|
بطريركية الكنيسة الشرقية القديمة/ مكتب الإعلام
عدد جديد من مجلة الأفق (أوبقا)
صدر العدد الجديد من مجلة الأفق (أوبقا) (العدد 33 نيسان ـ حزيران 2009) وهو عدد خاص بأبرز المحطات التي شهدتها الكنيسة الشرقية القديمة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهي رسامة الأسقفين الجديدين نيافة مار زيا خوشابا أسقفا لبغداد، ونيافة مار أفرام داويد أسقفا لدهوك، وافتتاح المقر البطريركي الجديد في بغداد، وانعقاد السينودس المقدس للكنيسة في بغداد للفترة من 27 نيسان لغاية 2 إيار 2009 وأبرز توصياته ومقرراته، والزيارة الرعوية لقداسة البطريرك مار أدى الثاني إلى أبناء الرعية في سهل نينوى ومحافظة دهوك ولقائه المؤمنين وعدد من المؤسسات القومية والثقافية والعناوين الرسمية.. حيث أصدى العدد لهذه المحطات على مساحة واسعة منه في ملف كامل. وفي العدد أيضا وضمن باب (منابعنا) الجزء السادس والعشرون من تاريخ الكرسي البطريركي للكنيسة المشرقية للأب الراحل الخوري بنيامين صليوا (بالسريانية)، فيما احتوى باب (مسيحانياتنا) مقالا للأب أسعد حنونا بعنوان (إيمان المرأة: المرأة السامرية)، ومقالا للكاتبة منى يوسف بعنوان (يسوع: بعض ما قيل عنه من أعماق المحبين)، وفي باب (فيض القلوب) هناك مقارنة بين رجل الدين ورجل الله، بقلم (جيني كتولا)، ثم وقفة مع قرار سينودس الكنيسة الشرقية القديمة بإجراء استفتاء حول توقيت الاحتفال بعيد الميلاد المجيد وذلك ضمن باب (أفقنا الرحب) بقلم شليمون داود أوراهم، لتتوالى بعدها الأبواب الثابتة للمجلة: (نوافذ معلوماتية)، (مرافيء اليوم)، (تسلية)، (أنباء)، ثم (نهاية الطاف) ومقال بعنوان (كنيسة واحدة مقدسة رسولية جامعة). الأفق: مجلة فصلية إيمانية ثقافية اجتماعية تصدرها بطريركية الكنيسة الشرقية القديمة في العراق والعالم منذ عام 1997، صاحب الامتياز: قداسة البطريرك مار أدى الثاني.
.........................................................
لكي لا يبقى الإنسان أسير الماضي *
لا شك إن أول ما يمكن أن أقوله عن القيامة المجيدة فأبدأ به مطاف هذا العدد هو حقيقة أنها جاءت لتكون الحجر الأساس ورأس الزاوية في الإيمان المسيحي وكتابه المقدس بعهديه القديم والجديد، كونها البرهان على صدق هذا الكتاب أولاً، وهي الشهادة لقدرة الله العظيمة ثانيا، وقبوله تضحية المسيح من أجل المصالحة مع الخليقة الخاطئة ثالثا، وفيها بالتالي تأكيد على قيامة المؤمن في يوم قادم رابعا، إلى جانب اعتبارات أخرى عديدة. إنها فكرة تأمين الإنسان ضد الماضي، فالماضي دائما يُطارد الإنسان.. وهو إبتلاع للحاضر فى حياة هذا الإنسان. والسيد المسيح، له المجد، عالج هذا الموضوع، فأتى بالمستقبل كله بالقيامة، فإن كان الماضي يبتلع حياتنا.. فالأبدية ستعوضنا عن ذلك: "إن كان الخارج يفنى.. فالداخل يتجدد، إن كان إنساننا الخارجي يفنى.. فالداخل يتجدد يوما فيوما"، لكي لا يبقى الإنسان أسير الماضي!!. وحيث أننا لم نسمع ولم نقرأ إلا القليل عن الموت الروحي، رغم أهمية ذلك القصوى. وذلك لأننا لا نزال ندور في حلقة مفرغة، وهي حلقة الموت البيولوجي الذي نشترك فيه مع جميع الكائنات الحية. فقد كانت معضلة الحياة والموت.. ولا تزال الشغل الشاغل لكل إنسان، وهي التحدي الذي يقضّ مضجعه في كل حين. وقد جاءت هذه القيامة لتضع الإطار الدقيق الذي يحدد هذه المعضلة، إذ بقيامة المسيح له المجد، كِلا الحياة والموت صارا يأخذان معنىً جديدا. فالحياة الآن تعني الشركة مع الله. والموت لم يعد نهاية هذه الحياة الحاضرة، بل هو ابتعاد الإنسان عن الله. ولم يعد يُنظر إلى انفصال النفس عن الجسد المائت على أنه "موت"، إنه هجوع مؤقت. وبمعنى آخر.. لقد غيرت القيامة حتى اسم الموت، فلا يدعى بعد موتا، بل نوما ورقادا: "هنا يرقد على رجاء القيامة...". يقول بولس الرسول في رسالته الثانية إلى مؤمني كورنثوس: "وما دمنا في هذه الخيمة الأرضية فنحن نئن تحت أثقالنا، لا لأننا نريد أن نتعرى من جسدنا الأرضي، بل لأننا نريد أن نلبس فوقه جسدنا السماوي، حتى تبتلع الحياة ما هو زائل فينا.. 2 كو 5: 4". إنه تعبير لاهوتي بحت، شأنه شأن معظم أقوال ومواعظ رسول الأمم، وهو مبني على ثقافة دينية عميقة سابقة، تم تجديدها وتوظيفها لاحقا وفق اختبار شخصي حقيقي في الطريق إلى دمشق "أعمال 9: 3 ـ 20".. فهو يريد أن يقول إننا لا نرفض الجسد.. بل نرفض الفساد الذي فيه، لا نرفض الجسد.. بل نرفض الموت. الجسد شيء والموت شيء آخر، الجسد شيء والفساد شيء آخر. فلا الجسد هو فساد.. ولا الفساد هو جسد. ومن المؤكد أن الجسد فانٍ، لكن الفناء ليس هو الجسد. ومن المؤكد أيضا أن الجسد مائت، لكن الموت ليس هو الجسد. الجسد خلقه الله، أما الموت والفساد ليسا من الله بل دخلا بسبب الخطيئة. وإبطال الموت معناه إيقاف عوامل الفساد التي يسببها.. استعدادا لمصالحة النفس مع الجسد وتهيئتها للقيامة. وذلك برفع الخطيئة واللعنة.. للعودة إلى الله والاتصال الدائم به لنيل نعمة الحياة الدائمة مرة أخرى. هذا ما عمله المسيح في مجيئه الأول، وأكمله على الصليب، وبقيامته أعطى المؤمنين بها عربون قيامتهم. لأنه بقيامته رفع اللعنة وأبطل الموت وأوقف الفساد، استعدادا لمصالحة جديدة بين النفس والجسد وقبول حياة جديدة، الآن بالقيامة الأولى وعند مجيئه الثاني بالقيامة الثانية. ولكي لا يبقى الإنسان أسير الماضي.. هذه هي قوة القيامة: المصالحة: 1. بين الله والإنسان، 2. بين النفس والجسد، 3. بين الإنسان والإنسان.
* افتتاحية العدد الجديد من مجلة الأفق (أوبقا).
..............................................
