رسالة الارض المقدسة الاب سيبستيان فرنسيس
موعظتين في كنيسة القيامة القبر المقدس بمناسبة الصوم الكبير القى الاب سيبستيان فرنسيس موعظتين في كنيسة القيامة "القبر المقدس" بحضور غبطة البطريرك ميشيل صباح ولفيف من الآباء الأفاضل والحجاج رعية القدس
الوعظة الأولى
الأحد الثاني من الصوم (التجلي)19.4
الأحد الثاني من الصوم (ب) صاحب السيادة، سيادة الحبر الجليل، الآباء الأفاضل، أخوتي أخواتي الأعزاء... لقد سمعنا الرسالة الخلاصية في الأحد الماضي، الأحد الأول من الصوم تقول: " قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وامنوا في الإنجيل ". فضرورة التوبة وخاصة في هذا الزمن المقدس مطلوبة، لانه بالصوم والصلاة والاشتراك في الآم السيد المسيح، مخلص العالم، والمحبة المتبادلة والمنزهة عن كل غاية يتبرأ عنها الإيمان المسيحي الحقيقي، نكون قد تهيأنا بأن نكفر بخطايا هذا العالم الدائم التغير، ونتغلب على ضعفنا البشري المسير بحواس باتت ضعيفة أمام تجارب حواسنا الخمسة، حيث نتذكر كلمات القديس باسيليوس حيث يقول: (صوموا فانتم خطأ، صوموا لئلا تخطئوا). وفي هذا الأحد الثاني المبارك من الصوم، نسمع ونتبارك حين نسمع كلمة الإنجيل المقدس المنبثقة من فم الله تقول لنا: " هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا... ". أخوتي أخواتي الأعزاء... إن لحدث التجلي أهمية كبرى في إعلان هوية يسوع المسيح، وهذه الأهمية تكمن في سماع وحفظ كلمة الله والعمل والعيش بها. فعلى جبل طابور أبدع المسيح من جديد: جمال الأرض حوله إلى أيقونة الجمال السماوي. وفي التجلي لبس طابور والبشرية جمعاء مع التلاميذ الذين عاينوا وشاهدوا وعاشوا هذا الحدث المميز، لبسوا جميعا الثوب الإلهي، ونالوا ملكوت الفرح حين سمعوا ما قاله ألآب الأزلي: " هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ". لقد أكد يسوع هويته هو بنفسه... أكدها في العماد المقدس وفي رسالته المجيدة، كما أكد أمانته للآب السماوي في التجربة التي خاض غمارها في البرية وخرج منها منتصرا، معلنا نوعية العبادة والمصير. داعيا تلاميذه لأن يقتدوا بالمثل. و يدعونا اليوم نحن المؤمنين به، إلى إتباعه حتى النهاية. مقتدين بدعوة صوت ألآب من السماء: "له اسمعوا...". فلماذا يصرخ ألآب هذا الصوت؟ يصرخ، لان يسوع المسيح هو ابن الله الحبيب، فيه وضع ألآب كل محبته وقدمه كفارة للبشرية جمعاء، معلنا إياه إبنا حبيبا مطيعا. إن الله يدعونا اليوم وكل يوم، لسماع صوت المسيح المخلص وإتباع تعاليمه المقدسة والتعلق به. جماعة الرسل التي رافقت يسوع إلى جبل طابور، اعترفت بيسوع ابن الله الحبيب وبشرت به حتى أقاصي الأرض. كذلك، الحديث الذي دار بين يسوع وإيليا (يرمز إلى ألأنبياء) وموسى (إلى الشريعة)، ربما كانا يتحدثان معه راجين منه، قائلين: ( لتكن مطيعا وتشجع واكمل ألمسيرة حتى لا تتعرض جميع النبوءات والشريعة والناموس للضياع والاندثار، لأنه بك هو كمال الناموس والأنبياء لا بل أنت هو الناموس والشريعة ).
