(( الطعام أو الخبز في الكتاب المقدس ))
صفاء جميل ال جميل
الكتاب المقدس هو كلمة الله الموحاة بأفواه الأنبياء عبر التاريخ ، ويحتضن في سطوره أمةاً كثيرة يحتاجها الأنسان في حياته اليومية على الأرض لأعطائها معنىً وقيمةً .
وفي هذا المقال أرتأيت البحث بسرعة في 29/7(أصل المعيشة ،الماء والخبز واللباس وبيت يأوي اليه).وعليه يجب تحقيق العدالة في توزيع هذه الأساسيات الحياتية الموهوبة من الله الى الناس جميعاً،ويحرّم احتكارها لأنه بمثابة القتل كما يؤكد أبن سيراخ أيضاً في 34/21 (خبز الفقراء حياتهم،من منعهم أياه فهو سافك دم).واذا عدنا الى مدخل الكتاب المقدس نجده يشير الى غريزة الشهوة الغذائية في الانسان وذلك من اولويات عمل الخالق حين يمنحها لمخلوقه السائد على الارض فيخاطبه قائلاً(ها أنا اعطيكم كل عشب يبرز بزراً على وجه الارض كلها ،كل شجرة تحمل ثمراً فيه برز،هذا يكون لكم طعاماً)تك 1/29.اعطى الله للانسان حرية التصرف والاختيار في الاكل ونهاه عن واحدة هي شجرة معرفة الخير والشر(أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها)تك 2/17،وأراد سبحانه من هذه الوصيّة أن يظهر الانسان التزامه وطاعته لمن أعطاه الحياة ليديم علاقته الابدية معه.ولكن وكما يقول المثل الشائع(كل ممنوع مرغوب)ولدناءة النفس وعدم ضبطها،انتهك الانسان قانون خالقه فنال جزاءه بهذا النص(بتعبك وعرق جبينك تأكل طعامك طوال ايام حياتك)تك 3/17.
والانكى من ذلك ،ان الانسان لا يتعظ من اخطاءه او أخطاء غيره من اخوته البشر ليجعلها دروساً يستفاد منها في مسيرة حياته القصيرة وان طالت عشرات السنين…قصة الاخوين قايين وهابيل تخلص كل ما يمقته الله في الانسان من بخل وانانية واختلاس وجشع وعصيان واحتكار ونظرة قصيرة جداً جداً جداً الى الحياة والمصير…في هذا السياق اعلى يسوع صوته في وجه التاجر الجاهل قائلاً(يا غبي في هذه الليلة ستؤخذ روحك) لو 12/20.
وبامكان الانسان نيل العظائم اذا قدم الصغائر السهلة وافضلها هذا الخبز او الطعام لأخيه المعوز كما فعل ابينا ابراهيم ولوط حين اعطيانا أمثلة حية في الضيافة وبذل الخبز.
بدون الخبز تتلاشى كل رغبات الانسان وانشطته ومشاريعه وافكاره…ها هو عيسو يتنازل عن بكوريته لأخيه يعقوب عندما داهمه الجوع وعرف أنه سيموت(انا صائر الى الموت،فما لي والبكورية)تك25/32…وعندما لم يحظى يسوع بالتينة في شجرة ،حيث أحس بالجوع،لعنها فيبست (مت 21/18)…مع الانتباه الى ان معنى الشجرة هنا هو(اليهود)الذين لم يثمروا (لم يؤمنوا).وبسبب المجاعة يتخلى الانسان عن أحب الاشياء اليه ليحصل على القوت ،فها هو ابينا ابراهيم يقول عن زوجته سارة(هي اختي،لأنه خاف ان يقول هي امرأتي)تك 26/7.وفي حقبة الجفاف تحوّل المصريين الى عبيد لفرعون(نصير بأراضينا عبيداً لفرعون،وأعطانا بذاراً فنحيا ولانموت)تك 47/19.والعبرانيين فضلوا العودة من الحرية الى العبودية والظلم عندما أحسوا بالمجاعة وهم في طريق التحرّر(هناك كنّا نجلس عند قدور اللحم ونأكل من الطعام حتى نشبع،فلماذا اخر جتمانا الى هذه البرية لتميتا هذا الجمع كلهبالجوع)خر 16/3.والملك داؤد النبي تصرف بغرابة حين أحس بالجوع هو ورجاله حيث أكلوا الخبز المقدس المحرّم أكله الا من قبل الكهنة فقط،وقد أشار يسوع الى ذلك بقوله(أما قرأتم ما عمل داؤد ورجاله…) لو 6/3.وأقسى مشاهد الجوع وعوز الخبز ما نقرأه عن حصار السامرة واتفاق المرأتان على ذبح طفليهما وطبخهما وأكلهما حيث نفدّتا ذلك في اليوم الاول لاحد الطفلين ولكن الثاني انقذته أمه بعد أن صدمها رعب المشهد(مل 2/6 و24 و31)،ونوّه سفر التثنية عن هذه الصورة في 28/53(تأكلون ثمر بطونكم،لحم بنيكم وبناتكم)…وأكد على هذه الاحداث سفر باروك 2/3 (أكل بعضنا لحم ابنه،والآخر لدم ابنته).
