مواعظ على مدار السنة الطقسية 2005 ـ 2006 المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل
تعتبر كنيستنا السريانية فترة الصوم الكبير بمثابة مسيرة نحو حياة جديدة لا يمكن البلوغ إليها إلا بعد قيامة جديدة. وليس قيامة من دون موت. درب القيامة إذن يبدأ بالألم والموت عن الذات ومحاربة الشر والفساد فينا ومن حولنا. والصوم هو أحد الرموز البارزة لحربنا الروحية ودرب صليبنا، فيها نميت من شهواتنا المشروعة ونقارع الشر. لا شك بأن من يصوم عن أمرٍ ما : أكان أكلا أم شربا أم تضحية أم صدقة أم غفرانا لمن أساء إليه، يشعر بصعوبة. والكنيسة تستدرك هذا الأمر وتقدم لنا، عبر صلواتها وتعاليمها، يسوع ذاته المنتصر على الشر وعلى الموت ومحرر الإنسان. لذا يخص الطقس السرياني كل أحد من أحدات الصوم باعجوبة ليظهر قدرة يسوع على الشفاء وطرد الأرواح وإقامة الموتي مؤكدا على حقيقة أنه رب الحياة وخالقها ومخلصها. ففي الأحد الأول هذا تقدم لنا الكنيسة يسوع في عرس قانا الجليل. هكذا تبدأ الصوم بعرس أرضي في قانا الجليل وتنهيه بمَثَل العرس السماوي في مثل العذارى الحكيمات. ففي عرس قانا عدا أن يسوع أظهر قوته ومجده، فهو يقدم لنا أيضا حقيقة الأفراح السماوية التي هي اتحاد وحب وفرح وسعادة بالاله الذي اتحد بنا في قران روحي لا مثيل له. تحويل الماء إلى خمر نزولا عند طلب مريم أمه بالرغم من أن ساعته لم تكن بعد قد أتت، هو رمز إلى أن خمر العرس الحقيقي الذي تم بين الله والبشر قد حل محل الشريعة القديمة. وأن الخمر العادي، الذي غالبا ما يضعف من قدرات الإنسان فيخرجه عن وعيه، هو ضل للخمرة الجديدة في العهد الجديد التي تتملك من نفسية الإنسان وتخلق فيه وعيا جديدا وتنقله إلى حياة سعيدة وواعية. لقد اندهش التلاميذ وأهل العريس بالخمرة الجيدة، وانكشف للتلاميذ أن وليمة أخرى لا بد آتية. وأن معجزة التحول هذه ستَتحَقق على موائد المؤمنين. فكلما اجتمعوا باسم يسوع يحققون عشاء محبة وعرس سعادة وصورة لسر القربان. وانكشف أيضا أن عرس قانا رمز إلى عرس آخر سيتم على الجلجلة، حيث يكون يسوع ومريم والشعب بأكمله. فيتبدل الماء والخمر بماء ودم يسيلان من جنب يسوع المفتوح. ومن هذا الجنب المفتوح تنفجر قدرة الأسرار المقدسة لحياة البشرية جمعاء. إنها المواهب والعطايا التي يقدمها المسيح العريس هدية إلى عروسه الكنيسة على حد قول بولس إلى أهل أفسس. عرس قانا إذن بداية إيمان وهداية وإظهار مجد. ألا اللهم حول فينا كل طاقة في حياتنا البشرية إلى صرخة روحية تنادي باسمك وتلهج بقدرتك المحيية. فنستطيع، نحن وكل الذين يأكلون جسدك ويشربون دمك، أن نظهر مجدك للعالم. آمين .
|