موعظة الجمعة العظيمة في كنيسة الطاهرة .. قره قوش 21 آذار 2008
"وكانوا مواظبين على تعليم الرسل والمشاركة وكسر الخبز" (اعمال 2: 42)
أيها الأخوة الأعزاء والأبناء المباركون في كتاب اعمال الرسل نقرأ قصة بدايات المسيحية. قصة الكنيسة الأولى. قصة حياة كنيسة في خطواتها الأولى. كنيسة تبني ذاتها وتخوض تجربة رائدة وجديدة.. وككل تجربة رائدة، فهي معرضة لسحر المثاليات، فضلاً عن كون البدايات تمثل دائماً الأساس الذي سيتحكم بالمراحل اللاحقة ويمثل الطموحات. طموحات واخفاقات هذه التجربة التي عاشتها الجماعة المسيحية الأولى ينقلها الينا لوقا كاتب سفر اعمال الرسل، ويقدم لنا صورتين مثاليتين للجماعة الأولى في (ف 2: 42-47) وفي (ف 4: 32-35). وإذا أردنا إيجاز هاتين الصورتين لرأيناها ترتكز على أركان أربعة كانت تقوم عليها حياة المسيحيين الأولين، كحالة واقعية وكطموح جعلوا من عيشه أساس للدعوة المسيحية، وهذه الأركان هي: 1. المواظبة على تعليم الرسل. 2. المشاركة. 3. كسر الخبز 4. الصلاة. في هذا المساء سنتحدث عن الاركان الثلاثة الأولى، وعن علافتها بحياتنا المسيحية، اليوم، فنجاوب على السؤال المطروح علينا: كيف نؤوّن تلك المبادئ في مسيحيتنا اليوم وفي الكنيسة؟ اولاً: المواظبة على تعليم الرسل 1- أول اشارة الى التفاف الجماعة الأولى حول الرسل، بعد الصعود مباشرة: "فرجعوا الى اورشليم. ولما وصلوا اليها صعدوا الى العلية، وكانوا يواظبون حميعاً. مع بعض النسوة ومريم أم يسوع ومع إخوته" (اعمال 1: 12-14) ثم تاتي هذه الاشارة الواضحة بعد حلول الروح القدس: "وكانوا مواظبين على تعليم الرسل".
2- ضمير "كانوا" يشير الى جماعة التلاميذ الأولين المؤمنين برسالة يسوع وبأنه هو المسيح المنتظر الآتي، وكانوا مع الرسل الأثني عشر يشكّلون النواة الأولى للكنيسة الناشئة. 3- ينقل الينا كتاب اعمال الرسل التقليد القائل بأن يسوع لمدة 40 يوماً أظهر تفسه لتلاميذه حيًّا بعد الآمه بكثير من الأدلة، وكلمهم عن ملكوت الله" (اع 1: 3).
4- الكلام عن ملكوت الله بدأه يسوع منذ بشارته العلنية. وبينما غلب الطابع العام المفتوح لجميع الناس في تعليمه قبل القيامة، نراه بعد القيامة يستكمله بخصوصية فريدة للتلاميذ... بإشارة واضحة من الأنجيليين ومن كتاب أعمال الرسل الى ما يشبه التنشئة المباشرة لرسالتهم المقبلة. وما الأربعين يوما إلا رقم له دلالاته الرمزية على المدة المثالية للإطّلاع والتشبع بتعليم المسيح القائم من الموت. - بهذا المعنى نقرأ عبارة لوقا في أول تلخيص لحياة الجماعة المسيحية في بدء نشأتها: "وكانوا مواظبين على تعليم الرسل" (2: 42).
5- هذه المواظبة توحي بفترة زمنية للتنشئة على يد الرسل، فترة تثقيف داخلي للتغذي من روحانية يسوع والتأصل في التلمذة له، فترة تلقّ وتعلّم ومَضغ.