وهكذا نحن أيضا يا أخوتي وأخواتي... عندما نعلن من جديد هذا الحدث، نعترف بدورنا بهوية يسوع وبهويتنا نحن – أبناء الله ملتزمين بفعل هذه الحقيقة – حقيقة مشاهدة مجد الرب المزمع أن يتجلى بنهاية العالم وكان صرخة بطرس وصرختنا نحن اليوم بإقامة المظال في ذلك المكان المقدس وفي كل مكان وزمان، في العمل، في البيت، في الشارع وفي الحزن والفرح، هي عدم العودة إلى الحياة العادية المغلقة، بل بالتعلق بالمجد المعد لنا من قبل إنشاء هذا العالم. هذا المجد هو بداخلنا، يحولنا من الداخل كلما سلكنا مسلكا لإرضاء ضميرنا فنسير نحو القيامة محققين دعوتنا وهويتنا التي أخذناها بدم ثمين للغاية. أيها الأعزاء... أن السماع هو من الله ومعرفة الإصغاء فن كبيرو المسيح يلفت انتباهنا أن نكون حذرين حين نسمع أو نصغي، عندما يقول: " انتبهوا كيف تسمعون كلام الله...". إننا نعيش اليوم زمنا كثرت فيه الأحداث والكلمات وصعب فيه الإصغاء نظرا لكثرة الضجيج والهموم والصعوبات وآلاما سببها إنسان هذا العصر الغريب، حيث حروب هنا وهناك، اضطهادا تبرأ عنها العدل والضمير، قتل الروح التي حرم الله قتلها بسبب أو بغير سبب، خطف الأبرياء وانتهاك حقوق الآخرين... جميعها وسائل غير إنسانية، جميعها تعرت عن الخلق والأيمان بالفضيلة الإنسانية وحب الله وشرائعه المقدسة، جميعها ارتكبت بالأمس وترتكب اليوم بدعوى القضاء على الشر... ولكن أين تكمن الحقيقة؟؟؟ وحتى نعرف، علينا أن نصغي وحتى نستطيع أن نصغي علينا أن نصمت وندخل إلى أعماق ذاتنا لنهتدي إلى صوت المسيح وهو ينادينا وعلينا التمييز بين هذه الأصوات وهذه الضجة، لنسمع حفيف الرب يدغدغ قلبنا وحياتنا ويدخلها في سر خلاصه. لكن لا يكفي أن نسمع الكلمة وحسب..."فطوبى للذي عندما يسمع الكلمة، يحفظها"... ويسر بها ويتغذى منها ويحملها في حياته، مثلما حملت مريم الطفل يسوع في بطنها. وقد جعلت الذين يتقونها يتقدسون، وجعلت يوحنا المعمدان يرقص فرحا وهو في أحشاء أمه. هذا ما يريد أن يحققه يسوع من خلالنا. أخوتي أخواتي الأعزاء... لنعش نهارنا منتبهين إلى حضور كلمة الله فينا. أن نستسلم لإيحاءات الروح التي تنميها مشاركتنا في الصلاة الفردية والجماعية، وصلوات العائلة اليومية والمشاركة الفعلية بالذبيحة الإلهية، لان كل ذلك هو لحظات تجلي الله في حياتنا. وأخيرا... لنسعى إلى تكريس بعض الوقت للرب يوميا من اجل عيش التجلي في لقاءنا به... هذا أمر ضروري لحياتنا حتى يباركنا الرب. فمن اجل أن ندرك عمق إنسانيتنا واصالة شوقنا إلى الله، علينا أن نوجه انتباهنا لسماع صوت ابن الله وان نتقبل آلام هذا الدهر كمسيحيين مقتدين بربنا يسوع المسيح، فنعبر من الآلام والصليب والموت إلى القيامة والحياة. آميــــــــــن
