الزنبقة تحاور... غبطة البطريرك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الأنطاكي
- ستبقى كارثة سيدة النجاة منطبعة في نفوس الجميع من أبنائنا وبناتنا. - بقوة الإيمان لابدّ للألم أن ينتهي ولابدّ أن يتبدد ظلام الموت ليبقى ويُعتلَن نور القيامة. - المسيحيون مدعوون أن يتعلّموا من مآسي الماضي لكي يترسخوا في وطنهم، وأن يعملوا مطالبين بحقوقهم من دون خوف أو خجل. شاءت العناية الإلهية أن يترأس غبطة أبينا البطريرك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان إعادة افتتاح كنيسة سيدة النجاة وإعادة تكريسها بعد الكارثة التي حلّت بها يوم الأحد 31 تشرين الأول 2010. وقد شارك في الاحتفالات العديد من الأساقفة الأجلاء وبحضور الكاردينال ليوناردو ساندري عميد مجمع الكنائس الشرقية والبطريرك الكاردينال مار عمانوئيل الثالث دلي بطريرك بابل على الكلدان. كان اللقاء يوم السبت 15 كانون الأول 2012 في تمام الساعة الثانية عشرة ظهراً وفي غرفته الخاصة في دار المطرانية... كان اللقاء أبوياً ودياً... طرحت الزنبقة أسئلة بروح الحياة والرجاء وبقدر عبء المأساة، وكانت الأجوبة من غبطته إيمانية تأملية، تحمل النصيحة والحقيقة... وهاهي ذي المقابلة نقدمها للقرّاء الكرام كلمة ورسالة في الشهادة للمسيح الحي... فإليكم غبطته بأجوبته التي سبقتها أسئلتنا.
* المونسنيور قاشا: غبطة أبينا... أنتم وحادث الكنيسة _ كارثة كنيسة سيدة النجاة _ ماذا يقول لكم إعادة افتتاحها وإعادة تكريسها؟. ** البطريرك يونان: نحن نجدد فعل الرجاء بالرب الذي قال “أنا معكم إلى انقضاء الدهر”، وهذا يعني إننا نتخذ من الرب يسوع مخلِّصاً ومثالاً وهدفاً، وعلينا أن نتخطى كل آلام الحياة، وأن نجابه التحديات حتى تلك القاسية بروح الثقة بالمعلّم الإلهي الذي بآلامه وموته وقيامته يثبّت فينا كلامه الأخير أنه هو نور القيامة وليس لظلم الموت. فوجودنا مع أبنائنا في هذه الأبرشية العزيزة ومع سيادة المطران والكهنة والمؤمنين حيث نعبّر عن محبتنا لهم جميعاً وللأبرشية، ونشاركهم في هذا الرجاء الذي يعيشونه من جديد بنظرة نحو المستقبل، نظرة نحو الأمل عبر ماضٍ أليم، وننفتح على نور عيشٍ كريم وحُرّ في هذا البلد.
* المونسنيور قاشا: غبطة أبينا... ما الفرق بين أحجار صمّاء وأحبّة رحلوا؟. ** البطريرك يونان: الكنيسة ليست حجراً بل هي من البشر، وهذا يعني أنه على جماعة المسيحيين أنْ يعيشوا دوماً رباط المحبة، وأن نشهد عن مصداقيتنا للآخرين، وبهذا الرباط تكون الشهادة المسيحية حقيقية وصادقة، ولا يمكن أن تكون كذلك إنْ لم تكن مجبولة ومعجونة بخميرة المحبة، لذلك كل احتفالاتنا الكنسية تستمد من محبة الله والقريب معناها، وفي هذه المحبة تصنع هدفها. إن الله محبة، والمعلّم الإلهي مثالنا إذ قال:”ليس أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه”... فشهداؤنا معنا يصلّون في القداس الإلهي وفي ذلك يكون السلام للجميع ببشرى الإنجيل، إنجيل المحبة، ويكون الفرح الذي نعيشه بقبولنا للرب يسوع مخلّصاً لنا وللبشرية.
