من هو يسوع المسيح
الجزء الاول
لكي نفهم يسوع المسيح لابد من قراءة النبوات الواردة في العهد القديم الذي هو كلمة الله فيكون العهد الجديد ( الانجيل ) مكملا للعهد القديم ( التوراة ) ، وكلاهما كتاب الله المقدس . يكشف العهد القديم عن تدبير الله الذي ألهم به انبياءه لكي ينطقوه ويسجلوه في أوانه شهادة أزلية من السماء. فالانبياء لم ينطقوا إلا بما وضع الله في فمهم ، بل صوت الله ومشيئته المعلنة منذ الدهر "إذ لم تأت نبوة قط بإرادة بشر ، ولكن الروح القدس حمل بعض الناس على أن يتكلموا من قبل الله ." (2 بطرس 1: 21 ) ، " فكل ما كتب هو من وحي الله، يفيد في التعليم والتفنيد والتقويم والتأديب في البر"( 2 طيموتاوس 3: 16) ، " لساني قلم كاتب رشيق ( يقصد الروح القدس ) " ( مزمور45: {1} 2 ) ، كما قال السيد المسيح: " لا تظنوا اني جئت لأبطل الشريعة او الانبياء : ما جئت لأبطل : بل لأكمل"(متى 5: 17) . وهكذا وفي بدء تأسيسه لمفهوم بر الملكوت الجديد يؤكد أنه يبني على الناموس والانبياء ولا يهدم ليبني .فتكميل الناموس والانبياء يعني أمرا واحدا إلهيا وهو خلاص الانسان من الخطيئة. وواضح من كل هذا أن ناموس موسى ساير طبيعة الانسان العائش بالفطرة ، أما المسيح فجاء ليغير هذه الطبيعة ويخلقها جديدة بروح وبقوة غلبته للموت وقيامته بحياة ابدية في صميم جسم الانسان ، هذا هو جئت لأكمل فيما يخص الناموس بالنسبة للحياة مع الله . لهذا يعتبر العهد القديم شرح وتفسير للعهد الجديد لأسباب كثيرة وعلى سبيل المثال لا الحصر، نفهم شخصية المسيح ( اقنومه ) ووجوده منذ الازل وولادته من عذراء البتولة في بيت لحم وعن حياته الكاملة وعن دخوله الى اورشليم في موكب راكب الجحش وعن موته وصلبه ودفنه في قبر رجل غني وعن قيامته وعودته ثانية الى الارض وغيرها من النبوات التي تزيد عن 333 نبوة عن المسيح في العهد القديم . فالنبوات التي وردت في العهد القديم تمت في شخص السيد المسيح . نقرأ في تكوين 3: 15 :" واجعل عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها فهو يسحق رأسك وأنت تصيبين عقبه." في هذه الاية ان نسل المرأة نبوة واضحة عن تجسد المسيح لان المسيح ولد من العذراء مريم بدون زرع رجل ، لذلك كتب الانجيلي لوقا نسب المسيح الى ادم ليبين ان نسله سحق رأس الحية (الشيطان)، وفعلا كل الاباء القدماء كانوا ينتظرون المسيح وحتى المرأة السامرية كانت تنتظر المسيح بقولها في يوحنا 4: 19 :" يارب ، ارى أنك نبي " ، فكلمة ( ارى ) هنا لاتفيد الانطباع السريع بل قمة استعلان متدرج يبلغه المتصوفون حينما يحدقون بعقلهم في الله طويلا ، وتسمى بالتورية ، اي الرؤيا العقلية ، وعقل السامرية ارتفع سريعا لترى فيه إنسانا ذا اتصال بالله يستمد منه قوته وسلطانه . لقد تدرجت في رؤيتها للمسيح من { أنت يهودي } الى { ياسيد } الى { ارى انك نبي }. وهكذا تنجلي العين حينما يغتسل الجسد والنفس ، والاعتراف بالخطية يرفع ثقلها عن القلب والضمير كما يرفع عقابها عن النفس . وهذه هي { عطية الله } التي وعدها المسيح بها ، وهكذا علمت المرأة بالحق من الذي يقول لها أعطيني لأشرب . ولم تكن رؤيتها أنه نبي لتقرير حق الواقع وحسب ، بل لانها ربطت بين امتيازه الالهي