصوم بالمحبة ؟ الجواب هو هذا : ليس حب بلا تضحية. بل الحب هو التضحية بالذات وبالإرادة وبالراحة من أجل مَن نحبهم. وأول مَن يجب له الحب هو الله ثم العائلة فالقريب. لا أحد يكلف ذاته وزرا دون هدف. ولا أحد يتحمل تعبا دون أن يحب مَا ومَن مِن أجله يتعب ويضحي. جعل الكتاب المقدس من الصوم إذلالا للنفس وصولا إلى تطهير الإنسان وتقطيع الروابط التي تشده بالأرض، ليتمكن من البحث بحرية عن الله والسير نحوه. ففي سفر اللاويين (16: 29-30) نقرأ : " هذا يكون لكم رسما أبديا. في اليوم العاشر من الشهر السابع تذللون نفوسكم. لأنه في هذا اليوم يكفّر عنكم فتطهّرون من جميع خطاياكم أمام الرب". وقد توسع المشرّع القديم في تنظيم الصوم فجعله ليس فقط حرمانا من الأكل والشرب. بل أيضا من بعض مباهج الحياة: كالاستحمام والتطيّب والتبرج والاحتفال. مضيفا القيام ببعض الإماتات منها لبس المسوح وتمزيق الثياب والجلوس على الأرض ور الرماد على الرأس. هذه المظاهركلها كانت تعبيرا عن الندامة والتكفير عن الخطايا. ولكنها على أهميتها لم يكن لها معنى ولا نفعا إن لم يمتنع الإنسان عن الخطيئة ويمارس أعمال البر والرحمة. يقول أشعيا النبي (58: 3-7). أهكذا يكون الصوم الذي آثرته اليوم؟ الذي يكلف فيه الإنسان نفسه ؟ هل إذا أحنى رأسه كالبردى وافترش المسح والرماد تسمي ذلك صوما؟ أليس الصوم أن تكسر للجائع خبزك، وأن تدخل البائسين المطرودين بيتك وأن تكسوَ العريان ولا تتوارى عن لحمك؟" أي عن نظيرك. ولما جاء المسيح وقبل أن يباشر برسالته الخلاصية انفرد وصام أربعين يوما مؤكدا بذلك أن كل عمل صالح وكل رسالة مقدسة وكل نشاط لبناء القريب يجب أن يسبقه تحضير والصوم هو أحد أهم عمل لهذا الاستعداد. ولكي يكون الصوم صحيحا وذا فائدة يجب أن يكون صوم فرح : “ فإن صمتم فلا تكونوا معبسين كالمرائين الذين يغيّرون وجوههم ليظهروا للناس صائمين. بل ليكن صيامكم في خفية وفي السر" (متى 6: 16-18). وإذا كانت الكنيسة قد طوّرت أساليب الصوم وخففته تماشيا مع ظروف ومقتضيات الحياة، فإنها لم تتخلَّ عنه من حيث أنه يهدف إلى تقويم الحياة بأفعال البر والصلاح وبتنشيط المحبة تجاه الله وتجاه القريب. لذا فهي توجه المؤمنين إلى القيام بأفعال إيجابية بناءة منها: خدمة بعضنا البعض في المحبة والتفاهم والتعاون. ثم المواضبة على الصلاة وقراءة الكتب المقدسة والمشاركة في الاحتفالات الدينية. هذا هو المعنى الصحيح للصوم. فإلى العمل وإلى الصوم بهذا الروح حتى نستحق الدخول في أفراح عيد القيامة. آمين.
الفهرس 2008
الفهرس
2007
|