مواعظ على مدار السنة الطقسية 2007 ـ 2008
المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل
المسيح مبدأ الأسرار وغاية الصلاة " جَمَع تحت رأس واحد في المسيح ، كل شيء" (افسس 1: 10) بهذا الحديث نختم اليوم سلسلة مواعظنا هذه السنة . وقد رأينا طيلة الفترة الطقسية الفائتة كيف أن حضور المسح في حياتنا هو التعبير الأسمى عن الإيمان. ورأينا كيف أن هذا الحضور يتحقق بواسطة الأسرار والصلاة. ديانتنا المسيحية تتميز بكونها ديانة حب لا ديانة خوف وقصاص وحرب وقتال. فنحن لا نقبل بعلاقة مباشرة بين إله متعالِ وإنسان فرد. بل بين إله هو أب وبين البشر إخوة. هذا هو معنى سر تجسد ابن الله وقد عبّر المسيح عنه بقوله: " أنا الكرمة وأنتم الأغصان" وشرحه لنا مار بولس عندما قال: " كلنا جسد واحد، فيه. المسيح هو الرأس ونحن الأعضاء" وباني الكل هو الله". فاتصال الإنسان الفرد بالله يتم عن طريق الآخرين، عندما يشعر بأنهم أخوتُه، لأن الله هو أبو الكل. فالآخرون الذين يستطيع الإنسان أن يحقق بهم وجوده ويعيش معهم إيمانَه ليسوا سوى أولئك الناس القريبين منه: أبناء مجتمعه وبلده وعائلته. لأن علاقاته مع هؤلاء هي قبل غيرهم. ومن خلال هذه العلاقه يتّضح ويتحدد إيمانه بالله. : " إن قال أحد إني أحب الله وهو يبغض أخاه فهو كاذب، فمن لا يحب أخاه وهو يراه لايستطيع أن يحب الله وهو لا يراه" ( 1يو 4: 19). والعائلة هي الأخرى خلية المجتمع الأساسية، إذ فيها ومن خلالها أيضا تتوطد علاقة الإنسان بالله. لذا كان من الضروري أن يقدس المسيحي العائلة ويحترمها ويعمل على بنائها. فيخلع عنه كل ما هو بالِ وعتيق، ويلبس الإنسان الجديد الذي يتجدد بالمسيح. فينبذ أعمال الظلمة ويتحلى بالصفات الحسنة، لاسيما الالتزام بالإيمان ، والجدية والصدق في العمل ، والعمق في المحبة والسمو في التفاني ، والأمل في بناء مجتمع أفضل. من الضرورة بمكان أن يعيَ الانسان دوره في تطوير عائلته وتغيير مجتمعه دوما نحو الأحسن. ساعيا إلى ذلك بإخلاص ومثابرة، ومحققا إياه بأعمال ومشاريع والتزامات، مقرونه دوما بالصلاة، وبالعودة إلى رب الكل الذي منه كل عطية صالحة وكل موهبة وكل نجاح. ولكي يتحقق هذا الذي يبنيه الإنسان في محيطه، لا بد أن يكون في هذا البناء " يسوع المسيح نفسه هو رأس الزاوية ، الذي فيه ينسق البناء كله، ويرتفع هيكلا مقدسا في الرب. وفيه أيضا تندمجون أنتم في البنا لتصيروا مسكنا لله في الروح " ( أفسس 2: 21). في كل هذا لاننسى أن للروح القدس مكان كبير في بناء جسد المسيح الذي هو نحن. فعلينا أن نُفسح في المجال له لكي يتغلغل حتى أعماق ذواتنا، فنمتلىء من روح الرب وننطق ونعمل بما يأتينا به هذا الروح من الحكمة على غرار الرسل في العلية. ثم ننطلق في عملنا كما يريد يسوع وحيثما يريد ومتى يريد. على غرار الرسل والمسيحيين الأولين. فنحن في المسيح شعب كهنوتي وأمة مقدسة. وكل من موقعه هو كاهن لغيره. وعليه مسؤولية مواصلة عمل المسيح الذي لا يخلو من صلبان. ولكنه في النهاية قيامة وحياة وسعادة. لينيرنا الروح القدس ويلهب عقولنا ويلهم أفكارنا لما فيه خلاص نفوسنا ونفوس اخوتنا. آمين .
|