الثُّرَيّا إصدار جديد للأديب خالص ايشوع بربر
بعد إصداره البكر الموسوم (حبة الخردل) الصادر بطبعتين: الأولى عام 2005، والثانية عن دار تموز بدمشق عام 2010، أصدر الأديب خالص ايشوع بربر كتابه الثاني الموسوم (الثريا) من إعداده وتقديمه، يتضمن دراسات نقدية عن تجربة القاص هيثم بهنام بردى في كتابة القصة القصيرة جداً، مع مقدمة مهمة ومعمقة أضاء في القسم الأول منها ركيزة أساسية في كينونة هذا الجنس الأدبي الجديد متمثلة بالسيميولوجيا. وفي القسم الثاني منها تناول تجربة بردى في كتابة هذا الجنس من الأدب القصصي من خلال إصدارات الخمسة: حب مع وقف التنفيذ " 1989، الليلة الثانية بعد الألف – 1996، عزلة أنكيدو – 2000، التماهي - 2008، القصة القصيرة جداً/ المجموعات القصصية – 2010. إحتوى الكتاب الصادر عن مطبعة شفيق ببغداد ب (160) صفحة من القطغ المتوسط وبغلاف معبر صممه نادر عولو، على مقدمة للمعد ودراسات نقدية للعديد من النقاد وهم على التوالي وبحسب الحروف الأبجدية: إسماعيل إبراهيم عبد، إيمان عبدالحسين، حمدي الحديثي، سعدون البيضاني، شاكر الأنباري، علوان السلمان، د. قيس كاظم الجنابي، محمد عطية محمود (قاص وناقد مصري)، محمد يونس، مثنى كاظم صادق، د. نادية هناوي سعدون. ولأهمية ما جاء في القسم الأول من المقدمة يسرنا أن ندرجها فيما يلي: المقدمة خالص ايشوع بربر القصة القصيرة جداً، فن أدبي يعده البعض من نقاده ومنظّريه وكتابه المعروفين من أصعب صنوف الفن الأدبي (الأدب القصصي) أمثال وولتر كامبيل الذي يقول أن (كتابة الأقصوصة تحتاج إلى مهارة أكبر وسرعة أكثر وتكثيف أشد وبراعة أعظم مما تتطلبه القصة القصيرة الاعتيادية) (1)، أما ترنتويل ميسون رايت فيقول (لعل الأقصوصة من أشد أنواع الأدب القصصي صعوبة في إتقانه، إنها تتطلب صيغة من نوع راق إضافة إلى قابلية في الابتكار... لاتجربها حتى تتقن تكنيك القصة القصيرة) (2)، أما وليم.ي.هاريس فيؤكد (أن كثيرا من الكتاب المتمكنين الكفوئين من حيث الصفة الفنية، رغم إدراكهم أن الأقصوصة أصبحت الآن تلقى رواجا باعتبارها شكلا فنيا مقبولا، ومردودا حاليا أكثر من ذي قبل. فأنهم ينأون عنها لصعوبة تكنيكها وللقيود الخاصة بها) (3). على أن هذا النوع من الأدب القصصي والذي ابتدأ بصدور أول مجموعة بعنوان (إنفعالات) عام 1938 للكاتبة ناتالي ساروت التي ولدت في مدينة ايفانوفا بروسيا عام 1900م وعاشت في فرنسا لحين وفاتها قبل سنوات قليلة، ومن أقولها المأثورة (ان ما يميّز – الأقصوصة– ليس طموح التقليديين ومقدرتهم على الخيال، ولكنه الرفض الذي نواجه به الواقع في عصرنا الحاضر، عصر الشك... وهكذا لم تعد الرواية وصفا للكائنات كما عند جويس وبروست وكافكا، وإنما أصبحت تساؤلا عن حقيقة هذه الكلمات) (4). فهي إذن رؤية جديدة وقراءة جديدة بلغة جديدة تتماشى مع تطور العصر، وسعة مجال الاستقبال لدى المتلقي باستثارتها المدركات الحسية والبصرية والسمعية في ذات الوقت. لغة تحاول أن تضم في كينونتها عناصر الحياة، بأحاسيسها ومشاعرها، حركتها وألوانها، روتينها ومفاجآتها، ودون التركيز على تفاصيلها المملة أو تحميل الأحداث حصرا على حروفها وكلماتها وجملها... فهي إذن لغة (تكشف الأشياء الخفية طالما أن الأشياء الظاهرة ليست في حاجة إلى اكتشاف) (5) ، فتبقى عملية التوصيل فيها غير معتمدة على اللغة المعروفة في الأدب الروائي والتي تسترسل في الوصف والحوار طالما أن أحد أهم عناصر القصة القصيرة جدا هو عدد كلماتها التي يجب أن تنحصر بين(1500–2000 كلمة) كما يؤكد ذلك توماس.