ثقافة قبول الآخر: القيم والمثل المشتركة في الأديان *
معروف أن الدين في المجتمعات الشرقية ومن بينها مجتمعنا العراقي يكاد يكون أحد أبرز العوامل إن لم يكن الأبرز تماما في رسم وتحديد أخلاقيات الفرد وسلوكياته وعلاقاته بالآخرين. وإن ثمة أركان وتعاليم وقيم ومثل كثيرة مشتركة بين الأديان التي يدين بها أبناء الشعب العراقي. ولا يضع الدين أو يحدد الضوابط الإيمانية والتعبدية وحسب، إنما أيضا الضوابط الأخلاقية والاجتماعية وما يقوم عليها أو ينبثق منها. والأديان في المجتمعات الشرقية تدعو ضمن أولويات ما تدعو إليه.. إلى الحوار والعيش المشترك وقبول الآخر. نقرأ في سفر التكوين من الكتاب المقدس عند اليهودية والمسيحية: (قال الرب الإله: لا يَحسُن أن يكون الإنسان وحده، فأصنع عونا بأزائه)، كما نقرأ (انموا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر وطير السماء وجميع الحيوانات الدابة على الأرض). لقد أوصى الله الإنسان بالتسلط على كل ما هو مخلوق من أجل الإنسان ولم يوصيه بالتسلط على أخيه الإنسان. ونقرأ في القرآن الكريم: (يا أيها الناس.. إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير).. سورة الحجرات، الآية 13. وقد أثبتت معظم تجارب العالم إن لم أقل كلها.. أهمية التحاور وقبول الآخر على أساس المشترك من المفاهيم والمثل والقيم حتى وإن كان بالحد الأدنى وبما يأتي بالنتائج الإيجابية المرجوة للجميع، يُقابل ذلك عدم جدوى العنف واستخدام القوة وتهميش وإلغاء الآخر في تحقيق الغايات المنشودة.
وانطلاقا مما تقدم، والمتمثل بأهمية الأديان في تحديد سلوكيات الفرد في المجتمعات الشرقية ومنها بطبيعة الحال مجتمعنا العراقي، فالمعروف أن كل الأديان المعتبرة سماوية تشترك في عدد كبير من التعاليم السامية والقيم النبيلة ولسبب واضح وبسيط هو أنها جميعا إنما تنبع من منبع واحد. وبقدر تعلق الأمر بالعراق، وحيث أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، فإن الأديان السماوية المعترف بها رسميا هي: الصابئية المندائية واليهودية والمسيحية والإسلام، وذلك انطلاقا من ما هو وارد في القرآن الكريم (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون).. (سورة المائدة، الآية 69). ويرد نفس المعنى في عدد آخر من الآيات الكريمات في مختلف السور ومنها الآية 62 من سورة البقرة والآية 17 من سورة الحج، فضلا عن ما يورده القرآن الكريم من تكريم وتوقير لرسل وأنبياء هذه الديانات ومنهم: آدم وشيت وسام بن نوح وإبراهيم أبو الأنبياء ويحيى بن زكريا وموسى والمسيح عيسى بن مريم عليهم السلام جميعا. ولا ننسى قبل أن نسترسل هنا أن نؤكد على خصوصية واحترام طائفة الإيزيديين في العراق كطائفة دينية مؤمنة موحِدة مسالمة تلتزم وصايا وتعاليم تصب كلها ضمن مفاهيم تمجيد الخالق واحترام قمة خلقه وهو الإنسان. وأول وأساس ما تشترك به هذه الأديان هو التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد، ومن ثم أركان الدين كالصوم والصلاة والتطهير من الذنوب والصدقة، يرافقها الالتزام بالوصايا والتعاليم وفي مقدمتها المحبة والسلام والتآخي والمغفرة والتسامح واحترام إنسانية الفرد وحريته وكرامته. وهذا في الواقع أساس قوي ومتين يمكن أن يُبنى عليه نهج رجال الدين الأفاضل والقادة في مختلف الميادين السياسية والثقافية والاجتماعية والتربوية والناشطين في مؤسسات المجتمع المدني بمختلف عناوينها في العراق لترسيخ وتثبيت ثقافة التحاور وقبول الآخر والعيش المشترك وصولا إلى بناء بلد آمن مستقر ينعم بالرفاهية ويخطو بثبات تجاه التطور والازدهار.
وإذا استعرضنا بوجه عام وسريع أبرز تعاليم هذه الديانات وكتبها المقدسة نجد بجلاء ووضوح اشتراكها على نحو واسع في التعاليم والقيم والوصايا السامية والمثل المشتركة التي أشرنا إليها أعلاه. فأبرز أركان الدين عند الصابئة المندائييين هي التوحيد والطهارة والصوم والصلاة والصدقة. ومن المحرمات عندهم: التجديف باسم الخالق (الكفر)، عدم أداء الفروض الدينية، القتل، الزنا، السرقة، الكذب، شهادة الزور، خيانة الأمانة والعهد، الحسد، النميمة، الغيبة، التحدث والإخبار بالصدقات المُعطاة، القسم الباطل، عبادة الشهوات، الشعوذة والسحر، شرب الخمر، الربا، الانتحار وإنهاء الحياة والإجهاض، تعذيب النفس وإيذاء الجسد.. إلى جانب عدد آخر من المحرمات. وهي وصايا وتعاليم لو قرئناها بلغة اليوم نجدها تتمحور تماما حول مفاهيم المحبة والسلام والتسامح والشراكة وقبول الآخرم واحترام الكرامة الإنسانية.. وبما ينسجم مع ما أراده الخالق جل وسما لخلقه حيث يرد في الكتب المقدسة للصابئة المندائيين: (وأمرناكم أن اسمعوا صوت الرب في قيامكم وقعودكم وذهابكم ومجيئكم وفي ضجعتكم وراحتكم وفي جميع الأعمال التي تعملون). أما في اليهودية فنجد الوصايا العشر التي تلخص المئات من الوصايا الواردة في الشريعة الموسوية، وتبدأ هذه الوصايا العشر بالتوحيد من خلال وصية: أنا هو الرب إلهك لا يكون لك آلهة أخرى أمامي، وتستمر لتوصي بإكرام الوالدين وتحريم القتل والسرقة والزنى وشهادة الزور واشتهاء ما هو للآخرين. وتندرج هذه كلها عند التطبيق السليم ضمن نفس المفاهيم التي أشرنا إليها قبل بضعة أسطر أعلاه. والأمر ذاته مع المسيحية التي تقوم على المحبة والسلام والتسامح والمغفرة. إذ وبشأن المحبة يُلخص الإنجيل المقدس كل التعاليم والوصايا بوصيتين رئيستين هما: تحب الرب إلهك من كل قلبك وفكرك وقوتك وتحب قريبك كنفسك، والقريب هنا ليس قريب الدم والجسد إنما كل إنسان يتم التعامل معه. أما بشأن السلام فإن هتاف الملائكة عند ولادة السيد المسيح عيسى بن مريم كان (المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام والرجاء الصالح لبني البشر).. والتحية في المسيحية هي السلام معكم.. أو السلام لكم، إلى جانب تعاليم ووصايا أخرى يحفل بها الإنجيل وتدعو إلى السلام الإلهي والكيفية التي يحصل بها الإنسان المؤمن عليه.. فضلا عن أن من أسماء السيد المسيح في الإنجيل (رئيس السلام). وبشأن المغفرة فثمة وصية أن يغفر المؤمن للآخرين دونما حدود. لا بل أن الأمر يتجاوز ذلك إلى التوصية بمحبة الأعداء ومباركة اللاعنين والإحسان إلى المبغضين والصلاة من أجل المسيئين على أمل أن تتغلب المحبة على الكراهية والخير على الشر في تجسيد حي لقبول الآخر. وفي الصلاة الرئيسة للمسيحيين والمعروفة بالصلاة الربية، يرد: (واغفر لنا ذنوبنا وخطايانا كما نحن أيضا نغفر للمذنبين إلينا). والسيد المسيح له المجد صلى للرب وهو على خشبة الصليب أن يغفر لصالبيه. وثمة موقف في المسيحية يبرز هو الآخر وبجلاء مفهوم قبول الآخر عندما أحضر اليهود أمام السيد المسيح إمرأة خاطئة وطالبوا بإدانتها فأجابهم بكلمته الشهيرة (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بأول حجر). هذا فضلا عن تعاليم مسيحية أخرى معروفة على نطاق عالمي مسكوني لا مسيحي وحسب، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: (ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه). وفي الإسلام الحنيف نجد الدعوات إلى السلام والمودة والتآلف واضحة وجليلة في نصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة. حيث تناولها القرآن الكريم في العشرات من آياته الكريمات، والسلام اسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته: نقرأ: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام)، وجعل الإسلام من السلام أيضا تحيته وسمّى الجنّة دار السلام: نقرأ: (والله يدعو إلى دار السلام)، وأيضا: (دعواهم فيها سبحانك أللهم وتحيتهم فيها سلام). وجعل الله السلام جزاءً على رضوانه حيث نقرأ: (يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبل السلام). والآيات التي تناولت السلام كثيرة، تتدرج من قوله تعالى: (سلام قولاً من رب رحيم)، (سلام على نوح في العالمين.. سلام على إبراهيم.. سلام على موسى وهارون.. سلام على آل ياسين... وسلام على المرسلين)، إلى قوله تعالى: (سلام هي حتى مطلع الفجر)، وقوله عز وجل: (وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين). أما التسامح فله قيمة كبرى في الإسلام، فهو نابع من السماحة بكل ما تعنيه من حرية ومن مساواة في غير تفوق جنسي أو تمييز عنصري، بحيث حض الإسلام الحنيف، على سبيل المثال، على الاعتقاد بجميع الديانات، حيث نقرأ في القرآن الكريم، سورة البقرة، قوله تعالى: "..آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله". و التسامح ليس هو التنازل أو التساهل أو الحياد اتجاه الغير، بل هو الاعتراف بالآخر.. وقبوله. إنه الاحترام المتبادل والاعتراف بالحقوق العالمية للشخص، وبالحريات الأساسية للآخرين، وإنه وحده الكفيل بتحقيق العيش المشترك بين شعوب يطبعها التنوع والاختلاف، بحيث قال الرسول العربي الكريم: "الدين هو المعاملة". ويشهد التاريخ بالنزعة الإنسانية للإسلام، وبالتسامح الذي ربط علاقات المسلمين بباقي أهل الديانات الأخرى، حيث دعا القرآن الكريم إلى مجادلة كل هؤلاء بالتي هي أحسن ومحاولة إقناعهم بالحكمة والموعظة الحسنة، حيث نقرأ في سورة النحل، الآية 125: (إدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن. إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين). وبهذا المنهج قام الإسلام على مبدأ عدم الإكراه، حيث نقرأ في القرآن الكريم: (لا إكراه في الدين)، (سورة البقرة، الآية 256) .. وعبر تجسيد واضح وجلي لقبول الآخر بغض النظر عن دينه أو معتقده طالما كان خليقة من خلائق الله عز وجل. إذن.. ومن خلال هذه القواسم المشتركة التي عرضنا أمثلة بسيطة لها، تبرز أهمية القيم والمثل المشتركة ومنها أركان وتعاليم الأديان، والتي ينبغي على كل من هو معني بالأمر أن يعمل عليها ويوظفها بالشكل السليم لتحقيق الغاية المنشودة والمتمثلة بنشر ثقافة التسامح وقبول الآخر وترسيخ مباديء الحريات الفردية والتفاهم والصفح وإقرار حقوق كل المكونات ومساعدة المجتمع المدني على النهوض والتطور. ومن جهة أخرى، وإذا كان هناك ثمة رأيان في مسألة قبول الآخر: الأول يقوم على ضرورة وجود قواسم مشتركة بين الناس ليعيشوا مع بعضهم بسلام. ومثل هذه القواسم موجودة حتى في الأديان.. كما لاحظنا أعلاه. والثاني يرى عدم ضرورة وجود مثل هذه القواسم المشتركة، فيقول: ما دام هذا الإنسان الذي أمامي إنسانًا مثلي فهذا يكفيني لكي أعيش معه وأقبله بغض النظر عن معتقده أو لأي جنس من البشر ينتمي، لذلك فلا حاجة للحوار معه وعلي أن أتقبله كما هو. فإنه وفي جميع الأحوال يبقى الحوار والاختلاف مع الآخر، أمر حتمي، تفرضه طبيعة الحياة. وبما أن الحوار عبارة عن علاقة مباشرة بين طرفين أو أكثر، تقوم على التعبير وتبادل الأفكار والحجج والبراهين بهدف التواصل والإقناع أو التأثير.. فمن الضروري أن يؤدي هذا الحوار إلى شيء من الاختلاف حول بعض الأمور وطرق تناولها. علاوة على أن هذا الآخر ربما اختلفت بيئته عن بيئتنا، وثقافته الاجتماعية عن ثقافتنا، مما يستوجب نوعا من التعايش وقبول الآخر، وقبول الحوار والتعايش معه، طالما أن هذا التعايش لا يمس شؤون العقيدة أو الثوابت الدينية. ومن هنا تأتي أهمية التأكيد على ضرورة تعزيز مفهوم قبول الآخر في وعي الإنسان والمجتمع وبالتالي تصبح هذه الفكرة بمثابة العمود الفقري لتعايش مختلف الأديان والشعوب على وجه هذه البسيطة ومنها شعبنا العراقي الكريم بكل ألوانه ومكوناته الدينية والمذهبية والقومية.
* مشاركة الكاتب في مؤتمر قبول الآخر الذي نظمته في أربيل منظمة التسامحية العالمية للفترة من 20 ـ 22 كانون الثاني 2009
..........................................
صدور العدد الجديد من مجلة الأفق (أوبقا)
صدر العدد الجديد (العدد 31، تشرين الأول ـ كانون الأول 2008) من مجلة الأفق (أوبقا): (فصلية.. إيمانية ثقافية اجتماعية تصدرها بطريركية الكنيسة الشرقية القديمة، صاحب الامتياز: قداسة البطريرك مار أدى الثاني). والعدد الجديد خاص بعيد الميلاد المجيد، وحملت افتتاحيته عنوان (دروس من الميلاد) بقلم رئيس التحرير. تلتها الرسالة الرعوية لقداسة البطريرك مار أدى الثاني رئيس الكنيسة بمناسبة عيد الميلاد المجيد والعام الجديد (باللغتتين السريانية والعربية) ثم تغطية مصورة لزيارة قداسته الرعوية الأخيرة لأبرشيات الكنيسة في أوروبا. وفي باب (منابعنا) الجزء 24 من مختصر تاريخ الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق للأب الراحل الخوري بنيامين صليوا (بالسريانية)، فيما تضمن باب (مسيحانياتنا) القسم الثاني من دراسة (المعمودية بمنظار كنيسة المشرق) لسيادة المطران يعقوب دانيل راعي أبرشية استراليا ونيوزلندا للكنيسة الشرقية القديمة، بالإضافة إلى عدة مقالات عن الميلاد المجيد: (بين المذود والصليب، للأب يوحنا عيسى)، (ميلاد المسيح ميلاد البشرية جمعاء، للأب أسعد حنونا)، (ترتيلة لعيد الدنح.. بالسريانية، ترجمة إلى العربية: الأب أفرام سليمان)، (البشارة والميلاد، للأخت سناء إيليهو). وفي باب أفقنا الرحب مقال بعنوان (عيد الميلاد المجيد: 25 ـ 12 أم 7 ـ 1، ولماذا هذا الاختلاف) يتضمن شرحا لفارق الـ 13 يوما في الاحتفال بعيد الميلاد المجيد حسب التقويمين القديم والجديد. فيما تضمن باب (الأسرة والمجتمع) القسم الأخير من دراسة (المفهوم المسيحي للحب والخطبة والزواج ومعنى رتبة الإكليل، للأب كيوركيس بنيامين). وفي باب ثقافة تقرير عن (المطبوعات الناطقة بلسان شعبنا، للإعلامي سامر إلياس سعيد)، فيما يحل الأديب المعروف شاكر سيفو ضيفا على باب (وجوه ثقافية)، إلى جانب باقي الأبواب الثابتة للمجلة: (نوافذ معلوماتية)، (مرافيء اليوم)، (تسلية)، (أنباء) .. وصولا إلى نهاية المطاف ومقالة بعنوان (تسابيح لميلاد الألق) للكاتب العراقي المعروف السيد حميد الموسوي.
................................
(بطريركية الكنيسة الشرقية القديمة/ مكتب الإعلام)
الترجمة العربية لرسالة قداسة أبينا البطريرك مار أدى الثاني الجزيل الاحترام بمناسبة عيد الميلاد المجيد والعام الميلادي الجديد 2009
أحباؤنا وأخوتنا في الخدمة الروحية: الرعاة الأجلاء، الكهنة المختارون، الشمامسة الموقرون، أبناء كنيستنا المحترمون في وطننا المبارك العراق، وفي أي بلد كنتم.. محفوظون بالنعمة جسدا وروحا ونفسا:
سلام رباني ومحبة مسيحية تقبلوا، وليكن العيد المجيد لميلاد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح مبارك عليكم جميعا، مع صلواتنا الدائمة أن تحتفوا بهذا العيد العظيم والعام الميلادي الجديد 2009 بالخير والهناء، ويكون عاما مباركا ومزينا بالأمن والسلام الذي يحل بملئه على وطننا المبارك بين النهرين والعالم كله، وعلى أبناء كنيستنا المقدسة في كل بلد يعيشون فيه.. وعلى كل البشرية دونما تمييز.
