متي حبش شهيد بخديدا الخالـــــــــــــــد
كان متي حبش رحمه الله رجلا مفوها وذكيا بشكل غير مألوف وكان منطقيا وذو قابلية فريدة على الاقناع سكن في داره التي كانت قريبة الى كنيسة الطاهرة وموقع داره هو الدار التي يسكنها حاليا السيد باسم يعقوب جحولا والدارين اللذين يجاورانه يمينا ويسارا . لم يكن بيته قلعة او قصرا لقد كان غرفة قائمة فوق سرداب كبير وامامه مساحة ارض كبيرة كان يزرعها بستانا تحول هذا البستان بعد وفاته الى قطع اراضي بنيت عليها بيوت .
متي حبش لم يرزق باولاد وكانت له بنتان فقط شأن الكثير من اعيان قرقوش مثل الشيخ باهي دديزا والمرحوم الخال داؤود ددو والمرحوم البطل بطرس عولو ورغم ان ذلك ليس قاعدة الا انني لاحظت ان معظم العظماء لا يخلفون اولادا مثل نيوتن وانشتاين والانبياء ولا اعتقد ان ذلك قاعدة ولكن هي مصادفة غريبة .
كان متي حبش على خلاف ما هو معروف عن آل حبش من الهدوء والكياسة الزائدة فلقد كان رجلا جريئا وصريحا وكان ضخم الجسم متين البنيان وقد اتعب الجليليين في ملكية بخديدا وعقاراتها وكان كلامه اكثر قوة من دفاعات امهر المحامين .
في احدى ليالي الصيف كان خالي هادي عنده في الليل فطلب منه ان يذهب ويحضر اخوته لانه يريد ان يراهم هذه الليلة واكد عليه حتى لو كانوا نياما اوقظهم وتعال بهم ، فعل خالي هادي ما اراده خاله وجاء بالجميع وكانت والدتي طفلة بعمر عشر سنوات وايقظها ولما لم تستيقظ حملها نائمة وجاءوا اليه مع ابيهم حيث هو في بستانه الذي كان ينام فيه ليلا على سرير خشبي (تخت) وبقوا الى ساعة متاخرة يتسامرون معه ولا احد يعلم ان تلك هي الليلة الاخيرة . رجع اولاد اخته الى بيتهم مع ابيهم ونام على تخته .
وفي الصباح تاخر في النهوض فلم يستيقظ على عادته مع اولى ساعات الفجر هكذا قالت زوجته الثانية التي كان قد تزوجها بعد وفاة الاولى جاءت لتوقظه فلم يبدِ حراكا امعنت النظر وجدته لا يتنفس انه ميت . نادت جيرانها وكانوا من الاقارب وجاءوا وعندما حركوه وجدوا بركة دم جامد تحت صدره لقد كان نائما وصدره ملامسا للتخت وادخل القاتل فوهة البندقية من اسفل التخت وبين الواحه المتفرقة ليصل الى اقرب نقطة الى القلب لقد كان قاتلا محترفا ويبدو انه ضغط فوهة البنقية على صدره بحيث لم يسمع صوت عال للاطلاقة بما يشبع استعمال كاتم الصوت ، وكانت الاصابة مباشرة في القلب وقد سالت بعض الدماء تحت التخت لم ترها زوجته في البداية لانها لم تكن تعلم ولم تسمع أي صوت في الليلة المشؤومة . جئ بالتابوت من الكنيسة وهو الذي كان ينقل به الموتى الى المدفن الواقع في ساحة الكنيسة وكفن الشهيد متي حبش وحمله رجال عديدون لوضعه في التابوت لقد كان ضخم الجثة فتعاون اكثر من ستة رجال على ذلك .
حمل التابوت ولم يكف اربعة رجال كما هي العادة لانه كان ثقيلا جدا وساروا وعندما وصلت الجنازة الى ركن بيت الراهبات القديم انكسر التابوت من ثقل حمله فجاءوا بحبال وربطوا وجبروا التابوت لكي يكملوا طريقهم الى المدفن الذي صار قريبا.
كان ذلك في صيف عام 1928 قتل متي حبش بسبب دفاعه عن بخديدا.
متي حبش وكرومي حلاتة
كان متي حبش ارملا وكذلك كان كرومي حلاتة بعد وفاة زوجته عام 1922 وهي مريم اخت متي حبش .
ذهب متي حبش الى الموصل ووقعت عينه علىارمله موصلية اسمها نعيمة فود الزواج منها عاد الى بيته وتناول صرة مخشلات ذهب زوجته المتوفاة وسافر الى الموصل الى بيت الارملة فطرق باب بيتهاوفتح له ودخل الدار واستقبلته والدة الارملة ففاتحها بنيته، فقالت له انها لا بد ان تطلب راي ابنتها فوافق ولم يمانع في ان يخرج لبعض الوقت لكي يتكلموا بحريتهم على ان يعود اليهم بعد بعض الوقت بعد ساعة او ساعتين .فقالت له الام لا داعي لذلك فانا ساكلمها على انفراد في غرفة اخرى في الدار . وكان الخواجا متي قد راى العروسة الموعودة و ها هي قد اتت بالشاي لتقدمه للضيف .
