مواعظ على مدار السنة الطقسية 2006 ـ 2007
المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل
ملتقى عهديـن
حَدَثُ الزيارة، وإن بسيطا لا يخرج عن المألوف، هو ضخم بحجمه الروحي ومضمونه اللاهوتي. إنه يُدخلنا في أجواء مسيحانية صرف، من حيث أن هذا اللقاء المرتب من قبل الروح القدس، يبرز لنا حقيقة هامة في شخص اليشباع وابنها يوحنا من جهة. وفي شخص مريم وابنها يسوع من جهة أخرى. إنه ملتقى عهدين. عهدان كاملان يتقابلان ويتبادلان تهنئات حارة . إنه لقاء لحظات حاسمة. ونقطة تواصل بين الماضي الذي قطع وعودا وبين الحاضر الذي يبدأ بتحقيق كل تلك الوعود. اليشباع ومعها العهد القديم تحس بفرح لا يوصف لدى دخول مريم، فيهتز يوحنا ابنها في أحشائها، وتندفع هاتفة ومهنئة العذراءَ على ما يجري فيها من عظائم . وكل هذا دون مقدمات وقبل أن تبوح لها العذراء بشئ مما حدث لها. والعذراء بدورها ومعها العهد الجديد ، تغبط نسيبتها بالولد العظيم الذي تحمله ، الذي سيكون له شأن كبير لأنه يهيء طريق المخلص. والعهدان يتفقان سوية عند نقطة واحدة هي : الإيمان بتحقيق الخلاص. لأن " الناموس والأنبياء إلى يوحنا ومن يوحنا حينئذ يبشر بملكوت الله" (لوقا 16: 16) . ماذا يعلمنا حدث الزيارة ؟ يعلمنا أن الله وفّي في وعودِه وثابت في قراراته. وأنَّ سَحقَ رأس الحية كما وعد به الله حواء، يتحقق اليوم تحت قدمي مريم. وها إن الرب يشارك اليشباع في هذا المخطط . وهو يشارك كل أم تعطي للرب أولادا صالحين ينشرون ملكوت الله في حياتهم وخدمتهم لاسيما أولئك الذين يتكرسون لرسالة الكهنوت أو الرهبانية التي يدعوهم الله إليها . يعلمنا أيضا أن كل جديد هو تواصل وتكامل . يسوع قال ما جئت لأنقض الناموس والأنبياء، بل جئت لأكمل. وعلينا في حياتنا العملية ونشاطاتنا الاجتماعية أن ننتبه جيدا من التسرع الذي يقع فيه الذين يعتبرون أن القديم والجديد في عصرنا هذا أمران لا يتفقان. فيتمسك القدماء بالقديم ويتحمس الجدد للجديد بل يميلون إلى نسف كل قديم وتغيير كل شيء. هؤلاء ينسون أن الحياة حركة حية تجمع بين النافع والواجب حفظه من القديم وبين الصالح والجيد من الجديد الذي تقتضيه سنة الحياة. ذلك يجب أن يتم، لا بروح الصراع والمجابهة، بل بروح المحبة والتفاهم. وبروح إيمان عميق بعمل الله في الكون على شبه لقاء مريم واليشباع. في كل ذلك يجب أن يكون لنا من الإحساس الرهيف ما يجعلنا دوما نميز ما هي إرادة الرب كما يقول بولس الرسول: " كونوا تميزون ما الذي يرضي الرب" (أفسس5: 10). ولكن لكي نميز ما يرضي الرب علينا أن نترك المجال واسعا أمام مفعول الروح القدس الذي يقود خطانا إلى الحق لنلتقي به تعالى بالإيمان ونحبه في القريب كل يوم. وهكذا ننقل المسيح في حياتنا ونذهب به كل يوم في زيارة مستمر عبر الزمان والمكان . آمين.
|