أحباؤنا في الرب: لو تساءلنا: لماذ جاء كلمة الله الحي وابنه الوحيد بكر كل الخلائق إلى عالمنا ووُلد بالجسد؟، نجد الإجابة في الإنجيل المقدس: "إن ابن الإنسان جاء ليبحث عن الهالكين ويُخلصهم.. لوقا 19 : 10". ونقرأ أيضا: "هكذا أحب الله العالم حتى وهب ابنه الأوحد، فلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.. يوحنا 3 : 16". إذن.. إنها محبة الله التي أفضت إلى العطاء والفداء.. ومن ثم الخلاص. لكن.. وكما أن الميلاد البشري كان تجسيدا جليا لمحبة الله لجنسنا الخاطيء كان أيضا تجسيدا لعدله. وكما تضمنت حياة الرب على الأرض مصاعب واضطهادات وألم حتى تمم الخلاص على خشبة الصليب حاملا خطايانا.. هكذا من الطبيعي أن تتضمن حياتنا نحن المؤمنين مصاعب وضيقات وألم حتى ننال هذا الخلاص بالصبر والتحمل إلى الآخر.. وديمومة العمل والاجتهاد "متى 24 : 13". وهكذا.. فإن الله الآب أظهر محبته للبشر.. لكنه أظهر عدله أيضا، وعلينا نحن المؤمنين أن نتقبل لا محبته وحسب.. إنما عدله أيضا. بمعنى أننا لكي ننال الخلاص لا بد لنا أن نتمم الوصايا في محبة بعضنا للبعض.. والتوبة والصوم والصلاة والصدقة وما إلى ذلك من السلوك الصالح.. ونتحمل ونصبر على كل الضيقات والاضطهادات التي تحدث في حياتنا ونحن نسير على خطى الرب.. وكما قال الرسول في رسالته: ".. ولمثل هذا دعاكم الله، فالمسيح تألم من أجلكم وجعل لكم من نفسه قدوة لتسيروا على خطاه.. 1 بطرس 2 : 21".
وليس خافيا اليوم أن قسما من شعبنا المسيحي، وهو ذاك الذي يعيش في وطننا المبارك العراق.. يتعرض للمصاعب والألم بين الحين والآخر خلال السنوات الماضية.. بسبب الأحوال والأحداث غير الطبيعية التي تعترض طريق إعادة بناء هذا البلد من جديد، وعبر سلسلة من الضيقات وأعمال العنف التي كانت الحلقة الأخيرة منها ما تعرض له أبناء شعبنا في مدينة الموصل من أعمل قتل وتهجير في الفترة الأخيرة، حيث ارتفعت كل الأصوات ومنها صوت الكنيسة وباقي المؤسسات الشعبية والرسمية لإيقاف هذا الظلم، وإعادة الكرامة والحياة الآمنة لأبناء شعبنا في هذه المدينة والوطن كله. وحفظ وإقرار حقوقهم بما يتناسب وحقيقة كونهم لونا ومكونا أصيلا من مكونات الشعب العراقي الحبيب.
ومن هنا أحباؤنا الكرام: لا ننسَ في هذا اليوم المبارك كل هؤلاء المتضايقين والمضطهدين بالدعم والمساعدة، والصلوات والطلبات إلى الرب الإله أن يرأف بهم وبكل شعبنا العراقي، وأن يُحل أمنه وسلامه المقدس في قلوب الجميع، ويحفظ ويبارك وطننا الحبيب بالخير والبركة.
ختاما: نقول مرة أخرى: ليكن عيد ميلاد ربنا مبارك عليكم جميعا، وكل عام وأنتم بفرح وخير.. ورجاؤنا أن تحتفوا بكل الأعياد المقبلة بالهناء والصحة الموفورة محفوظون ببركة الرب ونعمته المقدسة.. ولنرتل مع الملائكة بصوت مؤمن وقلب طاهر: "المجد لله في العلى.. وعلى الأرض السلام.. والرجاء الصالح لبني البشر". ولتكن نعمة الرب يسوع المسيح.. ومحبة الله الآب.. وشركة الروح القدس.. مع جميعنا على الدوام وإلى أبد الآبدين.. آمين.
كُتب بقلايتنا البطريركية كانون الأول 2008 ص أدى الثاني بالنعمة: جاثليق بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة في العالم
....................................................
فِطٍريِركولآةِّأ دعًدةِأ عٍةتقةِأ دمٍدنحِأ/ مٍخةثِأ ديولآدِعِأ) اهرظ فطريركيظ دمثرخظ دعادا دمولدى دمرن عم شنْظ مرنيظ حدظ 2009
ذٍحمٍين واٍحٍيُّن بةَشمَشةِأ رولآحِنِيةِأ: عٍللِنُأ حسٍيِـُّأ.. كِىنُأ هبٍيِـُّأ.. مشٍمشِنُأ زىٍيِـُّأ.. بنٍيُّ عًدةٍن ميٍقذًا باٍةّرٍن برتخِأ دعترِق.. وبخل اٍةّذِوِةِّأ ىِوتةولأن.. نطتذًا بطٍيبولآةِّأ.. فٍغرِا ورولآحِأ عٍم نٍئشِأ. شلِمِأ مِرِنِيِأ وحولآبِأ مشتحِيِأ مقٍبلولآن.. وعًادِا مشٍبحِأ دمِولِدًى دمِرٍن وفِرولأقٍن تشولأع مشتحِأ ىِوًأ برتخِأ لكلِوخولأن.. عٍم ؤلِــُّوِةٍن اٍمتنُأ دمزٍيحتةولآن ىِن عًادِا رٍبِأ ومقٍبلتةولآن شًنْةِأ مِولدِنِيةِّأ حٍدةِأ 2009 بطِثولآةِّأ وبٍستمولآةِّأ.. ودىِويِأ شًنْةِأ مبولأرَخةِأ ومسولأقَلةِأ بشٍينِأ وشلِمِأ دشِرًى بمَليولآةًى عٍل اٍةّرٍن برتخِأ دبًيةّ نٍىذًين وخلِآ ةًثـَيل.. وعٍل بنٍيُّ عًدةٍن قٍدتشةِأ بخل اٍةّرِا دبَعمِرِا يْنِأ هِوًى.. وعٍل كلِآ بٍرنِشولآةِّأ دلِأ فولآرشولآنيِأ. مولأحَبٍن بمِرٍن: اَن مشٍالَح "مبٍقرَح": لمِأ مَلةًى داٍلِىِأ حٍيِأ وبرولأنًى تحتدِيِأ وبولآخرِا دخلىًين بَذيِةِّأ اْةًالًى لعِلمٍن وفتشلًى يْلتدِا بفٍغرِا؟.. بحِزَح فولآنِيِأ هِو اًوٍنهِلتولأن قٍدتشِأ: "سِبِب داْةًالًى برولأنًى داْنِشِأ دطِعًأ ومٍحًأ آو مَندت دتىْوِأ ةلتقِأ.. لولآقِأ 19: 10". واِف قِرَح: "ىٍدخِأ مولأحَبلًأ اٍلِىِأ لعِلمِأ.. دِاخت دٍلبرولأنًى يٍكِنِأ يِىْثـَل.. دخل مِن دىٍيمَن بتـًى لِأ ةِلَق.. يولأحنِن 3 : 16". مِدًين: