مواعظ على مدار السنة الطقسية 2005 ـ 2006   المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل

 

إنجيل الأحد          أحد الموتى المؤمنين      لوقا 12: 32-40

إن إحدى المظاهر السلبية التي تجتاح الانسان المعاصر هي الانعزالية. فبقدر ما يزداد الإنسان تقدما، يزداد اهتماما بذاته وتتضخم لديه شهوة الانفراد بعيدا عن هموم الآخرين. لا يرى أبعد من أنفه ولا يتحرك باتجاه الآخر إلا إذا عاد عليه ذلك بالنفع الشخصي السريع والمباشر.

يسوع ، في إنجيل اليوم، يضع اصبعه على الجرح. ويحارب هذه النزعة الخطيرة ، فيوقظ منا الضمير ويضعنا على الطريق في ما يجب أن نفعله كبشر وكمسيحيين، فيقول : " بيعوا مقتناكم واعطوا صدقة... اكنزوا لكم كنزا في السماء لا يفنى ..." لايقصد يسوع من كلامه هذا أن نبيع ما نملك ونفرقه ثم نجلس في بيوتنا ننتظر الفقر والجوع والموت مكتوفي الأيدي. كما أنه أبدا يرفض أن نعيش بالكسل واللامبالاة .  يسوع يريد منا ومن كل انسان أن يعمل وينتج ويربح ويغتني ، ولكن دون أن ينسى من هم حواليه، لاسيما من كان منهم محتاجا. يسوع يريدنا على مثاله ننبسط نحو الآخر ونمد له يد العون، ونشاركه، بطريقة أو بأخرى، بما يكون الرب قد أنعم به علينا من مال أو معرفة أو قدرة  أو أية عطية أخرى أو موهبة . فنساعد من كان محتاجا ونأوي من كان غريبا ونطعم من كان جائعا ونداوي من كان مريضا ونعلم من كان جاهلا وننصح من كان ضالا . وبذلك يبارك الرب في رزقنا ويحفظ أولادنا ويجمع لنا في السماء رصيدا لا يفنى.  يسوع ربط مصيرنا الأبدي بما نكون قد بذلناه من أجل اخوتنا، أكان ذلك على المستوى الروحي أم المادي أم المعنوي . بحيث أنه تعالى سيديننا يوما على ما نكون قد فعلناه " تجاه أحد اخوته هؤلاء الصغار" . لأننا كل مرة نفعل الخير مع اخوتنا فمع المسيح نفعله. والرب لا يجلس تحت دَين. بل زاد فغمرنا بعطاياه . لقد اعطانا ذاته حتى الموت والموت على الصليب.

ما أحوج إنسان اليوم إلى أخيه الانسان، ليزيح عنه قليلا ثقل العزلة ويُدخل إلى قلبه تعزية الشعور بأنه محبوب ومحاط ومسنود معنويا أو أدبيا  أو ماديا. فمن يعطي من وقته أو راحته أو اهتمامه أو ماله هو كذاك العبد الأمين الذي إذا ما جاء سيده يجده مستيقضا، أي مداوما على عمل الخير. فإن كنت أنت هو هذا العبد الأمين فلك الطوبى. لأن سيدك في مجيئه سيعترف بك ويقيمك على الكثير.

لنتعلم من الذين سبقونا. الذين تذكرهم كنيستنا باجلال وتقديس، آبائنا وجدودنا الذين روَوا الشرق دما، وعبقوا سماءه عطرا، في بذلهم و طيبهم وإيمانهم . فحفظت لهم الأرض جميلا وأمطرت السماء على أرواحهم غيثا، وأجزل الرب على سخائهم سخاء وسماءً لا يزول.  لنخلد ذكراهم بعملنا الصالح. فيكافئنا الرب أضعاف ما بذلناه من أجله ومن أجل اخوته. آمين.  

 

م. ج.

زائر رسولي