رسالة قداسة الحبر الاعظم البابا بندكتس السادس
عشر
*الله محبة*
احتفالا بالذكرى السنوية السابعة لإعتلاء البابا
بندكتس السادس عشرالسُدة البطرسية، يُسلط الضوء
على رسالته العامة الاولى
الله محبة
الصادرة عام 2005م
يتحدث الحبر الاعظم في رسالته العامة عن المحبة
التي يُغدقها الله علينا، والتي يجب علينا تباعا
ان نُشرك الآخرين فيها،
هذا هو بشكل جوهري ما يتضمنه الجزءان الرئيسيان من
هذه الرسالة المرتبطان ببعضهما بشكل كبير،
الجزء الاول
يبلغ طبيعة فكرية فقد أراد فيه الأب الأقدس في
بداية حبريته توضيح بعض الحقائق الضرورية المتعلقة
بالمحبة التي يعرضها الله على الانسان بطريقة سرية
ومجانية، والصلة الجوهرية بين تلك المحبة وحقيقة
الحب الانساني .
أما الجزء الثاني
يتعلق أكثر بالحياة العملية لأنه يُعالج كيفية
العيش الكنسي، بوصية محبة القريب يستهل البابا
بندكتس السادس عشر حديثه بآية من رسالة يوحنا
الاولى الله محبة
من أقام في المحبة أقام في الله وأقام الله فيه
ويكتب ان كلمة محبة أو حُب شائعة الاستعمال في
عالم اليوم، وتحمل في طياتها معاني كثيرة ويقول
قداسته ان الحب بين الرجل والمرأة والذي زرعه الله
الخالق في قلب الانسان يحتاج الى النضوج والتنقية
كي لا يفقد كرامته الاساسية، وينحدر الى مستوى
العلاقة الجنسية البحتة ويتحول الى سلعة ويمكن
تخطي هذه المشكلة عندما ينشأ تناغم تام بين
الطبيعتين الجسدية والروحية للكائن البشري، ويخرج
بذلك حب الانسان من انانيته لينفتح على الآخر
وليبحث عن سعادة الطرف الثاني ويهب نفسه،
ويُذكّر قداسة البابا ان جدّة العهد العتيق
الحقيقية لا تكمن في الافكار الجديدة بل في شخص
المسيح نفسه فهو من يُجّسد تلك المفاهيم بواقعية
لم يُسبق لها مثيل فهو الله نفسه الذي يبحث عن
الخروف الضائع،
أي الانسانية المتألمة والتائهة في يسوع الذي هو
محبة الله المتجسدة، بلغت المحبة ذروتها فيسوع يهب
ذاته الينا كل يوم من خلال سر الافخارستيا، ومن
خلال مشاركتنا في هذا السر نتحد معه ومع بعضنا
البعض لنصبح كلنا جسدا واحدا وتمتزج بالتالي
المحبة نحو الله مع المحبة نحو القريب.
وفي القسم الثاني من رسالته العامة الله محبة يقول
قداسة البابا بندكتس السادس عشر ان محبة القريب
تستمد جذورها من محبة الله، وفي العصور الاولى من
حياة الكنيسة حاولت جماعة مؤمنين ان تعكس هذه
المحبة من خلال نشاطاتها الخيرية، ومنذ انتشار
الكنيسة اصبحت اعمال المحبة هذه جزءا لا يتجزأ من
المهام الثلاث الموكلة الى كل جماعة كنسية إضافة
الى اعلان كلمة الله والإحتفال بالأسرار المقدسة،
وهي مهام تسير دائما جنبا الى جنب ولا يمكن فصل
الواحدة عن الاخرى.
وتابع البابا يقول هناك من اعترض على النشاطات
الكنيسة الخيرية خلال القرون الماضية وراى فيها
تناقضا مع مبدأ العدالة، تثقيل ان الكنيسة
ومن خلال هذه النشاطات تولد ظروفا إجتماعية تحول
دون تمرد الفقراء على الاغنياء ودون قيام عالم
أفضل وليُذكّر البابا بندكتس السادس عشر بأن السعي
الى قيام نظام عادل داخل المجتمع وداخل الدولة
يدخل في إطار النشاط السياسي ويقول قداسته ان
العقيدة الاجتماعية للكنيسة لا ترمي الى اعطاء
الكنيسة سلطة على الدولة بل هدفها الإسهام في
تنشئة الضمائر كي لا يعي الجميع ما هي متطلبات
العدالة الحقيقية التي ينبغي الاعتراف بها ثم
تطبيقها، ومن بين النتائج الايجابية لظاهرة
العولمة اتساع رقعة التضامن بين البشر لتتخطي
الحدود الجغرافية للدول وتنفتح على العالم بأسره،
ولهذا السبب أبصرت النور منظمات وهيئات عدة هدفها
القيام بنشاطات خيرية لكن من الاهمية بمكان،
قال البابا: ألا يفقد النشاط الخيري للكنسية هويته
بل يجب ان يحافظ على تألق المحبة المسيحية.
ينبغي اذن ان يرتكز النشاط الخيري المسيحي على
خبرة اللقاء الشخصي مع المسيح الذي تلامسه محبته
قلب المؤمن وتوقظ فيه شعور المحبة حيال القريب
وبجب ان يكون النشاط الخيري المسيحي مستقلا عن اي
حزب سياسي او آيدولوجية، فالمحبة المسيحية مجانية
ولا ترمي الى تحقيق اية مآرب ويتعين على المسيحي
ان يعرف متى يجب ان يتحدث عن الله ومتى يترك أعمال
المحبة تتكلم.
وفي ختام رسالته العامة الله محبة يُذكّر
البابا بندكتس السادس عشر بالقديسيين الذين مارسوا
أعمال المحبة على النحو النموذجي ومن بينهم تتألق
مريم اُم الرب ومرآة كل قداسة فهي لا تضع نفسها في
المقام الاول بل تتركه لله الذي تلتقيه في الصلاة
وفي خدمة القريب فعظمة مريم الحقيقية تكمن في انها
تريد تعظيم الله لا نفسها،
مريم إمراة الرجاء لأنها تُؤمن بوعود الله وتُنتظر
خلاص اسرائيل،
مريم أمراة الايمان فقد غدتْ كلمة الله بالنسبة
لها بيتا تدخل وتخرج فيه بكل عفوية، وبما انها
مملوؤة بشكل كامل من كلمة الله هي قادرة ان تصبح
اُمة الكلمة المتجسد،
اخيرا مريم هي إمراة تحب هذا ما نستشفه من خلال
تصرفاتها الهادئة كما تُخبرنا اناجيل الطفولة نراه
في رقتها التي تعرف بها حاجة الازواج في قانا
وتُعلنها ليسوع.
نراه في التواضع الذي به تقبل ان تتوارى أثناء
حياة يسوع العلنية مُدركة بأنه على الابن ان يؤسس
عائلة جديدة وان ساعة الام ستأتي فقط في لحظة
الصليب التي ستكون ساعة يسوع الحقيقية،
لقد اصبحت مريم اُم جميع المؤمنين حقا الى حنانها
الامومي يلتجأ البشر من كل انحاء العالم وفي كل
الاوقات، فيختبرون دائما عطية طيبتها والحب
اللامتناهي الذي ينبع من أعماق قلبها.
تُظهر لنا مريم العذراء والام ماهية الحب ومن اين
يستمد اُصوله وقوته المتجددة على الدوام
وبين
يديها نستودع الكنيسة ورسالتها في خدمة المحبة.
نُقلت بتصرف من اذاعة الفاتيكان