كصاحب صلة بالله وبين حالها الفاضح فرأت فيه المنقذ ، وهو مخلص الانسان وتصيبين عقبه ( في بعض الترجمات { تسحقين عقبه} ) تشير الى الام المسيح التي لحقت بطبيعته البشرية ، الشيطان هيج الرجال الذين قبضوا على المسيح ، وبدأوا بجلد المسيح والاستهزاء به . ولكن هذه الالام احتملها صابرا والنهاية من أجلنا ، حتى يوفي كيل خطايانا واستحقاقها من قبل العدو . وقد تنبأ اشعيا النبي عن الام المسيح :" مزدري ومتروك من الناس رجل أوجاع وعارف بالألم ومثل من يستر عنه مزدري فلم نعبأ به. لقد حمل هو آلامنا واحتمل أوجاعنا فحسبناه مصابا مضروبا من الله ومذللا . طعن بسبب معاصينا وسحق بسبب آثامنا نزل به العقاب من اجل سلامنا وبجرحه شفينا . كلنا ضللنا كالغنم كل واحد مال الى طريقه فألقى الرب عليه إثم كلنا . عومل بقسوة فتواضع ولم يفتح فاه كحمل سيق الى الذبح كنعجة صامتة أمام الذين يجزونها ولم يفتح فاه بالاكراه وبالقضاء أ ُخذ فمن يفكر في مصيره قد انقطع من ارض الاحياء وبسبب معصية شعبي ضرب حتى الموت فجعل قبره مع الاشرار وضريحه مع الاغنياء مع أنه لم يصنع عنفا ولم يوجد في فمه مكر لأنه أسلم نفسه للموت وأحصي مع العصاة وهو حمل خطايا الكثيرين وشفع في معاصيهم ." ( اشعيا 53: 3- 9 و12 ) . يسحق رأسك ، وهو السيد المسيح بصليبه سحق رأس ابليس حيث ان لوقا البشير اوضح هذه الحقيقة في انجيله ( 10: 17 – 20 ) :" ورجع التلامذة الاثنان والسبعون وقالوا فرحين : يارب ، حتى الشياطين تخضع لنا باسمك . فقال لهم : كنت ارى الشيطان يسقط من السماء كالبرق وها قد أوليتكم سلطانا تدوسون به الحيات والعقارب وكل قوة للعدو ، ولن يضركم شيء . ولكن لاتفرحوا بأن الارواح تخضع لكم ، بل افرحوا بأن أسماءكم مكتوبة في السموات ."هنا يكشف المسيح له كل المجد علنا ان قوة اسمه التي كرز بها الرسل السبعون أحدرت الشيطان من علو السماء بحالة سقوط مُخز. ومعروف ان الشيطان له اسم لوسيفورس او حامل النور ، ولأنه رئيس ملائكة عصى أمر الله فانحجب عنه نور الله واصبح نوره مزيفا قابلا للزوال . ويصف اشعيا النبي سقوط الشيطان كنبوة ، وهي التي تمت بواسطة المسيح :" كيف سَقطتَ مِنَ السماء أيتها الزهرة ، ابن الصباح؟ كيف حُطمتَ إلى الارض ياقاهر الامم ؟( اشعيا14: 12 ) ان اشعيا كتب رؤيته على اساس المستقبل الذي يتناسب مع المسيا وما سيصنعه بهذا الملاك الساقط ( لوسيفر ) فهي رؤية حاضرة ومستمرة والان في تكميلها . المسيح يرى بالرؤيا الروحية الشيطان وهو في حالة سقوط من السماء . وقول كالبرق تشبيه الشيطان هنا بالبرق ليس لشدة ضوئه بل بسبب سقوطه السريع والانجيلي متى وضح حقيقة الصليب لكسر رأس الحية :" وَ تَفَتَّحَتْ الْقُبُورُ ، فقَامَ كَثِيرٌ مِنْ أَجْسَادِ الْقِدِّيسِينَ الرَّاقِدِين وخرجوا من القبور بعد قيامته ، فدخلوا المدينة المقدسة وتراءَو لاناس كثيرين ." ( متى 27: 52 ) وطبعا بموت السيد المسيح على الصليب تفتحت القبور وذلك للاعلان بواسطة الموتى ( القديسين الراقدين) الذين ماتوا على الرجاء أنه قد تم الفكاك من الموت بعد أن داسه المسيح وقام منتصرا ، وتم انفتاح طريق الحياة الابدية ودخولهم المدينة المقدسة ليحجوا الى الهيكل ويأخذوا الطريق الصاعد من الحجاب المفتوح . فقد نزل المسيح الى الهاوية الى اعماق الارض لانه حطم أسس الهاوية وكسر مصاريعها وحطم مغاليقها ليخرج اسرى الرجاء .