ي.بيرنر ونانسي مور، على أن الكل يؤكد على الإيجاز وتحديد الكلمات. وأمام هذا المشهد كان لابد من توظيف –السيميولوجيا– وبشكل مكثف لتغطية معظم الجوانب المحيطة بالحكاية في القصة القصيرة جداً وبهذه الإمكانيات الممنوحة للقاص وكأنها فتحت بابا جديدا ورؤية جديدة للحدث وكّثفت التعبير عنه تماما كما كان ((للتيربوجارج)) من تأثير في تكثيف الهواء المضغوط والمطلوب لإنتاج أكبر قدرة في المحركات الميكانيكية. فكان استخدام السيميولوجيا مطلوبا أدبيا لاختصار الزمن والأفكار والأحداث والكلمات معا في عالم القصة عموما وفي القصة القصيرة جدا تحديدا فللقاص الحق بعدم قول الكثير مما يمكن أن يختمر في ذهن المتلقي من خلال الإشارة حيث ان (الإشارة الفنية تشارك الإشارة اللغوية في فرز المعنى وتوصيله. ويقول ج. موكارفسكي: لكل فن من الفنون إشارة جمالية، ثم أن كل فن له إشارة ثانية هي ايصالية) (6). وحيث أن (السيميولوجيا هو العلم الذي يدرس بنية الإشارات وعلائقها في الكون ويدرس بالتالي توزعها ووظائفها الداخلية والخارجية) (7). ولما كانت (العلاقة بين الإشارة والمجموعة الاجتماعية هي علاقة دلالية، والعلاقة بين الإشارة والإشارات الأخرى هي علاقة تركيبية، أما العلاقة بين الإشارة ومستعمليها فهي علاقة وظيفية) (8).على حد رأي ت. موريس الذي قّدم النموذج السيميولوجي الفلسفي، فكثّف القاص من استخدامه هذا النموذج خدمة للنص وخلق الاتصال المطلوب وباستخدام اللغة أيضاً طالما إنها تنطوي على نسق من الإشارات المعبرة عن أفكار، (وهي تبعا لهذا تقارن بالكتابة للصم والبكم، وبالطقوس الرمزية، وبعبارات الآداب العامة، وبالإشارات العسكرية.... الخ، إنها فقط ذات أهمية أكبر من كل هذه الأنساق) (9). ويسمى العلم الذي يدرس كل هذه الأنساق بالسيميولوجيا وهي تسمية يونانية (Semion) أي (إشارة)، على أن رولان بارت كان قد أكد أن (السيميولوجيا ما تزال بحاجة إلى تصميم . لسمة المصطلح المتسعة، لأن السيميولوجيا علم كل الأنساق الإشارية) (10). فاللغة إذن ليست هي الموصل الوحيد والمطلق، (هناك النظرات، وهناك الإشارات، وهناك الصمت) (11). على أن قصدية الإشارة هو التوصيل والتقنين في ذات الوقت باستغلال تكوينها لأن لكل إشارة جوهر وشكل. علما أن الفنون والآداب ومنها القصة القصيرة جدا (تخلق نوعا من الرسائل بما فيها من مواضيع تذهب بها خلف حدود الإشارة المباشرة التي تكمن تحتها تعتبر حاملة لمعانيها، وبهذا فهي تتعلق بنوع خاص من السيميولوجيا، أسلوبية، فرضية، رمزية... الخ) (12). علما أنه (ليس من وظيفة الإشارات أن تفهمنا الأحاسيس المدركة وذلك بتأطيرها ضمن شبكة من العلاقات الموضوعية ولكن من وظيفتها أن تجعلنا نضعها تحت الاختبار أمام محاكاة للواقع) (13).وهذا ما تؤكده كتابات ساروت بكون القصة القصيرة جدا هي (تخطي المشاعر) إلى (وصف الانفعالات) واستخراج الباطني منها، فعندما تقرأ قصة قصيرة جدا فأنك أمام لوحة مرسومة بإتقان وعليك أن تتفاعل مع عناصرها بعفوية لتستنهض عناصر الإدراك فيك، وقد تتواشج مع الرسام (أقصد الكاتب) برؤية أقل أو أكبر، ويجب ألاّ نهمل النظام الثقافي للمتلقي وأهميته في سبر أغوار الحكاية (فاهتمام المتلقي بالمرجع، أي بموضوع الرسالة: يتعلق بنظام ثقافي مصدره اللذة التي يجدها في تأويله وفي إعادة بنائه) (14). فهي كعملية إعادة بناء الصورة المقطّعة اعتمادا على الخطوط والألوان التي تحويها، فالمهم هنا تفكيك الشفرة والتأويل وصولا إلى اللذة والمتعة التي تصل إليها النتيجة أو النهاية والتي يجب أن تنتهي