* المونسنيور قاشا: غبطة أبينا الكلي الطوبى... قبل ايام غادرنا المثلث الرحمات المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل إلى الديار الخالدة... ما قولكم؟. ** البطريرك يونان: بالحقيقة كانت وفاة سيدنا يوليوس ميخائيل الجميل _ معتمدنا البطريركي في روما والزائر الرسولي لأبناء الكنيسة السريانية في أوروبا _ كانت وفاته خسارة كبيرة، وكان تأثيرها وانعكاساتها أليمة، لأن هذه الوفاة أتت فجائية ولم تمهله. لذلك نصلّي من أجل راحة نفس المطران ميخائيل الذي عُرف دوماً بحيويته وبروحه المرحة وبانفتاحه على إخوته الإكليروس مطارنة وكهنة ومؤمنين وفئات عديدة ممن كانوا يقصدونه، وعُرف بحبه لكنيسته السريانية وملفاته التي استمر بإعدادها حتى النَفَس الأخير. إنها خسارة كبيرة، ونحن نجدد الأمل بأن يتبع الكهنة والعلمانيون مثاله في غيرة على كنيستنا، وأيضاً في البحث الروحي والنفسي والإيماني.
* المونسنيور قاشا: الإرشاد الرسولي... ماذا يقول، وأين سيكون في مسيرة الكنيسة السريانية؟. ** البطريرك يونان: غنيٌّ عن القول أن للبنان كانت نعمة وبركة زيارة قداسة البابا بندكتس السادس عشر إليه، وأستطيع أن أقول كانت الزيارة بركة للشرق الأوسط بأسره رغم أن الظروف لزيارة قداسته إلى لبنان لم تكن مؤاتية ومناسِبة ومشجِّعة آنذاك، ومع هذا فقد تمت والحمد لله. في هذا نحن مدعوون للتأمل بدعوتنا المسيحية بأن نبقى راسخين على صخرة إيماننا، أن نعيش دعوتنا بروح الشراكة مع جميع المواطنين والمواطنات في بلادنا إنْ كانوا مسيحيين أو مسلمين أو باقي الديانات... هكذا تكون شهادتنا شهادة إيمانية حقيقية رغم مخاطر الزمن.
* المونسنيور قاشا: غداً ستحتفل كنيستنا بعيد بيان يوسف... ماذا يقول لكم هذا العيد؟. ** البطريرك يونان: الأحد الذي يسبق عيد الميلاد في الطقس السرياني يذكّرنا بأشخاص وأحداث عرفتها الجماعة التي كانت تترقب مجيء المخلّص المسيح المنقذ للإنسان ولشعبه، ومار يوسف واحد من تلك الشخصيات اللاحقة التي يذكّرنا بها الإنجيل ورافقوا تلك البشارة الخلاصية وانطلاقاتها التي تذكّر البشر بأن الله عندما حان ملء الزمن أرسل ابنه الوحيد لنا، والذي عبر الأزلية كان متأنساً في أحشاء مريم بقوة الروح القدس. ويوسف أوكلت إليه مهمة حماية تلك الفتاة مريم التي اختارها الله وملأها نعمة، كما كان له دور العناية بمريم وبالطفل الإلهي... إنها أعجوبة المحبة التي عرفناها في بيت لحم في زمن ومكان معين، والإنجيل يذكرهما كما يذكرنا بهذا البيان الذي أوحي للقديس يوسف ويجعلنا أن نشترك في حوار أولئك في الانتظار والتريث لتأنس الكلمة وإعجابنا بذاك الشخص الذي يقول عنه الإنجيل “وكان يوسف رجلاً بارّاً” وتعني هذه الكلمات القليلة الكثير من المعاني السامية، ونطلب منه _ كما تسمّيه أنتَ _ بالصامت الكبير أن يحمي كنيسة العراق، وأن يثبّت المسيحيين هنا وفي كل الشرق العربي في الرجاء من أجل إكمال مخطط الله.