فشكرها وتناول قدح الشاي وبدا يشرب الشاي وقد راى الارملة الشابة الجميلة التي اخذتها امها الى غرفة مجاورة وبعد اقل من ساعة حصلت الموافقة واتفقوا على موعد الزواج وترك لها الذهب وعاد الى بخديدا وفي المساء ذهب كرومي حلاتة واطفاله الى بيت شقيق زوجته وبعد ان استقر به المجلس ساله عما وصل اليه الموضوع الذي بدأ به .فقال له لقد انتهى على خير وقد خطبت المراة فهنأه زوج اخته وهو لا يعلم انها ستكون يوما ما زوجته ايضا
تزوج العريسان الخواجا متي والارملة نعيمة الموصلية وجاءت الى بيته ومعا ابنتها واسمها راجي ( والدة الماسير مريم يوسف ناسي) وعاشت مع زوجها ولم ترزق منه اولادا ولا بناتا اما ابنتها من زوجها السابق فقد تزوجها المرحوم يوسف ناسي والد الماسير مريم والمرحوم وعدالله والسيدة اديبة زوجة الشماس المرحوم قريو بتق.
في عام 1928 قتل الخواجا متي حبش شهيد بخديدا الخالدوقتله احد ابناء بخديدا بعد ان دفعه الجليليين ودفعوا له مقابل ذلك حيث كانوا قد ناصبوه العداء بعد المحكمة التي حضرها في استانبول ( في زمن الدولة العثمانية) ضد الجليلين وفند كل ادعاءاتهم بادلة ملموسة وواقعية على الارض منها الابار المحفورة والبساتين والاشجار المثمرة المزروعة ونوع البناء الذي كان يختلف عن بيوت الطين واستطاع ان يميل كفة القرار لصالح اهل بخديدا وخسر الجليليين حلما كبيرا في الاستحواذ على بخديدا . وقد سبقت تلك المحكمة ادعاءات الحاج محمد النجفي الذي خسر هو الاخر دعوته في وقت لاحق . وكان المطران بطرس هبرا يستشير الخواجا متي قبل ان يرسم الشمامسة ليكونوا قساوسة ومن لا يزكيه الخواجا متي لا يرسمه المطران هبرا ومن الذين اعترض الخواجا متي على رسامتهم المرحوم الشماس يعقوب ددو والد المرحوم عزو ددو مختار بخديدا الاسبق .
اجل قتل الخواجا متي حبش وترملت المراة من جديد . وبعد سنة تقريبا على مقتل زوجها كلمها كرومي حلاتة من جديد. وافقت المرحومة نعيمة على الزواج منه وتزوجها كرومي حلاتة اخيرا وكانت امرأة طيبة جدا وعاشت معه لحين وفاته وبعد وفاته انتقلت الى دار ابنتها راجي زوجة يوسف ناسي رحمهم الله جميعا ..والعبرة المستخلصة من هذه القصة هي ان القسمة والنصيب تلعب دورها في الحياة .وهكذا تزوج الخواجا متي وزوج اخته نفس المرأة وكان ذلك امرا غير متوقع في البداية عندما ذهب الخواجا متي لزيارة هذه المراة في بيتها في الموصل.
متي حبش يثأر من قاتله
في صباح احد الايام استيقظت والدتي من النوم وكانت قد رات حلما غريبا ارادت ان تقصه على اخيها الذي لم تكن تحب احدا في هذه الدنيا اكثر منه انه اخوها هادي حلاتة فقالت له اريد ان اقص عليك حلمي لقد حلمت بخالي متي هذه الليلة .
وروت له الحلم كيف انها راته بقامته الطويلة وقد علق طرفي زبونه بزناره وشمر اردانه ولف الزياردة العريضة في الكم لكي يحبسها من النزول وبيده المجرفة التي كان يستعملها في بستانه وهو يحث السير باتجاهها قادما من جهة بيت بلو باتجاه كنيسة الطاهرة وهي واقفة في ركن الزقاق الذي يخرج من بيت ابيها الى الشلرع .عندما وصل اليها نادته خالي اين كنت انت قتلت كيف اراك الان تمشي وانت مسرع لماذا ؟ التفت اليها مبتسما وكان يحبها كما كانت هي ايضا وقال لها لقد ذهبت واخذت بثأري من الذي قتلني . وانتهى حلمها هكذا وانتهت من قصه على اخيها .
اطرق اخوها وكانت بيده عصا اخذ يخط بها على الارض في حركة تدل على انفعال وضيق قائلا لها : ان خالي متي ليس له اولاد لكي ينتقموا له وياخذون بثاره ، وهذه مهمتنا نحن اولاد اخته ولكننا مقصرين لاننا نحن يجب ان ناخذ بثأره فنحن بمكانة اولاده ونحن قد قصرنا .
تضايق لانه شعر بالتقصير فخرج لكي ينسى ما قصته عليه اخته ويتخلص من تأنيب الضمير الذي انتابه .
وما هي الا دقائق حتى عاد مسرعا الى اخته واخذها بيديه وامطرها بالقبل الشديدة وهي لا تدري لماذا فلقد لاحظت انه خرج مهموما وها هو يكاد يطير من الفرح بعد دقائق معدودة فلم تنتظر وصرخت بوجهه ماذا بك لقد كنت اقرب الى البكاء عندما خرجت فما الذي جعلك سعيدا الى هذا الحد وتكاد تطير من الفرح اجابها ان ما رايتيه لم يكن حلما ولكن رؤية او نبوءة .
فعندما خرجت الى الشارع رايت جمهرة من الناس والجيران وهم يتحدثون بينهم وعلامات الجدية تنبئ بان كلامهم يدل على امر خطير فاقتربت منهم وسالتهم ماذا هنالك وما الامر فاخبروه بان ( فلان ) اصبح اليوم مقتولا .
فلان هذا هو نفس الشخص الذي كان مشكوكا به ومتهما بقتل المرحوم متي حبش شهيد بخديدا الخالد .
هذه الرواية لم ازد بها حرفا ولم انقص منها حرفا عما روته والدتي رحمها