أحتفالية القيامة على الانترنت المحاضرة
الكرة الارضية نيسان 2006
منتديات بخديدا |
المحاضرة الشهرية بمناسبة اسبوع الآلام كتب : الدكتور باسل بهنام اقامت رعية مار يوسف للسريان الكاثوليك في تورنتو محاضرة قيّمة ، تفضّل بها الدكتور أمير حراق وحضرها عدد كبير من أبناءالرعية والأصدقاء يتقدّمهم كاهن الرعية الأب يوسف عبا حيث وصل الحضور الى ما يقارب ( 120 ) شخصا .
التوبـة بمعنى الشفاء في التراث السرياني الدكتور أمير حراق 1. يسوع الطبيب في التعامل مع الخطيئة والتوبة المتطلبة من مرتكبيها، يتميز الأدب السرياني الروحي بأرقى المشاعر الانسانية، فأحد ألقاب يسوع في هذا التراث هو الطبيب الحكيم (أوسيو حاكيمو) والطبيب الصالح (اوسيو طوبو). يرقى هذا اللقب الى القرن الرابع إن لم يكن الى ما قبله ونجده دوما في صلوات الليتورجيا وكتابات الآباء عبر العصور. هنا يسوع دوما "الطبيب" الذي أتى ليشفي البشر من "أمراض الخطيئة". ونجد أجمل وصف ليسوع الطبيب وطرق مداواتة في الرسالة التي وضعت على فم ملك مملكة الرها (مهد المسيحية المشرقية وآدابها) أبجر أوكاما (أي الاسوَد) في بداية القرن الخامس. الرسالة المعنونة الى يسوع تقول: "أبجر الأسود الى يسوع الطبيب الصالح الذي ظهر في نواحي اورشليم، سيدي سلام: سمعت عنك وعن اشفيتك فانك لا تشفي بالأدوية او بالعقاقير ولكن بكلمتك يبصر العميان ويسير المقعدون ويطهر البرص ويسمع الصم وبكلمتك تشفي من الارواح والصرع وكذلك المعذبين وحتى تقيم الموتى ... لذلك اكتب إليك راجيا ان تأتي فتشفي مرضي ...
وعلى خطى يسوع الطبيب العظيم، رسله وتلاميذه هم أيضا أطباء مهمتهم معالجة البشر لجلبهم الى الحياة. فأعمال مار توما (القرن الثالث) تقول عن توما الرسول "الطبيب الذي يشفي أمراض الجسد والروح". وفي تعاليم أدي الرسول (القرن الخامس) يقول هذا القديس: "أنا لست بالطبيب العادي لكن تلميذ يسوع المسيح طبيب الأنفس المريضة". ولو تصفحنا أعمال مار ماري (بداية القرن السابع) الذي بشّر العراق بالمسيحية في نهاية القرن الأول، نرى أن أكثر معجزاته هي شفاء المرضى وخاصة الأطفال منهم. وبعد كل معجزة ينعته الناس "بالطبيب الحاذق" ويردّ بأنه تلميذ يسوع (الطبيب) لا غير. 2. الخطيئة مرض يعتبر الآباء السريان الخطيئة (أصلية أم شخصية) مرضا يجب معالجته. افراهاط (القرن الرابع) كتب بأن الخطايا هي جراح سببها الشيطان. وفي الفنقيث تنعت صلوات أول أسبوع من الصوم يسوع بذاك "الطبيب الحاذق الذي أعدّ لمرضى الخطيئة أحسن العلاج وهو التوبة" والذي استخدم الصوم والصلاة كوسيلة لتضميد "الجراحات والتقرحات التي تؤلم بشريتنا بسبب الخطيئة الأولى المسيطرة علينا". أما نصوص الأناجيل السريانية فتترجم عبارة "السقوط في الخطيئة" في النص اليوناني بعبارة " السقوط بالمرض" . 3. الأدوية الناجعة في عملية شفاء المرضى يقدّم رسل يسوع وتلاميذه الدواء العجائبي وهو الماء الممزوج بالزيت. يرجع استخدام الزيت في مداواة المرضى الى رسالة القديس يعقوب 5 : 14 حيث يقول: "هل فيكم مريض؟ فليدع شيوخ الكنيسة وليصلوا عليه بعد أن يمسحوه بالزيت باسم الرب". تسترسل أعمال مار توما (القرن الثالث) في وصف الزيت فتقول بأنه "يحتوي على قوّة خفية متأتية من المخلّص بامكانها أن تشفي القراح القديمة ومعالجة الضعف". وتضيف الأعمال بأن الزيت ما هو إلا "اسم المسيح" حيث تربط كلمة الزيت السريانية (مشحو) باسم المسيح السرياني (مشيحو). لذا فالزيت-الدواء مرتبط بيسوع-الطبيب. طبعا للماء والزيت قيمة قدسية واضحة فهما مادتا العماذ وما العماذ في التراث السرياني سوى "الحياة" بالذات. فإذ يُدهن المعمَذ بالزيت تسمّى هذه العملية (روشمو) أي (الرسم) واسم العماذ بالسريانية هو (روشمو دحايي) أي "رسم الحياة"، تلك الحياة التي يهبها المسيح الطبيب الشافي لمن شوههم مرض الخطيئة. فالعماذ إذن هو الدواء والشفاء معا . لكن لا يكفي العماذ وحده كوسيلة للشفاء لأن العماذ لا يكتمل الا بالافخارستيا. تقول