البيان الختامي    للمؤتمر التاسع عشر لمجلس بطاركة الشّرق الكاثوليك

 

الشرفة، 5 - 9 تشرين الأول/أكتوبر  2009

 

التأم المؤتمر التاسع عشر لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك في المقرّ البطريركي للسريان الكاثوليك في دير سيدة النجاة، الشرفة – درعون – لبنان، بين الخامس والتاسع من شهر تشرين الأول / اكتوبر سنة 2009، بضيافة صاحب الغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الكاثوليك.

 

شارك في المؤتمر صاحب الغبطة والنيافة الكردينال مار نصر الله بطرس صفير، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة، صاحب الغبطة الانبا أنطونيوس نجيب، بطريرك الإسكندريّة للأقباط الكاثوليك، غريغوريوس الثالث لحّام، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيّين الكاثوليك، نرسيس بدروس التاسع عشر، كاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك، فؤاد طوال، بطريرك أورشليم للاتين، وصاحب السيادة المطران ميشال قصارجي ممثلا صاحب الغبطة والنيافة الكردينال عمانوئيل الثالث دلّي، بطريرك بابل على الكلدان، والأمين العام للمجلس، قدس الأب خليل علوان المرسل اللبناني.

 

كما دعي للمشاركة اصحاب السيادة المطران انطوان بيلوني، النائب البطريركي للسريان الكاثوليك، المطران ميخائيل أبرص، النائب البطريركي للروم الملكيين الكاثوليك في لبنان، الأنبا مكاريوس توفيق، أسقف الإسماعيلية للأقباط الكاثوليك ورئيس اللجنة الأسقفية للعلمانيين، حضرة المونسنيور ميكايل موراديان، النائب البطريركي لجمعية كهنة بزمار البطريركية للأرمن الكاثوليك وحضرة المنسنيور رفيق خوري من بطريركية اللاتين في  القدس.

 

دُعي إلى المؤتمر نيافة الكردينال ستانيسلاو ريلكو، رئيس المجلس الحبري للعلمانيّين، وسيادة المطران دومينيك راي، أسقف فريجوس - تولون والأستاذ كوزمان كاراكيري، مساعد أمين عام مجلس الحبري للعلمانيّين، والمطران أنطوان اودو، أسقف الكلدان في حلب، الى جانب اللجنة الأسقفيّة المكلّفة بإعداد المؤتمر صاحبي السيادة المطران سليم غزال والمطران جورج اسكندر والسيد طانيوس شهوان، وعدد من المحاضرين أصحاب الاختصاص ومقرّري اللجان.

 

موضوع المؤتمر

 

بمناسبة مرور عشرين عامًا على صدور الإرشاد الرسولي «العلمانيّون المؤمنون بالمسيح»، لخادم الله البابا يوحنا بولس الثاني، اتّخذ مؤتمر بطاركة الشرق الكاثوليك لهذه السنة موضوعًا أساسيًّا له وهو «دعوة المؤمنين العلمانيّين في الشّرق الأوسط ورسالتهم».

 

الافتتاح

 

تمّ افتتاح المؤتمر في كنيسة المقرّ البطريركي للسريان الكاثوليك في دير سيدة النجاة الشرفة – درعون يوم الإثنين الخامس من تشرين الأول/اكتوبر 2009 الساعة الخامسة والنصف مساءً، بصلاة احتفاليّة خاصة بالمناسبة في بثّ مباشر على قناة التليلوميار. وقد شارك فيها أصحاب الغبطة بطاركة الشّرق الكاثوليك ونيافة الكردينال ستانيسلاو ريلكو رئيس المجلس الحبري للعلمانيّين، والمنسنيور توماس حبيب، القائم بأعمال السفارة البابويّة في لبنان، والعديد من رؤساء الكنائس المحليّة ورؤساء ورئيسات الرهبانيات الكاثوليكيّة وعدد كبير من رجال الإكليروس من ورهبان وراهبات، والدكتور جرجس صالح الأمين العام لمجلس كنائس الشّرق الأوسط وبعض العلمانيّين والإعلاميّين.

