سرمد سمير حنا يوسف
النبوغ الموسيقي المبكِّر
سرمد يعزف الأرغن، والدُه سمير يقرع الطبل، والدتُه سهاد وإبنتها سارة ينشدان التراتيل في الكنيسة السويدية لمدينته – 2004.
بقلم الاستاذ باسم حنا بطرس
نيوزيلندا (تشرين ثاني 2004)
عرفتُ
الصبيّ سرمد من خلال الصديق الوفي الأب الراحل فيليب هيلايي؛ كنتُ في تلك الفترة أعمل أستاذاً وخبيراً لدى المعهد الوطني للموسيقى في عمّان، وآتي بين الحين والآخر إلى بغداد، حيث أقضِّي معظم وقتي عند الأب هيلايي الذي كنّا معه مضطلعين بمَهام تدريس الموسيقى لطلبة المعهد الكهنوتي وكليَّة بابل ومن ثم دير الراهبات في الزعفرانية. ونتبادل الرأي في شؤون الموسيقى الكنسية بشكل عام.
في إحدى زياراتي لبغداد، دعاني الأب فيليب كي أشاهد "طفل النبوغ الموسيقي المبكِّر، موزارت العراق" كيف يدرُس على يد الأب فيليب. تحمَّستُ كثيراً للدعوة؛ وهناك في كنيسة مار إيليا الحيري (الأمين – قرب بغداد الجديدة) وجدتُ سرمداً طفلاً صغيراً؛ يجلس إلى الأرغن الإلكتروني (Organ-Key Board) يتلقّى منه دروس الموسيقى عزفاً وعلوماً. جلستُ أراقبه، وأختلس الإستماع إلى طفلِنا هذا وهو يجتهد كي يتعلَّم "الدرس" الذي أعطاه إياه الأب هيلايي.
معرفة الأب هيلايي بالطفل سرمد
هنا أتوقف عن الإسترسال، لنستمع سويةً إلى الأب هيلايي يحدثنا عن هذا الصبي الموهوب:
بتاريخ 25 حزيران من العام 1997، زارني صبي بمعيّة والدَيه، كي أختبر تحسُّسَه الموسيقي. ما كنتُ يوماً قد درَّستُ الموسيقى للأطفال! لكن هذا الصبي الموهوب جعلني أنجذب إليه لأتولى العناية بتعليمه العزف وأصول الموسيقى.
وهنا – أيضاً – أتوقف عن الإسترسال بحديث الأب هيلايي، دعونا أولاً أن نتعرَّف بهذا الصبي: إنه (سرمد سمير حنّا)، المولود في بغداد سنة 1989، لأبوين إهتمّا غاية الإهتمام بتربية طفليهما، سارة، الإبنة الكبرى، وسرمد. وبحكم إنتماء العائلة خَورنيّا إلى كنيسة (مار إيليّا الحيري)، أسهمَتْ العائلة بالمشاركة في الخدمة الكنسية؛ هكذا كانت نشأة الطفلّين في أجواء مسيحية فيها الغذاء الإيماني والإجتماعي والثقافي.
وبحكم تخصص خوري الكنيسة، الأب هيلايي، بالموسيقى تربوياً وتعليماً وممارسةً، برز الإهتمام بوضوح في جنبات هذه الكنيسة، فصارت الموسيقى محور الاحاديث والممارسة فيها.
سرمد ينشد في محاضرة لكاتب هذه المقالة، بحضور الأب فيليب هيلايي
هنا – مرة أخرى – أعود لتكملة حديث الأب هيلايي:
وهكذا، شرع سرمد بتلقّي دروسه الموسيقية عندي. لكنّي (والقول للأب هيلايي) كنتُ أراجع نفسي عن التوصل إلى أسلوب يبسِّط الإدراك عند الأطفال لمعرفة مبادئ الموسيقى؛ ماذا أفعل؟ هل أعتمد الأساليب الأساسية المعتمَدَة في التعليم؟ إني الآن أتعامل مع طفل صغير: عليَّ أنْ أستنبط طريقة وأسلوباً يساعدان في إستيعاب الطفل لهذه العلوم.
