مدارس بخديدا الدكتور سامي نوح كرومي
|
في مدرسة الاستاذ ايشوع بنو
المكان: ساحة كنيسة مار يوحنا المليئة بالقبور في الوسط شجرة الزيتون العتيقة بجانبها بئر السقي الزمان : الخمسينات من القرن الماضي. الشخوص: الاستاذ ايشوع بنو ساعور الكنيسة ومجموعة التلاميذ من كل بخديدا باعمار لا تزيد عن اثنتي عشرة سنة يقترب عددهم من خمسين طفلا . اوقات الدوام: من الصباح وحتى الظهر المادة الدراسية: التعليم المسيحي واللغة السريانية العام الدراسي: العطلة الصيفية نوع المدرسة: اهلية اجور الدراسة: عينية كنا لا نصدق ان العام الدراسي قد انتهى في المدرسة الحكومية لكي نرى عمي ايشوع بنو بالمرصاد لنا فلا وقت يضيعه لبدء دروسه في التعليم المسيحي واللغة السريانية واحيانا كان يقسمنا الى اكثر من فريق ويشرف علينا جميعا في نفس الوقت فالبعض يحفظون الصلوات السلام عليك وابانا الذي في السماوات وثالثة الاثافي قانون الايمان ( نؤمن باله واحد ). البعض الاخر يتعلم الحروف السريانية الاثنين و العشرين التي تبدأ بالاولف بي كومل دولث هي وتنتهي بالتاو الذي عندما نصل اليه يكون نفسنا قد انقطع وعلينا ان نملا رئتينا بشهيق عميق. كان الدرس يبدأ مع بداية الصباح وما زال الهواء باردا وعليلا خاصة عندما كانت تهب نسمة تهز قليلا اغصان شجرة الزيتون التي كان يثظلل تحتها الاستاذ والمدير والحاكم بامره ايشوع بنو . لقد كان حازما وقاسيا جدا لا يعرف لكلمة التساهل او التسامح معنى عصاه لا تنكسر ولا ينساها يوما لقد كانت مصاحبة له وعندما كان لا يستعلمها للضرب كانت تؤدي عمل عصاة المايسترو عندما تعزف فرقته احدى سمفونيات بيتهوفن . كانت الجزء المكمل لهذا الاستاذ الجزء الذي لم يخلقه الله معه كيديه او رجليه او بقية اعضائه .لقد كان عصبيا حاد المزاج ولكن كانت له حساباته الخاصة التي بدأنا نكتشفها يوما بعد يوم. كنا شلة انا اصغرهم عمرا وحجما كان جميعهم اكبر مني عمرا وكانت هذه الشلة تتململ كثيرا وتتضايق جدا من الجلوس ساعتين تردد كالببغاوات لغرض الحفظ الصلوات الطويلة وخاصة نؤمن باله واحد والتي يتناقص عدد المرددين في بعض مناطقها لكي يقتصر على صوت استا ايشوع فقط وهو يقيس من ذلك مدى تعلمنا وحفظنا لها واحيانا كان لا يعيرنا اهمية يستمر فنلحق به كل واحد بما يتذكره ليدخل ضمن الجوقة في العبارة التي تعود الى ذاكرته من جديد وكان ذلك ما نقوم به يوميا ومن كثرة ما نرددها تنطبع في اذهاننا وتتلحن بلحن تلقائي يساعد على سهولة الحفظ . لقد كان هناك حجران على حائط يقع خلفنا ويكون بمواجهة استا ايشوع هذان الحجران هما اهم ما تتعلق به ابصارنا لانهما كانا يمثلان الساعة التي يعتمدها عمي ايشوع لبداية الدرسين الذين تفصلهما فرصة (استراحة) قصيرة لقد كانت حركة الظل على الحائط ووصولها الى هذين الحجرين بمثابة عقرب الساعة او الارقام الديجيتال في عصرنا الراهن .وكنا نغافل العم ايشوع ونلتفت دوريا خلفنا لنعرف كم شبر يفصل بين حافة الظل والحجر لكي تحين ساعة الحرية .