تأملات على ابواب القرن الحادي والعشرين بقلم نبيل يونس دمانان العد التنازلي للايام بدأ يتسارع، وان الفترة التي باتت تفصلنا بين قرنين ، اصبحت قاب قوسين او ادنى ، حيث ستدشن البشرية ألفيتها الثالثة ، انها بحق مناسبة ، بل الحدث الابرز والاعظم منذ شروع الانسان ، ذلك الكائن الاكثر رقيا من كل المخلوقات قاطبة بتدوين تاريخه وبرمجة حياته على كل الاصعدةان ما جناه الانسان في ختام القرن العشرين ، ذلك القرن العاصف بالتطورات والاحداث الجسام ، كان حصيلة جهد وتفكير امتد آلاف السنين ، الى ما قبل الميلاد ، وصولا ً الى الحضارات الانسانية العظمى ، فما نشهده اليوم هو نتاج كدح وتضحيات جسام لآبائنا واجدادنا في ارجاء العالم اجمع ، وصراعهم الطويل العنيد ، والمفعم حبا للحياة ، وذلك لتطويع الطبيعة وتليين سننها ، من اجل سعادتهم ، وسعادة الاجيال التي تخلفهمرغم كل ما حدث من تطور مصحوب بالرفاه ، وقدر من الحرية والعدالة الاجتماعية ، فقد انتاب ذلك التاريخ المديد ، عراقيل وصعاب ومآسي كالحروب مثلا ً ، فليس أمـَر من الحروب التي تتعطل فيها عملية التطور ويصحبها الجوع والمعاناة والتغيير الديموغرافي والهجرات ، وإلحاق الاذى حتى بالطبيعة تلك الأم الرؤوم واهبة الحياةكل منا ينظر الى القرن القادم بطريقته الخاصة ومن الارضية التي يقف فوقها ، وكذلك المرحلة التي قطعها من عمره ، فالشاب اليافع ينظر بتطلع الى المستقبل الذي يوغل فيه عميقا ً في القرن الحادي والعشرين ، والذي سيسهم فيه لعقود عديدة اخرى يشهد من خلالها تطورات وربما مفاجآت مذهلة لا تكون في الحسبان . ومن هو في منتصف عمره ، فانه يطل مشدودا الى القرن الآيل للانتهاء . اما الذي وصل الى خريف عمره ، فليس له ذلك الامل والتطلع العميقين في سبر اغوار القادم الجديد ، وفي كل الاحوال اعمار البشر محدودة ونهايتها حتمية ، والمتفائل منهم يعلن ساعة احتضاره ، انه غير آسف لما مضى منه بسلبه وايجابه ، مرورا بما قاله احد الادباء : ان اجمل الاطفال لم يولدوا بعد ، واجمل القصائد لم تكتب بعد ، واحلى الزهور لم تنبت بعدلنطرح بعض التساؤلات لما خبأه السياسيون ، صناع القرار في دول العالم ، والعلماء والادباء والفنانون للقرن القادم ، ومن الجهة الاخرى اصحاب الضمائر الميتة ، صناع الالام والشقاء ، وتجار الحروب . كل ذلك يدخل في معادلة الصراع التاريخي القائم بين قوى الخير والشر ، والتي نرى بان القرن القادم سيكون ساحتها ايضا ً ، وفي النهاية يكون البقاء لقوى الخير والجمال والصلاحكان الفرق كبيرا بين القرن العشرين والقرن السابق له ، وسيكون الفرق كبيرا ايضا بينه وبين القرن القادم ، تتبدى لنا المقارنات وفق منظارنا المرتبط باعمارنا القصيرة ، انها مفارقات نسبية والحقيقة ان القرون القريبة من بعضها تتشابه لكنها تتباين مع القرون البعيدة زمنيا ً ، وقد سرت وتسري فيها جميعا ً عمليات التطور بانتظام وتدريج وربما بايقاع ، ومن الممكن تشبيهها بارتقاء سلم حلزوني . فالدوران بطيء ولكنه متصاعدعندما يعيش الانسان عصرين او مرحلتين او قرنين يسمى مخضرما ً ، ترى ماذا يطلق على انسان يعاصر ألفين علينا ايجاد تسمية مناسبة له ، مع ايماننا بان الذي سيشهدها لهو ذو حظوة ، وسياخذ مكانه البارز في التاريخ ، من يتميز منهم في ايجاد افضل السبل لخدمة البشرية . ويجب ان لا ننسى دور الفرد الهام في التاريخ، سواء كان سياسيا او مخترعا او فيلسوفا ً ، فكم افاد البشرية في القرن العشرين ، مخترعوا اجهزة الانارة ، والاتصال والانتقال والحاسب ، وكم سيكون له مكانا ً في مطاوي قرننا القادم ، عندما ينجح احدهم في ايجاد علاج لمرضى السرطان مثلا ً او يساهم في التقليل من الفروق بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة ، او يساهم في تطوير النظريات الاجتماعية ، او يلعب دورا ً في استتباب السلام والامن الدوليينامام انظارنا مشكلة الانفجار السكاني التي ستتفاقم في القرن القادم وكذلك التمركزات في المدن الصناعية الكبرى ، والتي يصل بعضها الى اكثر من عشرين مليون نسمة ، تلك المسائل تشغل بالنا ، ويندر ان يحصل هذا الكم الهائل من البشر على الماء والهواء النقيين ، وعلى الغذاء اللازم ، او المدرسة المناسبة ، او العناية الصحية اللازمة ، على البشرية ان تفكر في اعادة الاستيطان والتوغل في المساحات الخالية واستثمارها ، ويتوجب ايضا تحديد النسل وتحسينه ، والاخير له اهمية قصوى لمستقبل الانسان ورقيه وانتظام حياته . ان عملية تحسين النسل متشابكة معقدة يصحبها بل ويلزمها وعي عال ، وكل ذلك لن يتم الا اذا انصرفت او تركزت جهود قادة البشر نحو تلك الامور ، بدل خوض الصراعات والحروب واشكال العنف والارهاباملنا ان يكون قرننا القادم خال من تلوث البيئة ومن اسلحة الدمار الشامل والنزاعات باشكالها الداخلية والخارجية ، وان يتوقف إلحاق الاضرار بالبيئة ، ارضا ، هواءا ، ومياها ًاملنا ان تعود الموجات البشرية المهجرة والمهاجرة الى اماكنها الاصلية ، قبل ذوبانها في بيئتها الجديدة .املنا ان يسقط نظام العقوبات الاقتصادي ، الذي هو شكل بشع من اشكال الحروب ، تمخض عنه بخاصة العقد الاخير من القرن المنصرفاملنا ان تستثمر موارد الارض من مخزون وانتاج وعطاء وحتى الافكار للبناء السلمي ، والتقليل من الجهد المبذول جسديا ً، ولزيادة الوفرة المادية والروحية ، والتقليل من معاناة وآلام الامراض ، او ما يسمى بالحوادث المؤسفة ، ولتضييق الهوة بين عالمي الفقر والغنى ، ولايجاد شكل من اشكال الطاقة ، يقلل من تلوث الهواء ، ويوقف الاضرار بطبقات الجو المحيطة بالارضحينما تحين ساعة التحول الكبير ، والبشرية تقف على تلك القمة البالغة العلو ، لتنتقل الى قمةاخرى اعلى منها ، علينا التمعن في تلك الازمنة الفاصلةلينهض الجميع في انحاء العالم ، بألسنتهم وثقافاتهم وازيائهم المتباينة ، من قاطني الجبال والسهول والصحارى ، ومن المدن الكبرى والقرى النائية ، وجوابوا البحار ، والمعلقون في الاعالي ، في مركباتهم ، وطائراتهم ، ومناطيدهم ، ويقفوا تحية للقرن القادم ، ولتدق اجراس كنائسهم ومعابدهم ، ولتكبر مساجدهم ، وليعلو الصفير والطرقات والرنين من كل مكان ، ولتتزين السماء باروع الالعاب النارية وآخر المبتكرات العلميةاستقبلوا ألفكم الجديد يا بني البشر ، بالمزامير والتهاليل والفرح الكبير ، واعقدوا آمالكم عليه ، وربـّوا اطفالكم على قيم الحضارة والتمدن والتقدم والسلام ، وعلموهم ان يجلـّوه ، فكل شيء رهن بهم ، وكل عمليات التطور في مختلف مناحي الحياة ستكون على ايديهمبلا شك سيكون عالمهم اجمل من عالمنا !بلا شك ستكون حياتهم ابهج من حياتنا !بلا شك سيحفظون ذكريات السلف ، ويواصلون كتابة التاريخ بأمانة وشرف !الى القفزة الكبرى والى الزمن الفاصل ، نسير حثيثا ً ، بلهفة وترقب .ايضاح : كتب هذا الموضوع في نهاية عام 1999nabeeldamman@hotmail.com
|