مواعظ على مدار السنة الطقسية 2005 ـ 2006 المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل
في جو عائلي، ضمّه إلى تلاميذه على المائدة الفصحية، أوصى يسوع تلاميذه بالمحبة . فجعلها عنوان المسيحية المميّز : " أعطيكم وصية جديدة : أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم أنا " . ماذا تعني أقوال المسيح هذه ؟ وما هو جديد المحبة التي يوصي بها ؟ إنها وصية جديدة إي ليس كسابقاتها في العهد القديم . المحبة التي يريدها يسوع هي على مثال حبه لنا أي محبة بلا حدود . محبة حتى بذل الذات . محبة تتسع لجميع البشر دون استثناء . إنها طفرة جديدة في الكمال. في العهد القديم كانت الوصية : " لا تبغض أخاك وتحمل فيه زورا. لا تنتقم ولا تحقد على أبناء شعبك وقريبك بل أحبّه كنفسك أنا الرب " ( أحبار 19: 17 و18 ). وهكذا فالمحبة في العهد القديم، بالرغم مما كان فيها من بذل وعون وعطف ورحمة، بقيت محصورة بين جدران أبناء العشيرة الواحدة والشعب الواحد . فقد قيل أيضا : " أحبب قريبك وابغض عدوك " . وهكذا بقيت المحبة سجينة الشعب الواحد والأمة والواحدة والدين الواحد . لأنها صادرة عن رغبة شعب في الوحدة الاجتماعية أو السياسية من أجل الدفاع عن أرض أو عن قومية . هذه ليست محبة . في يسوع المسيح المحبة تشمل جميع الناس . بل وقد ذهب يسوع بالمحبة فجعلها أعلى درجات الطهر والاخلاص والصفاء عندما قال : " سمعتم أنه قيل أحبب قريبك وأبغض عدوك . أما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم واحسنوا إلى من يبغضكم، باركوا لاعنيكم...." المحبة إذن لا تعرف حدودا ولا مقاييس. وهذا هو ما يجعل المسيحية أسمى أخلاقية وأعلى مثالا. " بهذا يعرف العالم أنكم تلاميذي اذا كان فيكم حب بعضكم لبعض " . إن الله الذي هو محبة قد خلق الناس جميعا اخوة . بولس الرسول يقول في المحبة : "إن أنا نطقت بألسنة الناس والملائكة... وإن كانت لي النبوة وعرفت جميع الأسرار والعلم كله وإن صار لي الإيمان حتى أنقل الجبال ولم تكن فيّ المحبة فلست بشيء .. الأيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة هي الباقية ولكن أعظمهن المحبة" (1 قور 13 :1-13) . نحن الذين أصبحنا أعضاء في جسد رأسه يسوع المسيح ، غدونا كلنا أعضاء في جسم واحد. وعلينا أن نسير بهدي المحبة تحقيقا لأرادة المسيح رأسنا. لنشهد لحبه بسلوكنا ومعاملاتنا مع الغير وتحركنا في جميع المجالات الاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية . كل من موقعه حتى يشع نور المسيح من خلالنا ويشمل لطفه جميع الناس دون تمييز . لذا لسنا نغالي اذا قلنا أن المحبة بطولة لأنها تجاوز للذات وانفتاح إلى الآخر . إنها اسمى شريعة . لأن العيش في ظل الشريعة والقوانين، مهما بدا لنا صعبا أحيانا، يبقى مع ذلك سهلا ، إذا ما قارناه بمطاليب المحبة وبصعوبتها . لأن المحبة تفرض علينا حالة تأهب واكتشاف مستمرين للتصرف الصحيح الحر والواعي، في كل ظرف من ظروف الحياة.آمين
|