6- لا يذكر لنا نص أعمال الرسل هذا مفردات مفصّلة عن طبيعة تعليم الرسل المعطى للجماعة الأولى. ولكننا نعلم من سياق الخطابات اللاحقة ومن مادة التعليم التي سنرى الرسل يعطونها للناس، ان الكتاب المقدس، أي التوراة والأنبياء والمزامير، كانت المادة الأساسية في هذه التنشئة: في قراءة جديدة وعلى نور قيامة المسيح وشخصيته وتعاليمه. - على نمط ما فعل يسوع مع تلميذي عماوس في قصة لوقا (24: 13-35): "فبدأ من موسى وجميع الانبياء يفسّر لهما في جميع الكتب ما يختص به" - افتحوا سفر أعمال ارسل: هكذا سيفعل بطرس في أول خطاب له لدى اختيار متيّا خلفاً ليهوذا (1: 15-26) إذ يعيد قراءة المزامير(41: 10؛ 69: 26؛ 109: 8) على ضوء جديد، ضوء يسوع. وكذلك في عظته العلنية الأولى لدى نزوله الى الشارع مع الرسل في أول ظهور علني بعد الصلب (اع 2: 14-36). فيفسر على ضوء قيامة الرب وحلول الروح القدس على التلاميذ آيات الأنبياء يوئيل (3: 1-5) واشعيا (2: 2) والمزامير (18: 6؛ 16: 8-11؛ 132: 11؛ 110: 1) ليفضي الى تلخيص خطابه كله بهذه العبارة الإيمانية التي لها طعم الثورة على ما فعله الرؤساء بيسوع، والبشرى السعيدة للشعب: "فليعلم يقيناً بيت اسرائيل أجمع أن يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم قد جعله الله ربًّا ومسيحا" (2: 36).
7- تلك المواظبة "على تعليم الرسل" لن تقتصر على جماعة ملتفة حول نفسها في "عليّة" مغلقة. "تعليم الرسل" سرعان ما سينزل الى الساحة، كما راينا مع بطرس الآن، وسيخترق أورشليم كلها، متخطياً اليهودية الى السامرة، فالعالم الروماني المعرف أنذاك. فاذا كان لهذه "المواظبة" وجه تنشئة داخلية وسماع لتعليم الرسل ودراسة ايمانية لنصوص العهد القديم، فلها ايضاً وجه رسولي، تبشيري، لن تكتمل إلا به. تماماً كما أوصى المعلم تلاميذه يوم ودّعهم واودعهم مهمة نشر رسالته وتكميل مشروعه: "وتكونون لي شهوداً في أورشليم وكل اليهودية والسامرة حتى اقاصي الأرض" (أع 1: 8).
8- وينقل لنا كتاب اعمال الرسل ذاته هذه المسيرة بنشواتها وعثراتها: "وكانت جماعات النساء والرجال تزداد عددا فتنضم الى الرب بالايمان" (5: 14). - جملائيل الفريسي عضو المجلس اليهودي المناوئ للرسل، أحد علماء الشريعة ووجهاء الشعب، يصبح مدافعاً عن الرسل لئلا يجد نفسه وزملاءه يحاربون الله بمقاومتهم اياهم" (أع 5: 39). - فيلبس أحد المبشرين المعاونين السبعة، يقوم بمبادرة جريئة فيبشرالسامرة، وهي منطقة يشككون في صفاء ديانتها، "ويبشر أهلها بالمسيح، فيصغون اليه بقلب واحد.. فيعم تلك المدينة فرح عظيم" (أع 8: 4-8. وفيلبس هذا ذاته يحقق خطوة رائدة أخرى إذ يبشر وزير مالية أموال ملكة الحبشة ويعمده (أع 8: 26-40). - أما الاختراق الاكبر والنقلة النوعية في تبشير غير اليهود فتَمّت على يد بطرس هامة الرسل عندما دفعه الروح الى قبول الضابط الروماني الوثني كرنيليوس واهل بيته في الشركة الايمانية في الكنيسة الناشئة. ذلك ان "الكلمة الذي أرسله الله الى بني اسرائيل مبشراً بالسلام على يد يسوع المسيح، إنما هو ربّ الناس أجمعين.. وأن كل مَن يؤمن بالقائم الحي ينال باسمه غفران الخطايا" (أع 10: 36-43). - ثم يأتي بولس، المُضطهِد المُهتدي، على طريق دمشق (ف9) ليصبح، مع رفيقه برنابا، مبشر الأمم الوثنية في غيرة وسخاء لا حدود لهما، رسائله والقسم الثاني من كتاب أعمال الرسل يشهدان على ذلك.
