مكتبة الفاتيكان حضنت
كتبا في لغات فانقذتها من جنون الاهمال والحرق
(مكتبة الفاتيكان الرسولية) Biblioteca Apostolica Vaticana في حاضرة
الفاتيكان للكثلكة او (مكتبة الفاتيكان) اختصارا أسسها البابا نيكولاس
في 1451 وبدأت بمكتبه شخصية للبابا في مدينة الفاتيكان وكانت تضم 1160
كتابا فقط منها 400 باليونانية لغة العلم في ذاك الزمان، وعين
بارتولوميو بلاتينا أول أمين لها. وفي عصر النهضة ابتداءا من 1481 نمت
المكتبة وأصبحت تضم 3500 كتاب، وفي عام 1517 احتفظت المكتبة بأول دليل
للكتب الممنوعة وبدأت البحث عن مخطوطات من البلدان الشرقية خاصة
العربية التي كانت معرضة دائما للحرق بفعل المتزمتين الذين حرقوا كتب
الفلسفة بشكل خاص وكتب الاديان الاخرى
ضمت مكتبة الفاتيكان في بداياتها كتب التوراة واللاهوت والقانون
الكنسي وأعمال الكلاسيكيين اليونانيين واللاتينيين في التاريخ
والفلسفة، وفنون قرون التهضة الاوربية التي استعانت نها الترجمات من
العربية الى اللاتينية، ونصوص الباباوات ومستشاريهم وخدمهم، والتمسوا
الرحالة وألادباء والفلاسفة القادمون الى روما ترك مخطوطاتهم فيها،
وشملت المخطوطات في القرن الرابع عشر كتابات غاليلو الرائعة وإبداعات
أرسطو وإلياذة هوميروس ويوهانز روسوس وبارتولوميو فيتو، ورسائل محاربي
طروادة وتصميمات جيوفاني لورينزو لميدان (دي سان بيترو)، وأعمال عميد
الباروكيين بيرنيني ومخطوطة الشاعر الايطالي بيتراك التي احتوت قصيدته
الريفية اللاتينية، وقواعد ألدو مانيزو الاكاديمية وأعمال روجر بيكون
ومخطوطات الفيلسوف بيكو ديلا ميرندولا وسيرة حياة أباطرة الرومان
وعلماء عصر النهضة وكوميديا بلاوتوس في اللاتينية ومخطوطة (يوم
القيامة) لغيسي جورجيو المكتوبة منذ1530 وهي أول كوميديا دينية في
تاريخ الآداب شجعت حركة الاصلاح الكاثوليكي والتغيير في منتصف القرن
السادس عشر، ومخطوطات لازاريللي لودفيكو في اللاتينية وهو احد أهم
مثقفي القرن الخامس عشر الذين سحروا عصرهم بالحكمة الممزوجة باساطير
اليونان والفراعنة والوثنية، وأطروحة البابا بولس الثالث في الفلسفة
التي جادل فيها أفلاطون وأرسطو وفلاسفة الكلدانية القديمة، والنصوص
اللاهوتية البيزنطية. وتضم مخطوطات الرازي وابن سينا وابن رشد والغزالي
وابن الهيثم والفارابي والتي لولا حفظها في مكتبة الفاتيكان لبلاها
الاهمال ثم التلف او الحرق ففي عصر النهضة الاوربية ترجمت مخطوطات
عربية طبية عديدة من العبرية لان المخطوطات العربية الاصلية لم تنل
العناية فضاعت او سرقت او مزقت او حرقت
اكبر واعظم المكتبات في العالم ثلاث، هي مكتبة الفاتيكان ومكتبة
الكونغرس ومكتبة روسيا المركزية. مكتبة روسيا المركزية مكتبة معزولة عن
العالم، اما مكتبة الفاتيكان فعلى اتصال وثيق مع مكتبة الكونغرس منذ
1927 في كافة الميادين منها مشاركة مبوبين ومفهرسين من مكتبة الكونغرس
يرأسهم تشارلز مارتيل و س. أم هانسن من جامعة شيكاغو والاسقف وليام
وارنر ومدير المكتبات العامة في جامعة ميتشيغان ووليام راندل و جون
انستينسون الذي أصبح بعدئذ امينا عاما لمكتبة الفاتيكان. فتولت هذه
المجموعة الرائدة تنظيم وتصنيف مكتبة الفاتيكان بالشكل الذي تجري عليه
مكتبة الكونغرس وطريقة حفظ الكتب الجديدة ذاتها، وأشرفوا على ترميم
بناية مكتبة الفاتيكان لقدمها حيث انها قامت منذ عهد النهضة الاوربية.