أما ظهورهم لكثيرين فهو لاستعلان قيامة الاجساد والتبشير باليوم الآتي اشعيا النبي تنبأ 700 سنة قبل الميلاد عن : " فلذلك يؤتيكم السيد نفسه آية : ها إن الصبية تحمل فتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل ."( اشعيا 7: 14 ) . هذه الاية واضحة لميلاد المسيح من العذراء، وليس لرجل لانه ليس من زرع رجل . لذلك قيل ان السيد يعطيكم نفسه آية ، معجزة ، معجزة تجسد الله ، عمانوئيل اي الله معنا وتحققت النبوة بميلاد المسيح حيث خصص له الانجيلي لوقا فصلين في بدء إنجيله واستوفاه تأريخيا من جانب العذراء مريم ، فوضع أساس الايمان المسيحي بولادة يسوع المسيح ابن الله الذي نص عليه قانون الايمان كما أفرد له الانجيلي متى فصلين في بدء انجيله أيضا ، واستوفاه تقليديا من جانب يوسف خطيبها . أما الانجيلي يوحنا ، فانطلق بالروح بحسب الوحي الالهي ليرى المسيح قبل ميلاده بالجسد قائما في الازلية مع الله باعتباره أنه هو " الكلمة " اي النطق الالهي الفعال لله . ثم دخل في مفهوم " الميلاد للكلمة" لاهوتيا فاعتبره تجسدا بقوله :"والكلمة صار بشرا ( جسدا) "( يوحنا 1: 14 ) ، بمعنى صار انسانا وبالتالي " حل بيننا " أما الانجيلي مرقس ، فافتتح إنجيله بتعريف المسيح تعريفا يحمل مفهوم الميلاد والموت والقيامة معا مع قصة كرازته وعمله وحياته كلها في معنى البشارة المفرحة . فأوجز استعلانه في بدء إنجيله بقوله :" بدء بشارة ( انجيل ) يسوع المسيح ابن الله ."( مرقس1: 1) ، باعتبار أن ابن الله بمفهوم لاهوته الازلي فهو كيان واحد لايتجزأ. ومعنى أن الله ابوه ، أنه ليس من أب جسدي ، وفي هذا استعلان لميلاده العذراوي . اما الرسول بولس ، فقد كانت اول معرفته بيسوع المسيح أن رآه في السماء بوجه يشرق بلمعان اقوى من الشمس في وقت الظهيرة ، فكان تعبيره عن ميلاد المسيح في هيئة إنسان بقوله: " قد اظهر في الجسد " ( 1 طيموتاوس 3: 16 ) أي الله ظهر في الجسد .وعاد ليكمل مفهوم الميلاد كإنسان وقال :" مولوداً لامرأة " ( غلاطية 4: 4 ) ، اي بتحديد ميلاده بدون رجل
الجزء الثاني
وميخا النبي تنبأ عن المسيح 700 سنة قبل الميلاد بقوله : "وانت يا بيت لحم أفراتة إنك أصغر عشائر يهوذا ولكن منك يخرج لي من يكون متسلطا على إسرائيل وأصوله منذ القديم منذ أيام الازل" ( ميخا 5: 1 ) ، ومعنى هذه الاية : بيت لحم تعني بيت الخبز وهي انسب مكان يولد فيه المسيح الذي هو خبز الحياة . افراتة تعني مثمرة فمنها خرج الحبة التي سقطت للأرض فأتت بثمر كثير (يوحنا 12: 24 ). بيت لحم مدينة صغيرة ، مكان متواضع يولد فيها المخلص . منذ القديم منذ ايام الازل تشير الى لاهوت المسيح ، حيث اكد المسيح ذلك بقوله :" الحق الحق أقول لكم : قبل أن يكون ابراهيم ، أنا هو " ( يوحنا 8: 58 ) .