بين الآشوري والكلداني، ضاع السرياني!
كنتُ قد قرّرتُ عدم الكتابة أو الردّ على كلّ ما يُكتبُ عن شيء اسمُه
التسمية القومية لما يٌسمّى بشعبنا الواحد، باعتبارها أزمة مستفحلة بين
أقطاب ترفض غيرَها على الساحة أو أقلّ ما يمكن أن يُقال، أنها تستصغر
غيرها ولا تستسيغ أن يكون لغيرها شأنٌ في كعكة المحاصصة التي شملتنا
بعدواها نحن أيضًا. ولِما لا؟ ألسنا جزءًا من نسيج هذا الشعب الذي تحكمه إقطاعيات
المحاصصة في كلّ شيء؟
ولكن،
عبثًا
يحاول
بعض
كتابنا
المسيحيين،
ممّن
أُصيبوا
بزكام
الادّعاء
المطلق
لأحقيتهم
بتسمية
قومية
معينة يحبسونها لهم
في
الذهن
ويريدون فرضها
على
غيرهم،
والعمل
على
إثارة
هذا
الموضوع
المحيّر بين الفينة والأخرى،
رغم
أن
عصر
القوميات
قد
انتهى
في
البلدان
المتحضرة.
وعجبًا،
على
بعض
كتابنا،
ممّن
ركبوا
موجة
هذا
الادعاء،
في
مناسبة
وبدون
مناسبة،
في
محاولة بعضهم
التهجم
أحيانًا
على
كلّ
من
لا
يعترف
لهم
بهذه
التسمية "الإشكالية"
القائمة
بين
مختلف
الطوائف
المسيحية.
وعتبًا،
على
مثقفينا
من
الانجرار
وراء
هذا
الصراع
غير
المجدي
بين
المتخاصمين
على
لا
شيء،
سوى
آثارِ شيء من الحنين
لأثيرٍ
انتمائيٍّ
لشيء اسمُه القومية تثيره هذه
الطائفة
أو
تلك،
تاركين
أمر
المستقبل المسيحي"كمكوّن دينيّ أصيل في نسيج الشعب العراقي
قبل كلّ شيء،
في مهبّ الريح"،
رغم
كونه
أهمّ
من
أيّ
تمسّك
ب"الديدن القومي". فخبرة
السنوات
العشر
المنصرمة
من
الوضع
الجديد
الذي
خلقه
التغيير
الدراماتيكي
في
العراق، علّمتنا أن التشبث بهذه القشّة، لم يعد فاعلاً ومؤثرًا، بعد
تزايد الضغوط على المكونات الإثنية والدينية الأصيلة التي أحالها الزمن
العاثر إلى طوائف قليلة العدد ومستضعفة، في محاولة لتحجيمها وصهرها،
بما فيها المكوّن المسيحي. (وما الغزوة الأخيرة على النوادي الثقافية والاجتماعية، والمسيحية المقصودة
منها بخاصة، خير دليل على استهداف بقاء المسيحية والمسيحيين في
العراق.)
إنه صراعٌ
محتدم
تحت
الرماد،
يثور
بين
فترة
وأخرى،
أو
بالأحرى
يثيره
مشاكسون
من
طرفي
المعادلة
المتخاصمين،
سواءً
من
الطائفة
الكلدانية
أو
الآشورية،
وفي
أواره
يضيع
في
كلّ
مرّة،
إسمُ "السريان".
فبعد
أن
حرَمَ
الدستور الجديد،
مكوّنَ
السريان
من
تثبيت
تسميتهم
إلى
جانب
الكلدان
والآشوريين،
لعدم
وجود
ممثل
لهم
في
البرلمان آنذاك،
في
نسخته
الأولى،
وبالرغم
من
اعتراضنا
ومطالبتنا
بإنصافنا في حينها،
إلاّ
أن
كلام
بيلاطس
كان
الاٌقوى "
ما
كتبتُه،
فقد
كتبتُه"،
رغم أن تسمية "السريان"، كمكوّن قوميّ، كان سيجمع جميع
المسيحيين المشرقيين على اختلاف طوائفهم، استناداً للغة "السريانية"
التي يفتخر الجميع بالتحدث بها. فالشعوب كما نعلم، تُسمّى على تسمية
اللغة التي يتحدثون بها، كما العرب للعربية، والفرس للفارسية والأتراك للتركية
والفرنسيين للفرنسية والألمان للألمانية وهكذا. ومن هنا، لم نسمع بلغة
تسمى الآشورية أو الكلدانية، بل بطوائف تنتمي إلى كنائس آشورية
وكلدانية وسريانية، تتحدث اللغة السريانية المشتقة من الآرامية التي
تحدث بها السيد المسيح في بلاد اليهودية والسامرة. وهي ذات اللغة التي
كانت قائمة في أطراف الجزيرة العربية وبلاد الشام وشنعار (العراق)
وبلاد فارس التي اتخذها ملوكها لغة رسمية في التعاملات البروتوكولية
لفترة طويلة ومناطق أخرى...