وكان يصرخ علينا اذا لاحظ حركتنا للخلف فلم يكن يريدنا نلتهي او ننشغل عن الترديد .اما اذا وصل الظل فلا يستطيع ان يجبرنا على الجلوس اكثر اجل انتهى الدرس وساعتنا اضبط ساعة في الكون.ولذلك تعلم الاستاذ ايشوع ان يحترم الوقت وان يتوقف عند انتهاء مدة الدرس لاننا سننهيه شاء هو ام ابى . كنا مطمئنين الى انه لا يستطيع ان يفعل شيئا حيال ذلك فالحجر هو جزء من حائط البناء والظل يتحرك ولا يستطيع ان يزيد في سرعة حركته او يقللها اللهم الا اذا (دارت الشمس اسرع او ابطأ) الامر الذي ليس ضمن سلطة استاذ ايشوع . لقد كان عبئا ومملا جدا ان نقيد انفسنا يوميا فبدل ان نرتاح من المدرسة التي امضينا الشتاء وطيلة العام الدراسي على رحلاتها ها نحن نمضي بقية اشهرالسنة جالسين على القبور من الصباح وحتى الظهر واهلنا مرتاحين جدا لاننا سنتعلم السريانية والصلوات الاساسية والاكثر من ذلك انهم يرتاحون من شقاواتنا طيلة فترة الصباح فتقوم الامهات باعمالهن دون منغصات . جلب الماء ، غسل الملابس ،عمل الخبز ، وتحضير طعام الغذاء الذي في اغلب الاحيان كان اسهل هذه الاعمال . شلتنا كانت متكونة من اربعة او خمسة انفار : اخي الاكبر كريم رحمه الله ويوسف عزو ددو وهادي نوح ددو ومتي الياس البنا وسالم كريم ددورحمه الله ومحدثكم. كنت اصغرهم عمرا وحجما وكنت كبش الفداء في خطتهم للهروب من المدرسة والذهاب للعب والعودة الى البيت مع موعد انصراف مدرسة استا ايشوع .لقد رسموا خطة للهروب وكان دوري فيها اساسيا . اخبروني ان هناك اشارة استلمها من اخي الاكبر ايماءة من راسه وانا علي ان اترك كل شئ وانطلق باتجاه الباب واقف تحت ناقوس الكنيسة في المدخل لكي يلحقوا هم بي ايضا ونخرج جميعا بعدئذ لكي نلعب براحتنا . لقد كانت عملية تتطلب الجرأة فللاستاذ ايشوع رهبة لا يعرفها الا من اكل عصيه القوية على راحة كفه .كنت بين الفينة والاخرى انظر الى اخي لكي استلم الاشارة للبدء واخيرا جاءت الاشارة عندما كان استا ايشوع يدير المجموعة الاخرى وهو ما كان ليلاحظ هروبي لولا انهم صاحوا استا استا سعدي هرب .فالتفت خلفه ليراني تحت الناقوس وقد فتح عينه الوحيدة من شدة غضبه حتى لكانها شغلت كل مساحة وجهه الجزء الثاني من الخطة هو ان يلحقوا بي بحجة انهم سيجلبوني له فقالوا له نذهب لناتيك به فسمح لهم وانطلقوا كلهم باتجاهي وانا مطمئن اننا سنخرج جميعا ,ولكنهم لم ينفذوا الخطة كما اتفقنا ، يبدو انهم خدعوني ، لقد جرجروني الى عمي ايشوع ووقعت في يده واكلت منه عشر عصي قاسية جدا احسست ان يدي قد تورمتا . والشلة مغرقة في الضحك لقد انتقموا مني وسجلوا موقفا امام عمي ايشوع انهم ملتزمين وحريصين والاكثر انهم ذراعه الايمن وساقيه التي تلحق بكل من تسول له نفسه الهروب من درس عمي ايشوع . لقد كرهتهم وحقدت عليهم وقاطعت شلتهم ولم اعد العب معهم لانهم خانوني وسلموني الى الجلاد وانا لم يكن يخطر ببالي ان اهرب من الدرس لولا ان هم دفعوني الى ذلك .