بهذا يكون المسيح قد أقر أن ابراهيم مات ومات كل الانبياء ، ولكنه اي المسيح كان قبل كل هؤلاء حيا ومعطي الحياة . إبراهيم كان كلدانيا من اور الكلدانيين ، ويتضح حقيقة وجود الشعب الكلداني في ارض اور التابعة للكلدان (تكوين 15: 7 )و( نحميا 9: 7)، آواه الرب في ارض غريبة ، فالعهد الذي اقامه الله مع ابراهيم تأسس على السلوك بالكمال ، فإبراهيم لم يُخِلْ بالعهد . والمسيح هو ابن الله الذي نزل من السماء ليرد غربة إبراهيم ونسله الى الوطن السماوي . ويلاحظ ان المسيح رفض ان يجعل المفارقة زمنية بأن يقول : قبل ابراهيم كنت انا "، بل وضعها على مستوى المطلق الازلي اللازمني :" قبل أن يكون ابراهيم ، أنا هو "، لكي يجعل المفارقة صارخة بين المخلوق والخالق ، الزمني والابدي وتنبأ ملاخي النبي 400 سنة قبل الميلاد عن يوحنا المعمدان ليمهد الطريق امام المسيح :" هاءَنذا مرسل رسولي فيعد الطريق أمامي ، ويأتي فجأة الى هيكله السيد الذي تلتمسونه ، وملاك العهد الذي ترتضونه به ." ( ملاخي 3: 1 ) . أما رسولي الذي يعد الطريق فيصفه إشعيا النبي 700 سنة قبل الميلاد : " صوت مناد في البرية : أعدوا طريق الرب واجعلوا سبل إلهنا في الصحراء قويمة . كل واد يرتفع وكل جبل وتل ينخفض والمنعرج يقوم ووعر الطريق يصير سهلا ويتجلى مجد الرب ويعاينه كل بشر لأن فم الرب قد تكلم . " ( اشعيا 40: 3-5 ) ، والانجيلي مرقس جمع نبوة ملاخي النبي على نبوة إشعيا لأنهما يكملان ماحدث بالفعل على يد يوحنا المعمدان . والانجيلي لوقا في ( 3: 15-17 )عبر عن انتظار شعب اليهود كله الذي بدأ يحركه نداء المعمدان ، الذي اهاج في قلوب الاتقياء لهفة انتظار المسيا اما النبي زكريا منذ 520 سنة قبل الميلاد تنبأ عن المسيح موكب الشعانين :" اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ "(زكريا9: 9 ) حيث ابنة صهيون تشير الى اسرائيل الجديدة المزمعة ان تكون ، وحيث ملككِ تفيد الملك الخاص بها ومن ابنائها . فهو ليس ملكا اجنبيا الذي يكون دخوله للبهجة جدا . وإنه وديع ومنصور وعادل . وحيث الحمار حيوان السلام والفلاح وليس للحرب والقتال . ان الصيغة النبوية التي أتت بالمثنى أي أنه جحش وأنه ابن اتان فهي إمعان في انه حمار وليس حصانا أو بغلا ، لان كلمة جحش هي(حيوان صغير للركوب) وهي تصح للحصان والبغل الصغير . أما ذكر ابن اتان فتأكيدا لتواضعه أنه حمار وهذا بيت القصيد . فهو ملك وديع آتٍ للسلام وليس بكبرياء الغازين الذين يأتون على حصان والسيف في يدهم وفعلا تحققت هذه النبوة حيث دخل المسيح الى اورشليم في موكب النصرة حسب ماكتبه متى ومرقس ولوقا ويوحنا ، فهناك هتاف الصلاة والترحيب بمقدم ملك الخلاص والسلام ، منظر الموكب والشعب وألوف سعف النخيل والهتاف هوشعنا أي خلصنا . وما عيد المظال إلا نوع من الاعياد التي فيها يترجون مجيء المخلص ويقطعون فيه سعوف النخل ويسمونها شعانين أي للخلاص ، لذلك كان الفرح كما وصفه النبي زكريا :" ابتهجي جدا يا ابنة صهيون " لان فيه يتحقق لها رجاء مجيء المخلص .وكأنه قد حضر صاحب عيد المظال ( الشعانين) وكمل الزمان . وكانوا في عيد المظال يطوفون حول المذبح ومعهم سعوف النخل ويصيحون هوشعنا ، ويجيء الانجيلي يوحنا في رؤياه بمنظر عجيب يمثل التحقيق النهائي لعيد المظال أو عيد الشعانين هكذا :" رأيت بعد ذلك جمعا كثيرا لايستطيع أحد ان يحصيه ، من كلأمه وقبيلة وشعب ولسان ، وكانوا قائمين امام العرش وامام الحمل، لابسين حللا بيضاء ، بأيديهم سعف النخل ، وهم يصيحون بأعلى أصواتهم فيقولون : الخلاص لالهنا الجالس على العرش وللحمل ".