كتابات لاهوتية بقلم الاب أنيس شعبو الدومنيكي
قيامة المسيح وقيامة الرسل
... وقام في اليوم الثالث من بين الاموات ...
يقوم الرب يسوع من القبر وبحسب الأناجيل الأربعة يظهر ذاته لتلاميذه الذين احبهم وقاسمهم السنوات الثلاث من حياته العلنية. وفي هذه الظهورات، سواء كانت على المستوى الفردي أم المستوى الجماعي، يأتي الرب الى التلاميذ ويعطيهم ما بوسعهم ان يأخذوه ويقبلوه مثل علامة أو كلام أو برهان او إثبات او وصية أو أمر او معجزة. ومن خلال ما يعطيهم يقدرون ات يتعرفوا عليه. وهدفه في كل الظهورات هوان يزيل كل الشكوك من قلوب التلاميذ يجعلهم ان يؤمنوا بقيامته ويعاينوه بانه حي ويعطيهم الفرح. [ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه.ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب] يو 20:20
يجب ان لا ننسى بأن هؤلاء التلاميذ أصابهم الذعر والخوف من جراء اعتقال وصلب وموت المسيح سيدهم ومخلصهم وقائدهم الروحي، بضعة أيام قبل القيامة. وقاسوا الكثير من الحزن والتشتت الجسدي والنفسي وألم الضياع الروحي. فكانت مسألة القيامة لهم وعودة المسيح الحي موضوع شك عميق، ولا يمكن الإيمان به بسهولة. [حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكّون فيّ في هذه الليلة لانه مكتوب اني اضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية.] مت 26: 31
ومن دون الايمان لا يمكننا ان نفهم شيئا من الله ولا ان نقبل بسر من اسرار الله. ومثال توما الرسول الذي لا يؤمن بالقيامة الا بعد الرؤية واللمس مثال الواقعية والمادية البحتة التي قد نصادفها في كل يوم ، يو 20: 24. وبدون الايمان تبقى القيامة في حكم كل إنسان مسألة مستحيلة ولا داعي للنقاش فيها، لأن العقل البشري لا يقبلها ولا يقدر ان يبرهنها وهذا ما حصل لبولس الرسول في اثينا. اع 17. ولهذا السبب القوي -المستحيل البشري- يأتي يسوع المسيح القائم من القبر ويبحث عن تلاميذه المشتتين والمثقلين بالحزن وخيبة الأمل. ويأخذ الرب المبادرة على عاتقه لكي يكسر حائط الشك والريـــبة ويخلق في قلوب التلاميذ الأيمان والفرح الإلهي ويقيمهم من موتهم النفسي والروحي ويقلعهم من حالة المستحيل التي تسيطر على البشر. [لانه لا شيء مستحيل لدى الله] لو 1: 37. وبهذا المعنى يكون اول هدف الظهورات هو زرع الايمان في نفوس التلاميذ من خلال تحطيم مبدأ المستحيل عند البشر وانفتاح قلوبهم على جبروت الله وقدرته وعدالته وانتصاره على الموت والشر والألم.
