من خزانة جـــدتي
كثيرة كانت حكايات جدتي التي بها تأتينا بالدنيا وما فيها دون ان نكلف انفسنا عناء السفر كان يكفي فقط ان ننتظر قدوم المساء،ومع مغيب الشمس تتوجه أعيننا صوب جدتي التي لاتملك إلاّ ان تبتسم وتحث الخطى لتتصدر المكان . ليكون ذلك بالنسبة لنا ايعازُ البدء بفرحٍ كنا نهرول لنتجمع حول تلك المدفأة الحمراء ونتلفلف باغطية تحمل عبق جدتي وطيبتها ، اغطية كانت قد خاطتها من بقايا اقمشةٍ تعددت الوانها وتنوعت اشكالها كانت جدتي كثيراً ما تخرج عن نص الحكاية لتعطي لنا من خلالها دروسا في الحياة تعيننا عندما نخوض نحن معتركها . وهكذا ، بعد ان نستزاد من الحكاية والدرس ويسري في اجسادنا دفءُ المدفأة ودفءُ الكلمات التي في طياتها عذوبة وطمأنينة وسكينة يغلبنا النعاس وترانا ننزوي الى فراشنا ملتحفين بتلك الاغطية الملونة ونحن نحلم بالحكاية على أمـلِ أن يـأتي مسـاءٌ جديــــد على أرض لاتحمل في باطنها جذورك ... على ارض لاتحمل في باطنها تأريخك ولكي تحافظ على ذلك الدفء وحرارة تلك الكلمات ، تراك بشعور أو بغير شعور تستحضر كل تلك الحكايات وتلك الدروس والعبر من أجل ان تكون مؤثراً وفاعلاً في مجتمعك الجديد وبقدر ماإجتهدت في ترجمة ذلك ، حاولت ايضا ان أزيد وأُظهرالعنصر الجمالي الهام لذلك الفن الفطري الذي من خلاله كانت جدتي تصنع تلك الاغطية الملونة من بقايا الاقمشة المتوفرة في المنزل .. حاولت ان اظهر ذلك باسلوب يتناغم مع مجتمع غني بالتكنولوجيا والابداع وفي الجانب الاخر يليق مع مقام جدتي وعمقها وارثها الكبير. إنها الهامات وتصاميم من " جودلية " جـدتي على مدار يومين متتاليين من شهر ايلول2008 اقيم هنا في المركز الثقافي ، المعرض السنوي Frauen -Power الذي يقدم تجارب نسائية في مجالات فنية واجتماعية متعددة وقد سنحت لي فرصة المشاركة في هذا االمعرض الى ضمن اربعة واربعين سيدة المانية .المشاركة كانت تجربة متواضة للمساهمة في احياء جانب من تراث البلدة التي قدمت منها والتعريف به وهكذا وقع اختياري على "الجودليه" من اجل تقديمها في هذا المعرض الذي يزوره جمهور واسع من شرائح اجتماعية مختلفة .هذا الاختيار لم ياتي من فراغ وانما وجدت في الجودلية مساحة كبيرة لكي يظهر المرء من خلالها مهارات عدة ، على ان الفكرة عندي تعدت من كون الجودلية هي مجرد غطاء يلتحف به بل انها اخذت جوانب عديدة لتشمل كل مستلزمات البيت العصري "ستائر، وسائد ، مفرش للموائد ، حقائب نسائية وحتى جداريات" الاختيار ايضا جاء لسببين اخرين ومهمين: الاول ربما يكون شخصيا وهو الاحساس بالانتماء والحنين الى ذكريات عزيزة الى قلبي . والثاني هو الفكرة الخاطئة هنا من حيث ان هذا النوع من الفن نشأ في الولايات المتحدة الامريكية ومن ثم انتشر هنا في اوربا ، فوجدت نفسي متحمسة لاظهار الفكرة الصحيحة لذلك . بنيت من "الجودلية" عدة تصاميم مستوحات من الفكرة الاصلية مع اضافة بعض اللمسات الخاصة في دمج الالوان والخامات المتنوعةعلى نحو دقيق لتغتني باللون وتتكامل مع بعضها البعض حرصت على ادخال الالوان التي تثير برؤيتها الشعور بالفرح والانطلاق حيث لايمكن تجاهل دور وتاثير الالوان في تحريك جمود الغرف واضفاء العنصر الجمالي الهام وايضا في دعم الصحة النفسية وتحسين الاداء الذهني والجسدي، ولكي احصل على هذه النتيجة كان لابدّ من اختيار اقمشة ذات طابع شرقي اولا اضافة الى امتيازها بجودة عالية من اجل اثراء هذه الجودلية واعطاء الوجه الحريري والفني لها . لم يكن باية حال من السهولة هنا الحصول على اقمشة تستجيب لمتطلبات الفكرة فكان لابد ان انتظر المعرض العالمي السنوي للاقمشة "Stoff Messe " الذي اقيم في ميونخ /المانيا من 3 الى 5 أيلول وتشترك في هذا المعرض شركات لصناعة الاقمشة من مختلف بلدان العالم والدخول الى هذا المعرض يكون من خلال دعوات خاصة وفقط للعاملين في هذا المجال وقد اتاح لي هذا المعرض فرصة مهمة للاختيار . حصدت المعروضات نتائج ملموسة على الارض إذ نقلت زوار المعرض "حسب قولهم" الى اجواء الف ليلة وليلة اضافة الى ان هناك جهات عدة طرحت عليّ فكرة تقديم دورات لتعليم هذا النوع من الفن والتعريف به والحقيقة ان الشئ الذي اسعدني هو ان الصحافة هنا قد اختارت هذا التراث البغديدي واجهة في ضوء تغطيتها الاعلامية لمجريات المعرض من مجموع خمسة واربعين مشاركة . بشرى بولص بتق
|