وأكملوا عمليات الفهرسة ونظام البطاقات للمحفوظات. بدأ التجديد في
العمل المكتبي بمنحة من مؤسسة كارنيغي، وكان التعاون قد بدأ في جميع
الميادين في 1928. تظم مكتبة الفاتيكان الآن مليون كتاب وسلاسل من
المطبوعات و 75 ألف مخطوطة سريانية وأثيوبية وفارسية وعبرية وعربية
ويونانية ولاتينية أقدمها تاريخا من القرن الثاني الميلادي و 65 ألف
مجلد و 8 آلاف معجم و 23 وحدة أرشيف و 100 ألف خريطة ورسم وحفرية و 330
ألف عملة معدنية ووسام بابوي وروماني ويوناني ويدخل المكتبة كل عام 6
آلاف مجلد. يعمل في المكتبة 80 موظفا في خمسة أقسام هي قسم المخطوطات
والمجموعة الارشيفية والكتب والرسوم والعملات المعدنية. يديرها منذ عام
1984 الاب ليونارد بويل استاذ سابق في علوم الحفريات Paleography في
معهد اللاهوت المتخرج في جامعة تورنتو في كندا في تاريخ القرون الوسطى
طوال القرون كان الدخول إلى مكتبة الفاتيكان مقيدا ومحصورا بمجموعة
مختارة، بعدها سمح البابا ليون الثالث عشر لقراء (مؤهلين) دخولها. في
عام 1983 فتحت المكتبة للقراء بشروط صارمة خوفا على المخطوطات، وفي
1988 خففوا من دخول (القراء المؤهلين) وبعد اعتراضات شديدة من
اكاديميين مؤثرين فتحوا أرشيفات الفاتيكان السرية للقراء. اصبحت اثرها
مكتبة الفاتيكان ليس لحفظ الكنوز الثقافية بامانة والحفاظ عليها من
التلف، بل تحويلها إلى مكان للبحث والدراسة والاستقصاء وذوي الاختصاص.
رغم ذلك فقد كانت الشروط قاسية حفظا للكنوز الثقافية من التلف فقد سمح
بالدخول للعلماء المعروفين في العالم الباحثين الموثقة ابحاثهم من
أكاديمية في الفاتيكان، والطلاب المزودين بوثائق من جامعاتهم. من
الشروط ان يكون الداخل متدربا في التعامل مع المخطوطات والكتب. ويحمل
شهادة بعنوان طالب الدخول الى المكتبة، ويخلع المعاطف وحفظ الحقائب
والمظلات والظروف البلاستيكية والاجسام الشفافة في خزانات خاصة،
وارتداء ثوب معقم خاص بالمكتبة لان المكروبات الغريبة التي يحملها
القراء، ويمنع إدخال أي جهاز آلي إلى المكتبة، كما يخضع القارئ للفحص
الامني والتفتيش في أي وقت، ولا يسمح باستخدام الهواتف النقالة، وعدم
حمل المفاتيح، وعدم حمل مقص أو قاطعات او ورقا او شريط لاصق او صمغ او
مصحح الحبر، ولا يسمح بالتصوير والاستنساخ او حمل الكاميرات الرقمية او
المسجلات والنواسخ الضوئية أو أي أداة أخرى تسمح بإعادة استنساخ مواد
المكتبة، كما ان تقليب صفحات المخطوطات ينبغي ان يكون بعناية وبطء وعدم
إسناد الايدي والاصابع على المخطوطة، الداخلون للمكتبة ينبغي لهم
الامتثال إلى أوامر المعينين فيها دون مناقشة، اما الطعام فممنوع منها
باتا والتدخين يجري في الفناء بعيدا، ينبغي الانتظار امام منضدة
الاستقبال عند طلب وثيقة سرية، امين المكتبة يحدد أماكن جلوس القراء في
قاعة المطالعة، القاريء ملزم بالاستخدام اللائق والصحيح لأثاث المكتبة،
ويمنع تحرك القراء في الممرات،كما ينبغي تعقيم الايدي عند التعامل مع
المخطوطات، تستخدم أقلام الرصاص القابلة للمسح فقط في غرفة المطالعة.