إلاّ
أن
التحسس
من
هذه
التسمية
لدى
نفرٍ
متعصّب
ركبته
موجة
إثارة
النعرات
والمشاكل
بين
الطوائف،
قد
حالت
دون
تحقيق
هذا
الأمل.
وأنا
أعتقد
جازمًا،
لو
أن
هذه
التسمية
كانت
قد
أُقرّت
في
حينها،
في
هذا
الدستور "الأعرج"،
لكانت
حلّت
تلك
الإشكالية
من
وقتها،
ولكنّا بوحدتنا، فرضنا وجودنا المسيحي "السرياني المشرقي"
على أصحاب القرار
وقطعنا
الطريق
أمام
المتصيّدين
بالماء
العكر
والمتعصبين،
بإثارة
هذه
المشكلة "الأزمة"
من
قبل
من
يدّعون
أنهم
شعبٌ
واحد،
ولكن،
عندما
تُتاح لهم
فسحةٌ
فائضةٌ
من
الرياح
العكرة،
تظهر
منهم
رؤوسٌ
طافية
من
جديد،
لتلعن
هذا
وتكذّب
ذاك
وتعتب
على
آخر.
قرأتُ
مؤخرً،
ما
كتبه
بعض "مثقفينا"
من
رواد
المواقع
الالكترونية،
وبالذات
موقع "عنكاوة"،
عن
فكرة
إقامة "مؤتمر
قوميّ"
لأبناء
شعبنا
المسيحي،
وعن
كيفية
تشكيل
الهيئة
التحضيرية
وتوجيه
الدعوات
ونوعية
المدعوّين
والجهة
المتكفلة
بالمصاريف
وتهيئة
قرارات
وتوصيات
مسبقة
ولمن
ينبغي
الإطراء
والمديح
وما
إلى
ذلك.
وفي
معظم
هذه
المداخلات
والكتابات،
لم
ألحظ
إشارة
إلى
مكوّن
السريان،
أؤكد "مكوّن
السريان"،
بعد
أن
غيّبه هذا
البعض
في نقاشاتهم
وسجالاتهم
وخصاماتهم
الميتافيزيقية
العقيمة.
ولعدم
ورود
ردّ
من
أبناء
هذا
المكوّن
لغاية
الساعة،
أرى
لزامًا
عليّ
أن
أدلو
بدلوي،
رغم
أنه
قد
لا
يعجب
البعض.
ولكنه
قولٌ
لا
بدَّ
منه.
أقول،
إن
الاحتفاظ
بالاستقلالية
أو
الانفصال
عن
أيّ
تجمّع،
أمرٌ
مكفولٌ
وقائمٌ،
لا
يمكن
إنكارُه،
مهما
كانت
الظروف
والوسائل
والآليات
لأنه
ببساطة
حق
تكفله
ديمقراطية
آخر
الأزمنة.
وإنّي
أرى
أن
من
يسعى
إلى
ذلك،
لا
يمكنه
بعد
كلّ
هذا
وذاك،
أن
يتحدث
عن
شيء
اسمُه
الحوار،
لأنه
يكون
قد
حسم
أمره
بالانحياز
إلى
التكوين
الجديد "المستحدث"
الذي
يدعو
له
منذ
انطلاقة
الأحداث
بعد
أول
مؤتمر
قومي
حققه
أبناء
شعبنا
في
عام 2004.
