شفرة دافنشي! ماجد عزيزة
تثار هذه الأيام في الأوساط الدينية مسألة فيلم وقصة ( شفرة دافنشي) للكاتب الإنكليزي دان براون، وهناك جدل كبير، وكم هائل من الآراء التي تصب ( مع أو ضد) هذه القصة وهذا الفيلم. من المفروض أن أكون واحدا من ( 50) مليونا من البشر من الذين قرأوا القصة (بترجمتها العربية) ، ومن المفروض أن أكون واحدا من 250 مليونا من البشر ( أو أكثر) من الذين شاهدوا الفيلم . وهنا لابد من القول ، لماذا خوف البعض من (القصة والفيلم) فلو أن شخصا أو إثنين أو مليونا إقتنعوا بما يطرحه الكاتب ، وغيروا فكرتهم عما يؤمنون به في المسيحية ، فليغيروا ويدخلوا مذهب براون الجديد .. فالأفكار (البراونية) سبقتها مثلها أفكارا أخرى خلال القرون الماضية حاولت إجهاض المسيحية ، لكنها رغم جذبها عدد من ( مهزوزي الإيمان) إلا أنها لم تستطع قطع ( شعرة) في المسيحية كفكر وإيمان ، وهنا يحضرني قول الشاعر ( ما زاد حنون في الإسلام خردلة .. ولا النصارى لهم شغل بحنون)! أنا لست ضد طرح أي فكرة أو رأي ، فالحرية الموهوبة لنا يوم ولادتنا تكفل لنا ، ان نطرح أفكارنا مهما كانت درجة عدم رضا الآخرين عنها ، وقد سبق للعديد من المفكرين واصحاب النظريات أن طرحوا نظرياتهم ، وما زال غيرهم يفعل .. إلا أن ما جاء به المسيح ، لم يكن فكرة أو رأي مخالف لمن سبقه ، بل إنه أراد بطرح تعاليمه أن يقول للبشر أجمعين ( بأنه إبن ولن يكون أبا أبدا ، لأن له أب سماوي ، هو أبينا جميعا ) أي أنه من السهل أن تصبح أبا ، بمجرد أن تقترن بإمرأة ثم تنجبان سوية ولدا أو أكثر .. لكن ليس من السهل أن تأتي وتثبت للبشر بأنك ( إبن الله) لهذا يختلف المسيحيون مع غيرهم كثيرا في تفسير ( كيف يكون إبن الإنسان .. إبنا لله) . إن السيد ( براون) قد وصف الأديان جميعا ، ( ص 342 من الكتاب) ، بأنها كاذبة وملفقة ( ومفبركة) حيث قال : كل إيمان في العالم مبني على تلفيق (فبركة) ، هؤلاء الذين يفهمون حقاً إيمانهم يفهمون القصص بشكل مجازي فالرمزية الدينية أصبحت جزءاًً من الحقيقة الملفقة. والعيش في هذه الحقيقة يساعد الملايين من الناس على حل مشكلاتها وبطريقة أفضل . وهو بذلك قد عبر عن نفسه خير تعبير، فمن خلال روايته التي مزج فيها الحقيقة بالأكاذيب، والخيال بالواقع، نجده يمزج بين المسيحية والوثنية والعقيدة بالأسطورة، والتاريخ يحوله إلى أسرار ورموز وألغاز، وفي ذروة حماسه لأفكاره راح يكيل الاتهامات للكنيسة الكاثوليكية في عقائد لا تخص الكاثوليكية وحدها، بل تخص جميع الطوائف المسيحية من أرثوذكس وبروتستانت وإنجليكان. إن أهم الأساطير والأكاذيب التي جاءت في رواية دان بروان ، هي أسطورة الكأس المقدسة والدم الملكي والنسل المزعوم: تقول هذه الأسطورة، أسطورة الكأس المقدسة (Holy Grail)، أنها الكأس التي استخدمها يوسف الرامي ليجمع فيها دم المسيح الذي تساقط من جسده على الصليب. هذه الكأس كانت لها قوة إعجازية كبيرة. وفي القرن التاسع عشر انتشرت هذه الأسطورة بصورة كبيرة وكتب عنها الكثيرون من الكتاب، وفي القرن العشرين تم تصويرها في كثير من الأفلام الروائية. وأخيرا صدرت في كتاب روائي باسم: ( الدم المقدس) سنة 1982م، وفي هذا الكتاب حول مؤلفوه الثلاثة ، دم المسيح إلى نسل للمسيح والكأس إلى رحم مريم المجدلية، الذي حمل نسل المسيح أي دمه. ويزعم دان براون أن اسم الله القدوس يهوه مأخوذ من اسم ( جاهوفا) المخنث والذي يتضمن الذكورة والأنوثة معاً! والمكون من اتحاد المذكر ( جاه) والاسم السابق للعبرية ( إيف) فصار ( جاهوفا) ! وهذا في حد ذاته يدل على جهله الفاضح، ومدى الفبركة والتلفيق في ادعاءاته. أما عن زعم الكاتب ، بزواج المسيح من مريم المجدلية ، فقد اعتمد على أن يسوع كان يهودياً ، وفي العرف الاجتماعي في ذلك العصر يحرم تماماً على الرجل اليهودي أن يكون أعزباً, كما أن الامتناع عن الزواج كان ذنباً يعاقب عليه بحسب التقاليد اليهودية, وكان واجب الأب اليهودي أن يجد زوجة مناسبة لابنه ، وهذا بحد ذاته خطأ تاريخي وادعاء كاذب وباطل ، فقد كان هناك عدد كبير من الأنبياء غير متزوجين مثل ارميا النبي ويوحنا المعمدان . وهنا نقول بأن العهد الجديد، لم يذكر في أي موضع مطلقاً أن المسيح كان متزوجاً، هذا بافتراض أنه إنسان، ولم يكن من ضمن رسالته ذلك أيضا . ولم يمهد لخلافة تكون من نسله أبداً. فقد جاء المسيح لنشر ملكوت السموات في العالم أجمع، وقد أعد لذلك تلاميذه ليكونوا شهودا له ولرسالته ككل. ولو كان في نيته الزواج وإنجاب نسل ملكي ( كما في النظرية البراونية ) لكان قد أعلن عن ذلك، بل وكان قد جهز نسله الملكي المقدس لهذه المهمة، وما اسهل ذلك .. لكنه لم يأت من أجل هذا بل من أجل خلاص البشر .. يا سيد براون !
|