كونــــوا واحــــــــداً
صفاء جميل بهنان
يفرع الناقوس لكي نيمع وننتبه … ونقرأ لكي نفهم ونحيا … ونكتب لنشارك الآخرين بما لدينا من أفكار وآراء … ونتقبل النقد لتصحيح الأخطاء إن وجدت … فالحياة أخذ وعطاء معاً .
كانت أغلبية الناس تصفق وترقص وتغني "للقائد الضرورة"…وقلة كانوا الذين يرون نهايته القريبة …سقط الطاغية وانتهت العبودية والاستبداد وتنفس الناس الصعداء…توقعنا تحسن الاحوال فجأة وبسرعة البرق… لكن العكس هو من فرض واقعه علينا الأن … فبدل صدام الراحل ظهر بيننا أكثر من مليون صدام … لانذكر فقدان الأمن والارهابيين والقلق من المستقبل المجهول ، بل نخوض في شؤوننا ونقول:عندما سطعت الحرية الفكرية وتعددت الآراء ،وجدنا أكثر الناس لايستطيعون تحمل ذلك. إنهم تقولبوا في إطار الفكر الواحد شاءوا أم أبوا. وهناك ثلّة ممن يجلسون في الظلمات جاهدين بالنقد الطاعن لخوفهم من التألف والاتحاد والتكاتف بين الاخوة. وهؤلاء يظهرون أمام الملأ بألسنتهم المعسولة مغطيةً قلوبهم وعقولهم المسمومة.
بعد تحرير العراق في 9/4/2004 ظهرت على ساحتنا الخديدية أحزاباً مسيحية عديدة،بعضها له تاريخ طويل في النضال قبل ذلك،وآخر ولد بعد سقوط الدكتاتور.كل هؤلاء ينادون بذات الهدف وهو نيل حقوقنا وترسيخ وجودنا وحضارتنا والتوحد تحت أسم قومي واحد يلمّ شمل الأخوة الفرقاء … لكنهم في الخفية يتهجمون على بعضهم البعض،وهذا دليل على القوقعة في بركة الفكر الواحد،وهنا يكمن الداء ونقطة الحسم بين السياسيين. وظهر لنا فجأةً طرف آخر هو الكنيسة وكأنها سلطان قاهر على الجميع لتمنعهم من الانتماء أو الاقتراب من أي حزب بحجة إنها لا تمتلك أية معلومات عنه،ولكي تحافظ على هؤلاء الشباب من الضياع. يا ليت كان تاريخ هؤلاء الحاملين لواء الكنيسة، يثبت إستقلاليتهم عن أي حزب. لقد كانوا يتلفون الدعوات من الحزب الديكتاتوري البائد ويلبونها في كل المناسبات برحابة صدر، ناهيك إن بعضهم كان من المدافعين بشدة عنه،لكنهم بعد السقوط تحولوا كالحرباء عدا من نالته رحمة الرب فغادر البلد ورحل.
هذه حقيقة لامجال فيها للمجاملة أو التردد أو الخجل لأن التاريخ يشهد عليها بوضوح. إندهش الناس وبقوا في حيرة مدوّخة، فالأسماء المركبة لاتريحهم ويرونها ثقيلة ومهزوزة، فما زالوا يتساءلون عن تسميتهم الصحيحة، فهل هم آشوريين أم كلدان أم سريان (وهذه ليست قومية) أم عرب أم … الخ.
أجدادنا رحمهم الله وآباؤنا الأحياء الآن أجبروا على كتابة كونهم عرباً ،والا تعرضوا للفصل من المدارس والدوائر والحرمان من الغداء.العرب أخوتنا ونعتز بهم كما بغيرهم من مواطنينا من القوميات الأخرى، فكلنا خليقة الرب وصنع يديه،وإدعاء الخصوصية هو إثراء لبشريتنا وفخر تعتز به الانسانية جمعاء … نكتب ما نؤمن به، فالنسر طير والديك طير أيضاً، لكنهما لا يوضعان معاً لأن الاخير لا يستطيع الطيران.
هل شفيت جراحاتنا بعد زوال الطغيان والتخويف؟ … كلا، انها زادت عمقاً وان لم نصحوا جميعاً فسوف تدمرنا بلا هوادة،لأن هذه المرحلة هي فرصتنا الأخيرة ولن نحظى بها ثانيةً. ان الذين أسكرتهم خمر صدام بفرض الفكر الواحد والرأي الواحد، عليهم أن ينهضوا من غيبوبتهم كي تتكاتف كل الايادي والقلوب في ولادة الجنين الجديد لشعبنا. وان لم نفعل هذا،ولا سمع الله، فكأننا نشارك سويةً بقتل الجنين في احشاء أمه.