الأحد الرابع من الصوم (ب) صاحب الغبطة، صاحب السيادة، الآباء الأفاضل، أيها المؤمنون الأحباء... لنتذكر يا أخوتي بأننا قد تكلمنا في هذا الزمن المقدس من الصوم عن مسيرتنا الخلاصية: فقد عرفنا سر المسيح بكونه إنسانا مثلنا حيث سمح لنفسه بان يجرب من الشيطان، معلنا للشيطان بأن سيطرته الآثمة على العالم قد انتهت. كما يعلمنا يسوع كيفية مواجهة التجارب والتغلب عليها. وفي الأحد الثاني من هذا الزمن المقدس، نرى يسوع مبدعا من جديد حيث يظهر في مجده الذي كان يتحلى به قبل إنشاء هذا العالم، محولا جمال الأرض إلى أيقونة الجمال السماوي ولبس طابور والبشرية، لبسوا الثوب الإلهي، سامعين صوت ألآب السماوي يقول: "هذا هو ابني الحبيب فله اسمعوا". أما في الأحد الماضي رأينا كيف تحققت الآية القائلة: " غيرة بيتك أكلتني". غيرة يسوع الإبن على بيت أبيه...الله، حيث يحمل يسوع الحبل بيده ويطرد الباعة والصيارفة من الهيكل المقدس قائلا لهم: "بيتي، بيت صلاة يدعى وليس مغارة لصوص". ترى هل من الممكن أن نتصور ابن الإنسان يسوع، رسول المحبة والسلام، رسول الطاعة لا الاستسلام، قاهر الشيطان والخطيئة وحتى الموت، هل يمكن أن نراه غاضبا ومؤنبا ومحذرا؟؟؟ نعم لكل هذه لأنه فعل ما فعل بسبب غيرته على شعبه وعلى هيكل الرب وعلى قداسة الإنسان وحتى على قداسة الرسالة التي حملها ويحملها من اتبعه مبشرا برسالة المحبة والعطاء، مبشرا بحب الله النازل من السماء... أخوتي وأخواتي الأعزاء...إذا أمعنا النظر على هذا العالم الكبير والذي بات أشبه بقرية صغيرة، لوصلنا الى عظمة حب الخالق لنا حين منحنا سلطانا على هذا العالم. وإذا نظرنا اليوم الى خليقة هذا العالم ذاته، فإننا حتما سنجده عالما تنكر لحب الخالق وكرمه وعطفه، حين أهمل قدسية المكان وعظمة خالق الأكوان... يعلمنا الكتاب المقدس عن التضحية الفائقة التي أراد إبراهيم تقديمها لله حين طلب منه الله أن يأخذ ابنه الوحيد اسحق ليقدمه له محرقة على أحد الجبال، ممتحنا بذلك إيمان إبراهيم. من المعقول جدا أن ارتجف قلب إبراهيم الأب حينما سأله ابنه قائلا: "هذه الحطب والنار فأين الحمل للمحرقة؟". أما إبراهيم فنراه يطيع خالقه كالخادم سيده. واسحق على أية حال، لم يقدم لله إلا ما ناله منه تعالى كهبة تماما ككل شيء بين أيدينا وهي عطية من الله، يعطي ويأخذ فهذا شأنه... وإذ يأخذنا العجب من طاعة الأب والابن، ألا يأخذنا لدى مشاهدتنا ألآب الأزلي مرسلا ابنه الوحيد ليفتدي الجنس البشري بدمه الثمين؟ إن المحبة الفائقة لخلاص البشر حملت الله لأن يرسل يسوع الى هذا العالم حتى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. أيها الأحباْء... نعم أتى المسيح مسالما، لكن ثائرا، حاملا معه رسالة روحية ليهدي خاصته، وسيفا ليقطع به دابر الخطيئة. حاملا رسالة المحبة والسلام ومنذرا بأنه سيحدث الإنقسام. نعم رسالة المسيح هي رسالة تعبق منها روحا ثورية، تقلع حتى تغرس وتهدم حتى تبني. أتى المسيح ليرشد ضمائر غافلة ويحيي أخرى ميتة. كما قال الله لأرميا النبي: "روح النبوءة هي روح ثورية تهدم حتى تبني".