التفكير:- تعريفه أدواته ، أهميته ؟ التفكير: يستخدم هذا اللفظ ليغطي مدى واسع من العمليات العقلية التي تنقسم إلى ذاكرة وتفكير وتخيّل، وهناك عدة تعاريف للتفكير منها القدرة على الاستنتاج من الوقائع أو المقدمات أما علماء النفس فيذكرون أن كل تفكير منسوب بالحيرة والتردّد والشك والتفكير بمعناه العام الواسع كل نشاط عقلي يستخدم الرموز بدلاً من الأشياء والأشخاص والمواقف عندما يتعامل معها معاملة واقعية، والرموز التي يستخدمها العقل مختلفة منها ما يكون على شكل جذور ذهنية أو ألفاظ أو أرقام ومنها ما يأتي كإشارات أو تعبيرات، أمّا التفكير بمعناه الخاص يقتصر على الاستدلال الذي يتناول حل المشكلات حلاً ذهنياً معتمداً على الرموز. أدوات التفكير:- يعتمد التفكير الذي يقوم به الفرد على استرجاع خبراته التي تعلمها سابقاً، وبالرغم من أن التفكير يتضمن أكثر من التذكر والاسترجاع إلا أن الاسترجاع يبقى من شروطه الضرورية الأساسية وإعادة الماضي يتم بطرق مختلفة منها الصورة العقلية الحسية فعندما ينظر الإنسان إلى صورة معينة ويراها أمامه فالصورة هي مدرك حسي percept أما إذا غابت عنه فان صورتها تبقى في عقله ورؤياه وهنا تسمى صورة حسية بصرية أما إذا فكر الشخص بصوت سمعه فالصوت يسمى صورة حسية سمعية، أما الطريقة الثانية التي يتم بواسطتها إعادة الماضي هي عن طريق الصورة العقلية اللفظية، فالكلمة التي يسمعها الشخص تكون مدرك حسي أما عندما يتصورها ذهنياً فعندئذٍ تكون صورة حسية لفظية وتكون تلك الصورة اللفظية سمعية في هذه الحالة كما تكون لفظة حركية، وللتفكير أهمية كبيرة في عدة جوانب منها:- 1- التفكير لازم للسلوك الذي يتسم بالذكاء، حيث أن سلوك الإنسان يمتاز عن سلوك الكائنات الأخرى بمرونته الكبيرة وقابليته للتعديل وفق مواقف الحياة حيث يتغير سلوك الإنسان في ضوء الذكاء والتفكير حتى يصير أكثر ملائمة في ظروف حياته المتطورة ، وكثير من الأخطاء التي يقع فيها الناس هي نتيجة نقص عملية التفكير فالشخص الذي يخطأ في تفكيره حول مرض وينسبه للحسد نراه يعالجه بالتعاويذ فالقبور التي شيدها قدماء المصريين ما هي إلا نتاج عن تفكيرهم حول الموت وهنا يتضح أهمية الفكر في القيام بالسلوك الذكي. 2- التفكير واجب للتقدم الحضاري: فالإنسان لا يعيش بفكرة واحدة بل يستفيد من أفكار من سبقوه وكلما وصل الإنسان إلى فكرة جديدة تم تأثيرها في أرجاء المجتمع وقد لعبت اللغة الدور الكبير في بناء الحضارة فعن طريق اللغة يتم تناقل الأفكار بين الشعوب والتفكير هو أساس عالم المكتشفات إضافة إلى انه أساس لتقدم الفنون والدراسات الرياضية . 3- التفكير يضفي على الأشياء معاني جديدة: حيث أن الإنسان كلما يتمعن بالتفكير يكتشف من أسرار الكون ما لم يكن يعلم وبذلك تتغير نظرته للأشياء وتختلف معانيها إليه وتتعدد الإفادة منها. 4- التفكير اللازم لإقامة الحياة الديمقراطية وصيانتها، فإذا قارنا بين الديمقراطية وسائر النظم الأخرى نلاحظها تولي عناية كبيرة للفرد وتجعله وسيلة لإحراز التقدم ويتطلب ذلك فسح المجال للفرد لتحقيق أقصى إمكاناته وذلك يتطلب العناية بأسلوب التفكير وتهيئة الظروف المناسبة لاستخدام ذكاء الفرد استخداماً لا يقيده إلا حدود الصالح العام كي لا يكون الذكاء وسيلة لتدمير المجتمع، فالديمقراطية تعنى بتنمية قدرة الفرد للابتكار والإبداع لكي يؤدي دوره في بناء الحضارة وتدعيم الديمقراطية . المصادر: علم نفس الطفولة والمراهقة، جمال حسين الالوسي، أميمة علي خان، بغداد، 1983. علم النفس وتطبيقاته، عبد علي الجسماني، بغداد، 1984. التفكير علم وفن، هنري هازليت، القاهرة، نيويورك، 1975. التفكير العلمي، الدمرداش سرحان / منير كامل / القاهرة، 1963.