( رؤيا يوحنا 7: 9و10 ) . فإذا حققنا الجهد أن نسير في النور ولنا شركة مع الله فإن دم المسيح يكمل شركتنا بفاعلية الدم المسفوك من أجلنا لتطهيرنا لان الطهارة كما عرفنا في العهد القديم شرط اساسي للاقتراب من الله . هنا دم المسيح يطهر ضمائرنا لنستطيع أن نخدم الله وان نلبس ثوب القداسة ، ثياب بيض . اشعيا النبي تنبأ عن المسيح بشفاء المرضى:" لكي تفتح العيون العمياء وتخرج الاسير من السجن والجالسين في الظلمة من بيت الحبس " ( اشعيا42: 7 )، وفعلا تحقق هذا حيث البشير يوحنا اخبرنا في انجيله المقدس ان المسيح فتح عيني الاعمى :"قال هذا وتفل في الارض ، فجبل من تفاله طينا ، وطلى به عيني الاعمى ، ثم قال له :" اذهب فاغتسل في بركة سلوام ، أي الرسول . فذهب فاغتسل فعاد بصيرا ." ( يوحنا9: 7 ). الاية في مضمونها الالهي تسير الى عملية خلق أو على وجه الاصح عملية (خلقة تصحيحية). فكل عمليات الشفاء التي اجراها المسيح تدخل بند ( الشفاء من المرض)، أما تفتيح عيني الاعمى المولود بدون مقلتي العين فهي ليست شفاء . فنحن هنا امام طبيب البشرية الاعظم يسوع ، بل نحن بصدد عملية خلق ، وأمام الخالق . والتركيز الاساسي في لغة الاية واقع على كلمة ( الطين ) ، لان المقصود هو نقل عقولنا الى سفر التكوين وكيف خلق الله الانسان من (تراب الارض ) . والملاحظ ان جميع الايات التي فتح المسيح أعين العمي فاكتفى المسيح بأن يمسح العينين المكفوفين بريقه فانفتحا ورأتا النور . أما هذا الاعمى المولود ناقص الخلقة ، فالمسيح وقف منه موقف الخالق وجبل له من الطين ما نقص لجبلته . وانصاع الطين ليد النور الالهي الخالق ، فاستنار . اما خروج الاسير من السجن فيقصد بموت المسيح على الصليب فك أسر الانسان من عبودية الخطيئة اشعياء تنبأ في ان المسيح سيبشربالانجيل في الجليل :" في الزمان الاول أذل أرض زبولون وأرض نفتالي وأما في الزمان الاخير فسيمجد طريق البحر عبر الاردن ، جليل الامم. "(اشعيا 8: 23 ) "، "الشعب السائر في الظلمة ابصر نورا عظيما والمقيمون في بقعة الظلام أشرق عليهم النور " (اشعيا9: 1 ) ، والانجيلي متى بين بداية خدمة المسيح في الجليل: " وبلغ يسوع خبر اعتقال يوحنا، فلجأ الى الجليل . ثم ترك الناصرة وجاء كفرناحوم على شاطيء البحر في بلاد زبلون ونفتالي فسكن فيها ، ليتم ماقيل على لسان النبي اشعيا: ارض زبولون وارض نفتالي طريق البحر ، عبر الاردن جليل الامم. الشعب المقيم في الظلمة أبصر نورا عظيما والمقيمون في بقعة الموت وظلاله أشرق عليهم النور ." ( متى 4: 12-16 ) الزمان الاول دخول الخطيئة الى العالم والزمان الاخير هو عصر النعمة ، مجيء المسيح . اما قول اشعيا الشعب السائر في الظلمة والمقيمون في بقعة الظلام ، كانت الاولى كناية عن البعد الشديد عن الله وحالة اليأس ، والثانية كناية عن الخوف والرعبة والخطر المحدق بهم من الغزو والنهب .وهكذا على غير انتظار منهم أشرق عليهم نور عظيم ، وهو نور معرفة الله ورجاء الحياة والخلاص بيد يسوع المسيح . المزمور 16: 9 و 10 يستشهد بقيامةالمسيح :" لذلك فرح قلبي وابتهجت نفسي لانك لن تترك في مثوى الاموات نفسي "، من النص يبين حينما مات المسيح بالجسد لما شرب كأس خطايا البشرية على الصليب بإرادته كمشيئة الاب ، انفصلت نفسه عن جسده ، لان هذه هي عقوبة الموت .