أتى يسوع حاملا حبلا ليطرد به أولئك الذين دنسوا بيت أبيه، منبها عن غيرة الروح لقدسية الهيكل ولينطبق المثل القائل: "غيرة بيتك أكلتني". أنذر من أدعوا انفسهم حافظي الشريعة، ولكن بداخلهم عظام موتى. قال لهم يسوع: "جيل ملتو واعوج إلى متى أكون معكم إلى متى احتملكم... تحملون للناس أحمالا ثقيلة وانتم لا تريدون أن تلمسوها بإحدى أصابعكم". أخوتي الأعزاء أن ما ينقصنا اليوم هو روح يسوع الثورية التي أنذرت الكهنة بالويلات، لأننا نتألم في هذا العصر الشاذ نسبيا، خاصة عندما نسمع ونرى بأم أعيننا، شبابنا وشاباتنا يتنكرون للمسيحية ويهجرون الكنيسة، الأم الحنون... نجلس مع أخوتنا وأخواتنا نتذكر ونستعرض ونتألم...إن الكثير من الأشياء تنقصنا وأهمها أن نمتلىء لا بالشفقة على ضعفنا الجسدي، بل على ترهل روح المحبة المنزهة بإلهنا وسيدنا يسوع المسيح... لا نشفق من أجل العدد القليل من المختارين، لا تنقصنا أساقفة، كهنة، رهبان وراهبات، بل شيء واحد هو الغضب. الغضب الذي كان يملأ قلب ارميا النبي: "لقد ملأتني غضبا" (17:15)... فالله قد أقامنا أنبياء: "أني أقمتك لتقلع وتهدم وتنقض وتبني وتغرس، بلا خوف: لا تخف من وجوههم، فاني معك لأنقذك " هكذا يقول الرب (ارميا10،19:1 (. ينقصنا اليوم كما في الأمس، نحن جميعا أنا وانتم، ينقصنا الغضب المقدس الذي هو صفة من صفات الله. الغضب المقدس الذي دفع بيسوع المسيح لمواجهة قساة القلوب خصومه... الغضب المقدس الذي أفقد يسوع سيطرته على رونق سكونه الجميل حين طرد أولئك المستهترين بقداسة الهيكل...الغضب المقدس على الفريسيين والكتبة والمرائين، يقرعهم وينذرهم كلما التقى بهم بالويلات والخذلان... وكذلك الغضب المقدس الذي دفع بيسوع لتحذير أورشليم بأنه لن يبقى فيها حجر قائم على حجر لأنها لم تسمع أو تعمل بوصايا الله...هذا الغضب كان وما يزال قائما حتى يومنا هذا، في تعاليم يسوع لنا...ولكن وأسفاه...لا يزال ينقصنا نحن، وخاصة أولئك الذين أدعوا بأنهم أتباع يسوع و تلاميذه... أخوتي أخواتي الأعزاء... الله الكائن السرمدي وغير المتناهي السعيد في ذاته منبع الخيرات، خالق السماء والأرض، رب الخليقة، الله يحبنا فوق كل شيء وبواسطة ابنه أعطانا مثلا عظيما في المحبة وخاصة محبة الأعداء. فإننا كنا أعداءه فصلب ومات محبة بنا. الذين كانوا سببا لآلامه وموته فقد أحبهم بقوله وهو معلق على الصليب: "يا ابت اغفر لهم..". نعم لقد امرنا بان نحب أعداءنا، فمحبة الأصدقاء هي يمارسها الجميع كما قال السيد: إن أحببتم من يحبكم... أليس العشارون يفعلون ذلك يفعلون؟ وان سلمتم على إخوانكم ... أليس الوثنيون يفعلون ذلك. لكن محبة الأعداء هي فضيلة مختصة بنا نحن المسيحيين. فالله محبة فمن ثبت في المحبة فقد ثبت في الله والله فيه آميـــن الأب سيبستيان فرنسيس اقليميس كنيسة القيامة 2006.3.26
|