كلمة الأب لويس قصاب في ملتقى الميلاد الأدبي الـ (25) المقام في دار مار بولس يوم الجمعة 28 ك1 2007
في ُعتمة الليل وضعت قلبي على الدفتر ..فتّشت بين دفـّاته عن أشيائي المبعثرة على طاولتي وأهمس في آذن أوراقي بأني ما زلت حياً ، وسأنفي هزيمتي فهي لي أنا .. والحلم لي.. وأرض بخديدا لي .. فكان النعاس أول من أتى .. فاغتالني النوم وأنا أحلم بالعام الجديد! أحبائي ... يستوقفني هذا التجمع الجميل وما يحمله من معاني .. إنها فرصة لنا ننتهزها ونلتقي على محبة!.. خجلت من القلم .. لكن ، لا مفرّ ، فالحبر لن يجفّ!.. هذا هو القلم .. خالد في كلماته .. عميق في معانيه .. وجزل في تعابيره .. ويحتاج الكاتب لكي يؤدي رسالته إلى قلب يشعر وعقل يفكر .. وبيان يعبر .. فالكتابة هي تجسيد للأفكار ، لتتفاعل وتتوالد في العقول عبر الأجيال بعد زوال أصحابها .. وكتابة الشعر سرّ لا يفهمها إلاّ رجالها!.. كتابة الشعر هي صورة عن نفسية الكاتب وتفكيره .. ولا بدّ له أن يستوحي معاني الوقائع بشعوره الشفاف ويتفهمهّا بعقله وينساب بسلاسة .. إذا أردت أن تكون شاعرا ً فأذهب إلى لبنان ، إذا أردت أن تتدفق شعراً قف على شواطئ لتسمع خرير دجلة وتتمتع بسلسبيل الفرات !. الشعر ابن القلم .. والقلم مثل سيف المحارب.. وحروب الشعر قصائد من سطور وكلمات .. فالشاعر الحقيقي هو الذي يكتب القصيدة المتميزة وليس الشاعر الذي يجيد الوقوف خلف الميكروفون ليسفـّه الجميع ويمنح نفسه ، دون وجه حق ، أو سمة المجد .. ولكي تكون شاعراً متميزاً ينبغي أن تمتلك قاموسك الخاص .. تذّكروا من القدامى أبا نؤاس والمعّري .. وتذكروا من المعاصرين السيّاب ونزار قّباني.. لستُ في صدد استحضر كالسحرة أرواح شعراء الأمويين بسيوفهم الدمشقية ، ولا لآيات شعراء العباسيين على المدن التي لا تغيب الشمس عنها .. أم هل استدعي شبح سيف صلاح الدين .. إننا نبدو عراة أمام ماضينا ؛.. وأما حاضرنا ،السياب إني مسيحك منذ ألف نبؤة .. صُلبتُ أشم عفونة الكتبة منذ ألف والفريسييّن .. يقتات مسمار الخراب براحتي .. فأقطع صلاتـَك حان وقتُ قيامتي .. وأغفر ، فكلّ جريمتي إيماني بمسيحي ! ما أسعدني وأنا اشرب من خمر الرهبان .. ما أقواني حين أكون صديقاً للحرية والإنسان ، هكذا انشد نزار قبّاني!.. فموتوا أيها الشعراء غداً تأتيكم الجنة ! ليست المرة الأولى التي يصاب فيها العالم بالرشح ، في زمن ، الصحافة ضلّت طريقها:"إذا عضّ كلب إنساناً، فذلك ليس بالخبر الصحفي ،أماّ إذا عض إنسان كلباً فذلك هو الخبر الصحفي"؛ قرأت ذات مرة ، تصريحاً لأحد الشعراء جاء فيه هذا التساؤل الغريب :"لستُ أدري أعلى الناس اضحك ، أم على نفسي"؟ الـُحطيئة الذي اشتهر بالهجاء حتى انه هجا نفسهُ فقد كان قصير القامة .. قبيح المنظر بخيلاً ملحاحاً.. كثر السؤال.. سليط اللسان قال: أرى لك وجهاً شوّه الله خَلقَه فًقبحَّ من وجهٍ وقبِحّ حاملَه وبين ظهرنينا كم نون النسوة برعت : كم من خولة سطعت .. وكم من خنساء تألقت : واليوم كم من أسماء وإيناس وإنهاء ومها .. نون النسوة انتخت ذوداً .. كتبت شعراً فأرادت بذلك تكريماً لها ولقبيلتها وبني جلدتها .. فلو كان النساء مثل هذه وتلك لفضّلت النساء على الرجال شعراً!.. فلا التأنيث لاسم الشمس عيب .. ولا التذكير فخر للهلال! هذه هي الحوّاء : سطعت كالشمس وألهبت الحماس وأججت المشاعر .. وكانت مثار إعجاب تدخل المتعة والارتياح إلى النفس في صحيفة (صوت بخديدا) و (مجلة النواطير) وغيرها ! وبعد كل هذا وذاك .. نغنيّ.. ونغنيّ.. ونرقص طرباً .. تطربنا زمارة الراعي .. وتضحكنا سكينة الذبح على نحورنا .. وتنعشنا رؤية دمائنا مسفوحة .. رأس يوحنا أخر ينتفض على طبق .. هيرودس آخر يفرح بحزّ رؤوس شبابنا .. فهل فهمتم الرسالة يا شباب !.. هؤلاء يريدون منكم أن ترحلوا إلى المجهول .. ذلك سيفرحهم ويحزننا .. قلبي على بلدتي الحبيبة بخديدا .. بخديدا ، سألت عنكِ الشعراء .. مواهب رائعة .. جهود مبذولة من التميّزين. والقلم مثل سيف المحارب ، كلمّا خاض حروباً تثلمّ حدّة فاحتاج أن يشحذ نصلهُ!.. ختاما ً ... نريد للأدب رسالته وعلميته وإبداعه.. وان ينهض المبدعون ليرسموا دورهم الإنساني في صنع الجمال .. وهل تحظى بخديدا / قره قوش وكنيستها بجيل من الكتاب المبدعين مستقبلاً ليخدموا من خلالها بلدتهم في مجالات اختصاصاتهم .. فالموهبة نعمة من الله لكلّ من رعاها ونماها .. فالحياة الجيدة يصنعها الفكر الخلاق .. وكلمّا شاهدنا معرضاُ للكتّاب في قاعة دار ماربولس اكتشفنا ابداعا ً جديد للأدباء الخوديديين تنمي عن قابليات متميزة وطاقات شبابية مبدعة... فتحية للأقلام التي شاركت في صنع هذه الكتب المعبّرة عن الحياة ، التي تبقى في ذاكرة الأيام .. فالثقافة لا تعرف غير الإبداع .
|