احتفالية القيامة على الانترنت المقالة 7
"إنّ حبةَ الحِنطةِ التي تقعُ في الأرضِ إنْ لم تَمُتْ تبقَ وحدَها وإذا ماتت، أخرجتْ ثمرا كثيرا" (يو12: 24) كيارا لوبيك في كلمات يسوع هذه من البيان ما تعجز عنه الكتب، إنها تختصر سرَّ الحياة. فبالنسبة ليسوع لا يوجد فرح بلا ألم ولا قيامة بلا موت. فهنا يسوع يتكلّم عن نفسه، ويفسّرُ معنى وجوده. بعد أيام قليلة سنمر في أسبوع الآلام وسنواكب يسوع إلى موته الأليم وسنشاهده في أشدِّ حالات القسوة والإذلال. وسنتساءَلُ لماذا يموت هو بالذات وهو في الحقيقة ربُّ الحياة؟ ولماذا يتألّم وهو البريء؟ لماذا يُهانُ ويُلطمُ ويُخانُ ويُسمَّرُ على صليب وينتهي إلى أبشع مصير؟ لماذا هو بالذات وقد عاش كلَّ لحظةٍ من حياته متّحدا بالله، يشعر أنه متروكٌ من أبيه؟ لقد ارتعبَ هو أيضا أمام الموت، لكنَّ موته اكتسبَ معنىً جديداً فصارَ قيامة. جاء لكي يجمع أبناء الله المتفرّقين (يو11، 52)، جاء لكي يحطِّمَ الحواجزَ التي تفصل بين الشعوبِ والأشخاص، جاءَ ليُآخي البشرَ المنقسمين فيما بينهم، وليبني السلام والوئام والوحدة معهم. وعليهِ أن يدفعَ جرّاءَ ذلك ثمناً باهظاً: فلكي يجتذبَ الجميعَ إليهِ وَجَبَ عليهِ أن يُرفَعَ عن الأرضِ على صليب (يو12، 32). وها هو أجملُ مَثَلٍ في الإنجيل يُعبّرُ عن هذه الحقيقة:
"إنّ حبةَ الحِنطةِ التي تقعُ في الأرضِ إنْ لم تَمُتْ تبقَ وحدَها. وإذا ماتت، أخرجتْ ثمرا كثيرا"
يسوع هو حبّةُ الحنطة وفي زمن الفصحِ هذا يظهرُ يسوع لأعيُننا من أعلى صليبه، شهيداً مجيداً و علامةً على المحبّة القصوى. فمن هناكَ أعطى كلَّ شيء: وهبَ الغفران لقاتليه، والفردوسَ للّصِّ التائب، ومنحنا أُمَّهُ، وجسَدَهُ لنأكله ودمَهُ لنشربَهُ، وبذَلَ أخيرا حياتَهُ صارخاً:" إلهي إلهي لماذا تركتني؟". في سنة 1944 كتبتُ في إحدى الرسائل:" أتعرف أن يسوع أعطانا كلَّ شيء؟ فماذا بوُسْعِ إلهٍ أن يُعطِيَنا أكثرَ مما أعطى، وهو الذي من أجل محبّتِنا كاد ينسى أنّه إله؟". وأعطانا المقدرة على أن نُصبِحَ أبناءَ الله: إذ وَلَدَ شعبا جديداً وخليقةً جديدة. ففي يوم العنصرة نمت حبّةُ الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت وتحوّلت إلى سنبلةٍ يانعة: ثلاثة آلاف شخص من شعوبٍ وأممٍ مختلفة صاروا "قلبا واحدا ونفسا واحدة"، ثمّ خمسةُ آلافِ وهلمّ جرّا...
"إنّ حبةَ الحِنطةِ التي تقعُ في الأرضِ إنْ لم تَمُتْ تبقَ وحدَها. وإذا ماتت، أخرجتْ ثمرا كثيرا"
هذه الكلمة تعطي معنىً لحياتنا ولألمنا ولمماتنا في أحد الأيام. إذا لم نسلك الطريق التي شقّها السيّد المسيح لنا فحياتُنا تكون بلا معنى، والآمال العريضة التي تُداعب قلبنا بتحقيق الإخاء العالمي والسلام بين الدول والوحدة بين جميع البشر كلها ستكون أضغاث أحلام. ما الذي جعل يسوع "يحمل ثمراً كثيراً" ؟ لقد شاركنا في كلِّ شيء. حمل أوجاعنا واختبر في سبيلنا الظلمة والأسى والتعب والرفض... لقد ذاق الخيانة والتوحّد واليُتم... بكلمة وجيزة لقد "صار واحداً معنا في كل شيء" عندما حمل وحده أثقالنا جميعاً. هكذا يجب أن نكون. ينبغي أن نعشق هذا الإله الذي صار "قريبنا"، ونعيش مثله كما عاش هو وبهذه الطريقة نُظهِرُ له أننا ممنونونَ وشاكرون له محبّته الفائقة. هكذا يغدو كلُّ واحد منا "قريباً" لكلّ إنسان يمرّ بنا في الحياة، مستعدين أن "نكون واحداً" مع الجميع، بحيث نكون البلسم لجراحهم والصلة التي تجمعهم في الانقسام، والحلَّ لمشاكلهم، جاعلين من أنفسنا المحبة الواقعية التي تخدم. عندما عاش يسوع خبرة الترك على الصليب أعطى ذاتَه كلَّها. فمن عاش في هذه الروحانية التي تتمحور حول يسوع المتروك، فإنّ ثمرته ستكون الإشعاعَ الكامل لفرح يسوع القائم من بين الأموات، لا بل ستكون الشهادة الأمثل على أن يسوع قام من بين الأموات. نيسان 2006
|