رحّب صاحب الغبطة البطريرك المضيف بالحضور وتضمّنت كلمته لمحة موجزة عن اجتماع أصحاب الغبطة البطاركة مع الحبر الأعظم البابا بنديكتوس السادس عشر في روما الشهر الماضي، وعن قرار قداسته بعقد سينودس خاص بمسيحيّ الشرق الأوسط تحت عنوان «الكنيسة الكاثوليكيّة في الشّرق الأوسط: شراكة وشهادة». وشدّد غبطة البطريرك يونان على أهميّة دور العلمانيّين في الكنيسة ومشاركتهم الإكليروس في حمل البُشرى السارّة لإخوتهم وأخواتهم حيثما وجدوا، وعلى مسؤوليّتهم عن عيش مسيحيّتهم بأمانة في عالم تتجاذبه تيّارات العلمنة والماديّة واللامبالاة. كما أشار إلى هجرة المسيحيّين وتمنّى أن نبقى أمناء على شهادتنا المسيحيّة في هذا الشّرق.

ثم وجّه صاحب النيافة الكردينال ستانيسلاو ريلكو، باسمه وباسم مجلسه، تحيّة لآباء المؤتمر ومن خلالهم لمسيحييّ الشّرق كافة، شاكرًا دعوتهم إيّاه للمشاركة في هذا المؤتمر. وقال: «على الغرب أن يتعلّم الكثير  من خبرة مسيحيّ الشّرق ومن قيمهم الأصيلة وعليه أن يتمثّل بهم»، ذاكرًا كلّ ما عانوه عبر تاريخهم الطويل في سبيل الحفاظ على إيمانهم. ونوّه بدورهم اليوم في إرساء السلام في أرضهم. كما تمنّى نيافته أن يحمل هذا المؤتمر ثمارًا كثيرة في حياة المؤمنين العلمانيّين في الشّرق الأوسط. تلا ذلك حفلُ استقبال للجميع.

 

الأعمال

 

في بدء المؤتمر، وجّه الآباء رسالةً إلى قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر يخبرونه فيها عن اجتماعهم، ويشكرونه على حسن استقباله وضيافته لهم الشهر الماضي وعلى قراره بعقد سينودس خاص عام 2010، تحت عنوان «الكنيسة الكاثوليكيّة في الشّرق الأوسط: شراكة وشهادة». ويطلبون بركته الرسوليّة. وقد وردت رسالة شكر من قداسته من أمانة سرّ دولة الفاتيكان.

 

دعوة العلمانيّين في الشّرق الأوسط ورسالتهم

عالج الآباء الموضوع الأساسي لمؤتمرهم فاستمعوا إلى سلسلة محاضرات عن «دور العلمانيّين في كنائسهم». واستعرضوا واقع رسالة العلمانيّين في مختلف البلدان. تحدّث المنسنيور رفيق خوري عن وضع العلمانيّين في كلّ من الأردن والأراضي الفلسطينيّة واسرائيل. فأكّد أنّ هناك تطوّرًا إيجابيًّا بعد المجمع الفاتيكاني الثاني والسينودس الأبرشي للكنائس الكاثوليكيّة في الأراضي المقدّسة عام 2000. تلاه المطران جورج بوجوده مطران طرابلس للموارنة ورئيس لجنة العلمانيّين في لبنان، فأعطى لمحة سريعة عن حركة العلمانيّين في لبنان وركّز على حركة الشبيبة والدور السلبي الذي لعبته وتلعبه السياسة. ثم قدّم الانبا مكاريوس توفيق تقريرًا حول وضع العلمانيّين في كنيسة مصر منوّهاً عن الهجرة القوّية التي تحصل لديهم. وتحدّث المطران ميشال قصارجي عن وضع المسيحيّين في العراق. وأخيراً، تحدّث البطريرك غريغوريوس الثالث عن دور العلمانيّين في سوريا انطلاقاً من رسالته الراعوية حول معاوني القديس بولس الرسول.