كل هذه اشارات الى مستوى القسوة التي يتدنى اليها قلب الانسان بسبب الجوع الذي يفرغه من الرحمة والحنان والانسانية كلها ليتحول الى أردأ الحيوانات…كيف يمكننا تصور هذه المشاهد المفرغة عندما نفارنها بالمشهد الوارد في تك 21/16(لا أريد أن أرى الولد يموت) وهو قول إمرأة اسمها هاجر زوجة أبراهيم عن طفلها المريض بشدة…
ولكن حين نسمع سليمان الحكيم يقول(وللنفس الجائعة،كلّ مرّ حلو) أم 27/7،نتراجع قليلاً لنتأمل الموقف ونحاول أختباره لنفحص أرادتنا وجوهرنا اللذين لا ينضبطان ولا يستقيمان الاّ بملء الايمان وحده الذي يغني الانسان عن كل شهوات الدنيا…ولهذا صلى سليمان وطلب من الله ما يجنبه الوقوع في هذه العثرة المميتة(لا تعطني فقراً ولا غنىً،بل ارزقني ما استحق لئلاّ اشبع فأكفر وأقول من هو الرب،أو لئلاّ افتقر فأسرق وأدنس أسم الهي)أم 30/8…وعلى هذا الهدف صلّى يسوع وطلب منّا أن نصلّي كلّ يوم(أعطنا خبزنا كفافنا اليوم)مت 6/11.
ولأن الله هو عالم بأحتياجات كل إنسان(اللهم يا مصدر حياة كل بشر)عد 16/22.فلن يتخلى عن أي واحد…عندما انهزم ايليا من وجه ايزابيل وشعر بالجوع،جاءه ملاك بالأكل لأن (الطريق بعيدة أمامه)1مل 19/7…وهكذا مع دانيال وهو في جب الاسود(وقام دانيال وأكل )دا 14/39…وكيف ننسىما قاله لنا يسوع في مت 6/26 (أنظروا طيور السماء ،لاتزرع ولا تحصد ولا تحزن ،وابوكم السماوي يرزقها،ألستم أنتم أفضل منها بكثير؟)…
ويجب أن لايفوتنا التنويه الى أمر جوهري وملحّ جداً في رسالة وعمل يسوع وخدمته للانسان والبشرية جمعاء،،،ألا وهو رغبته في أن يرتقي الانسان بفكره ليسموا باحثاً عن خبز وطعام لايفسد ولايدع الذي يأكله جائعاً أو عطشاناً ولن يجوع أو يعطش ابداً…أنه القوت الباقي للحياة الابدية،وهو جسد يسوع ودمه(أعماله وتعاليمه)…(لاتعملوا للقوت الفاني ،بل أعملوا للقوت الباقي للحياة الابدية)يو 6/27…(أنا هو خبز الحياة،من جاء اليّ لايجوع ابداً)يو 6/27…(خذوا كلوا،هذا هو جسدي)مر 14/22…فيسوع هو الذي يغذي ويقوّي ويجعلنا نشارك الاخرين في كل ما يحتاجونه في حياتهم اليومية وبصورة مستمرة الى الابد…فكلمة الخبز هي الطاقة الحيّة في الكنيسة لممارسة المقدسة التي من خلالها نرى الرب القائم من بين الاموات والمنتصر على الموت نفسه…
المقاسمة (المشاركة)ليست مصطلحاً يعرف بكلمة أو جملة ،بل هي فعل الهي في الانسان يدفعه الى محبة الجميع كي يستطيع أن يحب الله ثم يراه…هذا هو الحال مع تلميذي عمّاوس اللذين عرفاه ورأياه عندما كسر الخبز وأعطاهما(فأنفتحت عيونهما وعرفاه)لو 24/31.
وفي الختام يجب أن نتذكر الاَّ أنّ الطعام لايقربنا الى الله(1كو 8/8)الا بقدر ما نبذله ونعطيه للذين هم بحاجة ماسة اليه…ولا يمكننا اعطاء الخبز لبطون الناس مالم تكن قلوبنا وعقولنا مملوءةً بخبز الحياة،بيسوع الذي يغني الاغنياء والفقراء معاً…وإن لم نؤمن ونثق تماماً بأن المسيح هو الفاعل فينا والمحرّك لكياننا كلّه في كل مكان وزمان،فلن نستطيع تقديم أية خدمة يرتضيها الله والانسان معاً…فالغذاء الكامل والقوي هو الذي يحتوي على كافة الفيتامينات ،وهكذا المسيح هو الغذاء الروحي الكامل ليصل بالانسان الى الصلاح والكمال في آخر لحظة من حياته الأرضية …
والشكر والحمد والذكر للرب دائماً وأبدأ …
بخديدا ـ 22 حزيران 2004