قوة الله تظهر في الضعف *
إن كان أحد يقول أن زمن المعجزات بمختلف أنواعها، الجسدية والروحية، قد انتهى فأظن أنه واهم، إذ لا يمكن أن يقتنع المرء أن الله كف عن التدخل في حياة الإنسان ومدّه بإنعاماته وبركاته. ولنا في ذلك شهود كثيرون نراهم خلال حياتنا ولقاءاتنا بالناس. من هذه المعجزات التي يمكن لها أن تشهد على حضور قوي لله في ضعف الإنسان ومرضه، تبرز لنا حالة السيدة ثائرة التي لا يمكن للمرء أن يقف غير مبال أمامها لما لها من أثر عميق في أنفس من التقوا بها. السيدة ثائرة اسحق حناني، من مواليد 1960، مثقفة وتجيد أكثر من لغة أجنبية، تحب القراءة والشعر. أصيبت عام 1990 بمرض "تصلب الأنسجة"، وهو مرض احتمال الإصابة به لا تتجاوز واحد من مليون، كما يقول الأطباء. وفي العام 1991 أقعدها المرض ومنعها من القيام بأعمال خارجية، فاضطرت أن تترك عملها وتلزم البيت. رغم ذلك، تقدّم إليها شاب خلوق، هو السيد دريد فرج مروكي، من مواليد 1957، وتزوجا عام 1992، وكان لها خير رفيق يسندها في مرضها و يشاطرها هذه الحياة بابتسامة مذهلة وبتضحية مسيحية حقيقية. حبلت مرتين خلال الست سنوات الأولى من زواجها، لكن، ومع الأسف، حالة مرضها سببت لها إجهاضا في المرّتين، فحرمها المرض نعمة الأمومة، كما حرم زوجها نعمة الأبوة... إلا أن هذا لم ينقص من محبتهما المتبادلة ومن تضامنهما وقرارهما على العيش معا بروح المحبة والتضحية المسيحية. بدأ المرض يتفاقم ويشتد شيئاً فشيئاً بعد الحرب الأخيرة وسقوط الحكم، إذ أن ما تتناوله من علاج يساعدها فقط على تأخير تقدم وتفاقم المرض ويسكّن آلامها. وهي الآن تعيش مع زوجها وأهلها حياة عائلة مسيحية نموذجية. كانت مناسبة عيد الميلاد الجميلة إذ حملنا لثائرة القربان المقدس كعادتنا، فحالة مرضها وصبرها وابتسامتها المفرحة تشجعنا وتحثنا على المضيّ في قدماً خدمتها وتُكسبنا الراحة وتُزيد الثقة بأن هناك أناس يسندون العالم بصبرهم وتحمل آلامهم. فعوض أن نقوّيها ونعزّيها هي وزوجها البطل الذي يحملها على ذراعيه كطفلة ويخدمها بكل تضحية، هما معاً يقوّياننا. إعترفتْ بكل خشوع وتقوى وتناولت بكل إيمان ومحبة، شاكرة المسيح الحاضر في القربان المقدس وعلى هذه الموهبة العظيمة التي تنعّم بها على البشر ناكري الجميل والذين يخونونه بأعمالهم غير الصالحة، مقدمة له آلامها وحالة مرضها على نية الاستقرار في العراق ولأجل سعادة سكانه ورجوع المؤمنين إلى الله بتوبة نصوح. تقول ثائرة: " كنت مريضة بالروح، وفي مرضي الجسدي تعافيتُ روحياً، فأشكر الله على هذه النعمة". غذاؤها هو الكتاب المقدس وتعرف من آياته الكثير، وتقول: "هذا الكتاب يُغذّيني وأمنيتي الوحيدة هي أن يقرأه المسيحيون. يا ليت يتعلّم كل مسيحي آية واحدة منه كل يوم، وفي شهر واحد يتعلم ثلاثين آية. كم من الوقت يقضي الكثيرون في مشاهدة التلفزيون وفي أمور تافهة ولا أخلاقية أخرى! لكنهم لا يرضون أن يقرأوا ربع أو نصف ساعة في الكتاب المقدس". إنها البطلة القوية التي تأخذ قوتها من يسوع المتألم وتثق بشفاعة العذراء مريم الأم الحزينة... إنها المبتسمة الضاحكة التي تحاول أن تزرع الراحة في من حولها... إنها أعجوبة حية على هذه الأرض: تطلب السلام للبلد العزيز ولا تتذمّر ولا تتململ، بل تشكر الله على نعمته اللامتناهية. السيدة ثائرة قدوة لنا جميعاً لكي نعيش إيماننا في هذا الصوم المبارك ونتحمل كل مشاكل الحياة ونشكر الرب على نعمه الكثيرة لنا محاولين أن نكمّل إرادته القدوسة لكي نحصل على قيامته المجيدة. نتمنى لثائرة ولعائلتها الصبر وقوة الثبات والفرح الدائم في حمل الصليب في المرض. للسيدة ثائرة عدة محاولات شعرية ونثرية، أعطتنا بعضها، يمكن للزائر الكريم أن يطّلع عليها بالضغط هنا. + المطران شليمون وردوني
* المقالة والصور المرفقة بها من موقع مار أدّي الرسول للبطريركية الكلدانية.
|