اتلِآ مٍحٍبةِأ داٍلِىِأ دمولأعثـَدلِأ ليِىْثـٍلةِأ ودثـٍحةِأ.. وبحٍرةِّأ فولآرقِنِأ. اتنِأ.. واٍيخ دىِن مِولِدِا اْنِشِيِأ اتىْوِأ طولآئسِأ هٍليِأ لمٍحٍبةِأ داٍلِىِأ لهَنسٍن حٍطِيِأ.. اتىْوِأ اِف طولآئسِأ لكًانولآةًى. وداِخت دحثـَشلىْولأن حٍيُأ دمِرٍن عٍل اٍرعِأ عٍسُّقوِةِّأ وكِمٍرةِأ وحٍشِأ ىٍل دةولآمَملًى فولآرقِنِأ عٍل قٍيسِأ دٍزقتفِأ كد طعتنِأ حطتِـُّةٍن.. ىِدخِأ اِف حٍيٍن اٍحنٍن مىٍيمنُأ كيِنِيةِّأ يْلِآ دحٍثشت عٍسُّقوِةِّأ واولآلؤِنُأ وحٍشِأ ىٍل دقِنٍح ىِن فولآرقِنِأ بٍمسٍيبٍرةِأ ىٍل حٍرةِّأ واٍمتنولآةّ عٍملِأ ومحِفٍطةِأ "مٍةٍي 24 : 13". وىٍدخِأ اٍلِىِأ بِبِأ مولأحزًالىً مٍحٍبةًى لعِلمِأ اتنِأ اِف كًانولآةًى. ووِلًأ عٍلٍن اٍحنٍن مىٍيمنُأ دمقٍبلَح لِأ اٍحصت مٍحٍبةًى اَلِأ اِف كًانولآةًى. ىِنِودًين: قِأ دقِنٍح فولآرقِنِأ وِلًأ دةٍمَمَح لفولآقدِنُأ بمٍحٍبةِأ دحٍدْ لىِو اْحرًنِأ وةيِثولآةِّأ وؤِومِأ وؤلولأةِّأ واَروِنِأ وشٍركِأ ددولآبِذًا طِثـُأ.. واِف مسٍيبرَح عٍل عتقولآيِـُّةِّأ واولآلؤِنُأ دقٍوَمت هِو حٍيٍن كٍد ردِيِأ يْوَح باولآرحًى دمِرٍن.. واٍيخ داْمَرًى شلتحِأ باَهٍرةًى: "سِبِب لدِىِأ فتشلِوخولأن قَذيًأ.. داِف مشتحِأ مقولأبَلًى حٍشِأ مبٍدِلٍن.. وشثـَقلًى اَلٍن اِىِأ طولآئسِأ: داٍحةولأن بشِوفِفًى حٍدرتةولأن.. 1 فٍطرولأس 2: 21. وىِأ.. لِأ يْلِآ طشتةِّأ دحٍدْ سٍىمِأ / عٍمٍن مشتحِيِأ: ىِو دبَحِيِأ يْلًى باٍةّرٍن برتخِأ دعترِق مقٍبولألًأ يْلًى عٍسقُّوِةِّأ وحٍشِأ / عَدِنِأ لعَدِنِأ بشَنُأ دٍعثـٍر بعَلةِّأ دحٍدْكمِأ اٍيكٍنُّوِةِّأ وهَدشُأ لِأ كيِنِيُأ دقٍوولأمًأ يْنِأ باولآرحِأ دةنِيةِّأ دبنِيةِّأ دىِن اٍةّرِا مَندرًش. وبٍحدِا شَشلةِأ / اولآلؤِنُأ وعٍملًى دقٍشيولآةِّأ داتىْوِةّ حٍلٍقةِّأ اْحِرِيةِّأ مَنٍيُّ مِأ دقولآوَملًى عٍل بنٍيُّ عٍمٍن بٍمدتنْةِأ دمِوؤَل / عٍملًى دقَطلِأ ومٍرحٍقةِأ / مٍشكنِأ بعَدِنِأ اْحِرِيِأ.. كٍد رَملىْولأن كلٍيُّ قِلُأ ومَنٍيُّ قِلِأ دعًدةِأ وشٍركِأ دشولآةاِسُأ عٍمِيُأ وذولآشمِيًأ بمٍكلٍيةِّأ دىِن طلولآميِأ.. ومٍدعٍرةِأ داتقِرِا وحٍيُأ شٍينِيُأ لبنٍيُّ عٍمٍن حٍبتثـُأ بىِدًا مدتنْةِأ وكلًى اٍةّرِا.. ونطٍرةِأ وشٍرٍرةِأ دزَدقٍيُّ بمِأ دشِوًا عٍم شرِرِا داتلىْولأن هِونِأ وكولآيِنِأ شَرشِيِأ / كولآيِنُأ دعٍمِأ عترِقِيِأ حٍبتثِأ. وعٍل داِىِأ.. ذٍحمٍين ميٍذًا: لِأ مٍنشَح بىِن يِومِأ برتخِأ ددٍخرٍحلىْولأن كلٍيُّ اٍنُأ عتقُأ ومولآليَؤُأ ومكولأمذًا.. بٍسنٍدةِأ ومعِدٍرةِأ عٍم ؤلِــُّوِةٍن وبِعولآُّيِةٍن قِأ مِريِأ اٍلِىِأ دمرِحَم عٍلٍيىُّي.. وعٍل كلًى عٍمٍن عترِقِيِأ ومٍشرًا شٍينًى وشلِمًى قٍدتشِأ بلَبِـُّوِةِّأ دكل.. ونِطَر ومبٍرَخ اٍةّرٍن حٍبتثِأ بطِثِةُى وبولآذكِةًى. وبحولآةِمِأ: مَندرًش اٍمرَح: ىِن عًادِا قٍدتشِأ دمِولِدًى دمِرٍن ىِوًأ برتخِأ لكلِوخولأن.. وكل شًنْةِأ بحٍدولآةِّأ وبٍستمولآةِّأ.. وسٍثرٍن دمزٍيحتةولأن كل عًادُا اٍةّيِنُأ بىٍنتاولآةِّأ وحولآلمِنِأ طِثِأ نطتذًا ببولآذكِةِّأ دمِريِأ وطٍيبولآةًى قٍدتشةِأ. وىِأ مٍقوَحح عٍم مٍلٍاخـُأ بقِلِأ مىٍيمنِأ ولَبِأ دٍخيِأ: "ةَشبولأحةِأ لاٍلِىِأ بٍمذِومًأ وعٍل اٍرعِأ شلِمِأ وسٍثرِا طِثِأ لٍثنٍينِشِأ". وطٍيبولآةًى دمِرٍن تشولأع مشتحِأ وحولآبًى داٍلِىِأ بِبِأ وشِوةِفولآةِّأ درولآحِأ دقولآدشِأ ىِويِأ عٍم كلٍن اٍمتنِاتةّ وٍلعِلٍم عِلمتن.. اِمًين.
سرتط بقَلِيةٍن فِطٍريِركِيةِّأ
كِنولأن أ 2008
ص اٍدٍي ةرٍيِنِأ دٍثطٍيبولآ: قِةّولألتقِأ فِطٍريِركِأ دعًدةِأ عٍةتقةِأ دمٍدنحِأ بةًثيل ....................................
الشاعر والرسام .. ولوحة العراق الجديد
كان شاعر ورسام يفحصان لوحة شفاء الأعميين في أريحا للرسام المشهور (نيكولا بوسان)، فقال الرسام: ـ ما الذي يسترعي انتباهك أكثر من الكل في هذا الرسم؟. ـ أجاب الشاعر: "إن كل ما في الرسم يوحي بالكثير من الروعة، فملامح وجه السيد المسيح، وتجمهر التلاميذ حوله، والعلامات الظاهرة عليهم، كلها أدلة على روعة الفن في هذا الرسم". ـ أما الرسام، فرأى أمورا أخرى أكثر روعة مما تقدم. فأشار بإصبعه إلى سُلّم منزل في مؤخرة الصورة، حيث كانت عصا مطروحة، وقال: ـ أترى تلك العصا المرماة هناك؟. ـ نعم.. قال الشاعر، ولكن ما عسى ذلك يعني؟. فأجاب الرسام: "لقد كان الأعمى يجلس عند ذلك السُـلم المؤدي إلى المنزل، وعندما سمع بمجيء يسوع آمن بأنه سينال نعمة الشفاء، ولذلك طرح عصاه وعباءته، وهرع يطلب يسوع، وكأنه كان متأكدا من عدم احتياجه إلى عصاه فيما بعد، أليس هذا دليلا على قوة إيمانه؟.
نعم، لقد كان على صواب، إذ كثيرا ما نتعلق بعصي وعكازات.. عوضا عن السعي إلى تحقيق الهدف من خلال اللجوء مباشرة وبثقة كاملة إلى ما هو حق، وهو موجود عندنا وبين أيدينا!!.
