مواعظ على مدار السنة الطقسية 2005 ـ 2006 المطران مار يوليوس ميخائيل الجميل
إنجيل اليوم لوحة ناطقة عن الحياة بما فيها من مسؤولية وجهاد ومكافأة وحساب. ذلك بإن الحياة في حقيقتها هي حركة ونمو ومسؤولية . كل حي لايتحرك ولا ينمو كتب له الموت عاجلا. هكذا في الحياة المادية وهكذا في الحياة الفكرية والروحية. لأن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده. فمثل الوزنات، في إنجيل اليوم، صورة حية لواقع نعيشه يوميا. والسيد الذي سلم عبيده الوزنات، لكل واحد حسب طاقته وسافر للوقت، هو صورة للأله الذي أوجدنا وأعطانا كل مافينا من صحة وذكاء وقدرة. وخلق من حولنا الظروف المؤاتية لكي نثمر ونعمل للخير. وإذا كان السيد قد سلم الوزنات وسافر، فما ذلك إلا لكي يترك العبيد أحرار في تصرفهم وعملهم. حتى إذا جاء يستطيع أن يحاسبهم. فالإنسان مخلوق عاقل وحر وهو إذن مخيّر لا مسيّر ، كما يظن البعض رغبة في الانفلات من مسؤولية أعمالهم . فالله قد خلقنا على صورته أحرارا نتصرف بوحي من ضميرنا وبدافع من إرادتنا الحرة ليكون عملنا ذات استحقاق إذا عملنا خيرا وذات حساب إذا عملنا شرا. علما بأن سيدنا لم يبخل علينا بالعون، في مسيرتنا الحرة، فزودنا بالنعمة والأسرار والإنجيل والكهنوت والكنيسة. وجهزنا بالوسائل التي تتيح لنا العمل وتضمن لنا النجاح في مساعينا الخيّرة. والمطلوب منا هو الوعي لمسؤولياتنا والمجازفة الشجاعة بما نملك من طاقات، ليس لطمس الوزنات خوفا من الخسارة، كما فعل العبد الكسلان. بل للسعي بشجاعة دون خوف. فالخوف من الخسارة هو الخسارة نفسها. ومن لا يجازف بشئ لا يحقق شيئا. هذه هي سُنَّة الحياة. هكذا أرادها الخالق حين قال : " بعرق جبينك تأكل خبزك " فجعل هذه السنّة تسري على الحياة في سعي الإنسان إلى تحصيله المادي والفكري ونموه في النعمة والفضيلة . فالحياة إذن ، شئنا أم أبينا، هي حركة ومثابرة وسباق. والغلبة لمن يكافح حتى النهاية. وكم تكافحون أنتم وتعرقون كل يوم، وتجازفون بصحتكم وراحتكم وحتى بحياتكم لتحصلوا على رغيفكم اليومي. وكما في حياتنا المادية ، هكذا أيضا في حياتنا الروحية، علينا أن نعمل ونكلف أنفسنا من أجل أن ينمو الروح فينا. ذلك بأن النفس أفضل من الجسد والروح أفضل من المادة. كل ما وضعه الله فينا وبين أيدينا هو أمانة بأعناقنا سنؤدي عنه الحساب. في غروب حياتنا سنحاسب على العطاء وعلى المغامرة السخية في سبيل الله ومحبة القريب . " فمن أهلك نفسه من أجل الانجيل وجدها ". ومن تاجر بصدق بما أعطاه الله، ربح أضعافا. فلنتاجر إذن بما وهبنا الله من وزنات ، كل حسب طاقته، لكي يكون إذا جاء سيدنا نقدم له ثمار أتعابنا أضعافا. فيقيمنا هو على الكثير في ملكوت فرحه . آمين.
|