عندما يُـحرَقُ الفكـر  أو يُـلقى في النــهر

 في اي زمن تضطرب فيه موازين الطبيعة وقوانين الحياة

تتحول القوة لتصبح في يد الطغاةِ  حديدٌ ونار

حينها

يحترق الفرح وتموت الافكار

يدخل الانسان دائرة التيه ويبدأ في البحث عن خيارات اخرى

في برلين سنة 1933، كما في المدن الالمانية الاخرى ، وبقلب يكاد يعتصر دما احتفل الالمان!!

ورفعوا الاذرع عالية باتجاه هتلر ، مناصرين ومؤيدين!

وهم يرون فكر ابنائهم وجهدهم يكدّس في ساحات المدن وتضرم به النيران

كان الوقتُ وقتَ حني الرقاب ولم يكن الشعب بعد ، قد تعلم

 ان يقول للطغاةِ ..لا 

من برلين وعبر المذياع

ياتي صوت الوزير جوبلز " ألمانيا تُطهر نفسها من الداخل والخارج "

تسلّـق جند هولاكو سور بغداد العتيد سنة 1258 وعندما انتزعوا

مفاتيح المدينة من كبد الخليفة

تحولت وثائق وكتب دار الحكمة من على الرفوف الى قاع النهر

سال حبرها وآمتزج  بالماء ، ومنذ ذلك الحين اصاب دجلة الهــوس

وآبن العلقم مازال يعشعش بين صخور الجبال

وفوق هامات النخيل

رغم الفارق الزمني الكبير ، وبالاضافة الى قواسم مشتركة كثيرة 

فان القاسم المشترك الاهم بين هولاكو وهتلر هو التطهيــر!!

الاول طهّـر بغداد من خلال الماء والثاني ، برلين عن طريق النار

ولان القوة كانت لعبة في يد الاثنان ، فان اي فكر خارج عن ثقافتيهما

هو تمرد ومؤامره ويجب ان يَخضع للعدم 

التطهير هنا هو ليس كما أراده الفيلسوف الاغريقي ارسـطو، من ان يكون

 له مغزى اخلاقي وتعليمي . إنه في سلوك هولاكو وهتلر

يحمل مغزاً ومعناً تدميريا ، فاغراق واتلاف وحرق إرث وثقافة شعب

هو بمثابة قتل للروح ، استعبادٌ ومصادرة لصوت هذا الانسان

الذي خلقه الله حـراً 

ربما إستطاع الساسة والطغاة الجُدد ان يستفيدوا كما كان يستفيد الجمهور

وهو يشاهد معاناة البطل المأساوي الذي أطلق العنان

 لكبريائه وحماقاته لارتكاب الخطيئة ضدّ البشر والالهة

ويعرف ويتعلم أن سلوكيات هذا البطل وإنفعالاته تؤدي الى الهلاك ومن ثمّ يجب ان يتجنبها في حياته

في العاشر من نيسان أحـيتْ ألمانيا هذا العام  وفي أغلب مدنها ذكرى

 احراق الكتب على يد النازية

وهنا في مدينة مورناو"Murnau " أقامت البلدية  مهرجانا شارك

فيه 37 شخصية سياسية وأدبية

قرأوا مقتطفات من قصص وأشعار لكتاب ألمان ناهظوا الفكر النازي آنذاك

فشملت تلك المحرقة التاريخية كتبهم ونتاجاتهم الفكرية والادبية

هذه ترجمة للقصة القصيرة التي قرأتها ضمن هذا المهرجان ، وددت عرضها بسبب أهميتها

ولما تحمله من إرهاصات ماتزال تُلقي بظلالها على وطننا 

العراق

( Maßnahmen gegen die Gewalt

.... إجراءات ضد الظلم  ــــــــــــ  برتولت بريشت

عندما كان المفكرـ السيد  كوينيرـ يتحدث في قاعة أمام حشد كبير ضدّ الظلم ،إنتبه كيف أن الحاضرين بدأوا ينفضون

 عنه ويذهبون . تلفت حوله فرأى أن خلفه يقف ـ الظلم !

ـ ماالذي كنت تقول ؟ ـ سأله الظلم

أجاب السيد كوينير ـ لقد أيّدت الظلم ـ

لما عاد السيد كوينير الى صفه ، سأله تلامذته عن عموده الفقري فأجاب

(السؤال عن العمود الفقري ، جملة يقولها الالمان للشخص الذي ليس لديه الشجاعة لقول مايؤمن به صراحة)

أنا املك عمود فقري ولكن ليس لاجل تحطيمه ، لهذا فأنا من يجب ان يعيش اطول عمراً من الظلم

وقصّ عليهم القصة التاليه

في يوم من أيام الطغيان جاء الى بيت السيد إيـكه ـ الذي إعتاد ان يقول ..لا ـ أحد العملاء وأبرز له  ورقة صادرة بإسم أولئك الذين يحكمون المدينة تعطيه ـ للعميل ـ الحق في إمتلاك أي بيت تطأه قدميه وأي طعام يشتهيه وايضا ..له الحق في ان يأمر اي رجل كي يقوم بخدمته .

جلس العميل على كرسي وطلب طعاما . إغتسل وأضطجع في الفراش ثم سأل ووجهه الى الحائط قبل أن ينام

ـ ستقوم .. بخدمتي ؟ـ

قام السيد إيـكه بتغطية العميل بالبطانية واخذ ينُـشُّ عنه الذباب

 يسهر على حراسته وهو نائم

وبقي مطيعا يؤدي هذه المهمة لمدة سبعة اعوامٍ كاملة

 ولكن مهما فعل كان عليه ان يكون حذرا من عمل شيء واحد

 كان هذا هو التلفظ بكلمة .

ولما انتهت السنوات السبع وأصبح العميل بدينا من كثرة الاكل والنوم وإصدار الاوامر..... مات العميل

وعلى عَجَل لفّـهُ السيد إيكـه بالبطانية المتهرئة ، سحبه خارج المنزل ،

 غسل مضجعه ، صبغ الجدران ، تنفس الصعداء وأجاب بقوة .. لا )

كان ليل الالمان طويلا ، لكنهم بعد الحرب العالمية الثانية إستطاعوا من ان يطهّروا الوطن كما هم يريدون وليس كما أراد الطغاة

تـشكّلوا مجدداً من رماد الكتب المحروقة

ومن توهج الافكار المنصهرة معاً صنعوا حياة وحضارة

وبغدادُ لم تزل تبحث وسط دجلة عن حضارتها العريقة

دجلة الذي تشتت الفكرُ فيه وعلى مرِّ الزمان ماتزال مياهه تخضعُ

للمـدّ مرةً وللجزرِ أخرى

منذ زمنٍ ودجلة محتارٌ بإهله وهو يرى الاهلُ عليه لايتفقون

فماءه للبعض حلو المذاق شمالاً وفي الجنوب لايروي عطش الكثيرين

وهو نفسه ، دجلة الخير ذلك الذي  ارتوى منه أبانا إبراهيم

 ومنه شرب سندبادُنا البحريُّ وعلاء الدين

والمرءُ لم يعد يدري ان كان هوس دجلة نتيجة لتـنافر الافكار التي تكدست يوما في بطنه وقلبه وعقله ؟

أم ان ذلك هو بفعل عوامل الارض وقوانين الملوحة

وحسابات حُـماة الدار

سمير يعقوب ـ المانيا 

اكبس هنا للانتقال الى الصفحة الرئيسية للأخ سمير يعقوب