احتفالية القيامة على الانترنت المقالة 1
التسامح في فترة الصوم القـس: يوسف عبّـا تورنتو ـ كنـــدا بمناسبة الصوم الكبير ( الاثنين 27 شباط 2006 ) كلمة التسامح .. بسيطة اللفظ ، غنية بالمعاني ... طعمها لذيذ ومذاقها عذب ، تطيب الخاطر وتريح النفس . ما أشهاها حين تطرق مسامعنا ويلهج بها لساننا عشرات المرات يوميا ... EXECUSE ME وكثيرا ما تبقى على الشفاه..!! ولا تدخل الى القلب لتعطيه الراحة والطمأنينة . نعيش اليوم في عالم غزاه الحقد والعداء ، العنف والارهاب ناهيك عن الصراعات والنزاعات الدامية التي تشهدها الساحة الدولية . بحيث أصبحت الخلافات والانقسامات الخبز اليومي لواقع حقيقي تعيشه المجتمعات والدول وتعاني منه شعوب الكرة الأرضية ، وخاصة ما نسمعه اليوم ونشاهده ونقرأه من خلال الوسائل الاعلامية ، اذا كان في الصحف أو من على شاشات التلفزة عبر القنوات الفضائية وما تحمله الينا من هول المخاطر التي تهدد البشرية جمعاء ابتداء من سباق التسلّح النووي الى ما يسمونه بصراع الحضارات مرورا بالاساءة الى المشاعر الدينية للشعوب باستهداف مقدساتهم (تفجير المساجد والكنائس) والتطاول على رموزهم المقدسة ، بالاضافة الى تفكك وتمزّق وتشتت العائلات من الأسرة الواحدة في المجتمعات العلمانية تؤدي كلها الى نتائج وخيمة ومرعبة على المجتمع البشري . واسمح لنفسي فاقول كما في مجتمعاتنا الغربية هنا كذلك في الشرق : أهلنا يتخاصمون ، يعيشون الأنانية ، أصدقاء يتباعدون وينقلبون أعداء ، أعرف أزواجا بينهم صحراء من الصمت والجفاء والعناد .. أعرف اخوة تمزّقهم خلافات يندى لها الجبين .. أعرف جيرانا تنهش قلوبهم الخصومة .. أعرف طوائف وعشائر ، قبائل وعائلات من شعب واحد ، ومن وطن واحد وبعضهم من دين واحد ومذهب واحد تفرّقهم نزاعات بسبب أطماع مادية ومكاسب سياسية عقيمة يذهب فيها يوميا عشرات الضحايا من الأبرياء كما هو الحال في بلدنا العزيز ( العراق ) وفي كثير من الدول المغلوبة على أمرها . لا ابالغ إذا قلت بأن العلاقات الانسانية والحفاظ على سلامتها أصبحت من أصعب الأمور التي تواجه المجتمع البشري . السلام أمسى مجرد أنشودة يتغنى بها الجميع ، أما الوفاق فتوارى بعيدا عن الأنظار والأحلام . لا نستغرب من هذا كله .. الكل يعلم ما دامت المصالح والأطماع الدولية وسياسة القوة وفلسفة : " فرّق تسد " التي تنتهجها الدول المهيمنة على العالم تتحكّم في مصير الشعوب سوف لا يكون استقرار ولا أمان ولا سلام تنعم به البشرية . البشرية جمعاء مدعوة اليوم الى مراجعة الذات وضبط النفس حيال ما يجري من أحداث دامية واضطرابات مفزعة تقودنا الى الدمار الشامل .. علينا جميعا التحلي بالصبر والتسلّح لا باسلحة الدمار الشامل والقنابل الجرثومية والصواريخ المدمرة والعابرة القارات وكأننا نعيش على حافة سكين ، لكن علينا أن نتسلّح بسلاح الأخوة والمحبة والتسامح والرجوع الى تعاليم يسوع الذي علّمنا بأن أساس التعايش السلمي بين البشر هو الاصغاء الى نداء الحب الذي دعانا اليه حيث قال : وصيتي أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم .. ( يوحنا 13 : 34 ) يوم الاثنين القادم المصادف 27 شباط يبدأ الصوم الكبير وفترة الصوم هي أصلا : نداء حب يدعونا الله أبونا والكنيسة أمنا الى التوبة ( رومية 2 : 4 ) والتوبة أصلا تعني العودة الى الله الى طريق الخير والصلاح بعملية تغيير حقيقي عن طريق التحرر المخلص الجاد من كل قيد يستبعد الانسان ويعرقل مسيرته نحو الله أو يبعده عنه . وهذا التحرر يجب أن ترافقه ممارسات ملموسة فيشمل آفاقا لا حدود لها في الممارسة الفعلية في عملية تحرير شاملة مثلا : التحرر من الغنى المادي .. من روح التسلّط على الغير ، من غزيرة العنف ومن كل أشكال الأنانية الفردية والجماعية ، ويحل محلّها قيم ايجابية أبرزها : مقاسمة الغير بالعلم والثقافة والحياة الروحية وبما نملكه من مواهب وعطايا معنوية كانت أم مادية . إن هذه المشاركة تجعلنا نلتقي باخوتنا البشر وتساعدنا على التخلص من قيود أنانيتنا الضيقة فضلا عن انها تدفعنا الى ان ننفتح على الآخرين ونرى فيهم امتدادا لشخصيتنا ، اخوة وأخوات وتحملنا على اكتشاف اننا أبناء الله وورثة الله وشركاء المسيح في الميراث ( رومة 8 : 17 ). كفانا من رفع شعارات التفرقة العنصرية والعرقية والدينية ، كفانا تمزقا وتشتتا واراقة الدماء علينا برفع شعار ( حوار الحضارات بدل صراع الحضارات ) وليكن هدفنا محاربة كل ما يفرّقنا ويمزقنا ، بتفاهم وحوار وتسامح وغفران وأن لا يكون بيننا من بعد هذا اليوم خصام مع أحد فنتذكّر مقولة القديس بولس : كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض شفوقين متسامحين كما سامحكم الله ايضا في المسيح ( افسس 4 : 32 ) . ألم يعلمنا الرب يسوع أن نحب اعداءنا ونحسن الى مبغضينا ونبارك لاعنينا ونصلي لأجل الذين يسيئون الينا ( لوقا 6 : 27 ) هذه هي الطريقة الالهية التي شقها لنا المسيح بنفسه وسار فيها مقداما . إن كان الله رغم شرورنا وعصياننا وتمرّدنا قد عاملنا بالرحمة والمسامحة كما يقول القديس بولس: إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه ( رومية 5 : 10 ) فلا عذر لنا البتة ان كنا لا نصالح الآخرين مهما كان السبب . ما أحوجنا اليوم الى عيش الصفح والغفران في حياتنا ونتذكّر دائما ، أن الله احبنا كما نحن ، ضعفاء ، خطأة فمنحنا المغفرة رصيدا من المحبة وبلسما وقائيا ... أغفر لنا ذنوبنا وخطايانا كما نحن نغفر لمن أخطأ وأساء الينا ... سبعين مرة سبع مرات مدعوون الى الغفران قال لمار بطرس . أعني الغفران والمسامحة الى اقصى حد ، حتى الموت . كما فعل المسيح على الصليب : يا ابت إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ( لوقا 23 : 34 ) . في فترة الصوم هذه ... فترة التقرب الى الله والى القريب ، علينا أن نرحم ونشفق ونسامح ونتصالح مع الجميع وبدون استثناء ونظهر محبتنا للمسيئين الينا عن طريق غفراننا لهم غفرانا فعليا ليس بالكلام بل بالعمل والحق ، حينذاك تتوحد كلمتنا ويغمر قلبا فرحا وطمانينة فنعيش مع اخوتنا بالسلام والطمأنينة ، فيكون صيامنا مقبولا ومرضيا عند الله ونستعد لاستقبال الفصح بوجوه نيّرة ونلتقي بالرب القائم من القبر بالفرح والبهجة .
|