بعد ذلك استمع الآباء إلى أربع محاضرات أساسيّة في الموضوع. المحاضرة الأولى للكردينال ستانيسلاو ريلكو، بعنوان «العلمانيّون المؤمنون بالمسيح، على ضوء تعاليم البابا بنديكتوس السادس عشر»، الذي ميّز فيها بين الكهنوت العام المرتكز على المعموديّة وكهنوت الخدمة للإكليروس. وشرح أهميّة دور العلمانيّين وضرورة مشاركتهم الكهنة في الرسالة الراعوية. وقال يجب ألا يخاف المسيحيون من قِلّة عددهم وأن يبقى الأمل والرجاء في قلبهم، استنادًا إلى قول السيّد المسيح: «لا تخافوا ... فأنا معكم إلى منتهى الدهر».

قدّم المحاضرة الثانية المطران دومينيك راي، بعنوان «نظرة لاهوتيّة حول هويّة المؤمن العلماني». شدّد فيها على العلاقة بين العلمانيّين والإكليروس. فتحدّث عن تأثير العلمنة على رسالة العلمانيّين. وأشار إلى أهميّة استقبال المواهب الجديدة في الكنيسة لأجل إنعاش الحياة الرسوليّة فيها، ودور تنشئة العلمانيّين ضمن الجماعات الكنسيّة والحركات الرسوليّة.

وقدّم المحاضرة الثالثة للأستاذ كوزمن كاريكيري، مساعد أمين عام المجلس الحبري للعلمانيّين، بعنوان «الزمن الجديد لجمعيات المؤمنين العلمانيّين». شدّد على مكانة الجمعيّات والحركات الرسوليّة في حياة الكنيسة اليوم وأهميّـها في بناء مستقبل الكنيسة. وتحدّث عن ميزات هذه الحركات ودورها وصعوباتها ورسالتها، وضرورة انفتاحها وانخراطها في الكنيسة الجامعة وفي كنائس الشّرق.

وقدّم المطران انطوان اودو، أسقف حلب للكلدان، محاضرة، بعنوان «مستجدّات الحوار الإسلامي المسيحي»، حيث استعرض آخر ما توصّل إليه المجلس الحبري للحوار بين الأديان. وحول التوجيهات الراعوية لهذا المجلس، والمنتدى الكاثوليكي الإسلامي، ودور الكنيسة الكاثوليكيّة في مجال هذا الحوار على ضوء الرسائل الراعويّة لبطاركة الشّرق الكاثوليك، وشدّد على أهميّة مشاركة المسيحيّين في تعزيز الثقافة العربيّة وعيش المواطنة الكاملة على أساس الاحترام المتبادل، وحوار الحياة.

في جميع هذه المداخلات، عبّر المحاضرون عن أهميّة دور العلمانيّين في الكنيسة وعن ضرورة تنشئتهم، وأهمية تضامنهم الفعلي مع الإكليروس، وقد قدّموا بعض الاقتراحات لتطوير انخراط العلمانيّين في قلب الرسالة المسيحيّة.

 

هيئات ولجان المجلس

  1. وفي القسم الثاني من المؤتمر، استمع الآباء إلى تقرير إذاعة «صوت المحبّة» وتقرير تلفزيون «تيلي لوميار» و«نورسات»، وإلى تقارير اللجان الشّرق أوسطيّة العاملة تحت كنف المجلس حول التعليم المسيحي، والمدارس الكاثوليكيّة، والعائلة والشباب والسجون. ثمّ استمع الآباء إلى الدكتور جرجس صالح، حول أوضاع مجلس كنائس في الشّرق الأوسط وهمومه وتطلّعاته.

وقد تمّ إنشاء اللجنة الأسقفيّة لرسالة العلمانيّين في الشّرق الأوسط، وأوكل إليها تشجيع العمل الرسولي العلماني في هذه البلدان ومرافقته، وتأسيس اللجان الأسقفيّة لرسالة العلمانيّين فيها، بالتعاون مع اللجان الأسقفيّة في بلدان الشّرق الأوسط.

