عدسات

عن مجلة العائلة

لم أكن أعرف ان الأجساد الصلبة تتراسل أيضاً ولكنني تيقنت ذلك بعد ان لف سائق البرازيلي وراوغ ودافع وتدافع وناول سيارته (1-2) بين الحفر والطّسات وهو يجتاز الطّسة تلو الطّسة في سباق مع التراب والغبار والسماء والريح والهاجس والكون، وبعد ان تَرحمتُ وطلبتُ الصفح عن أخطائي وتمتمتُ من اجل حفظ أعضائي وقلت لنفسي، إن شاء الله سلامات.. سلامات، وتصفحتُ وتفحصت أجزائي، راوغت ودافعت وناولت أناملي الى الجهة اليمنى ابحث عن كسر  وطعجة وطعنة وبعجة وألقيت بالثانية الى الجهة الأخرى و(1-2) بين اللحم والعظم، وبعد ان اطمأن الهاجس والخوف الذي تلاعب حتى بصورة حبيبتي. وصوب مفرق الكوير تحركت السيارة بنا ثانية الى الهدف علماً أننا تعلمنا في الرياضيات والهندسة ان أقرب الطرق الى نقطتين يكون خطا مستقيماً لأصل الى قناعة انني أقطع الطريق الى الموصل زيادة عشرة كيلومترات ذهاباً وفي حساب عسير عليَّ وعلى السائق وتقليصاً للزمن والطّسات والخوف، وقد تكاثرت كلما امتدت بنا المسافة والتراسل هذا يمتد في تعشيق كروي و(باصات) أي مناورة الطّسات الطفولية الصغيرة مع الطّسات المعمرة في مفارق الطرق والفواصل التواصلية في جسد هذا التراسل وهو يلقم ويهضم المئات من الأجسام المرنة التي تتواصل في فواصل لحنية ايقاعية متناغمة في ثقلها المرتطم، ورغم فواصل الطبيعة من مطر وعواصف وريح التي تعمل على تنظيف هذه الحفر فلابد ان لا نحسد حال الشارع والارصفة حيث نظافة الشوارع وامتداد يد التنظيف وجهد الذين يعملون كل يوم بنشاط.

 كما اتباهى اولاً بالأرصفة التي تعرض كل شيءٍ عدا جمالية الجمال في ذوق العرض وتزاحم خطواتي المتثاقلة خوف ان يخون السكر قدمي فأرتطم كخيار لا بُدَّ منه أو ازاحم السيارات التي تسمى البالة والعتيقة والأرقام البيضاء والصفراء والخضراء وما لم يظهر بعد من لون ونوع وخطوط. ولكن هل استمرُ بالتباهي وحالي لا يوحي بذلك حيث اتلقى نفرزة السواق من كثرة الدكاكين وبهاء الأسواق وامتلائها بكل شيء في بخديداً التي جعلت الذين أو تحديداً اللواتي يذهبن الى الموصل للتبضع على عدد اصابع اليد الواحدة، كما انني صرت اتباهى بمعرفتي لأهنيء الكرمليسيين والبرطلاويين الذين يقصدون أسواق بلدتي للتسوق استقبالاً للأعياد والمناسبات الدينية والخاصة. ولم اطل أكثر في الدوران وقد جذبني دوران اطار (تاير) لسيارة انيقة ونظيفة ومهندمة ببدلة جديدة وبالوان قوس قزح تسمى جزافاً البالة، والتي كَثُرت هذه الايام وفي كل شيء وبمناسبة ودون مناسبة. وتذكرت انني بعت مرةً ارضاً بسعر تاير واحد وحالي الآن الذي لا يسر بين دوراني في المكاتب او سؤالي عن الناس لاشتري عوضاً عمّا بعت ولكن الآن بسعر سيارتين من تلك السيارات الأنيقة ـ يا للمفارقة الجميلة.

كما ذكّرني موديل احدى السيارات باليابان والطفرة الصناعية الهائلة بعد مصيبة وبلاء ـ هيروشيما ونكزاكي ـ واقتراحها تبديل مدن بأكملها ابتداءً من أول بلوك الى أحدث ميترو  وناطحة وشارع متدرج السرع او يوصلك الى الجهة التي تقصدها دون ان تشعر بان وسيلةً ما ما قد أقلّتكَ.

وفي جولتي ايضاً طالعت واجهات بعض البيوت الحديثة من حيث المساحيق والمكياج والديكور وأفكار المهندسين ومهارة الأيدي العاملة، لكني قلت في سرّي مربعات ومستطيلات تأخذ مساحة صغيرة لي لجسدي وعائلتي وقبري ومائي واحلامي وكما في حياتي فإني أضع اللمسات الجمالية ليس في كثافتها وحجمها وضخامتها من صدر الطير وبطن النجمة وصوف النعجة ومنقار الديناصور وصوت التماثيل القيثاري، لكنني كي اضع فيها صدري الذي يسع قلبي وحجمي الذي يسع الحب وضخامتي التي تسع العطر ومناقير الحروف ورنين الحب ليكون برجي الذي عكسته عدساتي برج العمران والأعمار لكي اصل الى قلمي وحبي وحرفي وقلبي والى نبضاتكم قبل ان تصل الريح والضوء والطائرات.

(هامش) الطسة عند السدّة مازالت على حالها والطّسات تتكاثر كتكاثر الحشرات والأشنات وتهددنا كاسراب الجراد والفيضانات والأفلام الرخيصة وفي مجال الشخصية ما زلت معلقاً بين البيت والسيارة وسنارة تسلم الرواتب المتغيرة وأمنياتي أن يتوفر لي شيء من العمر لأزور اللوفر ومايكوفسكي وماركيز والبندقية وملعب ويمبري وسلمان باك.

شعرت في التاسع والعشرين من شباط بعاطفة ملتهبة لأقبّل نار القمر وأخمد نار شفتي وبركان قلمي، وابتداءاً من الآن سأخذ حبة وجرعة من الشعر لأزيد من رومانسية ملابسي وأدواتي الأخرى التي لا أستخدمها في عدساتي مدونات تركتها زجاجة عدساتي، أستغل وقتي المتبقي لتحسين وترميم سؤال موجه الى المرور والبلدية والناس واللحوم المعلبة والفواكه والخضر والأرصفة والكماليات الحديثة والقديمة والدولار وكل شيء يضيف أرقاً وقلقاً ورقماً غير مستقر في حياتي لأخزن حالتي المستقرة وأستقر.

 اكبس هنا للانتقال الى الصفحة الرئيسية للاخ زهير بردى