من: مذكرات بين جبلين كريم إينا / بغديدا
العصا السحرية كنا صغارا ً نذهب إلى الكنيسة لنلبس حلَّة الطهر والبراءة كجوقة ٍ صغيرة للتعليم المسيحي كلّ حسب هيئته ِ يتهلل ويمجد الله كما كان في البدء الآن وعلى الدهر ِ سواء كان بحلاوة مدح مريم العذراء ومحبة درب الصليب ووفاءا ً للطفل يسوع أو صلاة القديس أفرام أو مار يوحنا المعمذان أو المديح أو نشيد الوردية كنت أذكر تلك الألحان ولحد الآن ترّن ُ بأذنيَ أتخيل ُ العصا الخشبية الملّونة المطعمة بألوان الصوندات المتقطعة بالأحمر – والأصفر – والأخضر – والأزرق – كانت بمثابة المؤشر الملهم للألحان والتأنيب الساحر للأبدان المشاكسة لا زلت ُ أتذكر الرجل الجليل ذو القامة الرفيعة الطويلة والجّبة السوداء الذي كرَّس حياته لخدمة الكنيسة منذ نشوئها ولحد الآن أراه يحتضننا ويدافع عن سعادتنا إنه الأب لويس القصاب أدامه ُ الله ذخرا ً لنا وللأجيال القادمة عمل الكثير والكثير ولا يزال جبينه ُ ينضح ُ عرقا ً خدمة ً للآخرين .
* * *
دم التضحية
كان يوما ً مشمسا ً طلب الأب الجليل من مجموعتنا الشبابية المشاركة ضمن إحدى الندوات الكنسية للقيام بترميمات جديدة بجدار غرفة الكنيسة ( القونخ ) . كان من ضمن المتبرّعين أنا ونمرود أحد أصدقائي قمنا بفتح ثغرة في الجدار لوضع باب لمحراب الكنيسة كنت أعمل أنا في الخارج وزميلي في الداخل بيدي الهيم ( قضيب من الحديد ) وبيد صاحبي مطرقة الكنيسة ( شاطوف ) وفي ذلك الوقت تعتبر أكبر مطرقة في قرة قوش . وأثناء العمل حصل الذي حصل . كنت أبتعد ُ مترا ً واحدا ً عن الحائط وبعد إكمال الثغرة بيني وبين نمرود والله يعلم ما في القلوب ولكثرة التباهي وعدم صدق المألوف إنزلقت المطرقة من الخشبة التي بيد زميلي نمرود فأتت مسرعة ً كالخفاش لتلتصق بوجهي لحظتها أظلمت الدنيا أمامي قلت يا مريم فسقطت على الأرض متألما ً والدماء تنزّ من جبيني وزميلي المسكين نمرود ظنَّ أني مت ُ هرب إلى البيت من الخوف وبقيَ متخفّيا ً فيه ِ . في تلك اللحظة حضرَ الأب الجليل لويس قال لي بالحرف الواحد سلامات هل ضربت نفسك ؟ ساعتها كنت ُ ملّطخا ً بالدماء . أذكر جيدا ً الحادثة قلت ُ له ُ يا أبت ِ زميلي هو الذي ضربني من دون قصد . إبتسم مد ّ يده ُ في كُمه ِ أعطاني جكلّيت ( بركة ) وقال لي هذا الدم الذي نضح منك في هذا المكان هو دلالة رمزية على مشاركتك لخدمة الكنيسة وقوة إيمانك بعد التجربة . في تلك اللحظة كان الشهيد البطل عزيز هادي حنونا رحمه ُ الله متواجدا ً معنا فطلب منه ُ الأب نقلي إلى المستشفى بواسطة سيارة ( قلاّب ) وفي المستشفى تمَّ إجراء لي فحوصات الأشعة للتأكد من سلامة الجمجمة من الصدمة حمدا ً لله في كل وقت لم يحدث لي مكروه وإنما نلت ُ بركة المسيح بإراقة قطرات بسيطة من دمي في الكنيسة فكانت التضحية .
* * * الثقل الكبير
يوما ً بهيجا ً أضيف بمناسبة العيد الكبير كانت الأمسية الشعرية جميلة عندما أتى دوري لإلقاء قصائدي شعرت ُ وكأني نسيت ُ الكلمات وإبيَّضت الصفحات أمامي لعله ُ شيء ٍ ما أحسّ ُ به ِ إنه ُ يصلّي ويصلّي لإيصال كلمات قصيدتي إلى السماء إلى القديسّين ورغم الصلاة والتبجيل أصبحَ عبئا ً كبيرا ً عليَ لم أستطع أن أتحمله ُ أو أسيطر ُ على نفسي ربما أتهت ُ القصيدة . يمر ُ عمري والشعر ُ غذاء عيشي كالأزهار والورود تذبل لتأكلها الدود كالثلج يعطي الفصوص فيثلج قلبي لا يشعر بالثقل ِ أحد إلاّ الثقيل .
|