ميلاد المسيح .... دعوة الى الفرح
" المسيح ولد فلنمجده ، المسيح جاء من السماء فلنخرج للقائه ، المسيح على الأرض فلنرفعه " أيها الأخوة المباركون : هكذا بدأ القديس غريغوريوس الناطق بالالهيات عظته ليلة عيد الميلاد المجيد عام 380 م ثم أوضح معنى الاحتفال بالعيد بقوله .اليوم نحتفل بمجيء الله الى الانسان لكي يعود الانسان الى الله . إذن لنخلـع انساننا القديم ونلبس الجديد ، كما اننا متنا في آدم نحيـا بالمسيح ، نولد مع المسيح ونصلب ونموت وندفن معه . احتفالنا اليوم بمجيء المسيح الينا يكتمل حينما يكوناحتفال أيضا بالعودة اليه . في مثل هذا اليوم : " أشرق نورا على المسكونة وظهر ملاك للرعاة قائلا لهم : لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب ، أنه ولد لكم اليوم في مدينة داؤد مخلّص هو المسيح الرب . ( لوقا 2 : 10 – 11 ) . عيد الميلاد كما جاء أيضا في رسالة قداسة البابا الى العالم هذه السنة هو دعوة الى الفرح الذي يوقظ قلوب المسيحيين وهو بشارة نبوية موجهة الى البشرية جمعاء . وبهذه المناسبة تحدّث قداسة البابا بندكتس السادس عشر أمام آلاف المؤمنين بمن فيهم آلاف الأولاد الذين دعوا خصيصا في هذه المناسبة عن الأشد فقرا والأشد افتقارا الى الفرح . وقال : ( أذكر أشقاءنا وشقيقاتنا وخصوصا في الشرق الأوسط وعدد من المناطق الأفريقية وأنحاء أخرى من العالم الذين يعيشون مأساة الحروب ، أي فرح يمكن أن يعرفوا ؟ كيف سيحّل عيد الميلاد عليهم ؟أذكر المرضى والأشخاص الوحيدين الذين يعانون في أجسادهم وكذلك في أرواحهم ويشعرون بأنهم متركون ، كيف السبيل الى تقاسم الفرحة معهم مع احترام معاناتهم . وأضاف قداسته : ( فكري يتجه اليوم الى مئات الآلاف من اللاجئين العراقيين في سوريا الذين أرغموا على ترك منازلهم بسبب الوضع الدراماتيكي في العراق . وذكر قداسته أن جمعية كاريتاس الكاثوليكية في سوريا تعمل على مساعدتهم ، لكنه ناشد القطاع الخاص والمنظمات الدولية والحكومات بذل مزيد الجهود من أجل تلبية مطاليبهم ، وخلص قداسته الى انه يصلي كي يهدي الله وذوو القلوب الكريمة روع اخوتنا وأخواتنا هؤلاء ليعيدوا البسمة في قلوب اخوانهم المشردين والمشتتين ليشعروا بفرح عيد الميلاد ) . يغمر فرح عيد الميلاد قلوبنا عندما يأخذ المسيح يتكوّن فينا ويأخذ مكانه في حياتنا على ما يقول القديس بولس الذي نادى أهل غلاطية بقوله لهم : يا أولادي الذين أتمخّض بهم ثانية حتى يتصوّر المسيح فيكم . الميلاد هو سر هذه المبادلة العجيبة بيننا وبين يسوع ، عندما نفكّر بأن خالق الجنس البشري ، أخذ جسدا وولد من العذراء وصار انسانا وتكرّم علينا بأن رفعنا الى مقام الالوهة .والقديس ايريناوس يقول : هذا هو السبب الذي من أجله صار الله انسانا وهو ان يصبح الانسان ابن الله وفي المعنى عينه قال القديس اثناسيوس : " صار ابن الله انسانا ليجعل منا أبناء الله ." أيها الأحباء : إذا كانت هذه دعوة الله لنا أن نصبح آلهة ورفعنا الى مقامه السامي وجعلنا أبناءه بالتبني وغرس فينا بذار الالوهه . هل عبدناه تعالى كما يجب وعملنا بتعاليمه الالهية وحافظنا على خشيته في قلوبنا ؟ إن ما توصلنا اليه في هذه المجتمعات الغربية وفي بلادنا الشرقية على السواء من سوء حال يوجب علينا أن نطرح على انفسنا مثل هذه الأسئلة ، وأن يجيب عنها كل منا في قرارة ضميره ، لنعرف الى أين نحن ذاهبون ؟ هل يعقل أن يباد في العراق أكثر من نصف مليون شخص في غضون ثلاث سنوات ، منهم قتلوا بالتفجيرات ، ومنهم مزقت اجسادهم بالتعذيب ، ومنهم ذبحوا كما تذبح الحيوانات ، من رجال الدين ورجال السياسة ودون استثناء ، الأطفال والشيوخ والنساء من العزل والمساكين . ناهيك عن مليوني شخص من أبنائه مشردين ومشتتين بدون مأوى في البلدان المختلفة من العالم . التباكي لا ينفع ولا يفيد ، وخير ما في الإمكان فعله لوضع حد لأراقة الدماء ودمار البلد هو في رصّ الصفوف ونبذ الخلافات والرجوع الى منطق العقل والضمير لتوحيد الرأي ولوضع خطة رشيدة تجمع جميع الأطياف والأحزاب السياسية والدينية وشرائح المجتمع العراقي على هدف واحد هو أولا : إعادة الطمانينة الى النفوس ونشر السلام في القلوب ، واستعادة جميع الطاقات التي هجرت العراق لتتظافر الجهود وتمتد الأيدي الى المصافحة الأخوية ، والى العمل معا بثقة واخلاص لترميم ما تهدم في النفوس قبل ترميم ما تهدم في البناء والمؤسسات ، ومتى خلصت النيّات وقطعت الطريق على أهل الفتن وزارعي الشقاق والدمار والموت ، يستعيد حينذاك العراقيون ثقتهم بذاتهم وببلدهم ، ويمدّون أيديهم الى جيرانهم ليتعاونوا معهم على قدم المساواة لما فيه خيرهم المشترك ومستقبل أجيالهم الطالعة . أما نحن المغتربين ، فلنشكر الله على عطاياه الغير المحدودة لنا ولا نتكبّر ونتعالى ونتجاهل الرب أمام مغريات هذه البلدان والمجتمعات الغربية والتي غالبا ما تقودنا بسهولة الى التهافت على انواع الملذات والشهوات العالمية ، فتبعدنا عن الله والقريب . وخير دليل ، ما نلمسه في عدد كبير من أبناء جاليتنا هنا ، من انفلات خلقي واللامبالاة بالقيم الروحية والأخلاقية ، والابتعاد عن الكنيسة ، من تفكك العائلات ، من زيادة في حالات الطلاق ..الخ وهذا مؤشر أيضا خطير ينبيء بمستقبل قاتم ، وحالة ضياع مخيفة لأبنائنا وبناتنا خاصة من ناحية ايمانهم المسيحي وفقدان هويتهم الشرقية الأصيلة . ما أحوجنا اليوم جميعا بمناسبة عيد ميلاد المخلّص ( نور العالم ) أن نفتح عيوننا جيدا لنملأها من نور المسيح . فنختار لحياتنا ما هو صالح وجيد وافضل في هذه المجتمعات ولا ننقاد الى الباطل الذي يقتل حياة الله فينا . أعزائـي : لا سلام لنا ، ولا راحة بال ، اذا لم يملك المسيح حياتنا ، لا أمان ولا طمأنينة اذا لم نتحّد بالمسيح ، لا هدوء ولا استقرار لحياتنا ، لبلداننا ، للبشرية ، إلا بيسوع الذي يملأ القلوب فرحا وبردا وسلاما . كلنا أخطأنا ضد الله والقريب وشوّهنا صورة الله فينا . واليوم وليس غدا يوم العودة الى حضن الأب ، فلنهرع الى طفل المغارة مثل الرعاة والمجوس فرحين لنلقاه بالمذود حيث التواضع والبساطة فنتعلّم كيف نخرج من ذواتنا لنتمتّع بنور البذل والتضحية ، ونخرج من خطايانا بالتوبة ، فنتمتع بنور حياة القداسة والطهارة ، نخرج من جهالات العالم وشهواته ، لنتمتع بنور الحكمة الحقيقي . حينذاك يتمجّد الله ويتسالم البشر ويسرّ الانسان ، بهذه المصالحة الشاملة تكتمل مصالحتنا مع الله والقريب فيشعّ فينا فرح المسيح الدائم ليمتد فيغمر أبناء وبنات المعمورة كلها. المسيح ولد لنمجده في حياتنا ، في أجسادنا وارواحنا . به وحده تطمئن قلوبنا . لآنه هو وحده رسول السلام ومانح السعادة والفرح لكل انسان آت الى العالم . هذا هو الفرح الحقيقي الذي أساله لكم في الميلاد وأعياد رأس السنة راجيا لكم ولأولادكم كل نجاح ومسالمة وفرح من نور الرب الآتي الى حياتنا في كل حناياها وتفاصيلها . ضارعا الى يسوع الطفل في ذكرى ميلاده المجيد بالجسد ، أن يمكّننا من بلوغ شاطىء الطمأنينة وإدراك ميناء السلام ، نبتهل اليه أن يعيد هذا العيد بالفرح لجميع أهلنا ومواطنينا في العراق مقيمين ومغتربين والقلوب مطمئنة وأعلام السلام ترفرف فوق وطننــا ( الأم ) العراق ولبنان وفلسطين والعالم أجمع . كل عام وانتم بألف خير المطران يوسف عبا
|