 

اللقاء المسكوني

 

وقد خصّص المؤتمر صبيحة يوم الأربعاء 7/10/2009 للقاء المسكوني، الذي درج المجلس عليه في كل عام، وقد حضر هذا اللقاء إلى جانب أعضاء المجلس، ممثّلون عن كنيسة السريان الأرثوذكس ، والأرمن الأرثوذكس والإنجيليّين. عالج المجتمعون موضوع «تبديل المذهب للحصول على الطلاق» حيث أكّد الاتفاق الراعوي على ما تقرّر في العام الماضي. ونتيجة للمناقشة تعهّد رؤساء الكنائس ومن يمثّلهم بما يلي:

1.       عدم تشجيع الانتقال من كنيسة إلى أخرى لأيّ مصلحة أو منفعة شخصيّة.

2.       لا يُسمح بفسخ الزواج إلاّ في الكنيسة التي عقدته.

3.    إسناد مهمّة متابعة الشؤون الإداريّة والقانونيّة مع الدولة إلى الهيئة التنفيذيّة لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان التي تؤلّف بدورها مع رؤساء الكنائس في لبنان لجنة متابعة مشتركة لهذه الغاية.

4.       تعميم هذه الاتفاقات وتفعيلها عن طريق إقرارها في المجامع المقدّسة الخاصّة بكل كنيسة.

ثمّ استمعوا إلى تقرير اللجنة المسكونيّة للتعليم المسيحي المشترك في لبنان، الذي أنجزته الكنائس الشرقيّة مجتمعة. وتقرّر تكليف فريق عمل يضمّ ممثّلين عن اللجنة المسكونيّة المشتركة واللجنة الأسقفيّة الكاثوليكيّة للتعليم المسيحي في لبنان ليعملا معاً على وضع منهاج موحّد، وطريقة تعليم موحّدة وعلى توزيع مواد التعليم المسيحي على مختلف الصفوف، على أن يُعاد النظر في تأليف الكتب فيما بعد على ضوء البرنامج الموضوع وبعد موافقة رؤساء الكنائس.

على هامش المؤتمر استقبل الآباء البطاركة وفدًا من جمعيّة الكتاب المقدّس في الشّرق الأوسط وأوروبا، وشدّدوا على أهميّة نشر الكتاب المقدّس ودوره في حياة المؤمنين.

 

آفاق مستقبليّة

 

وضع الآباء خطّة عمل تهدف إلى إعداد آفاق مستقبليّة لعمل الكنيسة مع العلمانيّين في منطقة الشّرق الأوسط، على مرحلتين:

 

المرحلة الأولى: المؤتمرات المحليّة في شأن رسالة العلمانيّين (2010 – 2011 ) 

يدعو مجلس بطاركة الشّرق الكاثوليك بالتعاون مع المجلس ألحبري للعلمانيّين إلى عقد مؤتمرات محليّة في كلّ من لبنان، سوريا، فلسطين، الأردن، مصر، العراق.

 

المرحلة الثانية: المؤتمر الثاني للعلمانيّين في الشّرق الأوسط (2011 )

 

ينظّم مجلس بطاركة الشّرق الكاثوليك والمجلس الحبري للعلمانيّين المؤتمر الثاني للعلمانيّين في لبنان خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2011، يقوم هذا المؤتمر على ثلاثة محاور رئيسيّة:

المحور الأول يهدف إلى التعمّق في تعليم الكنيسة في شأن دعوة العلمانيّين ورسالتهم في عالم اليوم استنادًا إلى الإرشاد الرسولي «العلمانيّون المؤمنون بالمسيح»، ورسائل مجلس بطاركة الشّرق الكاثوليك والوثائق الكنسيّة الأخرى ذات الصلة.

يقوم المحور الثاني على معاينة واقع العلمانيّين ورسالتهم في بلدان الشّرق الأوسط من خلال ما آلت إليه المؤتمرات المحليّة على مستوى كل بلد.

 

ويقوم المحور الثالث على وضع رؤية مستقبليّة لتطلّعات الكنيسة في شأن رسالة المؤمنين العلمانيّين.

واختتم المؤتمر أعماله ظهر يوم الجمعة 9/10/2009، بتوجيه الشكر لصاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان على استضافته الكريمة لهذا المؤتمر وللسادة الضيوف الكرام المحاضرين على تلبية الدعوة والمشاركة الفعّالة، كما شكروا وسائل الإعلام لتغطيتهم أعمال المؤتمر.