وهؤلاء
الذين
حسموا
أمرهم
من "المكوّن
الكلداني"،
استندوا
في
جزءٍ
من
ذلك
الادّعاء،
إلى
مبدأ
الأكثرية
التي
يشكلها
أبناء
هذه
الطائفة
بالتحديد وإلى انتماءات تاريخية غير مقنعة،
مقارنة بالمقابل،
مع
إصرار
الجانب "الآشوري "على
اعتماد "الآشورية"
في
التسمية
القومية
لهم
وفرضها
على
عموم
المسيحيين،
ضمن
أجندة
خيالية
بعيدة
الرؤية
ترنو
لإعادة
إحياء
أمجاد "بلاد
آشور"
ومجدها، (رغم أنّي أرى أن لا أحد نقيٌّ اليومَ، في أصله
وقوميته ودينه وعشيرته)!.
إذن،
ما
هو
الجديد
في
توقعات
هذه
الشريحة
من
الانفصاليين
الذين
يمنّون
النفس
بالمشاركة
في
مؤتمر "قومي"
مقترح
للطوائف
المسيحية
في
الأشهر
القليلة
القادمة؟
هل
هو
للتملّق
والتقرّب
من
مصادر
قرار
معروفة،
لها
باعٌ
في
توزيع
امتيازاتٍ
في
حكومة
الإقليم
بالتحديد؟
أم
لذرّ
الرماد
في
العيون،
والتباري في الادّعاء بوحدة الشعب المسيحي بكل طوائفه، رغم أن مثل هذه
التحرّكات وغيرها، خيرُ دليلٍ على تفتيت وحدة هذا الشعب؟
الجميع
يعترف
بمهزلة "التسمية القطارية"
التي
اعتُمدت
من
جهة
متنفذة
سياسيًا
وماديًا،
لتلافي
خصامات
وخلافات
قائمة ولتحقيق أجندة مرحلية.
لكنها
ليست "مطهّرة"
ولن
تكون "مقدسة "محظورٌ
المساس
بها.
فمتى
ما
أنجز
عرّابُها
المهمةَ،
تداعت
واستبدلت
بشيء
حديث
يلائم
المرحلة
اللاحقة.
وإني
أتفق
مع
الأخ
كاتب
المقال
الداعي "ما
يُسمّى
بتجمع
التنظيمات
السياسية
لشعبنا
بشأن
عقد
مؤتمر
قومي
خلال
الأشهر
القادمة،
من
أن
هذه
المناسبة
ستكون
فرصة
ذهبية
للتصافي
والحوار
آخذين
بنظر
الاعتبار
مصلحة
شعبنا
من
الكلدان
والسريان
والآشوريين" (اقتباس).
لكني
أختلف
معه
في
النيات،
إذ
إنه
هو
ومن
وافقه
في
الرأي
والطرح
المتداول
على
الفضائيات
والمواقع
الالكترونية،
قد
حسموا
أمرهم،
كما
أسلفتُ،
بدعم
من
اللوبي
الأمريكي،
صاحب
فكرة
الادّعاء
المطلق
بالأحقية
بالتسمية "الكلدانية"،
والمحرّض
الدائم
لهذا
التوجه.
فما
النفع
من
وراء
هذا
الطرح
الجديد،
وقد
حكمتم
على هذا المؤتمر
مسبقًا
بسيناريو
الفشل
والتواطؤ
والاصطفاف
الإعلامي
المدبّر
ووووو.
ثم
يعود
الأخ
صاحب
المقال،
ليقترح "فتح
باب
الحوار
مرة
أخرى
وكذا
فتح
باب
التحدث
والتعبير
عن
الرأي
بكل
حرية
لكل
الأطراف،
مشيرًا
إلى
منح
وقت
كافٍ
لمن
يعتبرون
أنفسهم
آشوريين،
مع
منح
نفس
المساحة
من
الحرية
للتحدث
لمن
يفتخر
بقوميته
الكلدانية".
هنا
ينتهي
الاقتباس،
لأتساءل:
أين
دور
السريان
في
هذه
الأبواب
من
التحدث
والتعبير
بحرية؟
أم
إن
صاحب
المقال،
قد
شملته
عدوى
تهميش
الغير
واستباحة
حقهم
بهدف
صهرهم
في
التسميتين
المتصارعتين
على
الهواء
الطلق
بعد
أن
سبق
تواطؤ
الطرفين
المتخاصمين
على
إسقاط
السريان
من
تسمية
المكوّن
المسيحي
في
دستور 2005
ولم
يحاولوا
ترميم
تلك
الغلطة
لغاية
الساعة.