فحينما انسكب الدم من الجسد على الصليب ومع شدة الالام خرجت النفس ، حيث النفس بالدم :" لان نفس الجسد هي في الدم ، وأنا جعلته لكم على المذبح ليكفر به عن نفوسكم ، لان الدم يكفر عن النفس ." ( الاحبار { اللاويين }17: 11 ). وفي نهاية الثلاثة أيام أتت نفسه من الهاوية واتحدت بجسده الذي في القبر ، فقام من بين الاموات .علما بأن الدم حينما انسفك من الجسد وسقط على الارض كفر عن خطايا الجسد ، وشفى لعنة الارض التي تزلزلت عند استقباله :"رُضت الارضُ رضا واهتزت الارض اهتزازا وتزعزعت الارض تزعزعا."( اشعيا 24: 19 )
نبوة حول صلب المسيح في سفر المزامير :" احاطت بي زمرة من الاشرار أحدقت بي . ثقبوا يدي ورجلي. وأحصوا كل عظامي وهم ينظرون ويرونني. يقتسمون بينهم ثيابي ويقترعون على لباسي." ( مزمور22: 16 و17 { 17 – 19}) ، وتحقق ذلك فعلا حيث يخبرنا الانجيل المقدس :" وأخذوا القميص أيضا وكان غير مخيط ، منسوجا كله من أعلاه الى اسفله . فقال بعضهم لبعض : لانشقه ، بل نقترع عليه لمن يكون . فتمت الاية : وعلى لباسي اقترعوا فهذا ما فعله الجنود ." ( يوحنا 19: 24 ). جلسوا عساكر الرومان يقتسمون الغنيمة . إذ ان المسيح كان يلبس أربعة أنواع من الثياب ، منها على الرأس وحول الكتف ، ومنها مايدثر به فوق الجسد ، ومنها الملابس الداخلية ، وتحتها كان يلبس قميصا منسوجا نسيجا واحـدا بغير خياطة . وهذه كلها جردوه منها ، وبقي مايستر جسده فقط . كان الرومان قد اعتادوا أن يصلبوا ضحاياهم عَرايا تماما ،إلا انه في الشرق وعند اليهود كان محظورا حسب الناموس أن يُعرى المحكوم عليه من كل ملابسه ومن الجدير بالذكر لقد اطال الشراح قديما وحديثا الحديث عن هذا القميص ، واتفقوا على انه يمثل الكنيسة التي لا تنقسم . يقول العالم بولتمان على ضوء الابحاث والتعاليم الرابية في التلمود وغيره، إن هذا الثوب هو مثل الثوب الذي صنعه الله لادم وأعطى مثله لموسى ليخدم به . ويقول علماء اخرون ، إنه يمثل قميص يوسف الخاص الذي اعطاه له ابوه علامة الحب .اما القديس كبريانوس يقول ان القميص كله منسوج من فوق ، اي ان وحدة الكنيسة مقررة ومعانة من فوق ، من الله ، وليس لانسان ان يمزقها . وبالمنظر الدامي أمام العسكر وكأنهم بلا شعور إنساني ، كانوا مدفوعين ، يوقعون اعمالهم على صوت داود النبي الاتي من وراء الزمان كلمة كلمة ، كما قالها في المزمور الثاني والعشرين أعلاه والانجيلي يوحنا يوضح لنا الادوار التي قام بها كل فريق حسب عمله ، ويرده الى النبوات الخاصة بالمسيح فالاول : بيلاطس كملك كتب: " هذا هو ملك اليهود" إعلانا للعالم كله . الثاني: رؤساء الكهنة :" ينبغي ان يموت إنسان واحد عن الشعب " وبهدمهم هيكل جسده ، هدموا هيكل عبادتهم الثالث: اللص حيث قدم التوبة معلنا عن أول ثمرة للصليب :" اليوم تكون معي في الفردوس" . الرابع : تقسيم الملابس والقاء القرعة من قبل العسكر تعتبر شهادة شاهد عيان . الخامس: النسوة كمندوبات فوق العادة عن البشرية التي في المسيح:" ياامرأة " السادس:"التلميذ الذي يحبه :" معنى امانة التلمذة للمعلم .
يتبع الجزء الثالث
|