السنة الطقسية  2008-2009  الأحد الرابع بعد الدنح    لوقا 14: 12-15

المغفـرة وجه من أهم أوجه المحبة

علَّمنا يسوع أن نصلي كل حين . وفي أحلى صلاة سلمنا إياها حثنا أن نطلب من الآب السماوي : " يغفر لنا ذنوبنا وخطايانا كما نحن أيضا نغفر لمن أخطأء وأساء إلينا " . لا شك أن تنفيذ هذا المطلب لا يخلومن صعوبة. وقد يكون أحيانا مستحيلا على الطبع البشري أن يغفر ويسامح تعديات الغير وهوالمائل إلى الانتقام . ولكن هذا هو الوجه الجديد للعهد الجديد الذي فتحه لنا يسوع ابن الله. فالغفران هوما يميِّز تباع المسيح عن غيرهم من أبناء الشرائع القابلة بالثأر. لقد ألغى يسوع شريعة العين بالعين والسن بالسن. ورفض كل شريعة تتخذ من الثأر واسطة لإعادة الحق إلى أصحابه. " لي النقمة وأنا أجازي " يقول الرب. ووصولا إلى هذا الغفران بدأ الرب في تطوير وتهذيب أخلاق بني شعبه تمهيدا لمجيء ابنه. الذي كمل ما كان ناقصا. فأخذ تعالى يحد من شريعة الثأر تدريجا (خروج 2: 25) مانعا البغض والحقد على أبناء الشعب واخذ الثأر منهم : " لا تبغض أخاك في قلبك بل عاتبه ولا تحمل فيه وزرا ولا تنتقم..." (لاويين 19: 17-18).

والكتب الحكمية التي كتبت قبل المسيح بمدةقصيرة اكتشفت الصلة التي تربط غفران البشر بغفران الله. فدعت إلى التسامح. "أغفر لقريبك ظلمه لك. فإذا تضرعتَ تُمحى خطاياك ..." (ابن سيراخ 28: 2-4). ولما كملت الأيام وأصبح الشعب أكثر تحضيرا ، جاء المسيح وأعلن مشروعه الذي يختصر بالمحبة والغفران. فمزق أكفان الشريعة القديمة وحلَّق بأفق رحاب الأخوّة الواسعة وتجاوز حتى بلغ إلى القول : " أحبوا أعداءكم واحسنوا إلى من يبغضكم وصلوا من أجل مَن يعنتكم ويضطهدكم" (متى 5: 43-45). جاعلا من الغفرا شرطا أساسيا للحياة المسيحية. وقد ركز على هذه الحقيقة في جوابه لبطرس عندما سأله هذا : “ يا رب كم مرة يخطأ إليَّ أخي فأغفر له؟ أإلى سبع مرات؟ فقال له يسوع: لا أقول لك إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات" (متى 18: 21-22).

وأول من طبق هذا الكلام هو يسوع عندما صرخ من أعلى الصليب: أبتاه أغفر لهم. ثم طبقه اسطيفانوس بكر الشهداء عندما كان يرجم فقال : " يا رب لا تُقم عليهم هذه الخطيئة " (أعمال 7: 59). وياتي مار بولس الذي نال اضطهادات وعذابات كثيرة، ليؤكد على ضرورة الغفران كسمة مميزة للمحبة الأخوية فقال: إن جاع عدوك فأطعمه وإن عطش فاسقه. فإنك بفعلك هذا تركم على هامته جمر نار . لا تنغلب للشر بل أغلب الشر بالخير" (رومية 12: 20-21). ليكن لنا من الشجاعة أن نغفر لمن يسيء إلينا. فإن فعلنا ذلك نكون حقا أبناء المحبة وإخوة يسوع الذي جاء به حبه لنا إلى الأرض وانتهى به إلى الموت. وليس حب أعظم من يبذل الإنسان حياته من أجل الذين يحبهم. يا رب أغفر لنا خطايانا وساعدنا أن نغفر نحن أيضا لمن أخطأ وأساء إلينا. آمين .

 

 

م. ج. زائر رسولي

 

الفهرس 2008