التطبيق: - واليوم نحن تلاميذ المسيح، وأبناء الكنيسة: من مثال المسيحيين الأولين الذين على أقوالهم آمنا بأن يسوع هو المسيح والرب: أنكتفي بأن نكون مجرد أتباع للمسيح بالاسم والهوية؟ ألا نحتاج، وباستمرار، أن نعمق إيماننا به، ومعرفتنا بتعاليمه، ونأخذ كلماته في الانجيل ماخذ الجدّ، ونستيقظ الى دورنا التبشيري الذي من دونه تبقى المسيحية لا تنفع ولا تضر، كالملح الذي فقد خاصيته، فيُطرح خارجاً لتدوسه الناس، كما يقول متى الأنجيلي (5: 13)؟ - في الزمن الصعب الذين نعيشه في بلدنا المتعب والمهشّم بالمآسي، أليست الضرورة الكبرى أن نعود الى سماع كلمة الله في الكتاب المقدس وقراءتها ودراستها لتكون مصباحاً لخطانا ونوراً لسبيلنا وقاعدة لمواقفنا.. مواظبين على التعليم حول الرسل وحول كهنتنا وفي كنائسنا؟ - هنا يبرز دور التثقف والمطالعة واكتساب معرفة أوسع واعمق وانضج، بالنسبة الى الكبار والشباب خاصة وحتى اليافعين، كل بحسب مرحلته العمرية والثقافية، في نطاق الدورات الكتابية، واللاهوتية، وقراءة الكتب والمجلات ومتابعة البرامج الرزينة والمستقيمة التعليم بحسب الآباء وتراث كنائسنا الرسولية، وبسماع المواعظ والاشتراك في ليتورجياتنا الغنية المحتاجة بالتأكيد الى تحديث وتنشيط؟ لا أحد بيننا يستطيع الادّعاء بأنه ختم الكتاب ولم يعد محتاجاً الى المعرفة أو أن ما لديه يكفيه. أيكتفي البالغ بالحليب كي يتغذى كما يوم كان طفلا؟ أنبقى أطفالاً في علمنا الديني ومعرفتنا الايمانية، بينما جسمنا وشخصيتنا الانسانية قد نمتا وكبرتا، ومعهما كبرت أسئلتنا وكبرت التحديات حولنا؟ وليكن أقلها أن نستطيع ارشاد اولادنا، وأن نعرف أن نجاوب مَن يسألنا عن ايماننا! وماذا أقول: إن هذه التنمية الروحية والايمانية والثقافية لا يحتاج إليها العلمانيون وحدهم، بل الرهبان والراهبات والكهنة انفسهم. - وهنا ايضاً اضع دور العلمانيين والعلمانيات في عملية التنشئة المسيحية والتوعية الايمانية وبعث الحيوية والتنوع في الانشطة الكنسية. فالكنيسة تُبنى والمسيحية في العراق يُضمن مستقبلها بتفعيل طاقات جميع بنيها، كل بحسب النعمة الموهوبة له والموقع الذي يحتله في المجتمع وفي الجماعة الكنسية. آمين
ثانياً: المشاركة "وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والمشاركة (أع2: 42) 1. كلمة "المشاركة" هذه هي اشارة الى حالة خاصة تعيشها الجماعة المسيحية الأولى تدل اليها الآيات (44-46) من النص ذاته "وكان جميع الذين آمنوا جماعة واحدة يجعلون كل شيء مشتركاً بينهم، إذ يبيعون املاكهم وأموالهم، ويتقاسمون الثمن على قدر احتياج كل منهم" وفي الملخص الثاني عن حياة الجماعة المسيحية الأولى الوارد في (ف4: 32-35) يرد وصف شبيه بهذا الى حد الكلمات: "وكان جماعة الذين آمنوا قلباً واحدة ونفساً واحدة، لا يقول أحدٌ منهم انه يملك شيئاً من أمواله، بل كان كل شيء مشتركاً بينهم... فلم يكن فيهم محتاج، لان كل من يملك الحقول أو البيوت كان يبيعها، ويأتي بثمن المبيع، فيلقيه عند أقدام الرسل فيعطى كل منهم على قدر احتياجه".