ويذهب
كاتب
المقال
في "تشريحه"؛
حينما
يقدّم
مقترحاته مرة أخرى
بكيفية "عقد
المؤتمر
وتوجيه
الدعوات
ورفع
العلمين
الكلداني
والآشوري"
حصرًا،
دون
السريان،
وكأنه
لا
وجود
لهم
أمام
عينيه.
ما
هكذا
تُساق
الإبلُ،
يا
خصمَ
الآشورية
والآشوريين
ومتجاهلَ
أمر
السريان
عمدًا
ومع
سبق
الإصرار.
إن
من
يتهم
خصمه
بالعنصرية
الإقصائية،
نجده
أمام
ذات
الفكر
الإقصائي،
في
إسقاطه
تسمية "السريان"،
التي
يتحسس
منها نفرٌ من الطائفتين،
كما
قالها
صراحة
أحد رعاة هذا
الفكر
الإقصائي،
القابع
في
أميركا
وعرّاب
دعاة
القومية
الكلدانية "المستحدثة"
قبل
مرحلة
كتابة
الدستور
آنذاك
بقوله:
أنا
لا
أريد
أن
أسمع
بشيء
إسمُهُ
(س
ر
ي
ا
ن
).
ولنا
شهودٌ
في
ذلك،
حينما
كنّا
نمثل "المجلس
الكلدو-
الآشوري
السرياني
القومي"،
رحمه
الله (انتهى دوره في صيف 2007)!.
وكلُّنا
نعلم
اللعبة
التي
خُطِطَ
لها
لتشكيل
ما
يُسمّى
ب"المجلس
الشعبي
الكلداني
السرياني
الآشوري" فيما بعد،
والذي بُني أساسًا
على
أنقاض
الأول،
والدور
الذي
لعبه
منشقون
مغرضون
عن
الأول
من كلتا الطائفتين من
أجل
إلغائه
وإفشاله
لتنفيذ
أجندة
سياسية
معروفة
للجميع.
إنّي،
في
الوقت
الذي
أعتذر
فيه
عن
بعض
الشدّة
في
هذه
المداخلة،
ولو
مرغمًا،
في "غياب
فكر
دفاعيٍّ
سرياني
حريص" في هذه اللعبة غير المستساغة،
أدعو الجميع للتراجع عن كلّ تشدّد وتمسّك بالرأي وترك موضوعة "التسمية"
التي لم ولن تنفع، جانبًا،
بقدر
ما
ستعمل
على
زيادة
الطين
بلّة
في
فرض
الانقسام
والتشرذم
والتخوين.
وليسمّي كلّ متحذلق ما شاء في شكل وأصل قوميته التي يختارها.
ولكن، ليكن شعارُنا للمرحلة القادمة مسيحيًا بنّاءً،
موحدًا، مخلصًا ومساهمًا في كيفية رصّ صفوف الشعب المسيحي، بكل طوائفه،
والتمسك السياسيّ به كمكوّن "دينيّ" مؤثر وأصيل، على الأقلّ في المرحلة
الراهنة.
وهذا
وحده
كفيل
بلمّ
اللحمة
وفرض
الحقوق "الدينية
والقومية"
معًا،
باعتبار
المسيحية
ثاني
ديانة
معترف
بها
في
دساتير
الدولة كلها.
ولنعزّز
مثل
هذا
الاعتراف
في
الدستور
الحديث
مع
محاولة
إجراء
التعديلات
الممكنة على عدد من بنوده،
وهي
كثيرة
لو
صدقت
النيات،
بجهود
نوابنا
في
البرلمان
وأصدقائنا
في
اللجان
البرلمانية
وفي
الدولة،
وبالتعاون
الدائم
مع
منظمات
المجتمع
المدني
وأحزابنا
القومية
ومؤسساتنا
الكنسية
عبر
مجالسها
الأسقفية
الموقرة.
لويس إقليمس
بغداد، في 09
أيلول 2012
|