الشجرة الساهرة
بعد ان حاور جدي حفيده في الحوارات السابقة كاهن فلاح ـ الزارع يزرع الكلمة ـ لؤلؤة الحياة وحفيده كله سمع ونظر ويحس بنشوة اللقاء وكأنه يقول : " قد أتيتُ الى جَنَتي يا أُختي العروس وقطفتُ مُري مع اطيابي واكلتُ شَهدي مع عَسَلي وشَرِبتٌ خَمري مع لَبَني كُلوا أيُّها الأخِلاء اشربوا واسكروا أيُّها الأحباء܀ " نشيد الاناشيد 5 / 1 اما جده يريد ان يستمر الحوار ويكمل المشوار من اجل الكلمة التي اُختير من اجلها لكي يزرعها كما كان يزرع ارضه بالبذور وان يفتش كذلك عن الخروف الضال ويحتضنه ويضمه الى صدره بحنان ويحمله على الاكتاف كما حمل مخلصه وفاديه الصليب وسار به الى الجلجلة وهو فرح بذهابه الى الموت على الصليب بمشيئته واختياره من فيض محبته من اجل الخراف الضالة والخطاة والعشارين والمجرمين والعميان الذين لا يروا النور ذلك النور الي شعاعه اقوى واشد من نور الشمس. حفيده جدي اننا لانريد ان نعود بتفكيرنا الى اجيال مضت وناخذ من كنز الماضي عِتقاً لكن نريد ان نعايش تلك الاجيال ليعطونا منهم الخبر، والصالح منه لتوسيع آفاقنا في عصرنا الحالي فنطعمها بتراث الآباء لاننا نعيش اوضاعاً مختلفة وعقلية مغايرة ولكن نتشابه في المبادئ الاساسية التي سُنت وكأنها لليوم الراهن ، فالمشكلة التي تعتري الانسان هي مشكلة الهدف الذي يصبو اليه، اهناك خلاص لحياته ام انه يُضيعَ على هذه الارض احسن ما فيه ، فيكون قد هدر ما اعطاه اللـه ولم يستثمر الوزنات ( متى 25/ 14 . ام سينتبه الى اللـه الذي يحبه ويتبعه في خطوات حياته كلها ويقدر المحبة التي منحه اياها ويبادله بمثلها محبة صادقة ويتم لقاء المحبة المعطاة والمحبة القابلة عطية اللـه ولقد قال الاباء والملافنة܀ " صار اللـه انساناً ليصبح الانسان إلهاً اذ في تجسد ابن اللـه كمال البشرية الاساسي" إذن لنعود نستقي من هذا الايمان لينير مراحل الحياة بالآله المتأنس الذي اتى ليعيد لنا فكرة الازل التي كنا خسرناها وبخسارتها اظلمت الحياة وباتت مخيفة . يا جدي ان التعليم الالهي رغم ما فيه من جمال لا يغير ارادات البشر التي لا تريد ان تتغير لانهم " يسمعون ولا يسمعون ولا هم يفهمون وفيهم تتم نبوءة اشعيا حيث يقول : تسمعون سماعا ولا تفهمون وتنظرون نظرا ولا تُيصرون فقد غلظ قلب هذا الشعب واصموا آذانهم واغمضوا عيونهم لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم ܀"متى 13/ 14 ـ 15 جدي لقد تعلمت القراءة والكتابة في مدرسة الكنيسة وكنا نقرأ ونكتب بالحرف السرياني وكذلك الكرشوني " حروف سريانية اما اللفظ والصوت بالعربية" ، ان المرحوم الكاهن الذي سبقني وكان شيخا في العمر متزنا وهادئا والصفة التي سحرتني به هو تواضعه للصغير والكبير، شجعني على قراءة الكتاب المقدس فتعلقت بالكنيسة فصار الكتاب المقدس صديقي واخي ومعلمي وسراجي فكانت كلماته نور ومعانيها حياة فهو في الفرح مسرة وفي الحزن تعزية وفي الكأبة رجاء وفي الضيق أمل لتحقيق الهدف وفي المشكلة حل وسرت كما في رسالة بولس الرسول الثانية الى طيموثاوس 3/15 : "تعلم الكتب المقدسة منذ نعومة أظفارك، فهي قادرة على أن تجعلك حكيما فتبلغ الخلاص بالايمان الذي في المسيح يسوع. فكل ما كُتب هو من وحي اللـه، يفيد في التعليم والتفنيد والتقويم والتأديب في البر، ليكون رجل اللـه كاملا مُعدا لكل عمل صالح " وعندماكنت أقرأ لا ازيد عن بعض الاسطر واعطي لنفسي الوقت للصمت والتأمل بما قر أته وكانت كلماته ترن في أذنيَّ وكأن احدا يقول لي ينبغي لك ان " تلبس الانسان الجديد الذي خُلِقَ على صورة اللـه في البر وقداسة الحق"افسس 4/24 وتنقلب رجلا اخر فكانت لي اختبار، وسارت رغباتي يوما بعد يوم "لأشارك ابناء اللـه في حريتهم ومجدهم܀ " روميه 8/ 21 واخذني التلذذ لكي اصل الى المنزل الابدي والوطن السماوي المفعم فرحا وعرفت ان ذلك لا يتم الا بعد زمان تعب وامتحان، زمان حرب مع نفسي والعالم واسال متى اشاهد ملكوتك ؟ ومتى تكون لي كلا في الكل؟ " ليكون اللـه كل شئ في كل شئ" 1 كو 15/28 ولكن الرب يقول لي انتظرني " حتى يتم في ملكوت اللـه܀" لو 12/18 حفيده يا جدي وكيف تم اختيارك للكهنوت ؟ وانت كنت فلاح منهمك بعائلتك وامور الحياة الصعبة الاخرى جدي يا ابني اختيار الكاهن لا يتم حسب عاطفة اورغبة بشرية محضة ولكن هي مشيئة اللـه ونعمة منه لاننا نؤمن بذلك ها هو هارون الكاهن بن لاوي عندما أفرخ وبرعم وازهر وانضج لوزا فرعه وصار كاهنا كما قال الرب : " وكان في الغد ان موسى دخل خيمة الشهادة ، فاذا فرع هارون الذي هو لبيت لاوي قد افرخ وبرعم وازهر وانضج لوزا، فأخرج موسى جميع الفروع من امام الرب الى جميع بني اسرائيل فرأوها واخذ كل واحد فرعه " عدد 17/ 16 ـ 25 " انت وبنوك وبيت ابيك تحملون وزر المقدس وانت وبنوك معك تحملون وزر كهنوتكم ܀" عدد 18/ 1 قضيب اللوز الذي افرخته عصا هرون الجافة والتي كانت لاتحمل حياة في ذاتها لكنها اثمرت كلمة اللـه الحية والساهرة لاشباع المخدومين . إن قضيب اللوز يعني في العبرية الساهر ( شِقد ، شوقِد) وعلى هذه التسمية سميت شجرة اللوز "الشجرة الساهرة" التي تراقب الربيع ساهرة لكي تُزهر مبكرا قبل سائر الاشجار وهي هنا توحي لنا باليقظة الدائمة تمتلئ بالورد الابيض لتعلن ان فصل الشتاء قد قارب على الانتهاء وان فصل الربيع اوشك على الاقتراب بمعنى اخر انتهى وقت الموت "للنبات" لتحل الحياة من جديد . تشهد شجرة اللوز لعمل اللـه الفائق القدرة الذي يخرج الحياة من الموت، وكأن هذه الشجرة تبقى ساهرة على بقية الاشجار فتشير الى اللـه الذي يسهر على كلمته لتعمل في حياة الناس " وكانت كلمة الرب إليَّ قائلا: ماذا ترى يا إرميا؟ فقلتُ إني راءِ غصنَ شجرة ساهرة( قضيب لوز) فقال لي الرب قد أحسنت فيما رايت فأني ساهر على كلمتي لأصنعها" إرميا 1/ 11 لو تاملنا قليلا في كلمة اللـه الى ارميا نراها تؤكد لارميا خطأ ما يقوله الكثيرون في عصره كما في كل العصور حتى يومنا هذا الرب لا يُحسن ولا يُسئ "ويكون في ذلك الزمان أني أُفتش أُورشليم بالسُّرج واُعاقب المُنغمسين في اقذارهم القائلين في قلوبهم لا يأتي الرب بخير ولا بشر فتكون ثروتهم نَهبا وبيوتهم خرابا فيبنون ولا يسكنون فيها ويغرسون كروما ولايشربون خَمرها "صفنيا 1/12 ـ 13 اي ان اللـه لايفعل شيئا وليس له القوة والجبروت والملك ومن جهة اخرى يعطي الطمأنينة وتحذيرا في نفس الوقت فان كان العمل صعبا ومرا، لكن اللـه نفسه هو العامل فلا يليق بارميا ان يخاف او يضطرب وفي نفس الوقت ان الرب هو الملتزم بكلمته والساهر عليها فان لم يعمل النبي بالكلمة الالهية يعمل اللـه بآخر غيره . ان كان اللـه يجري بنفسه كلمته وهو ساهر عليها فكم يجب علينا نحن ايضا ان نسهر لئلا يحل بنا الشر لهذا بعد رؤية قضيب اللوز ولكن نحن الان في عهد جديد اعظم من قضيب اللوز الا هو تجسد ابن الاب الازلي وصار انسانا وحل بيننا وسكن معنا ذلك الساهر على كلمته لكي تُبنى مملكته في داخلنا بدون ذلك الزوان والغرس الغريب فنتزعه تماما ليحرق بنار ونلقيه خارجا عنا لكي لا يعوق البناء الجديد بالمسيح . ليكن الايمان سلاحنا وعيوننا ساهرة وقلوبنا مشبعة بالامل والرجاء بالمسيح الذي هو يقوينا ويثبتنا لانه دعانا الى ملكوته السماوي " كونوا قنوعين ساهرين ، ان ابليس خصمكم كالاسد الزائر يرود في طلب فريسة له. فقاوموه راسخين في الايمان الاله الذي دعاكم الى مجده الابدي في المسيح هو الذي يُعافيكم ويثبتكم ويقويكم ويجعلكم راسخين ܀" 1بط 5/ 8 ـ10 حفيده جدي ان الرب يعطي كلمة للمبشرين ذات قوة لكي تقلع ما تصادفه من عدم الايمان او الرياء او الرذيلة ، قوة تهلك وتهدم اذا ما تواجدت اوثان مُقامة في داخل القلب، حتى إذا ما هُدم الوثن يُقام مكانه هيكل الرب وفي هذا الهيكل يترآى مجد اللـه ويظهر فلا يعود ينبت الزوان انما فردوس اللـه في هيكل اللـه. جدي يا ابني ان السهر واليقظة واجب لكي ننال ملكوت اللـه لنكن كتلك الشجرة الساهرة التي تنتظر نور وحرارة الربيع لكي تزهر مبكرا وتعطي ثمرتها قبل الكل فهي سباقة والاولى في السباق لنسهر مع البتولات الخمس ومشاعلنا مملوءة من الزيت لنسهر مع هولاء الخدم الذين ينتظرون سيدهم و لنعمل بامانة ونحن ساهرين على تلك الامانة التي اعطاها ايانا ربنا ونتاجر بالوزنات لنربح مثلها او اضعاف ونكون مستعدين عندما ياتي ربنا ويحاسبنا وننال الطوبى كما يقول الكتاب : اسهروا إذا لانكم لا تعلمون أي يوم ياتي ربكم... كونوا انتم ايضا مستعدين ففي الساعة التي لا تتوقعونها يأتي ابن الانسان ... طوبى لذلك الخادم الذي إذا جاء سيده وجده مُنصرفا الى عمله هذا܀ متى 24/ 42 ، 49 ايها الاخوة ، لستم في الظلمات حتى يفاجئكم ذلك اليوم مفاجأة السارق، لانكم جميعا ابناء النور وابناء النهار، لسنا نحن من الليل ولا من الظلمات،...الذي مات من اجلنا لنحيا معا مُتحدين به ، أساهرين كُنا ام نائمين(الرقاد / الموت) 1 تس 5/ 4 ـ 10 يا ابني ان جدنا آدم وامنا حواء لم يحافظوا على نقاوتهم فخسروا ملابسهم فبعد المعصية نزع اللـه عنهما حلة المجد لئلا يتكبران ويهلكان الى الابد مثل ابليس، لذلك اعطاهما فرصة للتوبة والخلاص. ولكن بعد ملء الزمان تجسد ابن الاب الازلي ليجدد ادم ونسله فبالمعمودية أُعيدت لنا حلة المجد التي سرقتها الحية من ابينا الاول وامنا الاولى وهما بين الاشجار فنلد ولادة روحية ثانية من الماء والروح فالذي يسهر وينتبه لمجئ الرب قبل ان يباغته في ساعة غير معروفة كالسارق ولم يدنس ثيابه فسينال الحياة " لاتدري في أية ساعة أُباغتك،...ولكن من الناس لم يدنسوا ثيابهم ، فسيواكبونني بالملابس البيض، لانهم اهل لذلك فالغالب سيلبس هكذا ثيابا بيضا ولن امحو اسمه من سفر الحياة ܀"رؤ 3/3 ـ5 اما الذي لايسهر ويتوب ويعمل اعمالا صالحة لائقة بابناء اللـه سيخسر حلة المجد كجديه الاولين "هائنذا آتٍ كالسارق، فطوبى للذي يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يسير عُريانا فتُرى عورته ܀" رؤ16/ 15 حفيده نختم حوارنا يا جدي بمقطع من نشيد لمار افرام السرياني 373م " نشيد الصوم ، نشيد البركة 6 " افتحوا الكتب اذاً يا إخوتي وخذوا منها بفطنة: لانها كنز مشترك بين جميع البشر ها كل انسان يمسك مفتاحه مثل وكيل المال: فمن لا يغتني ؟: مُبارك من رفع عنا عِلَّة شقائنا ܀ عظيمة هي الهبة الملقاة امام اعيننا العمياء: لكل واحد منا عينان : لكن قلةً ترى هذه الهبة: وتدرك حقيقتها ومصدرها : تحنن يا رب على العميان الذين لا يرون غير الذهب ! ܀ يا يسوع ، يا من فتحت عيني ابن طيما: فتحتهما دون مشيئته بعدما عميتا : إفتح يا رب عيونا التي عميت بمشيئتنا: نعمتك عظيمة يارب : والطين الذي جبلته عَلمنا انك ابن جابلنا܀ خالد داود يوسف 2/11/ 2009 المراجع 1ـ الكتاب المقدس 2ـ اناشيد مار افرام السرياني 3ـ الايام السته لمار يعقوب السروجي 521 م
اكبس هنا للانتقال الى الصفحة الرئيسية للاستاذ خالد
|