في أهم جزء منها، وكما يؤكد جميع الكتّاب والمنظرين في أن تكون النهاية مفاجئة حتما. وعلى حد قول بيير جيرو (يفقد أي نشاط من الأنشطة أهميته عندما يكون مبرمجا بشكل دقيق، ويقال الشيء نفسه بالنسبة لكل الفنون التي تقوم على بلاغة جامدة تجعل من التأويل بديهيا جدا، أو تجعل الأطناب في كل رسالة مقنّنة لا يشد انتباه المتلقي واهتمامه) (15). (والمتعة هنا تعني على نحو غير مباشر الحالة الذهنية المتولدة من الرغبة في إطالة أو تكرار التجربة موضوعة البحث، فمصطلح –المتعة– أفضل من –السرور– لأن المتعة هي الأجمل فالإنشداد القلق الذي تثيره تمثيلية عاطفية نادراً ما يسبب السرور ولكنه دون ريب متعة مادام الناس يسعون إليها ويبغون إطالتها وتكراراها، وقد يقال الشيء نفسه عن الموسيقى الحزينة وشعر الرثاء فهما يجعلاننا نذرف الدموع لكن تجربتنا هذه مع ذلك تسبب لنا المتعة) (16) على ان قوة القصة القصيرة جدا هي في بساطتها وإصابتها للهدف، مباشرة. فبالإضافة إلى المكان وأهميته وانعكاساته على البناء النفسي للشخصية وسلوكها وتأثيره الدرامي في سير الحكاية، والزمن وحساسية التعامل معه وعدم إلغاءه رغم عدم ظهوره في اللحظة خلافا للزمن في الرواية الذي كان يشكل العمود الفقري فيها منذ القرن الثاني عشر الميلادي ومنذ انطلاقها بشكلها الأول على أيدي الشاعرين بيرول وتوماس في روايتهما الملحمية (تريستان وايزولد) (17)، وجدلية العلاقة بين الزمان والمكان حاصلة من خلال وجود كل منهما وتأثيرهما على بعضهما البعض، كما جاء في دراسة القاص والناقد جاسم عاصي عن المجموعة القصصية للقاص (عزلة أنكيدو)، واعتباره (للزمن محركاً خفياً) والشخصية تشكّل بؤرة ومحورا لأنها مركز حركة الحدث ونقطة إشعاعه، والتي يكون نتاج حركتها وأفعالها وتعابيرها الملموسة والمرئية شفرات تنبثق من طلاسمها ورموزها، تماما مثلما يحدث عندما تتفاعل مادتان جامدتان لتنتج نورا وشعاعا ينير جانبا أو حيّزا غير مكشوف. وقد يحدث التطهير ضمن ما يتمخض من نتائج التفاعل. إضافة لكل ذلك فهناك الأسلوب والصياغة والتضمين وموسيقى اللغة والتشويق... كل هذه تشّكل مرتكزات أساسية لبناء القصة القصيرة جدا. فالقاص كما يؤكد توماس. ي. بيرنز (ليس الخبير الذي يعرض مجوهراته، إنما هو رجل الصنعة الذي يصقل حجرا صغيرا ليكون صلدا متألقاً كريما) (18). *** الهوامش: 1. كاظم سعدالدين (ترجمة) فن كتابة الأقصوصة، الموسوعة الصغيرة، طبعة 1978. 2. المصدر السابق، ص13س32. 3. المصدر السابق، ص69 س4. 4. فتحي العشري، مقدمة كتاب (انفعالات)- ناتالي ساروت- ترجمة: فتحي العشري ص32، س23، طبعة 1971، الطبعة الأولى. 5. ماركريت دورا، ص24 (انفعالات) ناتالي ساروت. 6. ج. موكارفسكي، كتاب علم الإشارة (السيميولوجيا)، تأليف بيير جيرو ص17. 7. د. مازن الوعر، المقدمة- علم الإشارة ص9، ترجمه عن الفرنسية:منذر عياش. 8. المصدر السابق. 9. بيير جيرو، علم الإشارة ص13. 10. أنظر بيير جيرو، ص 26. 11. أنظر فتحي العشري، ص24. 12. أنظر بيير جيرو ص 32. 13. أنظر المصدر السابق، ص37. 14. أنظر المصدر السابق، ص18. 15. أنظر بيير جيرو، ص41. 16. ناثان نوبلر: كتاب (حوار الرؤية)، ترجمة فخري خليل، ص16. 17. أنظر انفعالات ساروت، المقدمة. 18. أنظر فن كتابة الأقصوصة.ص21.
***** وخالص ايشوع بربر بحسب سيرته الذاتية والعلمية التي وردت على صفحته الشخصية في (الفيس بوك) هو: الصفحة الرسمية للنائب خالص أيشوع عضو مجلس النواب العراقي السيرة الذاتية
الاسم الرباعي واللقب :-
خالص ايشوع اسطيفو يوحنا بربر
|