 

وعلى أمل انعقاد المؤتمر القادم في العراق عام 2011، نطلب من الله تعالى أن يعمّم الخير والسلام شعوب الشّرق الأوسط، هذه المنطقة الغالية، وأن يؤيّد الله السادة الرؤساء والمسؤولين إلى ما فيه استقرار وازدهار بلداننا.

 

الأب خليل علوان، م.ل.

    الأمين العام

 

 

 

 

 

 

مؤتمر بطاركة الشرق الكاثوليك

يفتتحون مؤتمرهم في ديرسيدة النجاة_ الشرفة
البطريرك يونان: كثيرون تحمّلوا وقاسوا والعراق برهان ساطع

افتتح بطاركة الشرق الكاثوليك بعد ظهر أمس، أعمال مؤتمرهم التاسع عشر في بطريركية السريان الكاثوليك الانطاكية في دير سيدة النجاة ـالشرفة – درعون المقر الصيفي لبطريركية السريان الكاثوليك، تحت عنوان "دعوة المؤمنين العلمانيين في الشرق الأوسط ورسالتهم"، في حضور البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير وبطريرك السريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان وبطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام وبطريرك الأرمن الكاثوليك نرسيس بدروس التاسع عشر وبطريرك الأقباط الكاثوليك انطونيوس نجيب وبطريرك اللاتين فؤاد طوال، وممثل بطريرك بابل على الكلدان عمانوئيل الأول دلي المطران ميشال قصارجي.
كذلك حضر رئيس المجلس الحبري للعلمانيين الكاردينال ستانيسلاو ريلكو والقائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور توماس حبيب والأمين العام لمجلس البطاركة الأب العام خليل علوان ورؤساء كنائس محلية ورؤساء عامون ورئيسات عامات، والأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط ابرهيم جرجس صالح.
وبعد صلاة الافتتاح بصلاة بالطقس السرياني، ألقى غبطة البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان كلمة، قال: "إنّ أفكارنا متّجهة نحو الأب الأقدس بينيديكتوس السادس عشر، الحاضر بيننا روحيًّا والممثّل بنيافة الكاردينال ستانيسلاو ريلكو رئيس المجلس الحبري للعلمانيّين. إنّنا ما زلنا نتذكّر بعذوبة وامتنانٍ لقاءنا، نحن البطاركة الشرقيّين الكاثوليك، مع قداسته في 19 من الشهر المنصرم. لقد أصغى أسقف كنيسة روما التي "ترأس بالمحبة كما يعلّمنا مار اغناطيوس النوراني الأنطاكي، إلى كلّ منّا بإمعان واهتمام، ونحن نبثه آمالنا وشجوننا، ونفاتحه عن صعوبات خدمتنا البطريركيّة والتحدّيات التي تجابهها. كما تعزينا وإيّاه بنفحات الرجاء المسيحي الذي كما يقول لنا بولس رسول الأمم هو فوق كلّ رجاء، لأنّه نابع من دعوتنا إلى عيش سرّ فدائنا الذي أتمّه الإبن الكلمة في وحدة الآب والروح القدس، نتبعه على درب آلامه وموته فنتمجد معه في قيامته.
ونحن، إذ نستلهم كلمات الحبر الأعظم الأبويّة المشجّعة، نذكر والفرح يملأ قلوبنا، النبأ الذي فاتحنا به قداسته في ذلك اللقاء عينه، عن قراره بعقد سينودس خاص بمسيحيّي الشّرق الأوسط، تحت عنوان اختاره هو: "الكنيسة الكاثوليكيّة في الشّرق الأوسط، شراكة وشهادة". لقد شرح لنا قداسته أنّ من أهداف هذا السينودس أن يعرّف العالم لا سيّما المسيحي منه، بدروب الشهادة التي سلكها المسيحيّون في بلادنا المشرقيّة، وأن يشجّعنا وجماعاتنا المسيحيّة كي نظلّ متجذّرين في أرض أجدادنا، في شراكة القلب والنفس مع جميع المؤمنين المعمّدين، ليس فقط أمانةً وحفاظاً على الوجود والهوية والتراث، بل أيضاً كي نتابع باختيارنا حياة الشهادة والاستشهاد، وقد تميّز بهما عبر قرون عديدة حضور المسيحيّين في المشرق، اكليروساً وراهبات ورهباناً وعلمانيّين ملتزمين (...).
وخلافاً لما قد يظنّه البعض، فإنّ شرقنا الأوسط ليس محصّناً بإزاء هذه التيارات، فنراها تتغلغل في كيانه تحت غطاء العصرنة. يكفينا أن نتذكّر الدور الذي تلعبه العولمة والوسائل المعلوماتيّة الحديثة التي اخترقت الأبعاد والحواجز، فجعلت من عالمنا شبه قرية صغيرة. إنّ القِيَم الروحيّة التي نبشّر بها، ونربّي أجيالنا على اعتبارها أولويّة في حياتهم، تجابه في يومنا الحاضر وفي كلّ مناطق العالم، تحدّيات جمّة، ليس أقلّها العداء الصريح والتجاهل المقصود من جهّة، وإلى إبعاد فكرة الله واستبدال الخالق بالمخلوق، واعتبار الأرض أمًّا حنوناً من جهّة أخرى!
وعلى الحقيقة أن تُقال: إنّ الكثيرين من العلمانيّين قد تحمّلوا من أجل معلّمهم الإلهي ما تحمّلوا بصبر وشجاعة، وقد قاسوا من الاضطهاد بأنواعه البشعة أحياناً، ومن الإهمال والتهميش أحياناً كثيرة! ولنا من كنيسة العراق الجريحة البرهان الساطع عن الشهادة البطوليّة، وحاجتها الملحّة اليوم إلى لمّ الصفوف، في وِحدة مسيحيّة تعلو على القوميات المجزِّئة والمصالح الضيّقة.
ولا بدّ لنا من أن نجبه، ولو على مضض، ظاهرة الهجرة والتغرّب، التي أضحت في الأعوام الأخيرة ظاهرةً عامّة مقلقة بل مخيفة. ومع إيماننا بقيم الحرية التي قد تشجّع البعض على الاغتراب، لا نكلّ عن حثّ المؤمنين على التمسّك بأرض الوطن، معتبرين أن حضورنا في المشرق واجبٌ وحقّ، إذ ينبثق بوضوح من دعوتنا المسيحيّة إلى توسيع الآفاق ومدّ الجسور مع العائلات الدينيّة التي تشكّل غالبية في مشرقنا".