عندما دخلت المدرسة الابتدائية دخلت المدرسة الابتدائية عام 1952 في بخديدا في مدرسة المكتب التي لم يكن غيرها مدرسة للبنين . ثلاثة لا انساهم الاول معلمي الاستاذ حنا والد الدكتور صباح حنا كان معلمي في الصف الاول الابتدائي في مدرسة المكتب ( دار المرحوم عبوش سكريا) والثاني المربي الفاضل المرحوم روفائيل جبوري مدير المدرسة والثالث الذي لا انساه كان عمي ججي بنو فراش المدرسة. في اول يوم دوامي في المدرسة وجدت غرفة فيها ما يسمونه رحلات خشبية وسبورة سوداء وعلى ان اجلس دون حركة الى ان تحين الفرصة لنخرج من هذا الموقف الذي يسمونه صفا . وفي اول ساعة من هذا اليوم قادنا المعلم الاستاذ حنا كقطيع من الحملان وادخلنا الصف واخذ يقرا الاسماء وكلما قرا اسما صاح صاحبه نعم وانتظرت ان يقرأ اسمي ولكنني لم اسمعه يقرا اسمي واسمي انا اعرفه هو سعدي نوح وهو لم يقرا هذا الاسم فانا كنت منتبها جدا اليه فلم اقل نعم لان لا يجوز ان اقولها الا عندما يصيح سعدي نوح شاهدت الاستاذ حنا وقد تعصب علينا ويبدو ان لديه مشكلة فهناك طالب غائب ولكن عدد الطلاب صحيح . نادى على الفراش عمي ججي وقال له من هو سامي نوح لا احد في الصف بهذا الاسم فجاء عمي ججي وهو عمي يعرفني جيدا وقال لاستاذ حنا انه هنا هذا هو واشار الي فجاءني استاذي حنا وصفعني اول صفعة استلمها في حياتي الدراسية ( وليست الاخيرة ) وقال لي هل يوجد بشر لا يعرف اسمه طبعا نحن لا نتكلم العربية في الصف لا زلنا بعمر ست سنوات اطفال في قرية لم يكن هناك لا ماء في الحنفيات ولا كهرباء ومصابيح ولا تلفزيونات فلم اعرف ان هناك في الدنيا لغة غير التي اتكلمها .تحملت الصفعة وانا لم افعل شيئا لم ارتكب ذنبا ولم اعتد على احد . من هو سامي نوح هذا ؟ انا لا اعرفه انا اسمي سعدي منذ ان تعلمت النطق وصرت اتكلم اسمعهم يسمونني سعدي ولا اعرف نفسي الا بهذا الاسم جاء المرحوم عمي ججي وبكل رقته وحنوه الرائع انحنى ليقول لي انت هنا في المدرسة اسمك سامي نوح وعندما يصيح استاذ حنا سامي نوح انت تجاوب نعم او حاضر . اجل عمذت من جديد من قبل عمي ججي وهدية عماذي كانت صفعة الاستاذ حنا . علمت بعد عودتي الى البيت ان اسمي في الحكومة هو سامي واسمي سعدي هو في البيت فقط لان اختي سعاد طالبت ان يكون لها اخا اسمه يشبه اسمها فاختاروا لي اسم سعدي . تنبأ لي استاذي حنا بان لا انجح في المدرسة لشدة غبائي وجهلي لاسمي . سامحه الله وحفظه واطال عمره او رحمه الله . الصفعة الاخرى لم تكن في هذا اليوم كانت في اسبوع الالام وهو الاسبوع الذي يسبق عيد القيامة حيث كنا نشارك المسيح في الامه ومن مظاهر الحزن وانكار الذات في هذا الاسبوع ان نمشي حفاة فذهبت الى المدرسة حافيا او خلعت حذائي هناك لا اتذكر المهم اننا بالاصطفاف كنت واقفا بكل وقار وانا حزين على صلب سيدنا المسيح ابن الله الوحيد ولا ادل على ذلك من قدمي الصغيرتين الحافيتين . وكان المدير الاستاذ روفائيل جبوري يفتشنا وعندما وصل الى حيث اقف وراني حافيا صفعني الصفعة التربوية الاخيرة . يبدو ان الام المسيح او صلبه ليس مهما بالنسبة للمدير وللمدرسة بشكل عام وانا لم احقد عليه لانه صفعني بكفه العريض على وجهي الصغير ولكن لانه لم يحترم الام المسيح وعذاباته في هذا الاسبوع المقدس وفي ذلك اليوم بعد ان صفعت الصفعة الثانية والاخيرة ذهبت الى عمي ججي واخبرته ان المدير ضربني لانني كنت حافيا اكراما لالام المسيح فكلمني بحنانه العظيم ومسح الحزن الذي كان يغلفني وقال لي المسيح في الكنيسة يا سعدي هنا في المدرسة تتعلم القراءة والكتابة . من يومها كان الدرس التربوي الاكثر تربوية قد جاءني من عمي ججي بنو رحمه الله فراش المدرسة .
