لأعزائنا الصغار

رسامات

عيون بخديدا

Museum متحف

أرشيف بغديدا هذا اليوم

فنانونا السريان أعلام

أرشيف الموضوعات

 

دراسة في كتاب الشاعر الراحل سركون بولص

المعادلة الشعرية بين استباق الدلالة والنهايات المبكرة في مجموعة

(حامل الفانوس في ليلة الذئاب )

شاكر مجيد سيفو

شاعر وكاتب من العراق

 

يأتي الشاعر الى العالم مستقبلا أوجاعه ومستبقا دلالة الكينونة التي تتضمن تسلط الحرمان والممنوعات ،يتنازع مع عرش الوجود في صورة المحتدمة وحضورها المتمركز وراء اسطورة او خرافة او حادثة ،بهذا المنحى يشير سركون في نصوصه (شاي مع مؤيد الراوي وغناء على ايقاع الطبلة والسيتار _الى عبد القادر الجنابي وحلم الحمال على جسر القلعة_الى جليل القيسي في كركوك 000)0

 

ان الشاعر يمنحنا أقصى المتع الشعرية في اكتشافاته لقاءات شعرية وكشوفات موجوداته ،وهي اولى رحلات الشخصية ،مرة ملاحقا الماضي ومتدثرا به واخرى صادما بالحاضر المرير ونهايات شخوصة المبكرة ،تلك التي نؤدي ادوارا مركبة تكتشف قيم الاخر باثارة التعب وارتداء عناصر الحياة وناموسها الابدي ...يتجه النص في مجموعة (حامل الفانوس في ليلة الذئاب )الى تشييد خلاياه بالتوالد الصوري من عينات انسانية ضاجه بالحياة بكيانتيها وتوجهها ،وتلك هي احلام الشاعر المندثرة تحت وطأة المكابدات في تاريخ الطفولة والحلم والملاحق السيرية الاخرى ........

ان افعال النص ترتد دائما الى ابتكار نهايات اسرتها ووجودها من كينونة تريخية يشبع الشاعر عبر نسيجها ذلك الالتباس اللفظي في اللغة والمعنى وهذا ما يحقق اقصى الانزياح مستمدا هذه التمارين العالية في خلق المعادلة الشعرية بقوى الفكر والفلسفة والرؤى النفسية ،ان ثمة تعر للمعادلة لارتداء الذات التي تستعين بالاخر للاكتشاف واجتراح الرغبات الشديدة للنفس (هل انا اخر الانتين/ اذا أتبع شمعة الى نهايتي ،ام انا اول من سلفوا/ألمل دوزنه العكسية في الزمن ،من قبل ومن بعد )

ان ذات الشاعرة الموجعة تبوح في تلفظها السيري وتوجه الكتابة الشعرية الى الاقتران بالرغبة التدميرية في تسميتها للرموز والاشياء بين اكتشافاتها الجديد واختراعها للجروح الجديدة في طوفان فضيات البؤرة المركزية وتشطيبها :(وحدي في الغابة ،والغابة انا ؟ص6)يركز الشاعر هنا على مركز الصورة وهو مدار الجذب لذاتية متصوفة ترتد الى حقول التماهي مع الاخر في المطابقة والمجانسة بين مفترق طرق الخطاب اليومي ،هنا تأسيس لمزاوجة بين الزمان والذكريات (سير خبيئة في العشب /لن يقرأاحد تفاصيلها،اعراس الفراشات في عواصم الندى ،/وللديدان تحت الارض ولائمها ،/للصقور حروبها في الهواء !/نادتني الاشجار لانام /وفي حلمي وجدت بابا بين الغابة والطريق ....ص9

