مواقف إنسانية إكمال الدراسة الجامعية لأسباب أمنية وعدم وجود الجامعات في مدينة الموصل آنذاك اضطررت للعمل في القطاع الخاص ريثما تنفرج الأمور ... وبمساعدة قريب لي تمكنت من شراء سيارة نوع ديوتو موديل 1958 وكنت آنذاك في الثامنة عشرة من عمري .. وكنت اشتغل فيها داخل مدينة بغداد ... وذات يوم خرجت من دار شقيقي الواقعة في منطقة العبيدي وكانت الساعة حوالي التاسعة صباحاً. ولدى وصولي إلى منطقة بغداد الجديدة استوقفتني مفرزة من شرطة المرور. ونظراً لعدم حيازتي على إجازة السوق فقد قامت مفرزة الشرطة بحجزي واقتادتني إلى مركز شرطة الرشاد مع أشخاص آخرين لنفس المخالفة.. وفي صباح اليوم التالي اقتادوني إلى محكمة المرور الواقعة في نفس المنطقة ولدى مثولي أمام القاضي قرر تغريمي مبلغاً قدره عشرة دنانير أو السجن لمدة عشرين يوماً وذهب الشرطي إلى محاسب المحكمة لدفع الغرامة. وأوضحت لمحاسب المحكمة باني لا املك المبلغ المطلوب عدا دراهم معدودات ورجوته أن يسمح لي بالذهاب إلى أقربائي لإحضار المبلغ مقابل احتفاظه بسنوية السيارة وهويتي الخاصة.. إلا أن المحاسب رفض طلبي رفضاً قاطعاً بحجة عدم الجواز القانوني لمثل هذا الإجراء وباشر بكتابة محضر يقضي بسجني لمدة عشرين يوماً نظرت خلفي فشاهدت رجلاُ في منتصف العمر وكان يسمع الحوار الذي دار بيني وبين موظف المحكمة.. إبتسم الرجل بلطف واخرج حافظة النقود من جيب سترته وناولني ورقة من فئة العشرة دنانير وطلب مني أن أسلمها إلى محاسب المحكمة لقاء الغرامة .. حدث كل هذا بهدوء تام وسرية .. وبعد أن سلمت المبلغ إلى السيد المحاسب فغر فاه ونظر إلي بتعجب ولم يسألني عن طريقة الحصول على المبلغ باستثناء آهات بدرت منه تدل على امتعاضه من سلوكي. استلمت الوصل وعدت إلى الشخص صاحب الفضل وطلبت منه أن يرشدني على عنوانه لرد الجميل إلا انه أصر على الرفض رجوته بإلحاح أن يعطي لي اسمه على الأقل دون جدوى وعندها قال لي اذهب مع السلامة. محلل وموهوب .. حدث هذا قبل 43 عاماً وكأنه البارحة.....
|