منتديات بخديدا |
“حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم”. (متّى 18، 20) كيارا لوبيك
يفتتح القدّيس متّى إنجيله بهذه البشرى السارة، عمّانوئيل أي “الله معنا” (متّى 23،1). فمن خلال تجسّد يسوع، عمّانوئيل، نزل الله وأقام بيننا. ويختم القدّيس متّى إنجيله بوعد مدهش: “وهاءنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم” (متى 20،28). لا يقتصر حضور الله بيننا على فترة تاريخيّة معيّنة، أو على وجود يسوع الجسدي على الأرض. إنّه معنا دائماً وإلى الأبد. كيف ذلك؟ وأين نلتقيه؟ ويأتينا الجواب في إنجيل القدّيس متّى بالذات، حيث يرسم يسوع الخطوط العريضة لحياة جماعته أي الكنيسة. لقد تكلّم عنها عدّة مرّات وقال بأنّها مبنيّة على الصخرة، على بطرس، تجمعها “الكلمة”، والأفخارستيا. وفي “كلمة حياة” هذا الشهر، يكشف لنا يسوع عن هويّة الكنيسة الأعمق، ألا وهي يسوع نفسه الحاضر بين المجتمعين باسمه. ونحن أيضاً نستطيع أن نلمس حضوره دائماً بيننا ونختبر الكنيسة الحيّة ونعيش الكنيسة بكيانها الحقيقي.
“حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم”. إذا كان الربّ القائم من الموت هو من يجمع ويوحّد المؤمنين به وبين بعضهم ويجعل منهم جسداً واحداً هو جسده، فإنّ كلّ انقسام في عائلاتنا أو في جماعاتنا يُشوّه وجه الكنيسة. فالمسيح ليس منقسماً على ذاته. مسيح منقسم لا يتعرّف عليه أحد لأنّه مشوّه. وهذا صحيح أيضاً بالنسبة إلى العلاقات بين الكنائس والجماعات الكنسيّة المختلفة. إنّ المسيرة المسكونيّة جعلتنا نعي أنَّ “ما يوحّدنا أكثر بكثير مما يفرّقنا”. وإذا ما بَقِيَت بعض نقاط العقيدة والتقليد المسيحي عالقة وتفتقد إلى الوحدة في الإيمان، فإنّ “الحقيقة الجوهريّة التي تجمعنا هي حضور القائم من الموت بيننا” (الإرشاد الأسبوعي للصلاة من أجل وحدة المسيحيين، 18-25 كانون الثاني 2006، روما 2005). إن اجتماعنا باسم يسوع لنصلّي معاً، لنتعرّف على غنى الإيمان المسيحي ونتقاسمه، لنطلب المسامحة بشكل متبادل، هو الخطوة الأساسيّة لتخطّي الإنقسامات العديدة. قد يبدو ذلك مبادرات صغيرة، ولكن: “ما من شيء تافه إذا قمنا به بمحبّة”. يسوع بيننا “ينبوع وحدتنا” سوف يرشدنا إلى “الطريق التي علينا اتّباعها لنصبح أدوات تخدم الوحدة التي يريدها الله” (المصدر نفسه). هذا ما كتبته لجنة الإيمان والعقيدة التابعة لمجلس الكنائس العالمي والمجلس الحبري لتنمية الوحدة بين المسيحيين، حين اقترحا كلمة الحياة هذه، التي كتبتها مجموعة مسكونيّة من المؤمنين في مدينة دوبلين (ايرلندا). فمنذ سنة 1968 وخلال “أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحييّن” يُقترح على جميع المؤمنين أن يعيشوا آية مُحَدَّدة من الإنجيل. وهذا دليل على أنّ المسيرة نحو الشركة الكاملة والظاهرة بين الكنائس مستمرّة، ورجاء أكيد أنّها ستتحقّق.
“حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم”.
ماذا يعني أن نكون متّحدين بإسم يسوع؟ يعني أن نكون متّحدين فيه هو، في إرادته. ونحن نعلم أنّ أسمى رغباته، هي “وصيّته” في أن نعيش المحبّة المتبادلة. هكذا، حيثما يكون اثنان أو ثلاثة أشخاص مستعدّين لأن يحبّوا بعضهم بهذه الطريقة، وقادرين على التخلّي عن كلّ شيء حتّى يستحقّوا حضوره بينهم، سوف يتغيّر كلّ شيء من حولهم. يستطيع يسوع آنذاك أن يدخل إلى بيوتنا، ومدارسنا، وإلى أماكن عملنا، وحتّى إلى مجالس النواب ويغيّرها كلها. سوف يكون حضوره نوراً لمشاكلنا، وإبداعاً خلاّقاً لمواجهة الظروف الشخصيّة والإجتماعيّة، سوف يمنحنا الشجاعةً لكي نسير قدماً في اختياراتنا الجريئة، وسوف يكون خميرة للإنسانيّة جمعاء. إنّ حضوره الحقيقي، سيكون في العائلات، في المصانع، وفي المعامل، وورش البناء، سوف يكون مع الفلاّحين في حقولهم، وسوف نجده بين التجّار، بين الذين يعملون في الخدمات العامة وفي كلّ الأوساط. يسوع الذي يعيش في وسطنا بفضل المحبّة المتبادلة المتجدّدة دائماً والمُعْلَن عنها دائماً، سوف يَحضُر من جديد في هذا العالم ويُحَرّره من كلّ عبوديّة. وحينها سيلهمنا الروح القدس دروباً جديدة.
“حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم”. انطلاقاً من خبرتنا نستطيع أن نرفع إلى الله صلاة شكر ونردّد كم هو صحيح ما كتبْتُه منذ سنوات، انّه “إذا كنّا متّحدين، يكون يسوع حاضراً بيننا. هو وحده ذو قيمة. إنّه أكبر قيمة من أي كنز ممكن أن يمتلكه قلبنا. أكبر من الأمّ ومن الأب ومن الإخوة ومن الأولاد. أكبر من البيت ومن العمل ومن الممتلكات. إنّه أكبر قيمة من روائع الفنّ التي تضمّها مدينة كبيرة مثل روما، أكبر من كلّ اهتماماتنا وأكبر من الطبيعة التي تنشر أزهارها من حولنا، أكبر من الحقول، من البحر ومن النجوم. إنّه أكبر قيمة من روحنا”. كم هي رائعة مثلاً تلك الشهادة التي نعطيها إلى العالم من خلال المحبّة المتبادلة الإنجيليّة بين الكاثوليكيّ والأرمني، أو بين البروتستانتي والأرثوذكسي! لِنَعش إذاً اليوم أيضاً الحياة التي يَهبنا الله إيّاها لحظة تلو الأخرى بالمحبّة. إنّ المحبّة الأخويّة وصيّة أساسيّة. لذا هناك قيمة لكلّ ما يكون تعبيراً عن محبّة أخويّة صادقة. ولا قيمة لأيّ شيء نقوم به إذا لم تكن فيه المحبّة: فالله آب يحمل أولاده في قلبه دائماً أبداً. لنَعش كي نستحقّ حضور يسوع بيننا دائماً ونحمله إلى العالم الذي يجهل سلامه.
مع الشكر للأخ أركان هابيل
|