مواعظ على مدار السنة الطقسية 2008 ـ 2009
المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل
"إن البار بالإيمان يحيا" (غلاطية 3: 11)
نحن قد سبقنا وقلنا نعم للمسيح منذ يوم عمادنا. ثم قلناها بشكل آخر يوم تناولنا الأول. وما نزال منذ ذلك الحين نقولها للرب بطرق شتى . أجل إنناكل يوم وكل مرة نستجيب لرغبة المسيح في الطاعة والمحبة وفي الزهد والتضحية وفي الصبر واحتمال المصائب وفي العطاء والصدقة وفي أي عمل آخر صالح. فنحن نقول الـ "نعم" التي قالتها مريم وقالها الرسل والشهداء وكل الصالحين عبر تاريخ المسيحية. كلمة النعم هذه هي إصغاء لكلام الله ولرغبة المسيح وانقياد لإلهامات الروح القدس. فنحن نعيش بالإيمان حياة الله متممين بذلك وصية يسوع : "أثبتوا فيَّ وأنا فيكم". ويسوع ليس معلما أو نموذجا من الخارج مثل الحكيم أو البطل. بل المسيح يحيا في المؤمنين به. " أنا الكرمة وأنتم الأغصان... بدوني لا تستطيعون أن تعملوا شيئا " (يوحنا 15: 4-5). هذه الخبرة الحياتية عاشها بولس الرسول الذي صرخ يوما: " أنا حيّ، لا بل المسيح حيّ فيَّ " (غلاطية 2: 20). في نهاية صومه في البرية يردّ المسيح على لمجرب : "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله ". ويجيب بطرس ليسوع ويقول:" على كلمتك ألقي الشبكة " فجمعت شبكته سمكا كثيرا. الحياة بقوة كلمة الله، هذا هو الإيمان الحقيقي. لأن كلام الله هو نور وحياة. بهما نتحول من حياة مادية إلى حياة روحية ومن عالم محدود إلى عالم لا حدود لآفاقه. فنجد الراحة وسط التعب. والتعزية وسط الأحزان. وننال القوة وسط التجارب والصمود وسط الخوف والارتياب.ونصنع العجائب. كلمة الرب التي بها نحيا ومنها نستقي القوة ، نجدها في الانجيل المقدس وفي تعليم الكنيسة. أجل نحن لم نرَ عجائب المسيح بأعين الجسد وما كنا يوما مع الرسل لدى ظهوراته بعد قيامته. ولكننا واثقون بأن أعينَ الإيمان أصفى من أعين الجسد، وأن الرسل الذين أورثونا هذا الإيمان دفعوا حياتهم ثمنا له. فنحن إذن أبناء شهداء وقديسين. وتربة بلادنا ارتوت بدماء آبائنا الذين فضلوا الموت في سبيل إبقاء شعلة المسيحية عالية وضاءة في سماء شرقنا. لقد كانوا بحياتهم وموتهم شهودا حقيقيين لقيامة الرب . وأنتم اليوم ما تركتم وتغربتم إلا حفاظا أيضا لوديعة الإيمان وخوفا عليها من الضياع في حالات صعبة مثل التي تمر بها بلدان شرقنا. ولكن عليكم أن تكونوا حذرين من التعاليم والعادات والممارسات التي ليست من تراثنا ولا هي من شيم الإنجيل . ففي هذا البلد وهذه البيئة المختلفة عما تعودناه في الشرق، وفي هذا المناخ الفكري والعلمي والمادي والصناعي يكاد الفكر الروحي والتراث الكنسي الذي نحمله من شرقنا يزول والممارسات الروحية تذوب حتى لم يعد مسافة بين ماهو مقبول وما هو غير مقبول. واصبح انسان شرقنا في حضارة الغرب هذه يتردد بين ما يجب فعله وما يجب تجنبه. هذا الضياع سببه غياب الإيمان في هذا الغرب والتنازل عنه لتسهيل مرور التيارات الفكرية والسلوكية الأسهل هضما لرغبات الإنسان الدنيا. عودتنا إلى الإيمان تنيرنا وتنقذنا من الأخطار. مثلما أنقذ يسوع بطرس في البحر. في بحر هذه الحياة يسوع يقول لنا : “ أنا هو لا تخافوا" . آمين. م. ج. زائر رسـولي
|