عجلة الزمان تسير بسرعة البرق ،ومن لفه الانغلاق وقوقعته الانانية سيكون كالسلحفاة يزحف ببطء فتطويه سرعة حركة هذا الزمان ولاحقه.المطلوب ان نكون واحداً كما قالها معلمنا له المجد ((كونوا واحداً).الذي يفرق يستند الى هذا او ذاك من كتب التاريخ لكي يبقى وضع التشرذم سائداً ،وحصيلته الفشل والموت لأن ((الحرف يميت والروح يحيي)) 2كو 3/6. أما الذي يوحد فله كتاب أكبر هو الواقع الذي نعيشه اليوم والحقائق الواضحة التي نحياها هي التي تتكلم وتوحي بكل ما يريده الشرفاء والمخلصين.
الذين صنعوا الاحداث وكتبوا التاريخ والحضارات هم اناس مثلنا،تمجدوا لأنهم عرفوا أين تكمن قوتهم واستطاعوا عيشها بالافعال والاقوال ولم ينتظروها لنأتي بما جعلهم كباراً ورموزاً يصونها التاريخ بامتداده اللامنظور.
جاءتنا اليوم فرصة يمكننا فيها ان نصير كباراً أو صغاراً ينساها التاريخ وتلعننا الاجيال بدءاً من جيل اطفالنا المتفيئين بظلالنا في هذه الايام.فكلنا نبتغي ان نخدم انفسنا وفلذات اكبادنا وحرمات املاكنا وكرامة حاضرنا ومستقبلنا، ولأجل هذا اقتراح لمن يسمع ويرى ما يلي:-
1)وجوب الاخذ بالمفاهيم والامور المشتركة بين الجميع.
2)الانفتاح بروح المحبة والتضحية،والتخلي عن الأنا.
3)نبذ التفرقة والعمل سويةً في مشروع الوحدة والاتحاد.
4)التفكير بشمولية وابعاد المصالح الشخصية.
5)النظر والعمل برؤية مستقبلية بعيدة وليس فريبة ا؟لأجل.
6)لاننسى اننا اصحاب كلمة الله المتجسد،فهو يغنينا ويقوينا ويعزينا.
7)قبول الآخرين وتقبّل آراءهم برحابة الصدر ومحبة القلب وهدوء الحكمة.
ختاماً لابد من الاشارة والتذكير بأعظم قائد أنساني عرفته الارض والسماء وجميع الخلائق على الاطلاق، لا لأننا من جلدته وأتباعه، بل كونه أقرب إنسان الى الله، وأقرب أقنوم ألهي الى الانسان بكل تفاصيل حياته.ما فعله لم يجرؤ أحد قبله ولا بعده، أن يقوم أو حتى أن يفكر به، ألا وهو غسله لأرجل تلاميذه. فأن كان السيد بهذا المستوى من التواضع والخدمة، فكيف يجب أن يكون حال إتباعه في مضامير الحياة الإنسانية اليومية في كل زمان ومكان. علينا إذاً أن ننهض من سباتنا وبحماس شديد لنجعل من وجودنا قصيدة تصدح بها الحناجر، وحياتنا أغنيةً تطرب لها البشرية. وإن قال المسيح ((أنا في الآب ،والآب فيّ))، فغايته أن نقول: ((نحن في المسيح ،والمسيح فينا)) ونحيا بكل أمانة في هذا القول ونجسده في كل جوانب حياتنا مع ذواتنا ومع أهلنا ومعارفنا ومع كل الآخرين في الكون وخاصةً مواطنينا في كل جزء من العراق وفي العراق كلًه.
لو نصير في المسيح والمسيح فينا ،فسوف نتحد مع بعضنا في كل شيء،وندع الآخرين يتحدون مع بعضهم ومعنا في انسانيتنا وكل قواسمنا المشتركة. ليعمل كل واحد من موقعه، في هذا المشروع الانساني الرباني،الكاهن في كنيسته، والطبيب في مشفاه، والمعلم في مدرسته،والسياسي في مقره، والفلاح في مزرعته … والى كل التسميات والعناوين في هذه الحياة.
والخلاصة يجب ان تضم هذه الحقيقة ((ان نحن لانقر بأن سهل نينوى آشوري، فنكون طاعنين في صحة الكتاب المقدس))…وهذا ما لا يرضاه أي منّا لأنه خطر عليه وعلى الأخرين … ولنتذكر ما قاله ابن سيراخ في 28/12((اذا نفخت في شرارة ألتهبت، واذا بصقت عليها أنطفأت ،وكلتاهما خرجتا من فمك)).