كانت المهمة الأولى ليسوع القائم من القبرهي قيامة تلاميذه الذين حطمهم موته على الصليب. وقيامة التلاميذ هي بالحقيقة أولى الثمار والنتائج لقيامة الرب يسوع المسيح وهي في ذات الوقت الدليل التاريخي الوحيد لقيامة الرب يسوع ! اذ ان قيامة يسوع المسيح لا يمكن لاحد ان يبرهنها علميا ولا تأريخيا لانها لا تقع في حيز التاريخ بل في مجال الله والله ليس موضوعا علميا. لكن قيامة التلاميذ هو موضوع تاريخي حقيقي يمكن لنا اثباته وتفحصه وعلينا الاقرار به. وهكذا يقيم القائم من القبر تلاميذه في اول يوم القيامة بالايمان ويعطيهم نفحة الحياة الإلهية وبالنتيجة ينال هؤلاء التلاميذ ديناميكية جديدة وبعثا حقيقيا وروحا حية من جراء لقاءهم مع القائم من القبر. ولهذا السبب سيكون التلاميذ شهود القيامة في اورشليم واليهودية والسامرة واقاصي الارض. لا فقط لانهم رأوا وشاهدوا المسيح القائم بل لان المسيح أقامهم من موتهم الشخصي فعلا وبعث فيهم الحياة الجديدة. وسيشهدون للرب المسيح القائم من القبر بانه لم ينتصر فقط على الموت الجسدي بل انتصر أيضا على موتهم الروحي والنفسي في شخصهم وفي شخص البشرية جمعاء. ان القائم من القبر يجعل قيامته تسري في شرايين وعروق التلاميذ الذين احبهم واحبوه وآمنوا به وكرسوا حياتهم له ولبشرى الخلاص. وهذه الحقيقة لها قيمتها الكبيرة اذ ان يسوع الذي اعطى جسده ودمه للتلاميذ في العشاء السري في فعل المحبة الفائق كل ادراك، يعطي في اول يوم لقيامته القيامة ايضا لهؤلاء التلاميذ بذات المحبة. وبهذا لا يُبقي الرب شيئا لا ويقاسمه مع احبته. هذا هو الرب الذي يبذل حياته من اجل البشر احبته. ومن خلال الكنيسة المؤمنة والشاهدة لموت وقيامة المسيح لا يزال القائم من القبر يخلق البشرية الجديدة في كل يوم بالإيمان من اجل الخلاص. فيسوع المسيح لم يأت الا من اجل خلاص البشر بشرط ان يقبلوا هذا الخلاص بالايمان باسم يسوع المسيح [لانه لم يرسل الله ابنه الى العالم ليدين العالم بل ليخلّص به العالم. الذي يؤمن به يخلص والذي لا يؤمن قد دين لانه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد.]يو3: 17ـ18. ولكن هناك الكثيرون الذين لا يقبلوا المسيح ولا يؤمنون بأسمه من هنا يأتي عمل الله في كنيسته التي اودع فيها البشرى الخلاصية. فهي موجبة للقيام بالمهمة التي اعطاها الرب اياها من خلال الرسل الا وهي تكريس الذات من اجا نقل وايصال البشرى الى قلوب البشر. ولا يزال الرب ينتصر على الشر الكامن في الإلحاد وفي عناد الإنسان المنغلق على نفسه والمسجون في زنزانات العقائد المادية والبدع المهلكة والمدمرة للإنسانية. فينتصر الله على خطيئة البشربعدالته وبغفرانه لهم وينتصر الله على الموت بالحياة التي يهبها لكل مَن يريد وينتصر الله على التقهقر والاحباط الانساني بالرجاء والايمان الذي يبثهما في نفوس البشر. [مكتوب اما البار فبالايمان يحيا] رو 1: 17
وبما ان يسوع القائم من القبر هو الله بذاته والباحث عن الإنسان وعن خلاصه فهو ايضا المعطي ايمانا وحياة وقيامة وفرحا وبهجة للكل المؤمنين باسمه. ولهذا السبب لا يوجد انسان آمن بيسوع المسيح وخاب ظنه ولا يوجد أحد من البشر وضع ثقته بالمسيح بحق وهبطت عزيمته لان الرب يسوع هو الاله المنتصر على كل أشكال الموت والاحباط التي تقوض طريق الحياة الإلهية والروحية أمام البشر! فمن يثبت في المسيح وحتى في الالام لا يخسر شيئا لان المسيح ثابت فيه ومعه. وفي المسيح تكمن الحياة الابدية المنتصرة على الموت دائما. [الحق الحق اقول لكم ان من يسمع كلامي ويؤمن بالذي ارسلني فله حياة ابدية ولا يأتي الى دينونة بل قد انتقل من الموت الى الحياة] يو24:5 فيسوع المسيح هو رب المستحيل للذين يقبلونه ويحبونه ويمجدون اسمه وهو صانع الخليقة الجديدة بقيامته من بين الأموات.[ انا قد غلبت العالم] يو 33:16.
|