التفكير .. الجزء الثاني والأخير في مجلة
الأعيان
تناولنا في العدد السابق التفكير معناه العام ومعناه الخاص وما هي أدواته وأبرزنا أهميته في عدة مجالات ونتناول في هذا العدد أنماط التفكير ونوضح ما نعنيه بكل نمط على حدة والتي تشمل ما يلي: أنماط التفكير : 1- التفكير عن طريق المحاولة والخطأ 2- التفكير الخرافي 3- التفكير بعقول الغير 4- التفكير العلمي وخطواته. أولا: التفكير عن طريق المحاولة والخطأ 41 عندما تتشعب السبل أمام الناس ويقعون في حيرة من أمرهم قلما يستطيعون أن يعرفوا ماذا يفعلون فإنهم يسلكون سلوكاً مختلفاً فمنهم من يتدبر الأمر بطريقة سلمية ومنهم من يتخبط في أمره فيسلك سبيله على غير هدى فإذا لم يؤدي السبيل الأول إلى غايته تركه إلى غيره والذي يكون اختياره أيضا محض صدفة ويستمر به الحال حتى ينتهي به الأمر إلى النجاح عن طريق الصدفة أو الفشل ويقال عندئذٍ عن هذا انه يفكر عن طريق التخبط أو المحاولة والخطأ، وقد يمعن الناس في البعد عن استخدام الفكر السديد في حل مشكلاتهم فيلجأون إلى القرعة ويتخذونها حكماً تحدد لهم السبل التي يسلكونها وقد لا يبدو ذلك السلوك عجيباً إذا لجأ إليه الإنسان في حل بعض المشكلات البسيطة مثلاً اختيار احد لونين يتساوى ميله لهما لكنه يصبح خطراً عندما يتناول أمورا بعيدة الأثر في حياة الإنسان، مثال ذلك اختيار الطالب كلية يلتحق بها ويمكن أن نلاحظ هذا النمط من التفكير عند الأطفال عندما يلعبون بلوحات الأشكال الخشبية التي تتألف كل واحدة منها من لوحة أفرغت في وسطها ثقوب ذات أشكال هندسية ومعها قطع أعدت لسد الثقوب فالبعض منهم يضع القطع كيفما اتفق لسد الثقوب المفرعة ويستغرق وقتاً طويلاً حتى يضع الواحدة في مكانها الصحيح وهذا أسلوب المحاولة والخطأ الذي يتبع بين الصغار أو الكبار ذوي الذكاء المحدود ويفسر العلماء هذا السلوك بأنه محاولة لحل مشكلة لا يظهر فيها اثر لخبرة من التعليم، ويفرق بعض الدارسين بين هذا النوع والنوع الآخر من التفكير الذي يقوم على اللمح والبصيرة، ففي هذا النوع يتم الوصول إلى الحل بطريقة فجائية دون حاجة إلى تخبط. ويمكن أن ندرج مساوئ التفكير عن طريق المحاولة الخطأ بأنه مضيعة للجهد والوقت فضلاً عن انه يعرض الأشياء للتلف أو يعرض نفسه للأذى ويجب أن نفرق بين هذا النوع من التفكير وبين ما يقوم به العلماء من محاولة لحل مشكلة ما فالعالم يفرض فرض معين وعندما يحرز النجاح يعود فيحلل الموقف ويجري التجارب ويحدد عوامل النجاح وبذلك يكتب خبرة بالموقف وبعوامل النجاح التي تفيده في مواجهة