وكان أول ذلك تعليمه قراءة الموسيقى. فأخذتُ بتصوير (النوطة) الموسيقية بشكل فواكه؛ هنا سألت سرمد: ما هي فاكهتك المفضَّلة؟ هل هي التفاح، المشمش، الخ.؟
هنا جاء دَور تصوير الفاكهة كرويَّة الشكل ووضعها على (المدرَّج الموسيقي – الخطوط الخمسة في الكتابة الموسيقية) عوضاً عن العلامات (النوطات): أخذتُ أشرح لسرمد: إذا وضعنا هذه التفاحة تحت الخط الأول، تتحول التفاحة إلى نغمة (رَي - Re)، وإذا وضعنا حبَّة المشمش على الخط الأول، تتحوَّل إلى نغمة (مِي - Me). وهكذا تبسَّطَت الأمور تدريجيّاً عند طفلنا سرمد.
سرمد في وسط بعض أعضاء جوقة كنيسة مار إيليا الحيري، بين الأب فيليب هيلايي وكاتب هذه المقال
كانت سعادة الأب فيليب كبيرة في تعليم سرمد، الذي أثبتَ كونه تلميذاً (شاطراً) مجتهداً في دراسته كما في المدرسة الإبتدائية آنذاك، كذلك كان أمرُه مع دراسته للموسيقى.
فبعد أربعة شهور من الدراسة والتدريب الجادَّين، وهو بعمر ثمانِ سنوات، أقامت كنيسة مار إيليا الحيري حفلة موسيقية بتاريخ 10/10/1997، تولَّيتُ شخصياً التقديم في الحفلة، شارك سرمد بعزف قطعةٍ من الموسيقى الكلاسيكية نالت إعجاب الجمهور المحتشد داخل الكنيسة، وأمام نخبة من أساتذة الموسيقى والأدباء المدعوّين، أمثال جميل جرجيس وحكمت يوسف الزيباري، وحسين الأعظمي، وحسين قدوري، والشاعر فاروق سلّوم (الذي كان مديراً عاماً لدار ثقافة الأطفال في وزارة الثقافة والإعلام).
أما في العام 2002، وقد أصبح الطفل صبيّاً بعمل إثنتي عشر عاماً، فقد جرىإعتباره "أصغر عازف أرغن كنسي في العراق".
مرحلة الإنتقال إلى الخارج
في تشرين أول من العام 2002، إنتقلت عائلة سرمد بكاملها إلى الأردن، كمحطة للعراقيين في التوجّه إلى بلد المهجر، حيث قضَّت العائلة – كما كان شأن العوائل العراقية الأخرى – فترة ثلاثة أشهر صعبة؛ لكن سرمداً واصل عزفَه على أرغن كنيسة كاثوليكية في جبل اللويبدة، متحدِّياً الظرف الصعب.
حتى تم إنتقال العائلة في شباط سنة 2003، إلى السويد لتستقر في مدينة (ساندز فيل - Sundsvall) التي تبعد مسافة 400 كيلومترٍ إلى الشمال من العاصمة ستوكهولم.
وختامها مِسك
واليوم، سرمد صار شاباً أنيقاً، يشع وجهه بشاشةً وهدوءاً: إنه ومع والديه وشقيقته سارة يشكِّلون جوقةَ إنشادٍ كنسي، يؤدّون خدمتَهم بانتظام في كنيسة الكاثوليك في تلك المدينة.
إنه حقاً، طفل النبوغ الموسيقي المبكِّر، رجل المستقبل المبدع.
]]
]
إضافةً إلى الكنيسة التي تخدم فيها عائلة سمير حنا، فإنها لا تألو جهداُ في التنقّل من كنيسة إلى أخرى ومدينة إلى أخرى لتقديم الخدمة المطلوبة في العزف والترتيل. من هذه المدن، هارنو ساند (Härnösand 50 kl)، وكرامفهرس (Kramförs 90 k l) ، ومدينة أورنسكوليسفيك .Örnsköldsvik 165 kl) بل صارت العائلة تُعرَف بأسماء جديدة هي: سرمد بنجامين ، وسهاد ماري.