كلمة الحياة
كيارا لوبيك شباط 2006 "... وذَهَبَ إلى مَكانٍ قفرٍ وأخَذَ يُصَلّي هُناك." (مرقس1، 35) كم كان حافلاً ذلك السبت نهار الذي عاشه يسوع في مدينة كفرناحوم! لقد تكلم في الهيكل وترك الجميع مدهوشين أمام تعليمه. وحرر رجلاً تسكنه روحاً شريرة. ولدى خروجه من الهيكل مرّ على منزل سمعان أندراوس وشفى هناك حماة سمعان. وحين حَلّ المساء بعد غروب الشمس, حملوا إليه جميع المرضى ومن الممسوسين فقام بشفاء الكثيرين ممن كانوا يعانون من شَتّى الأمراض وطرَد الكثير من الشياطين. وبعد نهار وليل مليئين بالأحداث نهَض يَسوع باكراً ولم يكن الظلام قد تبَدد بعد، وخرَج مِن البيت، "... وذَهَبَ إلى مَكانٍ قفر وأخَذَ يُصَلّي هُناك." دفعه إلى ذلك حنينه إلى السماء. لقد أتى إلى العالم ليكشف لنا عن محبة الله ، ويفتح لنا طريق السماء، ويشاركنا كلّ مظاهر حياتنا. وقام باجتياز طرقات فلسطين ليعلّم الجموع ويعالج كلّ أنواع المرض والإعاقة بين أفراد الشعب، وليقوم بتنشئة تلاميذه. ولكن النَسْغ الحيّ الذي يتدفَّق منه كالماء المتدفق من النبع (يوحنا 7، 37-38)، كان يأتيه من علاقته المستمرّة بالآب. هو والآب يعرفان بعضهما ويحبّان بعضهما، فالواحد هو في الآخر وهما واحد. (يوحنا 10، 15 .30 . 38 ...) الآب هو"أبّا"، أي الأب، بابا، الذي يتوجه إليه بنبراتٍ مِلؤها الثِقة والمحبة اللامتناهية. "... وذَهَبَ إلى مَكانٍ قفرٍ وأخَذَ يُصَلّي هُناك." وبما أن ابن الله تجسد من أجلنا، لم يَكفِه أن يكون هو في حالة الصلاة المميزة هذه. فهو إذ مات لأجلنا وخلّصنا، جعلنا أبناء الله وإخوة له. وهكذا تسنّى لنا نحن أيضاً أن ندعوالله كما يدعوه هو: "أبّا"، أيها الآب، مع كل ما تعنيه هذه الكلمة، من ثقة بحمايته لنا، والشعور بالأمان وتسليم الذات الأعمى لمحبته، والتعزية الإلهية، والقوّة والحماس، الحماس الذي يولد في قلب من هو متأكّد بأنه محبوب من الآب. وحين ندخل إلى "صمتِ غرفتنا الداخلية" إلى عُمق روحنا، باستطاعتنا أن نتكلم معه ونعبده، ونُعبّر له عن محبتنا. نشكره، نطلب منه الغفران ونسرّ له بحاجاتنا وحاجات البشرية جمعاء، ونَسرّ له أيضاً بأحلامنا ورغباتنا..... ماذا يمنعنا عن قول ما نريده لشخصٍِ نعرف أنه يحبنا حباً عظيماً وهو قادرٌ على كلّ شيء؟ وبإمكاننا أن نتحدث مع "الكلمة"، مع يسوع. وخاصة أن نصغي إليه ونتركه يردد لنا كلماته: "ثقوا أنا هو لا تخافوا" (مرقس 6، 5)، "أنا معكم كل الأيام ..." (متى 19، 21)، "اغفِر سبعينَ مرّة سَبعَ مرّات" (متى 18، 22)، "فكلّ ما تريدون أن يفعله الناس لكم، افعلوه لهم أنتم أيضاً" (متى 7، 12). بإمكان الصَلاة أن تكون لحظات طويلة أو دقائق قصيرة ومتعدّدة خلال اليوم بأكمله، كنظرة حُب أو هَمَسات نقول فيها "أنت يا ربّ خيري الوحيد" (مزمور 16، 2)، "من أجلك هذا العمل". لا نستطيع أن نتخلّى عن الصَلاة. لا نستطيع أن نعيش بدون تنفس، والصلاة هي التنفس بالنسبة إلى الروح، إنها التعبير عن محبتنا لله. سنخرج من هذا الحديث الشخصي معه، من هذه العلاقة، علاقة الشركة والمحبة، بقوّة جديدة مستعدّين لمواجهة الحياة اليومية بثقة وكثافة جديدتين. وسوف نَجِد العلاقة الصحيحة مع الآخرين ومع الأشياء. "... وذَهَبَ إلى مَكانٍ قفرٍ وأخَذَ يُصَلّي هُناك." اذا لم نقفل نوافذ روحنا من خلال الخشوع، لا تستطيع أنت يا ربّ أن تبقى عندنا كما ترغب محبتك أحياناً بذلك. ولكن ما أن نترك كلّ شيء لِنَختَلي بك، لا نعود نرغب بالعودة إلى الوراء. فالاتحاد بك عَذبٌ بالنسبة لروحنا وكل ما تبَقّى لا طَعْمَ له. أولئك الذين يحبونك بصِدق، غالباً ما يشعرون بك يا ربّ في صمْت غرفتهم وفي عُمقِ قلبهم، وهذا ما يؤثر في النفس لأنه يلمسها في الصميم. يشكرونك لأنك قريب منهم إلى هذا الحد، لأنك كل شيء بالنسبة لهم، لأنك أنت مَن يُعطي معنى للحياة وللموت. يشكرونك، ولكنهم غالباً يجهلون كيف يفعلون ذلك وكيف يقولونه. يعرفون فقط أنك تحبهم وهم يحبونك، وليس هناك أعذب من ذلك على الأرض... ما يشعرون به في روحهم، حين تظهر فيها، هي السماء، فيقولون: "اذا كانت السماء كذلك، فما أجملها!" إنهم يشكرونك يا ربّ على حياتهم كلّها لأنك حملتهم إلى هذا الحد. وإذا كانت لا تزال هناك ظلال في الخارج قد تحجب سماءهم هذه، حين تُظهر نفسك أنت، يصبح كلّ شيء بعيداً وماضياً ولا وجود له. وتكون أنت وحدك. هكذا يكون الأمر.
مع الشكر للأخ أركان هابيل
|