2. يهتم سفر اعمال الرسل بالتركيز على الملامح التي كانت تميّز الجماعة المسيحية الأولى، كحالة يعيشونها في الداخل، وكشهادة يعطونها للخارج. ومن هذه الملامح: وحدة الجماعة: فمنذ الفصل الثاني يقول الكتاب "وكانوا مجتمعين كلهم في مكان واحد" (2: 1)، "وقلب واحد.. مع مريم أم يسوع" (اع 1: 14). الاشارة الى التفاف الجماعة الأولى حول "مريم أم يسوع" لها معنى خاص هنا. - الاجماع: (2: 46) "وكانوا يلازمون الهيكل كل يوم بقلب واحد" ولقد تجلّت وحدة القلب هذه في حادثة سجن بطرس ويوحنا (4: 24): "وعند سماعهم ذلك، رفعوا اصواتهم الى الله بقلب واحد". وفي القرارات الهامة في مجمع اورشليم، مثلاً (15: 25) "حسُن لدينا بالاجماع" انها وحدة في الايمان والمحبة، وحدة في الألتفاف حول الرسل، وحدة الاصغاء الى الروح القدس. - المشاركة: "وكان كل شيء مشتركا بينهم (4: 32 وما يلي) فلقد تجلّت وحدة القلوب هذه في التضامن الاجتماعي أيضاً. أحيلكم الى النصوص التي سردناها قبل قليل حيث كان عدد من الميسورين يبيعون أملاكاً ويقدمون اثمانها طوعاً للصندوق المشترك لمساعدة المحتاجين. واذكركم بقصتي برنابا اللاوي القبرصي الذي باع حقله وسلم ثمنه بيد الرسل لحاجات الاخوة (أع 36-37) وقصة حننيا وزوجته اللذين "باعا ملكا لهما فاقتطعا قسماً منه والقياه عند اقدام الرسل" (أع 5: 1-4). 3. ان هذه التجربة الخاصة التي دعاها البعض اول "تجربة اشتراكية" قد املتها المحبة والتضامن كما بين اعضاء اسرة واحدة في مثالية البدايات، وليس اية نظرية اقتصادية أو سياسية للتكافل الاقتصادي او لاشتراكية وسائل الانتاج، كما قرأ الحدث بعضهم بسطحية. بدليل ان "تشييع رؤوس الأموال"، إن صَحّت العبارة، كان حرّاً وليس الزاميا" (5: 4)، يصدر عن سخاء القلوب: "انظروا كم انهم يحبون بعضهم بعضاً" وما يقدمه لوقا كصورة مثالية للجماعة الأولى لا ينبغي اعتباره قاعدة مسلكية الزامية، بل يقدمه كنموذج للطموح.. استلهمته الحركات المسيحية الاجتماعية والرهبانيات فيما بعد.