تحية إلى من يهمه الأمر من أبناء شعبنا الموقرين العاملين في الشأنين القومي والسياسي، وكتابنا ومثقفينا الأكارم، من الذين يؤمنون بالقضية.. ويثقون بعدالتها، فينظروا إلى لوحة العراق الجديد.. لا نظرة الشاعر إلى لوحة الشفاء، إنما نظرة الرسام الذي اختصر المعنى برؤية عميقة إلى جوهر اللوحة!!.
......................................................
صدور عدد جديد من مجلة الأفق (أوبقا)
صدر العدد الجديد (العدد 30) من مجلة الأفق (أوبقا). وحملت افتتاحية العدد عنوان (كونوا واحدا.. بين الطوباوية والمثالية) أصدى فيها رئيس التحرير لحقيقة عدم تمكن قيادات شعبنا المسيحي في العراق بوجهيها: المدني (القومي والسياسي) والديني (الكنسي) من توحيد الصفوف وتقديم المشترك على الخلافات الجانبية رغم أحكام الضرورة والمعاناة المستمرة لأبناء هذا الشعب بعدما لم يعد الأمر يقتصر على الحقوق والواجبات وحسب.. إنما تعداه ليطال المصير والوجود. وفي باب (زيارات رعوية) تضمن العدد الجديد تغطية لزيارة قداسة البطريرك مار أدى الثاني الرعوية لأبرشيات ورعيات الكنيسة في الأردن وكندا وبريطانيا، وزيارة غبطة المطران يعقوب دانيل لرعيتَي نيوزلندا، وملبورن في استراليا. ثم الجزء الثالث والعشرين لمختصر تاريخ الكرسي البطريركي للكنيسة المشرقية الرسولية بقلم الأب الراحل الخوري بنيامين صليوا، بالسريانية. وفي باب (مسيحانياتنا) الجزء الأول من دراسة بعنوان (المعمودية بمنظار كنيسة المشرق) لغبطة المطران يعقوب دانيل راعي أبرشية استراليا ونيوزلندا للكنيسة، ومقال (الشباب رسل المسيح) للأب يوحنا عيسى، ومقال (نحن الخبز الحي والخميرة في عالمنا) للأب أسعد حنونا. وتضمن باب (دراسات) الجزء الثاني من سلسلة دراسات في العهد الجديد للأب سركون إيشو، فيما تضمن باب (في رحاب الطقوس) موضوعا عن (تراتيل كنيسة المشرق) للأديب نزار حنا الديراني، بالسريانية. وفي باب (الأسرة والمجتمع) تضمن العدد الجديد الجزء الثالث من (المفهوم المسيحي للحب والخطبة والزواج) بقلم الأب كيوركيس بنيامين. وتضمن باب ضيف العدد لقاءً مع السيد عبد الله هرمز النوفلي رئيس ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى في العراق.. تحدث فيه عن تأسيس الديوان ومراحل تطوره وعمله وواقع شعبنا المسيحي في العراق اليوم. فيما تضمن باب (وجوه ثقافية) عرضا للسيرة الإبداعية لكل من الأب الخور أسقف بيوس قاشا راعي كنيسة مار يوسف للسريان الكاثوليك في بغداد، والأديب والقاص هيثم بهنام بردى. بالإضافة إلى الأبواب الثابتة للمجلة (فيض القلوب)، (نوافذ معلوماتية) وتضمن أسئلة في المعلومات العامة وموضوع علمي بعنوان (دراسة ضخمة حول أسرار الوفاة: ماذا يحدث عندما نموت)، و(واحة القراء)، (مرافيء اليوم)، (التسلية)، (الأنباء) وصولا إلى نهاية المطاف ومقال بعنوان (تسجيل أسماء) للأديب موشي داود أوراهم جاء في مستهله: ( كم كما هائلا من الأسماء الموجودة والمسجلة وفي باطنها فارغة خالية وخاوية؟. وكم كما هائلا من الأسماء الرنانة والطنانة تكتب يوميا وتزول بسرعة كتابتها؟. الهدف ليس تسجيل الأسماء أو الدخول في مؤسسة أو الخروج منها، لأن الإنسان زائل.. اليوم هنا وغدا هناك، اليوم موجود وغدا راحل. وُلدنا لنرحل وجئنا للوجود ليس للبقاء وإنما لنترك أثرا طيبا في الآخرين، جئنا لتنبت المحبة والإيمان فينا أجنحة الرجاء لتخلصنا من جاذبية عالمنا الفاني..).
الأفق: مجلة فصلية إيمانية ثقافية اجتماعية، تصدرها بطريركية الكنيسة الشرقية القديمة. صاحب الامتياز قداسة البطريرك مار أدى الثاني
..............................
في الذكرى السنوية الأولى لرحيل الشاعر الكبير سركون
بولس
رحل في الثاني والعشرين من تشرين الأول من العام الماضي الشاعر العراقي المعروف سركون بولس الذي توفي في العاصمة الألمانية برلين بعد صراع مرّ مع المرض. وإكراما لذكرى هذا الأديب الكبير (الشاعر والمترجم... والرسام)، والأثر الطيب الذي تركه في الساحة الأدبية العراقية والعربية والعالمية.. كان لا بد من وقفة متواضعة في الذكرى السنوية الأولى لرحيله:
* ولد سركون بولس عام 1944 بالقرب من بحيرة الحبانية في العراق، أقام منذ عام 1969 في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة وأمضى السنوات الأخيرة متنقلاً بين أوروبا وأميركا، وخصوصاً في المانيا حيث حصل على عدة منح للتفرغ الأدبي، وصدرت له ثلاثة كتب بالألمانية، "غرفة مهجورة، قصص، 1996"، "شهود على الضفاف قصائد مختارة، 1997" و"أساطير وتراب، سيرة". كما أصدر ترجمته لكتاب ايتيل عدنان "هناك في ضياء وظلمة النفس والآخر"، و"النبي" لجبران، و"رقائم لروح الكون.. ترجمات مختارة".
وقبل أن يهاجر انتمى سركون بولس في الستينات إلى جماعة كركوك الأدبية، حيث برزت وقتها أسماء عدة من العراقيين الناطقين بالسريانية "بحسب التوصيف حينئذ"!، مثل الشاعر وراعي الأدباء "الأب يوسف سعيد" والشاعر العبثي الراحل "جان دمو" إلى جانب سركون بولس.. الشاعر العراقي الأصيل والمتميز، والمنحدر من مدينة كركوك، والذي حاول مع أقرانه حين وصلوا إلى بغداد في الستينات تغيير خريطة الشعر العراقي.
ومن بغداد حمل سركون بولس مشروعه الشعري، حيث توقف في بيروت وتعرف على تجربة مجلة "شعر" اللبنانية وساهم في تحريرها وترجم العديد من النصوص الشعرية من اللغة الإنكليزية، خصوصاً لشعراء القارة الأميركية. ثم منذ فترة تزيد على عشرين عاما هاجر سركون بولص ليقيم في مدينة سان فرانسيسكو، وخلال الأعوام التي قضاها هناك، بقي سركون مخلصا للشعر ولترجمة الشعر، وأثناء تلك الإقامة الطويلة التي قرر أن ينهيها بالذهاب إلى أوروبا، خصوصا إلى لندن وباريس وبرلين حيث حصل على عدة منح للتفرغ الأدبي، لم يتخلص من لهجته البغدادية وبقي نفس القروي ذلك القادم من كركوك.
في مدينة سان فرانسيسكو تعرف سركون على أشهر الأدباء الأميركيين الذين يمثلون جيل البيتنكس أمثال ألن غينسبرغ، كرواك، غريغوري كورسو، بوب كوفمن، لورنس فيرلينغيتي، غاري سنايدر وغيرهم. ويعد الشاعر سركون بولص من المترجمين العراقيين المتمكنين من فن الترجمة، إذ رفد المكتبة العربية بالعديد من ترجماته الأمينة لإزرا باوند، أودن، ميرون، شيللي، شكسبير، وليام كارلوس وليامز، سيلفيا بلاث، غينسبرغ، روبرت دنكان، جون آشبيري، آنا سكستون، روبرت بلاي، جون لوكان، فضلاً عن نيرودا، ريلكه، فاسكو بوبا وآخرين.