يحال إلى القضاء من يمزق أو يسرق أو من يضع علامات او تعليقات على
الكتب ولو بقلم الرصاص، وأولئك الذين يعرقلون اعمال الآخرين ومن يدخن
في حدود المكتبة. يتحمل القارئ الالتزام بقواعد المكتبة قانونيا ويوقع
تعهدا بذلك. وأخيرا وليس آخرا ضمان التعويض عن خسائر المكتبة، والصمت
الكامل ليس لمن يدخل المكتبة او قاعات المطالعة بل في كل المباني
التابعة للمكتبة
أخر الاخبار ان اتفاقا جرى بين مكتبة الفاتيكان والمكتبة الوطنية
الإيرانية، على نسخ ما يقرب من ستة آلاف مخطوطة من مجموع 150 ألف
مخطوطة فارسية محفوظة في مكتبة الفاتيكان وارسالها إلى المكتبة الوطنية
الإيرانية في أقراص مضغوطة. قال باحث إيراني أن معظم المخطوطات في
مكتبة الفاتيكان باللغات اللاتينية والعبرية والأرمنية والتركية
والفارسية والعربية والروسية، وأن من بين المخطوطات الفارسية الموجودة
في مكتبة الفاتيكان قرابة 1750 مخطوطة يرجع تاريخها إلى الفترة ما بين
عهد (آق قوانلو) إلى عهد الدول الصفوية، والتي نقلت إلى أوروبا عن طريق
المبشرين الذين اشتروها وحافظوا عليها في اوربا من التلف. ومن الكتب
الفارسية النفيسة الموجودة في مكتبة الفاتيكان نسخة عن كتاب (اللمحات
في الحقائق) للسهروردي كتبت في عام 588 هـ ، وأخرى من كتاب (الإشارات
والتنبيهات) لابن سينا، وأيضاً الرسالة المعروفة برسالة الإمام صاحب
الزمان إلى الشيخ المفيد، وأقدم نسخة للصحيفة السجادية حيث سيتم نقلها
بشكل تدريجي إلى المكتبة الوطنية الإيرانية في إطار هذا التعاون
الثقافي. اود الاشارة الى ان الاستاذ محمد حسن غنيم كتب مقالا قيما عن
مكتبة الفاتيكان لكنه اورد كثير من عبارات الاستهزاء ضمنها ايضا (ولابد
من الاشارة الى ان أغلب الكتب الغنية والفائقة الاهمية التي ضمت إلى
قسم البلاط في المكتبة كانت غنائم حرب) و (التي كانت جيوش أتباع
الكنيسة تحتلها الواحدة تلو الاخرى). انها عبارات دونية يطلقها العوام
والكثير من الكتاب والمسثقفين دائما على الآخرين. واذا كان هذا صحيح
فانهم سلبوها ولم يحرقوها وحفظوها لقرون في مكتبة عامرة يشار لها
بالبنان. اود ان ارسل للاستاذ محمد حسن غنيم مقالا لو عرفت عنوانه عن
حرق مكتبات فارس بعد الفتح، سأل القائد الفاتح في رسالة الى عمر بن
الخطاب ماذا نفعل بهذه الكتب اجابه رضي الله عنه (احرقها فليس هناك من
كتاب غير كتاب الله). ولا اريد التطرق الى مكتبة الاسكندرية فان امرها
لا يسر الفضلاء. اما ابن رشد قال له الخليفة (كيف تكفر بالله الذى خلقك
فسواك فعدلك ؟) فرد واثق النفس (أنا لا أعتقد أبدا في هذا القول و هو
ليس لى .. انه قول لأحد القدماء كتبته على سبيل النقل لا الإعتقاد)
فاصدر حكما بنفى ابن رشد إلى مدينه (إليسانه) الصغيرة التى كان معظم
سكانها من اليهود و بحرق كل الكتب التي كتبها ابن رشد في حياته، وحين
دخل ابن رشد وابنه المسجد عصرا انهال عليهما المصليين بالنعل
والقباقيب. هكذا حافظت مكتبة الفاتيكان على درر وكنوز ثقافية من الحرق
والسرقة واود ان اذكر بان اغلب الكتب الطبية التي ترجمت الى اللاتينية
في عصور النهضة كانت قد نقلت من نصوص عبرية لان المخطوطات الاصيلة
حرقتها جماعات مقتضى الصدر ومن لف لفه في مختلف العهود والعصور
توما
شماني .. تورونتو
عضو اتحاد
المؤرخين العرب
|