4. اذكركم بالمساعدات التي كان يجمعها بولس من الكنائس الشقيقة في آسيا الصغرى واليونان ويحملها لمساعدة فقراء اورشليم والتي نجد صداها في رسالته الثانية الى مسيحي قورنتس (8: 4-7، 14). ان هذه المشاركة في الاموال ما هي الا رمز لوحدة الجماعة المسيحية الأولى، وانتباه الى حاجات المتعففين كما يقال اليوم، في حركة تبادل وروح مشاركة في الروحانيات والماديات، لتصير المساواة ولا يكون في جماعة الاخوة محتاج، كما يقول بولس للقورنثيين عندما طلب مساهمتهم في اللمّة: "فليس المراد أن يكون الآخرون في يسر وتكونوا انتم في عسر، بل المراد هو المساواة. إذا سدّت اليوم سعتَكم ما بهم من عوز، سدّت سعتهم عوزكم في المستقبل، فحصلت المساواة "8: 13-14).
5. أليس هذا تطبيق عملي لما جاء في انجيل لوقا "مَن كان له ثوبان، فليقسمهما بينه وبين مَن لا ثوبَ له. ومَن كان عنده طعام، فليعمل كذلك" (3: 11) أوليس ذلك صدى لروح التطويبات التي نادى بها يسوع من على الجبل وعلّمها لتلاميذه: "طوبى للجياع والعطاش فإنهم يشبعون. طوبى للرحماء فإنهم يرحمون" (متى 5: 6-7).
6. في المسيحية كل شيء يرتقي الى الله، ولا تستطيع ديانتنا ان تتوقف عند مستوى الطبيعة البشرية حتى في عمل الاحسان. لا انها تلغي قيمة الانسان في ذاته ولذاته، بل انها ترى في الانسان دائماً وجه الله، ألم يقل أحد آباء الكنيسة "ان الانسان هو صورة مجد الله". هكذا في عملية العطاء والسند المتبادل والاحسان الى الله يتوجه هذا العمل، وكأننا لله ذاته أو للمسيح شخصياً نفعله. تتذكرون قصة الدينونة الأخيرة في (متى 25 31-46) "كنت جائعاً فأطعمتموني، عطشاناً فسقيتموني، غريباً فآويتموني عرياناً فكسوتموني مريضاً فزرتموني سجينا فأتيتم الي. وعندما يجيب الأبرار "متى حدث ذلك يا رب؟" يجيب الملك –أي الرب الديان- "الحق اقول لكم: كل ما صنعتكم شيئاً من ذلك لواحد من اخوتي هؤلاء الصغارـ فلي قد صنعتموه". ومَن رفض فعل ذلك "لاحد هؤلاء الصغار" فللمسيح رفض فعله! فالعطشان، والجائع، والغريب، والعريان، والمريض، والسجين، والمختطف هو أخ المسيح: إذا أخي ايضاً وأخوكَ وأخوكِ.
