ا لتحية الملكية ... ( AVE MARIA )سيف ماجد عزيزة /
تقول احدى القصص القديمة في التقاليد الكنسية بانه قبل ان يتم خلق الانسان ، كشف الله للملائكة برؤيا بانه يوما ما سوف يخلق الانسان وان هذا الانسان سوف يسقط في الخطيئة ، ولاجل محبة الله اللامتناهية للبشر، فأنه سوف يتواضع ويصبح انسانا ويولد من امراة لكي يخلصهم . وعندما شاهد الملائكة هذه الرؤيا ، ادركوا بان عليهم أن يسجدوا لذلك الانسان الذي سيولد يوما ما، وان عليهم ايضا ان يكرموا أمه كسلطانة عليهم . وعندها اعترض بعض الملائكة ، يتقدمهم الملاك لوسيفار والذي عرف فيما بعد بأسم الشيطان، على تلك الرؤيا و قالوا بأنهم لن يسجدوا لأي أنسان و لن يكرموا أمه كسلطانة عليهم. وعندها تم طردهم من السماء من قبل الملائكة الذين خضعوا لارادة الله.
ان صلاة السلام الملائكي التي نرددها دائما والتي مطلعها " السلام عليك يا مريم يا ممتلئة نعمة" هي بالواقع الكلمات التي قالها الملاك جبرائيل للفتاة مريم عندما ظهر لها قبل الفي عام، ليبشرها بالمولود الذي ستلده. وبسبب كثرة مرات ترديدنا لهذه الصلاة وتعودنا على قولها اسبوعيا ان لم يكن يوميا، فأننا عادة ما نسهو أن نلاحظ شيئان مهمان في هذه الكلمات، خصوصا في اول كلمة قالها الملاك لمريم، كلمة " السلام عليك":
اولا، انها اول مرة في تاريخ البشرية يُحيي فيها احد الملائكة انسانا، بنفس الطريقة التي يعطي شخصا لاخر التحية عندما يلتقي به. حيث ان الملائكة ، وخاصة جبرائيل، قد ظهروا لكثير من الناس وكلموهم قبل مريم وبعدها. يذكر الكتاب المقدس بعضا منهم كابراهيم وهاجر ويعقوب ولوط ودانيال وزكريا ويوسف خطيب مريم وبطرس وبولس وكثير غيرهم. ولكن في كل من هذه المرات كان الملاك يتحدث مباشرة دون ان يُحيي الشخص، الا هذه المرة حيث ان "قوة الله" ، وهذا هو تفسير اسم جبرائيل، حياها قبل ان يخبرها عما جاء يخبره.
ثانيا، ان كلمة " السلام عليك" في لغتنا، والتي عادة ما نقولها لبعضنا البعض بغض النظر عن منزلة و مكانة الشخص الذي يُعطى له السلام، هي ليست بالتحديد الكلمة التي استخدمها القديس لوقا عندما كتب انجيله باللغة اليونانية، حيث ان الكلمة التي استخدمها لوقا هي الكلمة اليونانية ( كايري ) ( Chaire ) وهي الكلمة التي يستخدمها الشخص ليحيي بها شخصا اعلى منه منزلة. وعندما نقلت الى اللاتينية ، فأن الكلمة التي استعملت هي كلمة"أفي" (Ave ) وهي الكلمة التي كان يحيي بها الشعب القيصر فقط ،" افي سيزار" "Ave Caesar" وكان يحاكم بالموت كل من يحيي بها غير القيصر.من هنا جائت الجملة اللاتينية الشهيرة " Ave Caesar , Morituri te Salutanus" ، اي " تحية لقيصر، فالذين على وشك الموت يعطوك التحية"، حيث كان المصارعون يحيون بها القيصر من داخل الحلبات قبل ان يتصارعوا حتى الموت . وبسبب عدم وجود كلمة افضل من "السلام عليك" او "شلاما الخ" في لغاتنا، فقد تم استخدامها في الترجمات . فكم عظيما اذن كان وقع هذه الصدمة على تلك الفتاة الفقيرة من الناصرة، أن ياتي اليها احد اعظم ملائكة السماء، والذي معنى اسمه " قوة الله" ، ليخاطبها بالطريقة التي يخاطب الناس بها قيصر فقط . و هذا بالضبط ما يبرر السؤال الذي سألته مريم مباشرة بعد سماعها لتلك التحية الملكية حين قالت:" ما معنى هذه التحية؟" او في ترجمة اخرى:" ما عسى ان يكون هذا السلام؟" و كأنها كانت مضطربة لسماعها تلك التحية اكثر مما كانت مضطربة لمشاهدة الملاك.
فاذا كان الملائكة يعظمونها بتلك الطريقة، فكم بالاحرى نحن الذين ادنى منهم. فهي اذن بحق سلطانة الملائكة كما اراد لها الله ان تكون منذ البدء، وهذا بالضبط ما نقوله نحن عندما نصلي طلبات مريم " الكيرياليسون" عندما نذكر:" يا سلطانة الملائكة ... صلي من اجلنا".
|