في ايام الامتحان النهائي..أمرغريب! يعود تاريخ هذه القصة الى حزيران عام 1964 . كنا خمسة طلاب اربعة في دار المعلمين الابتدائية والخامس في معهد اعداد المعلمين. اما الطلاب الذين كانوا في دار المعلمين الابتدائية فهم وحسب الحروف الابجدية : 1- ادور بحو ككي 2- ايشوع سليم دنحا 3- سامي نوح كرومي 4- صبيح ميخا عولو واما الذي كان في معهد اعداد المعلمين فهوالطالب ججو متي موميكا . كنا نذهب الى الدوام في دار المعلمين ومعهد المعلمين اللذان كانا يشغلان نفس المبنى في المجموعة الثقافية حيث جامعة الموصل حاليا . فنقضي النهار لنعود بعد نهاية الدوام الى بيوتنا في بخديدا . اتفقنا فيما بيننا ان نشترك في استئجار سيارة تنقلنا ايام الامتحانات الى الموقع وتعود بنا بعد انتهاء الامتحان لتوفير بعض الوقت للاستفادة منه في التحضير لليوم التالي وللاطمئنان للوصول في الموعد المحدد للامتحان فلا يفوتنا الامتحان في انتظار سيارة لم تغادر في الوقت المناسب . لقد كنا خمسة وعددنا يكفي لملء سيارة بحمولة خمسة ركاب واتفقنا على ان ندفع اكثر من الاجرة المعتادة لان السيارة ستوصلنا الى المعهد وبذلك توفر علينا وقت التحول من واسطة نقل الى اخرى اضافة الى الواسطة الاخرى هي باجور ايضا . لقد تكلف احدنا بالمهمة واتفق مع سائق من اهل بخديدا على ان يقدم لنا هذه الخدمة واتفق معه على المواعيد والاجور ولم يعترض احدنا على أي شئ واستيقظنا في صباح اليوم الاول للامتحان وذهبت الى حيث مكان التجمع لاجد اخواني الاربعة الاخرين هناك وبعضهم داخل السيارة والاخرون حولها بانتظار ساعة الاقلاع . لقد شعرت بسعادة ان ايام الامتحانات ستمر على هذا المنوال واتخلص من القلق في ان احصل على سيارة في الوقت المناسب ام لا ، والقلق وفي ايام الامتحانات شئ مضر جدا للذاكرة ولصفاء الذهن ولحسن الاداء اثناء الامتحان . ولم اكن اكثر الخمسة خوفا من الامتحان وربما كنت اقلهم ولكن كنت مرشحا ان اكون الخريج الاول في دار المعلمين الابتدائية نظرا لان نتيجتي للسنتين السابقتين كانتا ممتازتين وكنت الاول في السنة الماضية. في عصر اليوم الثاني جاءني السيد ايشوع سليم دنحا الى الدار ليبلغني ان السائق الذي اتفقنا معه قد نقض الاتفاق وابلغه ان يبلغنا جميعا كي لا نعتمد عليه وان ندبر امورنا بانفسنا لانه ليس مستعدا لتوصيلنا والعودة بنا ودون ان يقدم سببا واضحا سوى انه لم يعد يرغب في اصطحابنا . لقد كان وقع الخبر علي مزعجا جدا وسالت الاخ ايشوع ما عسانا نفعل فلم يكن له خطة بديلة وشكرته لابلاغي وانصرف الرجل . في اليوم التالي بكرت في الخروج من الدار كما كنت افعل ايام الدوام العادي وخرجت قبل ساعة من الموعد الذي كنا قد اتفقنا مع السائق ووصلت في الوقت المناسب الى المعهد وعندما نزلت من الباص رايت السيارة التي اقلتنا يوم امس واقفة امام مدخل المعهد. لم اشأ ان اشغل فكري بموضوع اخر غير موضوع الامتحان ولذلك لم اتوجه الى السائق لكي اسأله عن سبب نكايته بنا خاصة وانه ها هو امام المعهد فسلكت طريقي الى الداخل وكانني لم اره . اما هو فكان متعمدا ان يريني نفسه ربما لكي اعاتبه ولكنني لم افعل ولما مررت من جانبه وتجاوزته دون ان التفت اليه ما كان منه الا ان ادار محرك سيارته و تحرك بها مغادرا المكان الذي كان واقفا فيه.. أمرغريب!
|