المواقف المتشابهة وكم من صدفة كانت سبيلاً للكشف العلمي. ثانياً: التفكير الخرافي 42 يلجأ كثير من الناس في هذا الوقت إلى المنجمين وقراءة الطالع ويطلبون لهم كشف المستقبل وقسم من الناس يعزون ما يصيبهم من مرض إلى الحسد والعين والى غير ذلك من الأفكار والتصورات! فكيف نشأت هذه الأفكار وشاعت، وللإجابة على هذا السؤال لابد من العودة إلى العصور السالفة التي لم تكن فيها العلوم قد ظهرت وأحرزت تقدماً وقد يمتد بنا الزمن إلى ما قبل التاريخ حيث كان الناس يعيشون في أحضان الطبيعة فتبهرهم وتثير في نفوسهم الانفعالات كالذعر والفزع وحب الاستطلاع لمعرفة أسبابها، ولما لم تكن العلوم قد ظهرت إذن كيف للناس أن يصلوا للحقيقة فالذي فعله الناس في تلك الحقبة أنهم فسحوا المجال لخيالهم أن يقدح وفكرهم أن يعمل حتى خيل لهم أنهم وصلوا لحلول مناسبة لتلك المشاكل التي كانت تعترضهم والتي تعتمد على الخيال أكثر مما تتقيد بالواقع، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فاخذ الناس يلجأون إلى تقديم القرابين والتداوين وحاولوا التنبؤ بالمستقبل ليتصدوا للحدث قبل وقوعه وقد نشأ عن تلك التصورات التنجيم ، قراءة الفنجان وكلها تحاول الكشف عن الغيب، ذلك كان ظرف قليل من تاريخ الفكر الخرافي الذي تطور في حياة البشر وتطور الإنسانية، وكان التفكير الخرافي بتلك الصورة نتيجة من نتائج الصراع بين الفكر الإنساني ومظاهر الكون، وليس من العجيب أن يلجأ الناس في فجر تطورهم الفكري إلى هذا الأسلوب البدائي الذي يرتكز على الأوهام، لكن العجيب أن تستمر المعتقدات الخرافية رغم تقدم العلوم وكشف أسرار الكون، ومن الانتقادات التي توجه لهذا النوع من التفكير انه يكون مصدر الهم، وقد يتضخم الأمر حتى يصبح مرضاً عقلياً، مثلاً في حال اعتقاد زوجة بان زوجها سيتزوج عليها نلاحظ أنها تشحن نفسها بالكراهية حياله، وقد يؤدي بها الأمر إلى حماقة تقضي على نفسها أو على بيتها، وقد يوقع هذا النوع من التفكير الخرافي العداء بين صاحبه وبين الناس بسبب نحسه، وقد يؤدي به الأمر إلى الجنون والعزلة وحتى إرتكاب الجرائم. وتستطيع المدرسة أن تلعب دوراً مهماً في توجيه التلاميذ نحو البعد عن هذا النوع من التفكير عن طريق مناقشة ما تكتبه الصحف من أخبار الطالع. مع كل ذلك يشترك التفكير الخرافي مع التفكير العلمي في نقطة البداية وهي الرغبة في المعرفة أو الحاجة إلى كشف الأسرار الغامضة والاطمئنان إلى المستقبل. ([1])
[1]
- سرحان وكامل، الدمرداش سرحان،
منير كامل، التفكير العلمي، ط2، القاهرة، 1963، ص33 –
39.
|