عثر على هذه الأيقونة الحجرية للعذراء والطفل مطمورة في الأرض، وجهها الى تحت وظهرها الى فوق، في كنيسة الطاهرة القديمة في الموصل (مقابل مطرانية السريان الكاثوليك) وراء المذبح الوسطاني، أثناء عملية الترميم والصيانة الجارية الآن في الكنيسة. الأيقونة من مادة فغش (مرمر) الموصل المائل الى الزرقة، طولها 92 سم وعرضها 86 سم وسمكها حوالي 7سم. نحت بارز العذراء جالسة على كرسي مزخرف زخرفة دقيقة وأنيقة، يشبه هيئة شهد العسل، ويشير الكرسي الى لقب العذراء "كرسي الحكمة". وعلى الكرسي أريكة تبدو غاطسة بثقل الشخوص الجالسة عليها. تحمل العذراء طفلها على ركبتيها في هيئة حنان، ويرى الطفل رافعا يديه للبركة. تنتهي الأيقونة من أسفل عند طوية ركبتي العذراء الى تحت، فيتساءل المشاهد ترى هل كانت الأيقونة في الأساس أطول لتحتوي على الرجلين سديلتين؟ أم أنها تنتهي كما عثرنا عليها؟ لربما، حيث أن الحجرة قطعة واحدة متكاملة وهي في حالة جيدة جدا ولا أثر للثلم فيها. ولكن عبثا متعمدا يبدو على وجه الأم وطفلها. هذا العبث ليس تآكلا من فعل الرطوبة أو الاحتقان في التراب لمدة طويلة، والا لنال أجزاء أخرى من الأيقونة، والحال أن الأجزاء الأخرى كلها سليمة. هل العبث في الوجوه آت من زمن "حرب الأيقونات"، أم هو من فعل مناوئي الصورة والتشبيه لأولياء الله من حيث اعتبارها أصناما ؟!
ملاحظة أخيرة : ان هذه الأيقونة تنتمي من حيث أسلوبها وهيئتها الى الفن الشعبي ذاته الذي أنتج الأيقونة المرمية الأخرى المعروضة في الكنيسة نفسها. ولكنها تبدو بتقنية ومواصفات فنية أفضل. الفرق البارز هو نوعية الحجر :الأيقونة المعروضة حاليا كجدارية الى يمين الداخل هي من المرمر الأبيض الشفاف(Albatre)، أما الأيقونة المكتشفة فهي من الفغش الموصلي التقليدي الآزرق. لماذا طمرت هذه الأيقونة لم نجد وثيقة الطمر مع الاكتشاف.. نتقدم بفرضية على ضوء مقارنتها بفن ومادة الأيقونة الجدارية الحالية : في احدى حقبات الترميم او التجديد الذي خضعت له الكنيسة، قد يكون فنان أو نقار قد رأى الأيقونة المكتشفة في البناء الخاضع للترميم مشوهة الوجهين بفعل عابث أقدم، فيكون قد وعد بأن يحقق نسخة عنها وبمادة افضل منها ( من فغش عادي / الأيقونة المكتشفة الى فغش أبيض شفاف)، فاستبدل المشوهة بالأيقونة المعروضة الآن ولم يدمر الأقدم بل طمر المشوهة، لربما حفاظا عليها، ولربما تهيبا ممن تمثله من شخوص قدسية. لذا نذهب الى أن الأيقونة المكتشفة أقدم من المعروضة بدلالة فنها الأفضل وطمرها ونوعية حجرها. والحال أن البناء الحالي للكنيسة يعود الى سنة 1744. الأيقونة المطمورة والمكتشفة أقدم من هذا التاريخ على الأرجح.
الأيقونة المعروضة منذ هذا التجديد (1744) محاطة بزخارف ورموز منحوتة تعود الى تواريخ أقدم بدلالاتها الرمزية ونوعية حجرها وتنافرها مع مواد البناء القائمة. أن هندسة البناء الحالي للكنيسة يعود الى القرن الثاني عشر وهو كثير الشبه بكنائس دير مار بهنام والطاهرة القديمة في قره قوش وكنيسة مار اشعيا وشمعون الصفا وغيرها من الكنائس العائدة الى تلك الحقبة في الموصل.
|