ان التوالد الصوري هنا يرشح عن عملية تشاكل ثنائي بين (الزمان والذكريات ،حيث تنطلق الذكرى من الحلم ليوفر جدلية العلاقة بين صيغة النداء ولعبة المتخفي في تثبيت المتن ،وهنا يقترب الشاعر من طبيعة الذكريات لتجترح مشهدا للحمولة الشعرية في تعدد نظم الدلالة ،حيث تلتبس الذاكرة بمحتوياتها وتشكل نواة مركب امتلاك الشياء أي العناية بامتلاك الاشياء الصغيرة والعناية بها ،وذلك مايشير اليه باشلار في (تكوين العقل العلمي )،ان محور الحام والخيال موجه الى مفروكة زمانية وهي (الذكريات –الذاكرة)(اللقية –الخزانة ) حسب تعبير الكاتب خالد خضير ،وسط تمازح الاستعارات الصورية والتشاكل الصوري بين المركز والهامش بين المتن ومحتوياته وعلامات التأسيس الاولى ،فالشاعر يقف في اولى عتبات الحياة ومن ثم يدخل الى صيرورة الشياء (وسط الدخان ،كلمة ولدت هناك ولا تريد ان تموت هنا /ان لم نقلها نحن ،من يقولها /ومن نحن ان لم نقلها ...ص15 )ان اسئلة الشاعر عن بنى الكينونة تتشاكل مع العالم  في نقطة جوهرية هي بذرة التأسيس والانبعاث ،حيث يختتم الشاعر صورته بهذه الأسئلة الكونية التي تؤسس للبعد الزمني سمعته المكانية (العالم فتحة ،تحرسها كسور مراة ،على دكة الطين ،تعبرمنها )

مختلف اشكال الخليقة :يأتي الجميع /ليدلفوا /الى هذا الزقاق ..ص17

نكتشف هنا حياة تتقاذفها رياح الزمان وتعطي لنا احساسا بالمكان عبر مفردة العالم في نسيجها البنيوي للصورة الكلية للحياة حيث يجمع الشاعربين جزيئات المشهد الطقسي ويرشح منه بالتالي هذا التشاكل الوجودي (الزمكاني)ليشكل خلاصة الحكاية في مقاربتها الحسية الميثيولوجية،ففي الصورة التالية يجتزح الشاعر فضاء دراماتيكيا يقع على منتجهة المتعة وانتصاص اللذة في الاقتراب من كلام لرولان بارت ،الى ان يصل الى مضاعفة الرمز واليات بثه الدلالي ،ونتقصى داخل الجهاز اللغوي للشاعر ماتبثه الذات الشاعرة من علائق الكلام منطقا للولوغوس حسب تعبير (مارتن هايدجر )وبامكاننا تفكيك الصورة التالية من خلال ممارسة الشاعر لملفوظاته الدالة في تسريح المعنى وفق عملية متسعة تكاد تؤدي الى الأتلاف والنفي (وهي العملية التي نجدها ايضا لدى هيدجر  الذي يرى ان سعة ورحابة حمولة الحصول للوجود في الحضور قد تتجلى لنا الان بشكل اكثر حدة والحاحاً عندما نكتشف ان الغياب ذاته والغياب بالضبط ،يظل متعينامن خلال الحصول في حضور الوجود ،وغالبا ما يتم رفعه الى اقصى درجات الغموض والغرابة )

تكفيني هذه الموسيقى ،التي تشربها الخليقة بكل مساماتها ،كأسفنجة ظمأى ،يكفيني صوت ضائع تحمله الي الريح ،تكفيني ومضة برق قد تكشف لي ،أي موكب يتهيأ للمثول امامي ،خلف هذا الستار الغريب الذي ينسجه المطر .ص30

يمثل الحلم قيمة انسانية في اهداء الشاعر لمقتنياته وهي الحلم الذي يوصل الاخرين للفردوس ،فمن خلال البنى المنبثقة التي تتوالد على شكل تقابلات تحضر صورة الاخر في ذات الشاعر وهو يجسد حقيقة الرمز وعلاقته وفاعليته الخطابية ،لينصرف الى تعددية المعاني ،حيث يشكل الدال الحلم هنا حاملا ومولدا للمعنى :( قطعنا الحلم نصفين /بشفرة المصير /لنانصفه /والبقية للاخرين ،ذات صيف بدا /انه الفردوس ... او غدا ،غدا في الثالثة .ص34)