أصدر سركون بولس عدداً من الدواوين الشعرية وهي "حامل الفانوس في ليل الذئاب"، "إذا كنت نائماً في مركب نوح"، "الأول والتالي"، "الوصول إلى مدينة أين"، "الحياة قرب الأكروبول". كما صدرت له مختارات شعرية مترجمة بعنوان "رقائم لروح الكون"، ومجموعة قصصية تحت عنوان "غرفة مهجورة" باللغتين العربية والألمانية، فضلاً عن سيرة ذاتية بعنوان "شهود على الضفاف". وبالإضافة إلى الشعر، كان سركون بولس رساما ماهرا، وقد شارك بعدة معارض في سان فرنسيسكو، حيث رسم العديد من اللوحات الزيتية، وهي لوحات جميلة تشبه شعره كثيرا، وتوحدها تلك النغمة الغامضة التي تحمل في أعماقها أسرارا لا زالت تبحث عمن يفك شفرتها.
بعض ما قالوا في الراحل
في رحيل أسد آشور جمانة حداد/ شاعرة من لبنان مات سركون بولس. مات ذاك الذي "باع حياته ليشتري عينين وفيتين". مات شاعر شعر الليل، شعر الارتجاف، شعر المصير المعلّق تحت مقصلة سيف دائمة، شعر العزلة والهشاشة والعجز بمعناه النبيل، شعر ضرب الرأس بالجدار، شعر اللاضجيج والانتي آيديولوجيا، شعر الانتماء إلى الإنسان والتحرّر من أثقال الذات نفسها، شعر الوقوف على الحافة، شعر الحساسية العالية والنبرة الخافتة، شعر الشغف بالشعر. مات سركون بولس رغم أنف الشعر الذي لم يستطع أن يخلّصه. مات رغم أنف محبتنا له، نحن عارفيه عن كثب، ومحبّيه عن بعد. مات رفيق جان دمو وجليل القيسي وأنور الغساني ويوسف الحيدري وفاضل العزاوي ومؤيد الراوي. مات شاعر الشعر بصفته شعراً معاشاً قبل أن يكون قصيدة مكتوبة. مات شاعر الشعر بصفته انتحاراً يوميا على الورق.
الحجم الكمي والتأثير النوعي صـبحي حديدي/ ناقد من سوريا رحل سركون بولس شاعرا كبيرا صاحب تجربة كبرى، بالغة الحضور، واسعة التأثير. إنّ الحجم الكمّي لنتاجه الشعري لم يتناسب البتة مع حجم التأثير النوعي الهائل الذي مارسه منذ مطلع سبعينات القرن الماضي وحتى اليوم في الواقع، على جيلين متعاقبين من الشعراء العرب، وشعراء قصيدة النثر على نحو أخصّ. وغنيّ عن القول إن تجربة الراحل الكبير اشتملت علي العديد من الاختراقات التعبيرية والفنّية والجمإلية، فضلاً عن تلك التي تخصّ موضوعات قصائده.
زاهد بالأوصاف والألقاب صالح دياب/ شاعر من سوريا يعلمني سركون بولس الكثير الكثير عن مفهوم الشاعر.. وألفته وعاديته.. وزهده بالأوصاف والألقاب. أحب شعره وأتبعه وأنتمي إليه بقوة الآن، ذلك الشعر الذي بمقدار ما يحفر في العالم يحفر في الأغوار السحيقة. وأصطدم وأندهش بالعالم الخارجي الذي يملأ قصيدته، وتلك اللاواقعية التي تنبثق من الجوهر الروحاني للشعر، والتي تلمع وتشع في كامل قصائد الشاعر. أتعلم من قصيدة سركون بولس التي تنفتح على عوالم متعددة وأزمنة مبعثرة. أتعلم من كون كل قصيدة تستعيد الظلال البعيدة من الذاكرة وتسجل اللحظات الحياتية للشاعر.
أطراف وأصابع وحواس ناظم السيد/ شاعر من لبنان حين مرَّ سركون في بيروت وكتب في مجلة "شعر" في أواخر الستينات، كنت لم أولد بعد. لهذا كنت أسمع عنه من أصدقائي الشعراء الذين يكبرونني، فقط ليرووا لي أحاديث هذه المدينة السابقة. ولأننا لا نكتشف الشعراء من تلقاء أنفسنا بل نسمع بهم أولاً "لاحقا قد نعيد اكتشافهم بطريقة مناقضة"، سمعت عن سركون هذا المشّاء الكبير. وتعلمت منه كيف يكون الشعر مطابقا للحياة، كيف يكون للكلمات أطراف وأصابع وحواس.
عاش كثيرا في وقت قليل عناية جابر/ شاعرة من لبنان لن نأسي سركون في موته فلا يحق للسرطان أن يؤلمه بعد. رحل الرجل وكان قد عاش على قياس رغبته في العيش. عاش كثيرا جدا في وقت قليل، وكتب الذي كتبه، وقد خلفه لنا أخيرا لنهتدي إلى الشعر في الحياة، وليس في الكلمات. عشقته نساء كثيرات، وكان يأنف الكثرة في عشقهن، يلوّن الوقت بالأكل والخمر والترحال. كان لي شرف منادمة شاعر ذات يوم. وأحسبه لم يرثِ نفسه في وحدته حيال الموت، فقد خبر ما هو أقسى، وما هو أمرّ، سوى أنه رحل أخيراً بذخيرة من الأماكن، والكلمات، والتفاصيل، والعلاقات الخفيفة التي لا تثقل على القلب، ولا تجعله يدمع حين يُؤذن الرحيل.
كم كنا نحبك إسكندر حبش/ شاعر من لبنان كان من قلة قليلة أشعر بانتمائي إليه، إلى عالمه الشعري الذي سحرني ولا يزال. أشعر فعلاً أني فقدت أحد آبائي الذين أدخلوني إلى القصيدة الجديدة وإلى الكتابة الشعرية في ما بعد. صحيح أنني لا أنتمي إلى قصيدته كتابة، أي بمعنى استعادتها والنسج عليها، لكن هذه المخيلة النابضة التي كان يتحلى بها، كما لغته الجديدة البعيدة عن تهويمات شعر تلك الفترة، فتحتا لي آفاقا عديدة في الكتابة الشعرية. لا أريد أن أرثي شاعري. صحيح أن فقدان شاعر بحجم سركون بولس، لا بد أن يترك فجوة ما، في الشعر، في الحياة، في اللغة عينها. إلا أنه يكفي أن نعود لنقرأ شعره، لنحس كم أن هذه الحياة تفقد الكثير من معناها. هذا ما سأفعله: سأقرأ شعره اليوم، وأمامي هذه القارورة. فقط لنقول كم كنا نحبك. لنقول كم أنت سمجة أيتها الحياة.
الفتى الآشوري هاشم شفيق/ شاعر من العراق لماذا أيها الرب؟.. في هذه الأيام المعتمة التي تحيط بي، أتلقى هذا الخبر المعتم.. الرهيب، ألا تكفي هذه الفجائع مترامية الأطراف التي تختم الأصقاع والنوائي وتسم ما حولنا بالرماد السابغ، ألا يكفي حطام الحواضر ومتوالية التأبين وأنين الأضاحي في بلد آشور بانيبال، حتى تلتفت إلى هذا الفتى الآشوري الحالم بعوالم السلام والشعر واللحظات الرومانسية لكي يطوى هكذا وعلى عجالة قصوى هذا الشاعر الفريد ذو الإسم الباهر الذي يذكر بحفيف الألماس، يطوي صحبة أعوام قليلة وحياة ملأى بالكلمات، حياة متخمة بالمعاني ومفتونة بالرؤى والمجاهل والأسرار والغوامض، حياة معبّأة في حيوات، طافحة بالحلم وبوعد مختلف. قرأت سركون بولس في مطالع حياتي الأدبية، فألفيته مختلفا، يحمل نكهة شعرية خاصة به، وهذه النكهة الفريدة والغريبة هي من حصة النوابغ والحالمين والمغيّرين المنقبين في الإكسير عن الجمال الأبدي، من هنا جاء شعره لا يشبه أحدا، طعمه يعلق في الذاكرة كحلم مصنوع من نور. عمارة ذات أعالٍ وسفوح عباس بيضون/ شاعر من لبنان أحسب أن سركون بولس بين شعراء القصيدة الراهنة هو أقرب الشعراء إلي. والحق أنني ما أن قرأت قصائده في مواقف حتى ذهلت. كانت هذه واحدة من اللحظات التي نشعر فيها بشرارة الشعر تخترقنا. إنها اكتشاف أكيد. لم يتوقف سركون عن إدهاشنا. كانت عمارته الشعرية ذات أعالٍ وسفوح. وفي أعاليه قول للأعالي وفي سفوحه قول للسفوح. لا بدَّ أننا كنا أمام أحد أنضج رجالنا وأكثرهم تجربة وأقربهم إلى مثال الشاعر. لكن سركون بولص الذي ضربه الشعر في حياته بقدر ما ضربه في أدبه، قاده الشعر على دروب الحياة إلى أبعاد لم نلحقه إليها. هكذا وجدناه أحياناً كثيرة يهجر سوق الشعر وسوق النشر وسوق النقد. والآن حين يرحل باكراً جدا لا بمقياس السنين ولكن بقياس المقدرة نعلم أن علينا أن نبحث أكثر فأكثر لنلتقي هذا الرجل.
