العدد / 56 السنة الثامنة 25 أيلول 2005
الأحد الثاني بعد الصليب القس : يوسف عبا: تورنتو ـ كندا إنجيل اليوم مع أحداث العصر 11 سبتمبر .. إعصار كاترينا .. ريتا .. الحروب ... الخ إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون : لوقا 13 : 1 ـ 5 وكان حاضرا في ذلك الوقت قوم يخبرونه عن الجليليين الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحهم . فاجاب يسوع وقال لهم :أتظنون ان هؤلاء الجليليين كانوا خطاة اكثر من كل الجليليين لانهم كابدوا مثل هذا . كلا اقول لكم . بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون . او اولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم ، أتظنون ان هؤلاء كانوا مذنبين اكثر من جميع الناس الساكنين في اورشليم . كلا اقول لكم : بل ان لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون . التوبـــة تتسارع الأحداث ويوما بعد يوم نسمع حوادث مرعبة ومفزعة وعلامات من السماء والأرض تحمل الأهوال والمصائب للبشرية جمعاء ، من تحطم طائرات في دول عديدة الى تدمير الأبراج العملاقة في أمريكا ثم زلزال تسانومي الذي اصاب العالم بالصدمة وضرب عشر دول من أندنوسيا الى الصومال ، واعصار كاترينا وريتا في أمريكا ، وما خلّف وراءه من احداث يندى لها الجبين في قتل وتشريد ملايين القتلى إضافة الى الخسائر المادية الفادحة تقدّر بالبلايين . يقف انسان اليوم حائرا أمام هذه الكوارث الأليمة ويتساءل عن سبب هلاك الملايين ومصيرهم وتاتي اجوبة متفاوتة ، فهناك من يزعم بانها كوارث طبيعية ليس إلا .. وآخرون يفسرونها من منطلق ايمانهم بعقائدهم الدينية بانها غضب الله عزّ وجل من جراء معصية الانسان وانحرافه عن القيم السماوية . وهذا ما كان يفكر به اليهود عندما سألوا المسيح عن مصير اولئك الذين خلط بيلاطس دمهم بذبائحم ، واولئك الذين وقع عليهم البرج في شيلوحا وقتلهم . وكان اليهود يتوقعون فعلا أن يقول لهم يسوع بان ذلك كان عقابا لهم من الله . يسوع كلمة الله وروح منه وابنه الأزلي الذي يفوق ادراكه تفسير العلماء وفلاسفة هذا الدهر يفاجيء الجميع ويقول لهم : إن لم تتوبوا فكلكم تهلكون مثلهم . كلام الهي لا يقبل الشك والجدل عالمنا اليوم ليس افضل حال من الأيام ، والتصرفات التي كان يقوم بها الفريسيون . الخطيئة ما زالت نفسها والناس ما زالوا على نفس طبيعتهم ، والبشر اليوم أخذوا يبحثون عن طرق كثيرة بعيدة عن القيم الروحية ليجدوا حلولا لمعاناتهم ومصائبهم والجحيم الذي يعيشون فيه . يلجاؤون الى ممارسة تمارين اليوكا لراحة اعصابهم وتهدئة افكارهم وهمومهم ، ويتجهون الى ملاعيب السحر والشعوذة ، ناهيك عن قراءة الفنجان وغيرها من الشعوذات الشيطانية ليخففوا من آلامهم وعذاباتهم النفسية ، ومع الأسف يبتعدون عن التوبة والرجوع الى الرب يسوع الذي قال : تعالوا اليّ يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم . أصبحت الخطيئة في عالمنا اليوم لا تعني شيئا لا بل اصبحت مزعجة لكثير من الناس . مع ذلك نلمس بأنه هناك واقعا آخر هو : أن أكثرية الناس مهما كانت أديانهم وحالاتهم يختبرون وجها مزعجا للحياة لا يبعث على الطمأنينة . وقد تكلمت الأساطير والديانات القديمة عن الشعور بالذنب وصرّح بذلك الكتاب المقدّس وتحديدا القديس يوحنا في انجيله الطاهر : إن نحن قلنا إن لا خطيئة لنا فاننا نضّل أنفسنا وليس فينا الحق .. وإن قلنا اننا لم نخطيء فاننا نجعل الله كاذبا وكلمته ليست فينا .