لحناً بريئاً ... أنتم
أهلٌ له
كلمة وفاء لغبطة أبينا البطريرك
ميشيل صباح
بمناسبة تسليمه مقاليد
البطريركية الأورشليمية
هليلويا ... وفاءً لمسيرة الحياة التي إجتزتم مراحلها يا غبطة أبينا البطريرك ميشيل صباح الكلي الطوبى، وهدمتم حواجزها من أجل بناء جسور المحبة والمسامحة، فكلّلتموها بالعطاء والخدمة والوفاء ... يسرني أن أعزف لكم لحناً بريئاً من إبنٍ بعيد بل قريب منكم رغم فؤاده الجريح من أجل الوطن، حيث أبناؤه يذرفون دموعاً ودماء ... فرغم كوني جريح الحياة، فلابدّ أن أكون لكم قيثارة بابلية، أوتارها تنقلني من أرض الرافدين _ حيث كانت الحضارة، ومن أرض نينوى وبابل حيث الأحفاد يتعذّبون بل يُضطَهَدون _ إلى حقول القدس المعطاء، وسهول أورشليم المتموجة بخضرتها، وإلى جبال الناصرة المقدسة وتاريخ أرضكم التي وطأتها أقدام الخلاص ... من أجل هذه جعلتم نفسكم شاهداً للمسيح. فقد كنتم طوال حبريتكم معنىً جديداً رغم ما كانت ولا زالت الحرب بشعة بفصولها. نعم، مع هذا لم تُعتّم سماءكم أبداً، ولم تعكّر صفاء آفاقكم أو تعرقل مسيرة إيمانكم وقداستكم، فقد رأيتُ فيكم شعلة متّقدة في حنايا الفؤاد وأضلع الزمن ... كنتم في مواعظكم وفي رسائلكم كلاماً صعباً بل منيراً، ولم يستطع سماعه أو قراءته إلا الذين تجرّدوا عن الدنيا من أجل الفرح الحقيقي ... وحرية الحياة التي عشتموها مع شعبكم مشاركين إياه في حمل الصليب وتسلّق الجلجلة علامة تجرّدكم من هذا الزمن الزائل. كنتُ أواظب على قراءة خطبكم، فكنتُ أرى أن المسيح يسير معكم ويواكب كل خطوة من خطواتكم ... كان رفيقاً لدربكم بل شريكاً لمعاناتكم، بل معلّماً لمقاصدكم ومحققاً لأحلامكم وتطلّعاتكم من أجل أن يبقى في أرضه حاملاً صليبه، ومذكّراً أنه لا يمكن أن يبقى القيرواني حاملاً صليب المسيح وابن الصليب بعيد عن ربّه. نعم، أنا إبنكم. لقد كلّمتكم منذ سنوات حينما زرتم بلدنا المحاصَر آنذاك والمحتلّ اليوم ... قدّستم أرضنا حيث وطأت أقدام بطاركة كنائسنا أرض نينوى وأور وبابل في 28 آب 1994، حينها اكتشفتُ من كلامكم أن الإنسان لابدّ أن يسير في دروب الحياة، فالحياة جميلة لأن الله أراد أن تكون حَسَنَة ... بهذه الكلمات أعيش منذ ذلك الزمن، وأراكم تسيرون أمامي، بل أمامنا، حاملين حقيبتكم وخمرتكم لتنحنوا على جريح طريق أورشليم بل جريح طريق العراق، ومن العراق واصلتم المسير نحو الشرق الأليم. نعم، أنا أعلم جيداً أنكم كم وكم سكبتم دموعاً ودماءً من أجل شعبكم، وحملتم راية تنادي بحبّ الأعداء، فلا أعداء المسيحية. كان اليتيم بيت قصيدتكم، تنحنون بكل إجلال لتمسحوا دموعه، وتضمّدوا جراحاته، وتسقونه كأس ماء لأنه للمسيح، من أجل طريق الحياة، لأن المعلّم سلّم لكم أمانة الطريق. رأيتكم تحاورون الغريب عن إيمانكم، فكنتم له أخاً بل ودوداً، رسمتم معه منطق التفكير وعمق الموقف، وفياً أميناً مؤمناً أن قضية السلام هي قضية مدينتكم بل شعبكم بل قضيتكم، وهذه كانت أسمى مبادئ وأرفع قياس لرسالة حملتها سنين حبريتكم في مسيرة البطريركية. نعم، تعلمتُ أن أكتشف منكم أن الشهادة الحقيقية لا يمكن تحصيلها إلا تحت أقدام الصليب ... إنها النصيب الصالح الذي لا يُنزَع منكم ... نصيب مَن وجدوا الفرح والرجاء معنىً لحياتهم، وهو خالد وجودهم ... وما أجمل ما خطت يدكم في رسالتكم الأخيرة، بل وما أجمل المناسبة التي فيها تسلّمون مفاتيح الرسالة إلى خلفكم ... أليس مار يوسف الرجل الأمين الذي عاش بصمت وهدوء، فكان صمته صلاة وكلمة؟ ... وإنني متيقن أن صمتكم سيكون صلاة للرب من أجل بلدي الجريح ليعود إليه السلام والأمان، كما لقدسنا المقدسة. كما إنني متيقن أن صلاتكم ستكون الحديث الأكيد مع الرب من أجل سلام العالم بدءاً بقدسنا الحبيبة وعراقنا العزيز ولبناننا الجميل وعبر كل الشعوب ... وهذا أجمل لحن أعزفه لكم ... إنه لحن بريء. فاقبلوا منا يا غبطة أبينا هذا اللحن البريء ... سأبقى وفياً عبر صلاتي المتواضعة لِما علّمتم شعبكم ومن خلالكم تعلّمتُ الكثير، فكنتم لي من بعيد أو قريب درباً نحو العلياء، كما ستكون لي دماء الشهداء الأبرياء أمثال المطران بولص فرج رحو والأب رغيد كنّي والأب بولس اسكندر هي الرجاء. نعم، هذا هو لحن السماء وأنتم أهلٌ له. ودمتم يا غبطة أبينا البطريرك ميشيل صباح ... نعم، وآمين.
ولدكم
المحب
المونسنيور
بيوس قاشا
خوري رعية مار يوسف
للسريان الكاثوليك
المنصور
ـ بغداد
19 آذار
2008
|