أعمال ماري بأنه كلما شفى هذا القديس المرضى بالعماذ بنى لهم كنائس وعيّن لهم كهنة وشمامسة، وما دور هؤلاء سوى إقامة الافخارستيا التي هي استمرارية العماذ. للافخارستيا اذا بعد اكبر من مجرد تطبيق الوصية "احفظ يوم الرب" بالاشتراك فيها فهي شريكة المعموذية في دورها الشفائي. في القرون العابرة، كان مرشحو العماذ يتعمذون خلال الافخارستيا. أما تلاميذ العماذ فكانوا يشتركون في صلوات القداس الى ما قبل الكلام الجوهري ثم يغادروا الكنيسة منذ ذلك الحين لأن الاشتراك بالافخارستيا كان للمعمذين فقط. ذلك لأن الافخارستيا هي أيضا تجديد مواعيد المعموذية ففي المسيحية يوجد عماذ واحد ولا مجال لعماذات متكررة للفرد (كما هو الحال لدى الصابئة). للأسف تقوم العماذات حاليا خارج نطاق الافخارستيا بينما العماذ والافخارستيا متكاملان. وكأثر من التقليد السرياني لأقامة العماذ ضمن الافخارستيا، يقوم الاشبين حاليا في الدوران حول المذبح ثلاث مرات حاملا المعمّذ بين ذراعيه وكأني به يشركه بالذبيحة التي على المذبح. 4. دور الزيت في الليتورجيا تقول أعمال مار توما الرسول بأن في الزيت المقدس شيء من قوّة المسيح ومن له هذه القوّة فمعه الشفاء والحياة. لذا فاستخدام الزيت في طقوسنا له ابعاده "الطبية" كما سنرى: طقس العماد تقول احدى الصلوات: إننا نقدّم لكثرة مراحمك عطر هذا البخور من أجل عبدك (فلان) الذي تأهب للعماذ المقدس لكي يوسم بك للحياة. رتبة المسامحة (يوم الاثنين من الصوم) عندما يدهَن جبينُ المؤمن يقول الكاهن: "ليؤهلك الرب لاقتبال الغفران والنعمة". أما الشفاء، فهذا ما تشير اليه هذه الصلاة الجميلة التي تنشد في هذه الرتبة: "أنت يا ربنا انظر الى ضعفي فقد اخطأت كثيرا وأغضبتك. لا أدري الى من التجأ ! أتيت الى الأطباء وأكملوا فيّ ضماداتهم لكن المرض مرير وما له مشاف. سمعت انك طبيب صالح ولك العديد من الأدوية ومن يأتي اليك يتلقى المساعدات، فبحبّ الآب والدك وبصلاة تلك التي ولدتك هاليلويا أغفر لي خطاياي!" مشحة المرضى مظلومة هي هذه الرتبة الرائعة إذ يعتبرها الناس (لجهلهم الليتورجيا) ناقوس الخطر وعلامة الموت الآتي بينما هي رتبة "يمشح" خلالها الكاهنُ المريضَ ليعطيه شيئا من قوة المسيح (كما تقول أعمال مار توما) ليتعافى ! فمشحة المرضى ليست رتبة الموت بل رتبة الحياة ففي المسيحية لا يوجد "سر الموت" بل كل أسرارها هدفها منح الحياة للخاطىء المريض. هذا ما تقوله هذه الصلاة التي تتلى في رتبة مسحة المرضى للمريض ولو منازعا: "بهذا الزيت المقدس، ستشفى من أمراضك وتغفر لك خطاياك العلنية والمخفية وتطرد منك كل الأفكار الشريرة باسم الآب والأبن والروح القدس". وهذه الأخرى تتضرع: "يا ربنا والهنا يسوع المسيح اننا نضع يدنا على عبدك (فلان) مبتهلين الى رحمتك الغزيرة أن تقبل توبته وتغفر له خطاياه وتمنحه الشفاء التام لأنك انت طبيب الأنفس والأجساد الذي أرسل من الآب الأزلي لأجل خلاصنا". 5. التوبة بمعنى الشفاء كم من مرّة ندعو يسوع في الليتورجيا: يا طبيب الأنفس والأجساد ! مليئة هي الليتورجيا بتضرعات التائب لهذا الطبيب الأعظم كي "يشفي الجراحات والتقرحات التي تؤلم بشريتنا بسبب الخطيئة الاولى"، فدور الطبيب الالهي المداواة ودور الخاطىء تقبل الدواء في انتظار العافية. موقف المسيحية السريانية تجاه التوبة يختلف بشيء من موقف الكنائس اليونانية واللاتينية حيث أن الخاطيء هنا كثيرا ما "يعاقب" ليرجع الى الحياة. ربما يظهر الفرق بين المسيحية الشرقية والمسيحية الغربية في هذا المجال في رسالة ابجر ليسوع والتي أشرنا اليها أعلاه. ففي النص السرياني يدعو ابجرُ يسوعَ "الطبيب الصالح" بينما في الترجمة اليونانية التي أدرجها يوسيبيوس (القرن الرابع) في كتابه تاريخ الكنيسة يدعوه الملكُ بـ "المخلّص". بكلمة، ينظر التراث السرياني الى التوبة من زاوية انسانية ـ علاجية بينما ينظر التراث اليوناني واللاتيني الى التوبة من زاوية قانونية وشيئا ما عقابية.
|