( 1 يوحنا 1 : 8 ، 10 ) . يسوع يدعو الى التوبة والانسان المعاصر يعتبر كل شريعة أو قاعدة للسلوك تأتيه من الخارج انما هي تحديد وغصب لاستقلاله الذاتي ولحريته ، ولهذا فالخطيئة بمفهومها هذا ، أي عصيان على شريعة خارجية ولو اتت من الله يعتبرها الانسان المعاصر أمرا لا يخصّه ولا يتعلّق به . التوبة : هي بداية العلاقة بالله ، بداية طريق طويل غايته القداسة والكمال والتي يدعونا اليها اليوم سيدنا يسوع المسيح ، والتي تتمثّل بالتغيير الجذري في سلوكنا ، في تصرفاتنا في مبادئنا ، في أخلاقنا في نظرتنا الى الحياة ، التوبة الحقيقية هي التي تخلق فينا قلبا جديدا ، قلبا نظيفا طاهرا ، يقبل كل أحد من الناس مهما كانت أفكاره وتوجياته ، سياسية كانت أم علمانية أو دينية ، وهذا الانفتاح الرحب للآخر يدخلنا الى حوار جدي وفعّال للأخوّة الشاملة والحياة المشتركة المنشودة في عالم جميل يسوده المحبة والعدالة والسلام .لا يمكن أن نبني عالما جديدا ونحن محتفظين بخطايانا . الاهنا إله قدوس ولا يقدر أن يقبل أو يتحمّل الخطيئة . جميل أن نرجع في هذا الخصوص الى القديس بطرس مخاطبا جماعته حينما يقول لهم : من أين تأتي الحروب والمنازعات بينكم ، أما تأتي من أهوائكم التي تعترك في أعضائكم ؟ أنتم تشتهون ولا تنالون فتقتتلون ، أنتم تحسدون وتعجزون عن بلوغ مأربكم فتخاصمون وتقاتلون ، أنتم لا تنالون لأنكم لا تحسنون السؤآل لرغبتكم في الانفاق على اهوائكم . أيها الفجّار ألا تعلمون أن صداقة العالم عداوة لله . فمن احب أن يكون صديق العالم كان عدوا لله . ثم يتابع قائلا : اقتدوا ايها الاخوة بالانبياء الذين تكلموا باسم الرب في جلدهم وصبرهم ، إنا نشيد بذكر الذين صبروا وقد سمعتم بصبر أيوب وعرفتم كيف جازاه الرب . إن الرب رحمــان رحيــم ( يعقوب 4 : 1 ـ 4 ثم 5 : 9 ـ 11 ) . هذه نفس المشكلة التي كانت تواجه الفريسيين ايام المسيح ولا زالت عالقة في اذهان عالمنا هذا اليوم . مشكلة الانسان اليوم لا يعترف بذنبه وكل واحد يدعي بامتلاكه الحقيقة ، ولا يعترف بمساعة الاخر له . وهكذا ينسب البعض بأن الخصومات والحروب والبلايا كلها من الله عقابا للخطأة . لنطلب مع المزمّر من الرب أن يفهمنا معنى الزلات ( مزمور 18 : 13 ) . وأن نعي هذا الواقع الأثيم الموجود في اعماقنا وهذا الاختلال والتجاوز على النظام الالهي ، ولا نعمد مطلقا الى دفع الذنب عن أنفسنا وانتحال الاعذار لتبريرنا ، إخفاء الخطيئة أو تصغير الذنب أو تبرير النفس ، أساليب تضليل يجب تجنبها . لنحاول أن نفهم الخطيئة ونتبع طريق التوبة ، لأن هذا الفهم قد يولّد في الانسان الرغبة ( في التغيير والتحول ) التي تقودنا الى القدرة على التقدم والتطور واكتساب الخلقة الجديدة لعالم افضل . فنفهم آنذاك جواب المسيح لليهود : إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون .
|