ثم ألقى الكاردينال ريلكو كلمة حيا فيها المشاركين وكنائسهم و"جميع الكنائس التي تعيش في هذه المنطقة الجغرافية، المثقلة بالمعاني بالنسبة الينا نحن المسيحيّين، وتكمل رسالتها فيها". وأضاف:"على الصعيد الشخصي، أدركت ووعيت أكثر بأنّنا، نحن مسيحيّي الغرب، مدعوّون لنتعلّم الكثير من تاريخ الكنائس التي تعيش في الشّرق الأوسط ومن إرثها الروحي. إذاً ليس من قبيل الصدفة، أن يذكر دائماً، من بين أعضاء المجلس البابوي للعلمانيّين ومستشاريه، ممثّلون عن هذه المنطقة. إنّهم يقدّمون دائماً إسهاماً قيماً في عمل مجلسنا، الذي يستفيد حاليًّا من التعاون العالي المستوى للسيد طانيوس شهوان.
بالنسبة الينا، نحن المسيحيّين، يمتلك الشّرق الأوسط القيمة الأصيلة لـ "الأرض – الرسالة"،

أرض تخاطب إيماننا. إنّ هذه المنطقة، مهد المسيحيّة، هي فعلاً أرض شهادة فريدة: فهنا ولد المسيح، وهنا أتمّ مخلص الإنسان عمله الخلاصي، وهنا ولدت الكنيسة، وانطلاقاً من هنا بدأت مسيرتها نحو "حدود العالم"(...).
وبعد استراحة قصيرة، بدأت أعمال المؤتمر الذي سيستمر حتى ظهر الجمعة المقبل، ويختتم ببي