يحقق الشاعر بلغته الايحائية وبلاغتها المركبة حركة فاعلة للنص وفية ،حيث يسعى لافامة بنى حكائية تحقق وتجمع بين الجمالي واحتدام العلاقات الصورية التي تثري الضخ الشعري لوحدات المتن وفتوحاته ،وضمن هذا التوصيف يشكل جسد النص بوحدات الشحن الشعري ومقومات لقص وفضاء الدلالة ويتموضع المكان بالزمان ،الواقعة بالمشهد كي يتمثل البنى الشعرية (في كيانها كوكبة من الاحداث الدالة على الوجود العيني )(هكذا اردتك /بدءامن اقدم احلامي في هذا المكان /بعينه ،هذا الزمان بالذات/  شجرتي .كهفي الامين /مرقد مرساتي \ الى اجل غير مسمى...\مباركة \ هذه القرية النائمة\ وبوركنا نحن الذين ننام...\ فراشنا على الارض, راسخ\ في مطالنا\ النبيذ والسجائر \ نطوف على موجة الستيريو\ جسدا الى جسد مع الافلاك...ص 44) ويجعل الشاعر اشياءه في صورها الفخمة حيث يستحضر لغة خشنة عصية يكاد يتوحد معها بدءا بالحنين الى الامكنة والتفاصيل الصغيرة, والوجع وسوء الطالع وفشل الحياة واندثارها, بهذه الانسجة المتضادة في سيرتها الحياتية , نجد هذا التوصيف للتلامس الذهني وتحويل الشعر الى مسرد للتمردبين صعود ممكن وفراغ لاممكن وامتلاء لامتناهي حيث تنفتح اشارات الرموزية والدلالية لتفجر طاقة الخلق الشعري, بهذا يعطي الشاعر للشعر جدواه من جهة وقدرته على الامتاع واثارة الاسئلة:( على قسمات المدينة\ في رفوف الدخان المتلبد حتى اعلى \سارية هناك\ تتضح الكتابة يوما فيوما..\ لنعرف ان اصنامنا راضية لاتعوزها القرابين. ص53) تستوعب بنيات نصوص الشاعر مفارقة انفصال الذات عن نشوتها ويتمدد باسترخاء هذا لانفصال الحاد ليشكل مساحة تتمدد بين بنية المسكوت عنه باتجاه المتن الشعري من خلال انزياح استعاري يصير الورقة مراة لاستهلال النص وتحركه في فضاء غرائبي سوريالي: ( يصل الصوت \الذي ربته الدياميس ويدعوني..\ حفيف العالم الاخر في غابة الليل, ليل ليلي, يأتي في اخر ساعة\ ليكسر ختم النعاس الهش\ ليقلب اوراق تقويمي بأدق مايتقنه الشرق\ من تجسدات اللوعة\ موظفا لمسته القدرية في مكان الجرح كأ صبع الرب.. ص96)

ان ثمة مراوغة ايحائية تفضح بنية الداخل النصي المغاير الذي يجمع وحدات النسيج الشعري, ان نص الشاعر يجذب فضاءه الى امكنة واقعية وتخيليه تراجيدية بدءا بلعبة الاغتراب والانغلاق والانفتاح على سطح اللوحة الشعرية لاظهار طبيعة التحولات المكثفة في العالم تحت هيمنة الضياع والعبثية وهي معادلة على صعيد الحكائي, وتتمثل هذه المتقابلات في ملامح المغايرة النصية والمخيال الترميزي وتتجسد هذه الرؤية في معظم نصوص المجموعة: ( شموئيل وسماء اكثر, هذا الرداء بين اصابعي , الشيوخ في الصين, هو الرسالة والجريدة, طرق مختلفة الى روما , هذا هو يومي, الى امريْ القيس في طريقه الى الجحيم, طقوس الطبيعة, الى اجل غير مسمى, جاء وتحت مئزره سكين , وحلم الحمال على جسر القلعة وحامل الفانوس في ليل الذئاب....)

 

نشرت الدراسة في العدد الاخير من مجلة نزوى الصادرة عن مؤسسة نزوى للصحافة والنشر في عمان /مسقط

 

انتقل الى الصفحة الرئيسية للشاعر والكاتب شاكر سيفو