الأب الحقيقي شـوقي بزيـع/ شاعر من لبنان أكثر ما يؤلمني وأنا أتحدث عن سركون بولس الآن أنني أفعل ذلك بعد رحيله، ذلك أن شاعراً مثله كان يستحق منا جميعا أن نكون أكثر وفاء لتجربته في الشعر والحياة. لقد آثر دوما أن يقيم في الظل، أن يتوارى وأن لا يدخل في معارك الشعراء الدونكيشوتية، معتبرا أن الحياة لا تتسع للقصيدة والضغينة في آن معاً. لقد عمل كل جهده على تطوير قصيدة الحداثة وصنع قصيدته غرزة غرزة من دون أن يأبه للوجاهات وللبهرجة الإعلامية. وربما اختار منفاه إيثارا منه للمزيد في التواري، وهو يرى بأم العين ليس خراب البصرة وحده بل خراب العالم العربي برمته وخراب العلاقات الإنسانية. وكان، وهو الأب الحقيقي للكثير من التجارب التي جاءت بعده، يخجل من كونه أبا لأحد، ويحدب حتى على الشعراء القادمين من مسارب مختلفة عنه حدب الأمهات
...........................
كونوا واحدا .. بين الطوباوية والواقعية قد يرى البعض في جانب من تعاليم المسيحية ونصوص العهد الجديد شيئا من الطوباوية والمثالية، ومن ذلك على سبيل المثال: "من ضربك على خدك.. أدر له الآخر"، و"أحبوا أعداءكم، أحسنوا إلى مُبغضيكم، وصلوا لأجل المسيئين إليكم..". المشكلة تكمن في طريقة تعاملنا مع هذه النصوص، والكيفية التي ننتقي بها ما ندعي إمكانية الالتزام به ونعتبره قابلا للتطبيق.. وسواه طوباويا أو عسيرا على التطبيق. وغالبا ما يكون هذا الانتقاء مبنيا على الأهواء والظروف وعوامل أخرى تتعلق بالبيئة والثقافة العامة.
ومن بين هذه النصوص والتعاليم التي صرنا أحوج ما نكون اليوم للتعامل معها بشكل واقعي وشعور عال بالمسؤولية.. دعاء يسوع في صلاته إلى الله الآب: "حتى يكونوا واحدا مثلما أنت وأنا واحد.. يو 17: 11"، فهل هذا النص تعليم طوباوي مثالي أم أنه طلب غاية في الصعوبة.. أم هو دعاء يمكن تحقيقه بشيء من نكران الذات والابتعاد عن الـ "أنا" والكبرياء والشخصنة!.
إن الخلاف واختلاف وجهات النظر أمر طبيعي جدا في العديد من المجالات، لا بل أنه صفة من صفات البشر بعدما أنعم الله عليهم بالعقل المفكر والإرادة الحرة. وقد يكون هذا الخلاف أو الاختلاف ظاهرة صحية وإيجابية في بعض محطات الحياة ومفاصلها.. وبما يحقق واقعا أفضل وتطورا نوعيا في شأن من الشؤون. ومع ملاحظة الفارق بين الخلاف والاختلاف، فإن الضرورة ومقتضيات الصالح العام تحكم أحيانا بأولوية تركهما جانبا وتوحيد الموقف أو الخطاب من أجل هدف أسمى ربما يتعلق أحيانا بمصير شعب كامل أو أمة بأسرها.
وبالعودة إلى هذا النص، ولو أننا نظرنا إلى واقع شعبنا في العراق اليوم بشقيه الإيماني "الديني" والقومي، لوجدناه، في موضوعة الوحدة، أحوج ما يكون للجنوح إلى التعامل مع هذا التعليم بواقعية.. والسعي لتجسيده بدلا من النظر إليه وكأنه تعليم طوباوي مثالي. ولن نأت بجديد إذا تحدثنا عن أهمية الوحدة وتوحيد الجهد والخطاب والموقف.. لكن تطورات الأوضاع هو ما يأتي إلينا بجديد بين الفينة والأخرى. إذ ليس خافيا ما تعرض له شعبنا، إلى جانب المكونات الأخرى، من تداعيات ما بعد التغيير وما أفضت إليه من تضحيات بشرية ومادية كبيرة، رافقها ونتج عنها نزيف مستمر متمثل بالهجرة.. ثم وصل الأمر مرحلة التمثيل والوجود على أرض الواقع، والذي تعرض بدوره مؤخرا.. لملابسات خطيرة كان لا بد من تدراكها بشتى السبل القانونية والحضارية التي تم اعتمادها فعلا من قبل المؤسسات والفعاليات المختلفة، الكنسية منها والمدنية "القومية السياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها".. إلا سبيل وحدة الصف وتوحيد الخطاب الذي يبدو أنه صار عندنا غالبيتنا اليوم، رغم أحكام الضرورة، أقرب إلى الطوباوية منه إلى الواقعية.
إن ما شهده البلد مؤخرا، لم يكن، بالنسبة لشعبنا، أمرا يتعلق بالسياسة وموضوعة الانتخابات والتمثيل وتعرض الحياة للخطر وحسب، إنما أمر يتعلق بالوجود أولا ومن ثم الشراكة في الوطن الأم.. والمشاركة في الحقوق والمكتسبات بعد أن تم تأدية الواجبات على أكمل وجه.
ورغم أن مواقف القيادات المدنية والرئاسات الكنسية جاءت متقاربة إلى حد لا بأس به قياسا بالواقع المعروف، فإن توحيد الخطاب هذا جاء كتحصيل حاصل أملته ظروف معينة، أكثر من كونه بادرة مقصودة تم السعي إلى تحقيقها كخطوة أولى، وإن جاءت متأخرة إلى حد ما، ومن ثم العمل على تطويرها وإنضاجها بهدف تحقيق واقع أفضل يغلب فيه الصالح العام والنظرة بعيدة المدى على المصالح الشخصية والنظرة الآنية قصيرة المدى.
فعلى الرغم من أن فعاليات شعبنا المدنية "السياسية والثقافية" الفاعلة تتبنى في غالبيتها الأهداف والشعارات ذاتها، لكن كل منها ينهج سبيلا قد لا يلتقي مع سبيل الآخر في تحقيقها. وواقع حال هذه الفعاليات يمكن أن ينطبق أيضا على مؤسساتنا الكنسية وإن اختلفت المعطيات. فثمة مناسبات ومواقف شهدتها الساحة الكنسية مؤخرا وتابعناها عن كثب، كشفت عن أن النزعة اليوم إنما هي أقرب إلى التباعد والتقوقع على الذات والتمسك بالـ "كرسي".. منها إلى التقارب والانفتاح على الآخر أولا، ومن ثمة بلورة خطوات الوحدة وإن جاءت في حدها الأدنى ومداها الأضيق.. من خلال التركيز على ما هو مشترك وتفعيله والعمل به. وترك ما هو موضع خلاف جانبا.
الأمر قد يكون صعبا وهذا أمر طبيعي، لكنه ليس طوباويا لا سيما إذا تعلق الأمر بمصير شعب وأمة. إنها أمنية متجددة بالوحدة، رغم الفارق الكبير بين التمني.. والتوقع!.
|