التطبيق: - واليوم، نحن تلاميذ المسيح، وابناء الكنيسةة: كيف نعيش روح الشركة هذه الذي عاشته الجماعة المسيحية الأولى، وكيف نطبق انجيل الدينونة في علاقاتنا؟ - لو سمحنا لانفسنا في وقت آخر أن نقرأ أو نسمع هذا الانجيل بصورة سطحية، فاليوم في الظروف الراهنة التي يعيشها شعبنا المسيحي وشعبنا العراقي عامة، لا يجوز ذلك، اسمعوا ما يقوله مار يعقوب: "يا اخوتي: إن كان فيكم اخٌ عريان أو أخت عريانة ينقصهما قوت يومهما، وقال لهما أحدكم: "اذهبا بسلام فاستدفئا واشبعا ولم تعطوهما ما يحتاج اليه الجسد، فماذا ينفع قولكم؟" (يعقوب 2: 14-16). - أفلا يحتاج الله، إذن، الى يدك ليعطي الجائع من الخبز الذي خبزته؟ أفلا يحتاج الى كاس الماء البارد الذي لديك ليقدمه الى العطشان؟ أفلا يستعطي منك البطانية الفائضة ليكسو بها المسكين المرتجف برداً؟ أليس هو الغريب الذي يطرق بابك بعد أن هدّده الأرهابيون وجاء ليحتمي عندك وأنت ترفع عليه الايجار بشكل مفرط؟ الله يحتاج الى رجلك ليذهب ويزور المريض، والى عينك ليعطف على اليتيم والارملة! قنينة الدم التي تعطيها لنازف تخلِّص حياته وفي شرايين المسيح تضعها! ربحك ودخلك الحلال، لأخيك الفقير أو الواقع في أزمة، حصة فيه، بشكل من الاشكال والرب يجازيك على ما تفعله نحوه! اذكركم بما قاله الله للصائمين على لسان اشعيا النبي: "لا تصوموا للتبجح امام الله.. الصوم الذي فضلتُهُ هو هذا: حلَّ قيود الشرّ، وأن تكسر للجائعِ خبزَكَ، وتُدخل البائسين المطرودين بيتك، وإذا رأيت العريان أن تكسوه، وأن لا تتنكر لبني جنسك" (اشعيا 58: 4، 6-7). أما أبواب التضامن والعطاء والاحسان فعديدة واسعة..عين القلب تكتشفها. وهي ليست دوماً مادية.. فالتضامن المعنوي والسند الروحي والانساني والكلمة الطيبة والموقف النبيل هي أكثر قدرة على شفاء المنكسري القلوب من الجيوب! - في السنوات الأخيرة ومنذ الحصار والحروب المتتالية، تنضمت في الكنائس مساعدات مختلفة، منها ما يجود به اخوة متبرعون من عندنا، بارك الله سخاءهم، ومنها ما تجود به مشكورة كنائس شقيقة من الخارج، على غرار ما فعل بولس الرسول فأصبحت جماعاتنا هنا هي جماعة اورشليم المحتاجة: ترى باية روحانية نقبل هذه المساعدات؟ اتكالية وطمع في المزيد؟ رضى وشكر" امتعاض من انها غير كافية؟ حسد من انها أقل مما أخذ آخرون؟ أم نعمة يجود بها الرب على يد الاخوة وكعلامة تضامن في وقت الضيق؟ وأنا نفسي هل أفكر أن أساهم ولو بقليل مما استطيع في صندوق اعانات الكنيسة؟ فهناك دوماً مَن هم اضعف مني. - أما فيما يخص الوحدة والتلاحم في الكنيسة: هل نشعر باننا حقاً أعضاء اسرة ايمانية واحدة؟ هل نشعر ونعيش حقّا علاقات الكنائس كجماعة ترتبط بالمسيح ذاته، وتتغذى من كلام الانجيل نفسه وتحاول تطبيقه في ما هو لبناء الوحدة أم لايجاد الآيات والتأويلات التي تبرر عيوبنا وتفرق؟ هل نقبل التعددية كحالة غنى في التراث واساليب التعبير عن الايمان الواحد، أم نركّز على الخصوصيات والفروقات الطائفية لنضخمها ونعطي لها المطلقية ونثقلها بصدأ التاريخ لنبرر رفضنا للانفتاح والتعاون والتنسيق والتّوحد في قراراتنا وتوجيهاتنا الراعوية وتوحيد أعيادنا؟ - وضمن الجماعة الواحدة، كنسياً أو اجتماعياً أو حتى في المجوعات الصغيرة والاخويات والانشطة، هل نحاور حقّا ونسمع بعضنا البعض ونقترح سوية للتطوير والعمل الأفضل والوصول الى الفهم المشترك بروح المسؤولية والالتزام.. لا بذهنية الفارض والمنفذ؟ - لقد تعمدت أن أضع الافكار بصيغة اسئلة؟ اجوبتها التطبيقية لدى كل واحد وواحدة منّا. انها مادة لفحص الضمير. آمين
+ المطران جرجس القس موسى
|