* المونسنيور قاشا: غبطة أبينا... كنيستنا في العراق ونظرتكم نحو المستقبل؟. ** البطريرك يونان: اسمح لي يا مونسنيور أنْ أقول: إن ما حصل لم يكن حادثة ولكن مجزرة وكما تقول أنت بل كارثة بكل ما تعني هذه الكلمة من أهوال ومن تصرف إجرامي تجاه أبنائنا ومؤمنينا في كنيسة سيدة النجاة. وبعد مضي عام _ وأتكلم عما جرى _ إن ذلك حصل بشكل غير مخطط من قبل أشخاص أو أحداث نسميها أفعال بشرية... لقد كانت مجزرة، واليوم أصبحت من الماضي طبعاً ولكن ستبقى منطبعة في نفوس الجميع من أبنائنا وبناتنا، ولو إننا دوماً نحفظ عمق هذه المأساة. فبفعل الرجاء وليس بروح الفشل واليأس نتذكر تضحية الشهداء والشهيدات، فآلام وتضحيات الرب يسوع تذكرنا بذلك، كما نتذكر الأعزاء. وهناك أمثلة في التاريخ تذكرنا بمأساة أخرى، ولكن بقوة الإيمان لابدّ للألم أن ينتهي، ولابدّ أن يتبدد ظلام الموت، ليبقى ويُعتلَن نور القيامة. * المونسنيور قاشا: الوضع الأمني... وقولكم في مسيرة حياة المؤمنين؟. ** البطريرك يونان: الوضع الأمني حسب ما يردده المسؤولون قد تحسن ولو بعض الشيء. إنني لا أستطيع أن أطيل الكلام في هذا الصدد لأنني غائب وأتواجد في مكان آخر، ومجيئي هنا اقتصر على زيارة ذات أهداف رعوية، ولكني من منطلق المسؤول كراعٍ كنسي روماني لا أتردد بأن أوجّه كلمة تشجيع لأحبائنا المؤمنين إكليروساً وعلمانيين في هذه الأبرشية بل في كل العراق، فالمسيحيون اجتازوا أزمة صعبة في الماضي البعيد والقريب، وهم _ أي المسيحيون _ مدعوون أن يتعلّموا من مآسي الماضي لكي يترسخوا في وطنهم لكيما يدافعوا عن الحقوق المدنية للجميع، ليس فقط لهم بل لكل المكوِّنات أيضاً، وأن يعملوا مطالبين بهذه الحقوق من دون خوف أو خجل، فلا يتّكلون على منّة المسؤولين بل لكونهم مواطنين يُطلَب منهم أن يعيشوا مسؤولياتهم في المواطنة حتى التضحية. وهذا يذكّرني باليوم العالمي لإعلان شرعة حقوق الإنسان (مادة 64)، بمعنى أن الإنسان ينال حقوقه المدنية بمطالبتها وبإلحاح، وعلى كل مسؤول كيما يعمل على إحقاق العدل والمساواة دون تمييز.
* المونسنيور قاشا: غبطة أبينا الكلي الطوبى... كلمتكم الأخيرة ومسيرة مجلة الزنبقة قبل أن أقول شكراً جزيلاً. ** البطريرك يونان مجلتنا الزنبقة، أكرر إعجابي بها وبمحتواها، إنها تصدر من رعية مار يوسف في أبرشية بغداد. فشكري لأتعاب مديرها الخور أسقف بيوس قاشا ومعاونيه، وأدعو الرب أن تكون وسيلة إعلام تصل إلى أكبر عدد ممكن من القرّاء للفائدة الروحية والمرجوّة كما هو معروف عن مسيرة برنامجها الإيماني.
* المونسنيور قاشا: شكراً جزيلاً لتفضلكم يا غبطة أبينا بكلمات من أجل مجلتنا الزنبقة... ودمتم أباً ورئيساً وراعياً شجاعاً لكنيستنا السريانية. ** البطريرك يونان: أهلاً وسهلاً.
أجرى المقابلة المونسنيور بيوس قاشا
اكبس هنا للأنتقال الى الصفحة الرئيسية للمونسنيور بيوس قاشا
|
|